الرئيسية / المرأة والمجتمع /أقلام ومقالات /في زمن المتغيرات المتسارعة.. كيف هو شكل بر الوالدين الذي يراه الجيل الشاب؟

اختصاصية علم الاجتماع نادية سابا ترى أن ظواهر العقوق تبدأ من المشاكل الأسرية بين الوالدين (الجزيرة)

جريدة صيدونيانيوز.نت / في زمن المتغيرات المتسارعة.. كيف هو شكل بر الوالدين الذي يراه الجيل الشاب؟

صيدونيانيوز.نت/ أقلام ومقالات / 

في زمن المتغيرات المتسارعة.. كيف هو شكل بر الوالدين الذي يراه الجيل الشاب؟

بر الوالدين أحد أسمى التعاليم الإسلامية والإنسانية، والأهل هم القدوة لأولادهم وعليهم معرفة كيفية التعامل مع الولد في الصغر كي لا يكون عاقا في الكبر

يجادل المراهقون والمراهقات والديهم بلا توقف، وقد أخفقت هذه الظاهرة حتى تحول بر الوالدين إلى صراع بين الأبناء والأولياء.

فاحترام الوالدين وحسن التعامل معهما قيم إنسانية أخلاقية بالدرجة الأولى، ولها أهمية خاصة لدى المجتمعات العربية والإسلامية، حيث تعد هذه القيم من اللبنات الأساسية في التربية والتعليم.

ويعتبر بر الوالدين في الدين الإسلامي أولوية، لقوله سبحانه وتعالى "وَقَضَىٰ رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوٓاْ إِلَّآ إِيَّاهُ وَبِٱلْوَٰلِدَيْنِ إِحْسَٰنًا"، فقد قرن الله بر الوالدين بعبادته، وهذا دليل على عظمة وأهمية بر الوالدين والإحسان إليهما.

فما أسباب هذا التحول المجتمعي؟ هل قصّر الآباء في التربية؟ هل هو تأثير مواقع التواصل الاجتماعي؟  هل انتشار الأجهزة الذكية جعلت هذا الجيل غير مكترث بأهله؟ كيف يتعامل الجيل الجديد مع والديه خصوصا في فترة المراهقة؟ تستعرض الجزيرة نت آراء بعض الشباب عن هذا الموضوع، فماذا قالوا؟

غياب احترام الآباء

يعتبر باقر الطفيلي (17 عاما) أن غياب احترام الآباء أصبح ظاهرة منتشرة، وخاصة لدى المراهقين المتمردين الرافضين للانصياع لأوامرهم، فهو يتذكر صديقه السابق الذي كان يسيء معاملة والديه ويصرخ في وجه أمه رغم أنه كان مدللا جدا لديهما.

وهذا الأمر جعل باقر غير راغب باستمرار هذه الصداقة، لأنه تربى في منزل يملؤه الحب والتقدير والحنان والصراحة والوضوح منذ الصغر وإعطاء فرصة للاعتماد على النفس والاحترام المتبادل بين الطرفين مع عدم التقليل من شأن الآخر، إلى جانب المحافظة على القيم الدينية والأخلاقية.

 

مفهوم بر الوالدين

نشأ وتربى عبد الصمد البداوي (21 عاما) على مفهوم بر الوالدين، لأن من أراد أن يبرّه أولاده في حياته وعند كبره فليكن بارّا بأبويه الآن ومحسنا إليهما. فكما تزرع تحصد -بحسب البداوي- وكما تدين تدان، والجزاء من جنس العمل، وهل جزاء الإحسان إلا الإحسان؟!، فمن برَّ أباه وأمه برَّه ولده وابن ولده.

يقول عبد الصمد لقد صحّ في السلف الصالح أن البرَّ يزيد في العمر ويعطي البركة في الرزق، مؤكدا أنه يجب عدم إظهار التأفف للوالدين بل يجب أن تقول لهما قولا كريما، ويجب عدم التذمر لمطالبهما.

ويوضح عبد الصمد أنه مهما حصل من الوالدين يجب عدم عقوقهما، لأن ما يبدر منهما تجاه أبنائهم وبناتهم يكون في الغالب بدافع الشفقة والرحمة والخوف، وهذه الأمور -وفق عبد الصمد- قد لا يعيها الأبناء والبنات في الصغر، ولكن عندما يكبرون ويعون الحياة جيدا يتبين لهم فضل الوالدين وأسباب ذلك المنع والخوف والقسوة والشدة التي تبدر منهم ونحن صغار السن.

لا يشعر بالذنب تجاه تصرفاته مع والديه

"د. ي" (19 عاما) كان له رأي مغاير، فهو ليس مهتما بإظهار الإحسان أو العطف لأهله، كما أنه ليس مقربا إليهما، والخلافات بينهم كثيرة لدرجة فقدان التواصل والمحبة، فالعلاقة فاترة وهو غير متشجع لتغيير هذا الأمر، لأنه مقتنع بأنه بنظرهما سيئ السلوك ويحتد ويصفق الأبواب ويتمرد على كل شيء، ولا يعجبه ما يفرضانه عليه، وحتى إنه ينتقد الطعام الذي تعده والدته، ولا يرغب بالإصغاء إليهما والانتباه لكلامهما الممل، وفق وصفه.

ويؤكد ياغي أنه محق في قراره ولا يشعر بالذنب لتصرفاته مع والديه، لأن نمط تفكيره مختلف تماما عن نمط تفكيرهما التقليدي غير القابل للنقاش. ويتمنى أن يجد عملا ليسكن بمفرده ويتصرف بحريته بدون قيود، وفق قوله.

الهروب إلى مواقع التواصل

"ك. د" (18 عاما)، سئمتْ وتأففت من أوامر أهلها ومن طلبهما المستمر أن تجلس معهما بأدب، وهي ترفض بشدة هذا الأمر، ولا ترغب بالتودد لهما أو طاعة أوامرهما، لأن ذلك يشعرها بالتوتر وعدم الراحة والضجر.

وهي تفضل الجلوس وحدها في غرفتها ومتابعة أخبار صديقاتها على مواقع التواصل الاجتماعي لتتخلص من تذمرهما الدائم تجاه تصرفاتها التي تجدها هي طبيعية.

حلول لمعالجة هذه الظاهرة

عرضت الجزيرة نت قضية بر الوالدين لدى شباب اليوم على عدد من ذوي الاختصاص وأهل الرأي، فماذا قالوا لمعالجة هذه الظاهرة؟

احترام الوالدين يجب أن ينشأ عليه الأبناء من الصغر حتى تكتمل مسيرة الحياة الاجتماعية -كما تقول الاختصاصية في علم الاجتماع نادية سابا- وفق التوجيهات السماوية، وحتى يسود الاستقرار النفسي عند الوالدين والأولاد ويلمس أثره في الحياة الاجتماعية، وخاصة في المجتمع المسلم.

تحديات الحياة المعاصرة

تضيف نادية سابا أنه على الآباء تعليم الأبناء أن صور الحياة تتغير ولكن القيم ثابتة، فالصغير يتعلم غالبا من المشاهدة أكثر من التعليم بالتوجيه، فإذا شاهد والديه يهتمان ويعتنيان بوالديهم يتأصل البر لديه، وبهذا يحافَظ على الأصول الربانية مع اختلاف الأجيال.

وتنوه نادية سابا إلى واجب التربية المبكرة على تحمل المسؤولية ومواجهة مطالب وتحديات الحياة المعاصرة بكفاءة واقتدار، والذي فرضه واقع الحياة الحديثة، وما تمر به المنطقة العربية من ظروف استثنائية يتطلب نوعا ومستوى معينا من الأبناء القادرين على المحافظة على الحد الأدنى من الحياة والعيش الحر الكريم.

وتلفت إلى أن أهم ظواهر العقوق يبدأ من المشاكل الأسرية بين الوالدين وغياب الاستقرار الأسري وضعف -وربما فساد- البيئة التربوية الحاضنة.

فضلا عن الأخطاء التربوية المتكررة من الوالدين نتيجة لضعف وغياب التأهيل التربوي اللازم للوالدين وإصرارهما على فرض أفكارهما، ومنها: السيطرة، والشدة، والوعظ والتوبيخ، وغياب الحوار، وتباين التفكير والمفاهيم. وكلها تساهم باتساع الفجوة بين الوالدين والأبناء، بحسب اختصاصية علم الاجتماع نادية سابا.

انشقاق عاطفي بين الآباء والأبناء

تشير المرشدة الأسرية أولغا مادويان إلى أنه ولد في زمن المتغيرات المتسارعة الحديثة بالمجتمع انشقاق عاطفي بين الأبناء وآبائهم، فلم يعد للآباء (الأم والأب) وقت للجلوس مع أبنائهم وزرع قيمة البر في نفوسهم، وعندما يكبر الأبناء تبدأ علامات العقوق بالظهور، منبهة إلى أن عقوق النظرات هي في البدايات، ثم يأتي عقوق الألفاظ، ويُختتم بعقوق الأفعال.

وترى مادويان أن ثورة التقنيات والتواصل غيّرت الأخلاق والسلوك، وأدت إلى انهيار العلاقات الاجتماعية نتيجة للاستخدام السيئ لها من قبل شريحة كبيرة من المجتمع، وخاصة فئة الشباب من الجنسين، فيصبح الشخص منغلقا على نفسه ولا يجد الوقت الكافي لمعرفة أحوال والديه، فيكتفي بالسؤال عنهما عن طريق الجوال أو الإنترنت.

وتبين المرشدة الأسرية أولغا أن ذلك أفرز مشكلات وصراعات نفسية في شبكة العلاقات الاجتماعية بين أفراد الأسرة الواحدة، وبسبب التغيرات الحديثة وما فيها من سيل متدفق من المعلومات والأخبار والمعارف والصور والمقاطع.

فعقليات شباب اليوم -بعيدا عن والديهم وأسرهم ومعلميهم- غلب عليها التمرد والتطرف والانعزالية والانطواء وتثاقل الجلوس مع الأسرة، والسخط من كل شيء، وفق المرشدة أولغا.

علموا أولادكم البر

تبدأ الداعية الإسلامية الحاجة ثريا عرفات حديثها للجزيرة نت بقول الله تعالى "يَا أَيُّهَا الَّذينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا"، وتستمر الداعية بالقول كيف تكون الوقاية من النار إلا بتعلم الدين، واختيار الزوجة الصالحة من أجل تربية صحيحة للأولاد، فالأهل هم قدوة لأولادهم.

وتضيف الحاجة ثريا أن النبي صلى الله عليه وسلم أمرنا بتعليم الأولاد أمور الدين والعبادات، لكن هنالك أمور أخرى يجب تعليمها للأبناء، فالنبي الكريم قال "ليس منَّا مَنْ لم يُجِلَّ كبيرَنا، ويرحمْ صغيرَنا"، أي أنه يجب أن نحترم الكبير ونعطف على الصغير، إضافة لكيفية التعامل مع الولد في الصغر كي لا يكون عاقا في الكبر لأهله.

وتنوه الداعية إلى أن عدم تنشئة الأولاد التنشئة الصالحة، وعدم الحرص على غرس تعاليم الدين والأخلاق الإسلامية في صغرهم، وعدم إبعادهم عن الأمور التي تعيق تربيتهم التربية الإسلامية الصحيحة، كلها تؤدي إلى عقوق الأبناء للآباء.

كما يجدر بالوالدين أيضا الحرص على المودة والرحمة والحنان والاحترام فيما بينهما، وهو ما ينعكس على تربية الأولاد؛ فتكون المودة قائمة وظاهرة، مع الحرص على الحزم واحترام خصوصية كل فرد وتعليمه أمور الدين والحرص على أن تكون العلاقة بين الوالدين والأولاد قائمة على الصداقة، وبذلك ينعم المجتمع بالراحة والطمأنينة.

وتكمل الداعية الإسلامية شرحها فتقول إن من مظاهر عقوق الوالدين عدم طاعتهما في غير معصية الله، مع القدرة على ذلك، أو التثاقل من طاعتهما بالتضجر أو التأفف، وسبهما، وإساءة القول معهما، والعبوس في وجههما، وعدم الاحترام في معاملتهما ومخاطبتهما، والغياب عنهما دون عذر، والسفر دون إذنهما، وعدم الإنفاق عليهما، وعدم الاستغفار والدعاء لهما في حياتهما وبعد مماتهما.

ومن كان بارّا بوالديه كان هانئًا رضيّا تقيّا متواضعا، فبر الوالدين شيمة من شيم أهل الفضل الكرام، وباب يقود إلى الجنان. وتنهي الداعية حديثها للجزيرة بالدعاء "اللهم اجعلنا من الذين يبرون والديهم".

 


لاريسا معصراني- بيروت
12/3/2021
 

2021-03-22

دلالات: