الرئيسية / المرأة والمجتمع /أقلام ومقالات /مكانة الصلاة وأهمية إقامتها عند خليل الله إبراهيم

المصلون يؤدون الصلاة على أبواب الأقصى (الجزيرة)

جريدة صيدونيانيوز.نت / مكانة الصلاة وأهمية إقامتها عند خليل الله إبراهيم

صيدونيانيوز.نت/ أقلام ومقالات / 

مكانة الصلاة وأهمية إقامتها عند خليل الله إبراهيم

 

إن إبراهيم عليه السلام يمثل في شخصه النبويّ: الرجل الفطري المستقيم النفس في كل اتجاهاتها، ومن فطرته أنه جعل للصلاة نصيبا من دعائه، وأنه فكر في ذريته كما فكر في نفسه. وكان إبراهيم عليه السلام متجها دائما إلى مقام الربوبية، فنادى ربه بالربوبية، فكان يقول في أدعيته "ربِّ/ ربّنا"، ولا يخفى ما في هذه اللفظة من ضراعة المؤمن المقدر لنعمة الإيجاد والربوبية والقيام على شؤونه، وأنه الحي القيوم القائم على ما أنشأ من خلق، وهو اللطيف الخبير.

يبين السّياق القرآني في سورة إبراهيم أهمية إقامة الصلاة، واحتفاء سيدنا إبراهيم عليه الصلاة والسلام بها، فيقول:

"رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلَاةِ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي"

"رَبِّ": ويكرر هنا الاستعطاف والتذلل لله عزّ وجل بلفظة "رَبِّ"، هذه اللفظة التي تزيّن بداية كل آية، وكأنها مصباح يضيء الطريق أو يتيح الفرصة للمضي، فيما سيرد من دعاء بعد ذلك. 

إنَّه النداء والدعاء إلى الله تعالى، بوصف أنه ربّه الذي كونه وخلقه ورزقه، وهو المتصرف في حياته والمالك له والمدير لشؤونه، يستغيث به ليعينه على طاعته.

وفي قوله: "اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلَاةِ": يطلب العون من الله على إقامة الصلاة فربه الذي غذّاه في بدنه وعموم أحواله وحاجاته البدنية، وأن يعينه على غذائه الروحي بعد غذائه الجسدي، أي صبرني وحولني ووجهني إلى أن أكون مقيم الصلاة، أي مؤديا لها أداءً مقوما مستقيما كاملا، بأن تكون أركانها الحسية مستوفاة، ومنها الخشوع والخضوع المطلق. والصلاة رمز إلى القيام بحق الدين كاملا من غير التواء. 

إنَّ إبراهيم عليه السلام يطلب من المولى عزّ وجل أن يكون مقيما للصلاة رغم كونه نبيا، وهذا منهج تربوي عالٍ ولا شكَّ، فالمؤمن يجب ألا يغتر بنفسه ويزكيها، بل عليه أن يتحرى الدّقة والصّواب في كل أعماله وأقواله. 

وفي قوله: "وَمِنْ ذُرِّيَّتِي": لم يكتف بالدعاء لنفسه، بل أضاف إلى ذلك الدعاء لذريته، ولكن أشار إلى أنه سيكون من ذريته من لا يشكر الله تعالى ومن يعصيه، ولذا قال: "وَمِنْ ذُرِّيَّتِي"، و"مِنْ" هنا للتبعيض، أي اجعل من ذريتي مقيم الصلاة؛ ليكون حبل العبادة متصلا إلى يوم القيامة لا ينقطع التوحيد وإقامة شعائره، بل تتصل إلى يوم القيامة، ومن ذريته قائمون على الحق يهتدون بهديه ويسيرون في طريق الحق، وهو الطريق المستقيم. 

"رَبَّنَا وَتَقَبَّلْ دُعَاءِ"

أي: تقبل دعائي وعبادتي وطاعتي، وهو أدب رفيع مع الله تعالى يدعوه ويتذلل إليه، ثم يسأله أن يتقبله بفضله وكرمه. وقد ظهر مثل هذا الأدب أيضا في دعائه عليه السلام مع ولده إسماعيل، عندما كانا يرفعان قواعد بيت الله الحرام: "رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ" [البقرة: 127]. 

قول الطبري في تفسير الآية:

"رَبَّنَا وَتَقَبَّلْ دُعَاءِ": ربنا وتقبل عملي الذي أعمله لك وعبادتي إياك، وهذا نظير الخبر الذي رُوي عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، أنه قال: "إنَّ الدعاء هو العبادة"، ثم قرأ: "وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ" [غافر:60].

قول الشوكاني في تفسير الآية:

"رَبَّنَا وَتَقَبَّلْ دُعَاءِ": ثم سأل الله سبحانه أن يتقبل دعاءه على العموم، ويدخل في ذلك دعاؤه في هذا المقام دخولا أوليا. قيل: والمراد بالدعاء هنا: العبادة، فيكون المعنى: وتقبل عبادتي التي أعبدك بها.

د. علي الصلابي / مدونات / الجزيرة 

...............................................................................................

المراجع

استقى المقال مادته من كتاب:

"إبراهيم عليه السلام"، للدكتور علي الصلابي،

واعتمد في كثير من أفكاره على كتاب: وجوه البيان في دعاء سيدنا إبراهيم عليه الصلاة والسلام، لسميرة عدلي محمد رزق.

إبراهيم عليه السلام أبو الأنبياء والمرسلين، للدكتور علي محمد الصلابي، دار ابن كثير، الطبعة الأولى، 2020.

البحر المحيط في التفسير، أبو حيّان الأندلسي، دار الفكر، بيروت، ط1، 1420 هـ.

التفسير الموضوعي لسور القرآن الكريم، نخبة من كبار علماء القرآن وتفسيره بإشراف الأستاذ الدكتور مصطفى مسلم، كلية الدراسات العليا والبحث العلمي، جامعة الشارقة، الإمارات العربية، 2010.

زهرة التفاسير، الإمام محمد أبو زهرة، دار الفكر العربي للطباعة والنشر، القاهرة، مصر، 2008.

وجوه البيان في دعاء سيدنا إبراهيم عليه الصلاة والسلام، سميرة عدلي محمد رزق، مجلة جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، المملكة العربية السعودية، العدد (10)، 1414هـ.

2022-03-08

دلالات: