وحدها... وداد طه (صفحة الآداب - فيسبوك)

جريدة صيدونيانيوز.نت / وحدها... وداد طه

جريدة صيدونيانيوز.نت / أخبار صيدا / وحدها... وداد  طه 

وداد طه
25.12.18
قصة قصيرة
المصدر: موقع الآداب / فيسبوك

على رصيفها المتآكل تجلس وحدها، بأغراضها الكثيرة والعتيقة، تلهو غيرَ عابئةٍ بالعابرين أو الزمن. لها شاربان كثّان، وصدرٌ عارم. مخيفةٌ حدّ الوجع، ووادعةٌ كلوْحة في متحف. لاحظتُ وجودها منذ سنوات. كان أطفال يلاحقونها كلعنة، وهي تهرب. وحين تدخّل أحدُهم ومنعهم عنها، وقفتْ جانبًا، وأمسكتْ طرفَ عباءتها المزركشة بكلّ الألوان، ومسحتْ عينها. فحار سؤال فيّ: هل يبكي المجانين؟

 بحثتُ عنها بشكلٍ لاإراديّ في طريقي إلى المنزل ومنه. رغبتُ في أن أكلّمها، أن أجلس بجوارها على الرصيف، وأجرّبَ عزلةً عن عالمٍ موغلٍ في خوفه وانكساره وغروره. لم أملك يومًا شجاعةَ أن أدعوها إلى كزدورةٍ في السيّارة، ولم أجلبْ لها ما تتدفّأ به تحت زخّات المطر وهي تجلس تحتها كأنّها لا تشعر بها. كأنّ البرد افتراض، أو كأنّها بنتُ الصقيع والثلج.

هي إضافة لونيّة إلى الشارع، بل إلى المدينة البلهاء. تلهو على طرف الرصيف آمنةً على الرغم من الخوف، وادعةً رغم لامبالاة الجميع، ضاحكةً مع قلبها الصغير، غيرَ منتظرة شيئًا، مستسلمةً لجنونها الآسر.

وفي إحدى ليالي الشتاء، اقتربتُ منها. نظرتْ إليّ، ثمّ عادت إلى ألعابها. ترجّلتُ من سيّارتي. جلستُ قربها. ناولتني لعبة. كانت قد دسّت في كيس قماش نتفًا من اسفنج، وقطع حلوى، وأكياس بسكويت فارغة، وحجارة صغيرة. أمسكتُ الكيس ورحتُ أقلّبه كما كانت تفعل. وجدتُني أنساق مع اللعبة، فصرتُ أقلّبها باستمتاع. ناولتُها مفتاحَ سيّارتي. تضاحكنا، والهواء يتماوج مع ضحكاتنا.

بعد قليل قامت من مكانها. ودّعتني. أدارت محرّكَ السّيّارة، وتركتني لاهيةً مع لعبتي.

صيدا - لبنان

2018-12-30

دلالات: