الرئيسية / أخبار لبنان /تحقيقيات وتقارير /نساء أوكرانيا في لبنان... الحرب قلبت حياتهن رأساً على عقب؟...صدمة ونقمة وخيار بين جحيمين

تحركات وإعتصامات رفضا للحرب على أوكرانيا - تظاهرة أمام السفارة الروسية في لبنان (عن نداء الوطن ) صيدونيانيوز.نت

جريدة صيدونيانيوز.نت / نساء أوكرانيا في لبنان... الحرب قلبت حياتهن رأساً على عقب؟...صدمة ونقمة وخيار بين جحيمين

Sidonianews.net

----------

نداء الوطن : زيزي إسطفان
هي الحرب طرقت أبواب أوكرانيا وأغرقتها بالبارود والنار، وامتدت كيدٍ خفية لتعيث في قلوب سيدات من أوكرانيا اتخذن من جحيم لبنان موطناً لهن ذعراً وقلقاً، وتحوّل حياتهن بين ليلة وضحاها الى آتون من النقمة والغضب. بصعوبة يكملن حياتهن اليومية بعد ان انقلب عالمهن رأساً على عقب، وجرح الحرب الساخن معرض في كل ثانية لمزيد من النزف وما ينتظر بلادهن مخيف. أخبار الحرب وصور الألم والدمار تتوارد إليهن لتجبل أيامهن المسالمة بالقلق على بلد يتهدده خطر الزوال والخوف على أهل وأحبة باتوا في مهب الأخطار.


في المركز الثقافي الأوكراني في مجمع غالاكسي في الشياح إلتقينا بهن سيدات أوكرانيات وروسيات ومن بيلاروسيا تعوّدن أن يجتمعن في هذا المكان يومياً ليشعرن بانتماء واحد الى بلدان متجاورة تجمع بينها لحمة تاريخية وثقافية ولغوية. هنا تظهر تشظّيات الحرب دموعاً في الأعين وغصة في التعبير، لكنها لم تطل بشظاياها بعد الصداقة ووحدة الحال التي تجمع بينهن. مع بعض جلسن مصدومات باكيات صباح الخميس، يوم اندلاع العدوان الروسي على أوكرانيا.

لا للإجتياح الروسي لأوكرانيا


صدمة ونقمة

«ما حصل لا يُصدق، تقول يوليا وهي سيدة روسية تعيش في لبنان منذ 22 عاماً وتمضي معظم يومها مع رفيقات لها أوكرانيات صرن كشقيقات في المركز الثقافي حيث تعمل. نحن شعب واحد «طول عمرنا» تقولها بلهجة لبنانية صرف ولا يمكن لأي شيء أن يفرق بيننا «شوعملو فينا؟»، لم ننم طوال الليل نتبادل الأخبار ونطمئن عبر «غروبنا» الخاص على الواتساب على العائلات هناك، والحمدالله الجميع بخير...» يوليا الروسية لا تشعر بالحرج تجاه رفيقاتها الأوكرانيات فهي منهن وجميعهن أسرة واحدة.

نتاليا سيدة أوكرانية التقيناها في المركزالثقافي، بصعوبة تخرج الكلمات من حلقها الذي تسكنه الغصة وكأنها تخشى الكلام والتفوه بعبارات قد تسيء الى علاقتها بصديقات موجودات هنا، في نظراتها مزيج من الحزن والغضب والخشية والخوف. خائفة على عائلتها هناك على والديها واشقائها وكل الأهل والناس في بلدها وتخشى على صداقاتها هنا إن تكلمت (او ربما هو خوف موروث من الحكي بالسياسة والجهر بالآراء من زمن الاتحاد السوفياتي).

« طلبت من والديّ المجيء الى لبنان تقول بابتسامة حزينة لكنهما رفضا وحجتهما: من يسقي الزرع في غيابنا؟ ومثل والديّ كثر من الأهالي الكبار في السن الذين يرفضون مغادرة بيوتهم وبلدهم ويحتمون مع عائلاتهم في الملاجئ. لكنني أخشى على صهري وهو في الجيش يحارب ويدافع عن بلده».

في المركز الثقافي الأوكراني تلتقي نساء الجالية الأوكرانية وأولادهن للقيام بنشاطات فنية، رياضية ثقافية وترفيهية، هنا يقمن بتدريس اللغة الروسية لصغارهن او للبنانيين ويعلمونهم تاريخ أوكرانيا وروسيا ويدرّسنَ ما يبرعنَ فيه كالباليه واليوغا والرسم. فأعداد الأوكرانيات المتزوجات من لبنانيين كبيرة جداً ويشكلن الغالبية العظمى من الجالية الأوكرانية التي يقدر عددها بحوالى 5000 شخص، بعضهن موجودات في لبنان منذ أكثر من خمس وعشرين عاماً وينتمين الى طوائفه المختلفة. ناستيا ترتدي الحجاب وتتحدث اللبنانية بطلاقة تخبرنا بأنهن لا يعرفن التفرقة الطائفية وبينهن من هن متزوجات من شيعة أو سنة أو دروز أو مسيحيين، وقد تأقلمن مع الحياة في لبنان رغم صعوبات البداية. «نحن معتادون على النظام واحترام الناس لبعضها البعض وهذا ما لم نجده هنا. لكن حين نعتاد على لبنان وأهله يصبح من الصعب مغادرته».

نحاول ان نغوص أكثر في الحرب وأسبابها وأن نستطلع ما يكنّه الأوكرانيون من مشاعر لروسيا. الكل وبصوت واحد يرفض الحرب ويدين الاعتداء الروسي ولا يجد له أي مبرر، لكن المشاعر رغم سخونتها وما تختزنه من وجع، تختلف في حدّتها وتعكس الإنقسام في الرأي الذي يعيشه الأوكرانيون عامة حيث يعتبر البعض أنفسهم قريبين من الروس فيما يصرّ آخرون على قوميتهم الأوكرانية البحتة.

قد لا يكون ما نورده هنا حقيقة تاريخية لكنها تعبر عن وجهة نظر من التقيناهن. إذ تقول إحدى السيدات وهي أربعينية تعيش في لبنان منذ عشرين عاماً: «سابقاً كنا دولة واحدة نتحدث لغة واحدة هي الروسية ونشعر أننا شعب واحد ولا «نعرة» بيننا، فأوكرانيا لم تستقل عن روسيا إلا منذ حوالى ثلاثين عاماً وجيلنا عاش هذه الوحدة وتربى عليها لكن أحداث العام 2014 غيرت كل شيء والجيل الذي شارك في هذه الانتفاضة تشرّب مشاعر الرفض والحقد تجاه الروس وهو اليوم قد كبر وباتت مشاعره أكثر حدة، حتى أنه بات يرفض التكلم باللغة الروسية وكثر طالبوا بجعل اللغة الأوكرانية اللغة الرسمية في البلد وهو ما حصل فعلاً».


أوكرانيا الانتماء الأول

بين الجالية الأوكرانية ولبنان علاقة محبة لم تشبها المشاكل يوماً وقد استقرت العائلات المختلطة في لبنان لكن العلاقات بين الأوكرانيات والوطن الأم علاقة رحم وانتماء لم تنقطع يوماً ؛ هيلينا مثلاً تزور عائلتها كل صيف لكن صعوبة الأوضاع المادية حالياً صعبت عليها الأمر لا بل دفعت بعائلات صديقة لترك لبنان والعودة الى أوكرانيا. «هؤلاء تقول تهجروا مرتين: مرة بفعل فساد الطبقة الحاكمة في لبنان ومرة بفعل تعنت الحاكم في روسيا... «ثمة عائلات استطاعت العودة مع بدء الأزمة، تروي يوليا وأخرى لا تزال عالقة هناك مع إمكانية الوصول الى بولندا والسفر من هناك. ولكن الكل هنا مستعدون لاستقبال الأهل».

فيما هي تتكلم عادت الى ذهني صورة آنيا زوجة أحد الأقارب التي حملت وحيدها شربل وحمته بجسدها عند انفجار المرفأ، وكيف رفضت المكوث بعدها في لبنان وأصرت على الهروب من جحيمه الى النعيم الأوكراني لتحمي طفلها اللبناني وتؤمن له مستقبلاً آمناً. ترى ماذا حلّ بها اليوم وأي مشاعر ذعر ايقظتها فيها أصوات القصف الروسي هناك في كييف؟؟؟

 

أوقفوا عدوان هتلر

بين لبنان و أوكرانيا

مشاعر الصدمة والنقمة ذاتها ترتسم على وجوه الكثير من اللبنانيين وطبول الحرب تتردد أصداؤها مكثفة في أذهانهم، هم الذين لم يستفيقوا كلياً بعد من تداعيات ما عاشوه من حروب مختلفة ومنهم من تجمعه بأوكرانيا علاقة حميمة تفوق أخبار التلفزيون والصحف. طوني عاش في كييف عاصمة تلك البلاد الجميلة أكثر من عشر سنوات وله هناك صداقات وأحبة حاول على الفور الاتصال بهم والاطمئنان عنهم. د. محمد اخبره انه غادر مع عائلته العاصمة الى منطقة ريفية بعيدة نسبياً يسمعون فيها دوي انفجارات بعيدة، لكنهم لا يعرفون ما يجري حقاً لأن الأمور غير واضحة بعد. أما إيلي فلا يزال في كييف وهو يسمع أصوات القصف لكن لا خطر عليه وعلى عائلته حيث هو فالقصف على أطراف المدينة لا داخلها.

الأصدقاء كثر فالجالية اللبنانية في أوكرانيا تصل وفق بعض الأرقام الى 4500 شخص بين طلاب وعائلات والمصاهرة بين البلدين قوية الصلات، فكثر من الشباب اللبنانيين الذين قصدوا هذا البلد للدراسة أيام الاتحاد السوفياتي بقيوا فيه وتزوجوا من بناته، كذلك من زاره للتجارة او السياحة «علق» وتزوج جميلة أوكرانية وأسس معها عائلة هناك. وكلهم اليوم في ورطة تسعى وزارة الخارجية الى حلحلتها، وإن لم تكن قادرة على تأمين المساعدة اللوجستية والمادية المطلوبة لإجلاء العائلات والطلاب اللبنانيين.

يشبّه طوني حال أوكرانيا مع روسيا بحال لبنان مع سوريا فالأطماع نفسها والرغبة بالسيطرة والتلاعب برئيس البلاد وحكومتها ذاتها أيضاً. فأوكرانيا كما لبنان خاصرة روسيا الرخوة التي تجد ضرورة لتثبيت نظام حليف فيها يعتبر الأوكرانيين روسيا اليد الحديدية التي تمنعهم من الإنطلاق نحو الغرب، فقد منعتهم سابقاً من دخول السوق الأوروبية واليوم تمنعهم من الانضمام الى حلف الناتو.

يتكلم هذا اللبناني عن أوكرانيا بحب ويقول هي من أجمل البلدان والحياة فيها حلوة ويمكن للبنانيين التأقلم بسهولة معها. سابقاً كانت المعيشة فيها زهيدة الكلفة لكن الأسعار ارتفعت بعد 2014 وصارت الحياة اليوم مكلفة جداً. الشعب الأوكراني متمسك بقوميته ويحب بلده جداً ومعظمه لا يكنّ مشاعر الود للروس وهو كما يراه شعب حاد الطباع «مشكله قريب» لكنه في الوقت ذاته شعب ودود يهوى الفن والرياضة والثقافة بشكل كبير، الى جانب الطابع الريفي الزراعي الذي يطغى خارج المدن، ففي موسم قطاف البطاطا او الفريز تكاد المدن تفرغ من ناسها حيث ينضم الكثيرون الى أهلهم في الأرياف للقطاف.

جورجينا التي يعيش شقيقها وعائلته في أوكرانيا منذ حوالى عقدين تآلفت مع هذا البلد الذي تزوره باستمرار وأعجبت بثقافته وبطريقة تربية الأولاد فيه. «هناك يعلمون الصغار الاحترام والتهذيب والنظام ويزرعون فيهم حب القراءة فلا ترى ولداً غير مسجل في ناد للكتاب أو مشتركاً في المجلات المتخصصة، ونادراً ما يمكن رؤية ولد لا يمارس نوعاً من الرياضة منذ صغره... هكذا يربّون جيلاً مسؤولاً قادراً على الانجازات». كثيرة هي الأخبار التي يرويها هذان اللبنانيان عن أوكرانيا وشعبها والتي تزيد من منسوب الأسف على حالة هذا الشعب المسالم المتحضر الذي لا يستحق معاناة كهذه. الشعب الأوكراني يقول طوني ملتزم جداً بأرثوذكسيته ومتعلق بدينه المسيحي ومعظمه يمارس الطقوس الكنسية بالطريقة التقليدية ذاتها التي مارسها أجداده قبل الحكم الشيوعي، وتلتزم النساء غطاء الرأس واللباس المحتشم عند دخولهن الى الكنيسة مثلاً. وتكثر في أرجاء العاصمة كييف كما في كل المناطق مزارات القديسين والأبطال الأوكرانيين الذين حاربوا العثمانيين.

من جهتها تروي جورجينا حادثة غريبة على اللبنانيين حدثت معها في أوكرانيا حيث تعطلت يوماً إمدادات الغاز الى المنازل وكان الموسم شتاء فما كان من البلدية إلا إرسال صهريج من المياه الساخنة لضخها الى البيوت وتم تصليح العطل بأقل من ساعات. هكذا هي أوكرانيا خدماتها ممتازة: لا نفايات تتكدس في الشوارع، ورش تصليح تعمل بلا كلل لإصلاح اي عطل طارئ وبلدية وحكومة تصغي الى مطالب واحتياجات مواطنيها... وكأنها تعابير لوصف وطن مثالي نراه ينهار أمام أعين العالم.

وحدها وقفة احتجاجية لسيدات أوكرانيات أمام السفارة الروسية عبرت عن الغضب وبيان ركيك من وزارة الخارجية اللبنانية طالب بالانسحاب الروسي شكلا في بيروت العين التي تقاوم المخرز الروسي هناك في أوكرانيا.

-------------

جريدة صيدونيانيوز.نت 

بالصور: نساء أوكرانيا في لبنان... الحرب قلبت حياتهن رأساً على عقب؟...صدمة ونقمة وخيار بين جحيمين

2022-02-28

دلالات: