الرئيسية / العالم العربي /فلسطين المحتلة /تفاصيل الخديعة : هكذا غُدر بـ«الجهاد» : إسـ رائيل تغتال القيادي تيسير الجعبري..والرد بعشرات الصواريخ ...ماذا بين جنين وبيروت ؟

أعلن جيش الاحتلال الأمر الخاص رقم 8 باستدعاء 25 ألف جندي احتياط، وإلغاء إجازاتهم (أ ف ب)

جريدة صيدونيانيوز.نت / تفاصيل الخديعة : هكذا غُدر بـ«الجهاد» : إسـ رائيل تغتال القيادي تيسير الجعبري..والرد بعشرات الصواريخ ...ماذا بين جنين وبيروت ؟

Sidonianews.net

-----------

الأخبار

غزة | بعد أربعة أيام من الاستعدادات على طول حدود قطاع غزة، وعلى رغم تطمينات الوسطاء إلى تطويق الأوضاع، بدأ العدو الإسرائيلي عدواناً جديداً على القطاع، استهدف ابتداءً قيادات في الجناح العسكري لحركة «الجهاد الإسلامي»، ما أدّى إلى سقوط عدد من الشهداء والجرحى، في سلسلة غارات مفاجئة ومتزامنة.

ونعى الجناح العسكري لـ«الجهاد»، «سرايا القدس»، على إثر ذلك، عضو مجلسه العسكري وقائد المنطقة الشمالية فيه، تيسير الجعبري، إضافة إلى خمسة عناصر آخرين استشهدوا خلال القصف الذي استهدف شقّة سكنية في مدينة غزة ومراصد حدودية، وعنصر سادس في استهداف سيّارته شمال القطاع.
وبحسب ما علمته «الأخبار» من مصادر في الحركة، فإن الوساطات التي قادها المصريون ومنسّق الأمم المتحدة للسلام في الشرق الأوسط، تور وينسلاند، لم تُفضِ حتى عصر أمس إلى نتيجة؛ إذ كانت لا تزال «الجهاد» مُصرّةً على مطلبها الإفراج عن القيادي فيها، بسام السعدي، ووقف الاعتداءات على مخيم جنين، فيما رفضت دولة الاحتلال هذه المطالب، وواصلت نقل تهديداتها «بردّ قاسٍ جدّاً» على أيّ هجوم من غزة. لكن على رغم ذلك التأزّم، وعَد الوسطاء باستكمال المباحثات والعمل على التوصّل إلى حلول مرضية للطرفَين خلال الأيام المقبلة، قبل أن تبدأ على نحو مباغت وغادر الغارات ضدّ مواقع «الجهاد»، وبهذا، فإن الحركة تعرّضت لِما يبدو أنها خديعة، بحسب المصادر نفسها. واكتملت فصول تلك الخديعة مع الزيارة التي قامت بها مسؤولة مكتب وينسلاند لعائلة السعدي، حيث نقلت إليها رسائل طمأنة بخصوص ظروفه الصحّية داخل المعتقل، وذلك بعد اتّصالات أجراها المنسّق الأممي مع حكومة الاحتلال أخيراً للحصول على هذه التطمينات، والتمهيد لنوع من الحلّ.
ad

لكن كلّ ذلك انهار سريعاً مع إطلاق جيش الاحتلال عملية «بزوغ الفجر» ضدّ قطاع غزة، ونشْره «القبّة الحديدية» في وسط الكيان ومدينة القدس، وإعلانه حالة الطوارئ، واستدعائه الاحتياط بشكل مُقلَّص. وكان المتحدّث باسم الجيش أعلن، قبل العملية، أنه تَقرّر تعزيز «فرقة غزة» بقوات إضافية من أجل زيادة الجاهزية، فيما وصف مراسل موقع «واللا» العبري التعزيزات بأنها «ليست دفاعية بل هجومية». وفي وقت لاحق، أفاد مراسل موقع صحيفة «مكور ريشون»، نوعم أمير، بأنه تمّ افتتاح معسكر القيادة العليا في غرفة قيادة العمليات تحت الأرض (البور) في «الكرياه»، لافتاً إلى أن الجيش يستعدّ لتوسيع انتشار القوات البرّية على حدود غزة، فيما أعلن جيش الاحتلال الأمر الخاص رقم 8 باستدعاء 25 ألف جندي احتياط، وإلغاء إجازاتهم. من جهتها، نقلت القناة «الـ 12» العبرية عن مسؤول عسكري كبير قوله إن العملية ضدّ القطاع ليست حدثاً لساعة أو ساعتين، بل سوف تستغرق وقتاً، و«لم نقل الكلمة الأخيرة بعد، ولدينا المزيد من الأشياء لنفعلها»، فيما أفاد مسؤول عسكري كبير، صحيفة «هآرتس»، بأن التقديرات تشير إلى أنه سيكون هناك إطلاق صواريخ ردّاً على الهجوم.

بدأت المقاومة، مساء أمس، ردّها الأوّلي على العدوان


في المقابل، أكد الأمين العام لحركة «الجهاد»، زياد النخالة، أن «اليوم هو اختبار للمقاومة الفلسطينية في مواجهة هذا العدوان الإسرائيلي... نحن ذاهبون للقتال ونسأل الله التوفيق للمجاهدين وسيقع الألم على الإسرائيليين». ودعا النخالة جميع المقاومين إلى الوقوف وقفة رجل واحد، جازماً أن «سرايا القدس ستكون مع كلّ فصائل المقاومة موحّدة في مواجهة العدوان». وتوعّد بأنه «لا خطوط حمراء في هذه المعركة، وستكون تل أبيب تحت ضربات صواريخ المقاومة»، متوجّهاً إلى مقاتلي «السرايا» بالقول: «لن نتراجع ولن نتردّد، وهو أمر ميداني لقواتنا بالتصرّف بحسب الخطة الموضوعة». وفي رسالة انتقاد إلى الوساطة المصرية، قال النخالة: «في ظلّ الوساطة المصرية يخرج العدو بهذا العدوان... وعلى القاهرة الإجابة على هذا التساؤل!».
بدورها، أعلنت الغرفة المشتركة لفصائل المقاومة الفلسطينية أنها في «حالة انعقادٍ وتقدّر الموقف بالاشتراك مع الأجنحة العسكرية كافة، ولن نسمح للعدو بالتغوّل على أبناء شعبنا ولن يفلح بكسر صمود شعبنا ومقاومته»، مؤكدةً أن ردّ المقاومة على العدوان الإسرائيلي قادم بالطريقة التي تحدّدها قيادتها. وتوعّدت، في بيان مشترك، بأن «جريمة اغتيال القائد الجعبري لن تمرّ من دون عقاب، وستبقى المقاومة الموحّدة هي من تشكّل رأس الحربة في مواجهة جرائم الاحتلال ومخططاته الإجرامية»، مضيفة أن «محاولات الاحتلال تصدير أزماته الداخلية على حساب الدماء الفلسطينية لخدمة أجندته السياسية، لن تفلح». وشدّدت على أن «فصائل المقاومة قادرة على إرباك كلّ الحسابات الصهيونية وفرْض قواعد الاشتباك». وفي الاتجاه نفسه، حمّلت حركة «حماس» الاحتلال كلّ التبعات المترتّبة على عدوانه، جازمة أن «جرائم العدو لن يكون مصيرها سوى الخيبة والخسارة، ولن تدفع مقاومتنا إلّا إلى المضيّ قُدُماً على طريق ذات الشوكة دفاعاً عن شعبنا وحقوقه المشروعة».
ad

إزاء ذلك، أعلنت بلديات مدن إسرائيلية، مساء أمس، فتح الملاجئ للمستوطنين في مختلف المدن، بدءاً من-غلاف غزة وصولاً إلى تل أبيب، خشيةً من إطلاق حركة «الجهاد» عشرات الصواريخ. وبالفعل، بدأت المقاومة، مساء أمس، ردّها الأوّلي على العدوان، بإطلاقها ثلاث رشقات من الصواريخ على مناطق مختلفة، من بينها جنوب تل أبيب.

---------------

إسرائيل «تثأر» لردعها: تكامل الساحات خطر داهم
فلسطين  علي حيدر  السبت 6 آب 2022

 


0

إسرائيل «تثأر» لردعها: تكامل الساحات خطر داهم
(أ ف ب )

أيّاً كانت العوامل التي دفعت العدو إلى بدء عدوان جديد ضد قطاع غزة، في هذا التوقيت وبأسلوب صاخب ينطوي على التحدّي وعلى العديد من الرسائل في اتّجاهات متعدّدة، فقد شكّل اغتيال القائد الكبير تيسير الجعبري امتداداً للمعركة المفتوحة بين الاحتلال والشعب الفلسطيني وفصائله المقاومة. إلّا أن ما يُميز هذه المحطّة أنها تمثّل ارتقاءً في المسار العدواني، تحت عناوين ردعية واستباقية، لعلّ أبرزها محاولة كسر إرادة الفلسطينيين والحؤول دون تكامل ساحاتهم. والظاهر أن هذا الخيار العملياتي تبلور في أعقاب موازنة بين مجموعة اعتبارات، تتراوح بين الأضرار الردعية التي أصابت إسرائيل في أعقاب اهتزاز صورة جيشها في منطقة مخيم جنين الذي تحوّل إلى إحدى أهمّ بؤر المقاومة في الضفة الغربية، وبين حالة غلاف غزة الذي شعر فيه المستوطنون بعجز الجيش عن توفير الأمن لهم، نتيجة تهديد حركة «الجهاد الإسلامي» بالردّ على اعتقال القيادي فيها، الشيخ بسام السعدي. ولذا، أرادت قيادة العدو توجيه رسائل محدّدة، من ضمنها أن سيناريو «عدّة أيام قتالية» لا يردعها عن المبادرة إلى اعتداءات دموية، مع عدم إغفال حقيقة أن إسرائيل تراهن على الدور الذي يمكن أن يلعبه النظام المصري في الضغط على فصائل المقاومة من أجل عدم التدحرج إلى مواجهة عسكرية واسعة. ومع ذلك، قد تكون بداية الجولة الجديدة بيد الاحتلال، إلا أنه ليس وحده من يتحكّم بمسارها واتّساعها وأمدها الزمني، وهو ما يطرح علامات استفهام حول دقّة التقديرات التي انطلقت منها القيادة الإسرائيلية.
الأجواء السائدة في كيان العدو هي أن إسرائيل دخلت في جولة قتالية ستستمرّ لأيام

 

في سياق أوسع، لا يمكن الفصل بين هذا العدوان وبين نتائج معركة «سيف القدس» التي أسّست للربط بين ساحات فلسطين. وتؤكّد التفسيرات التي تسوِّقها القيادة الإسرائيلية لاغتيال الشهيد الجعبري الربط الوثيق بين المحطّتَين. إذ ينظر العدو بخطورة بالغة إلى تكريس حالة الاتصال بين الساحات، على المستويين المقاوِم والشعبي. ولذلك، فهو يحاول أن يعزل كلّ منطقة عن الأخرى للاستفراد بها، بخاصة أن تشابك الساحات وتكاملها سيؤدي إلى إنتاج واقع خطير جداً على المستوى الأمني. ومن هنا، من الواضح أنه سيكون لنتائج هذه الجولة المفتوحة على العديد من الاحتمالات، دور مفصلي في تثبيت معادلات «سيف القدس»، الأمر الذي سيشكّل تحدّياً كبيراً لتل أبيب. أيضاً، كشفت حالة الهلع التي أصابت غلاف غزة في أعقاب اعتقال السعدي، هشاشة الادّعاء الإسرائيلي بأن عملية «حارس الأسوار/ سيف القدس»، عزّزت الردع بوجه فصائل المقاومة. فلو كان الأمر هكذا، كيف يمكن تفسير ما يحصل في جنين؟ ولماذا حالة الاستنفار أخيراً؟ ولماذا تمّ فتح الملاجئ في تل أبيب وغيرها من المستوطنات والمدن خوفاً من صواريخ المقاومة؟
ad

من جهة أخرى، تشكّل هذه المحطّة تحدّياً مفصلياً لرئيس الحكومة يائير لابيد، ووزير الأمن بني غانتس، اللذين يخوضان حملة انتخابية في مواجهة بنيامين نتنياهو، ويرون في ما يحصل اليوم فرصة لتعزيز صورتَيهما كقائدَين يمتلكان جرأة المبادرة إلى خيارات عملياتية واسعة. وعلى هذه الخلفية المركّبة بين الاعتبارات المهنية – العدوانية والسياسية الداخلية، صدر بيان مشترك باسم لابيد وغانتس، جاء فيه أن الهدف من العملية هو إزالة تهديد «الجهاد عن مواطني إسرائيل». وفي تعبير كاشف عن الضغط الذي تشكَّل على القيادة السياسية بفعل حالة الهلع التي سادت في غلاف غزة، أكد لابيد أن حكومته لن تسمح بفرض أمر واقع عليها، وأنها ستعمل كلّ ما هو مطلوب «لإزالة التهديد».
في كلّ الأحوال، الأجواء السائدة في كيان العدو هي أن إسرائيل دخلت في جولة قتالية ستستمرّ لأيام، وعلى هذه الخلفية تمّ رفع مستوى الجاهزية والاستعداد في منطقة الجنوب. لكن التجربة تقول إن كلّ ذلك لن يحول دون الانتقام لدماء الشهداء التي ستتحوَّل إلى محطة بارزة في سياق مقاومة الاحتلال، فيما من غير المتوقّع أن يحقّق جيش العدو ما لم ينجح في تحقيقه في معركة «سيف القدس». لكن أكثر ما يقلق جميع المستويات في الكيان، هو حجم المعركة وإمكانية أن تتوسّع إلى بقية مناطق فلسطين.

----------------

الفصائل صفّاً واحداً: لا خيار سوى المواجهة
الأخبار - فلسطين  يوسف فارس 

غزة | لم تُبقِ إسرائيل على حالة الاستنفار التي فرضها عليها احتمال ردّ حركة «الجهاد الإسلامي» على اعتقال القيادي في الحركة، بسام السعدي، طويلاً. إذ سرعان ما بادرت، في وقت كان فيه الوسطاء الإقليميون والأمميون يحاولون منع الانفجار، إلى بدء عدوان على قطاع غزة، ليس من الواضح بعد كيف سيتطوّر وينتهي. ويرى المحلّل السياسي، إسماعيل محمد، أن العدو كان يخطّط منذ البداية لما حدث يوم أمس؛ «إذ ليس منطقياً أن يقابل الاحتلال تهديداً محدوداً قد يأتي في شكل إطلاق عدد من الصواريخ، بكلّ هذا الهيلمان من الاحتياطات والاستنفار، حيث زار رئيس الأركان، أفيف كوخافي، فرقة غزة ثلاث مرات خلال 24 ساعة، وأجرى تقييماً للوضع العملياتي، ما يعني أن جيش الاحتلال كان يجري استعداده لسيناريو التصعيد». ويبيّن محمد، في حديثه إلى «الأخبار»، أن «ما حدث يشابه البروتوكول الأمني الذي تمّ اتّباعه عقب اغتيال القيادي في القسام مازن فقهاء في عام 2017، واغتيال القيادي بهاء أبو العطا عام 2019، كما أن إخلاء المستوطنين من البيوت المحاذية لحدود القطاع كان ينذر بأن حدثاً ما قادم». ويضيف: «أمّا وقد وقع ما كنّا نخشاه، فإن الأيام المقبلة ستشهد معركة لا تُعرف حدودها؛ فإذا مرّرتها المقاومة بردّ فعل محدود، أي في إطار التكلفة التي يمكن أن يتحمّلها الاحتلال، فإن ذلك سيفتح شهيّة العدو للمزيد من العمليات المشابهة، لكن توحُّد المقاومة ودخول كتائب القسام على خطّ الحدث، سيعيد ترتيب المشهد من جديد». ويرى المحلّل السياسي أن «استهداف الجهاد تحديداً جاء لكسر مخطّط توحيد الساحات»، مبيّناً أن «ما يريد العدو أن يقوله هو أن على الجهاد أن تترك الضفة لمصيرها، وأن تتوقّف عن دعم المقاومة الناشئة هناك، لكن هذا لن يحدث، لأن عقيدة الجهاد القتالية قائمة على القتال والتضحية حتى النفَس الأخير».

من جهته، أكد مصدر في «الجهاد»، لـ«الأخبار»، أن قرار الردّ على جريمة اغتيال الشهيد تيسير الجعبري اتُّخذ فعلاً، فيما «حدوده لا تزال غير معلومة». أمّا «بيضة القبّان» فيه، فهي انضمام «كتائب القسّام» إليه، وخصوصاً أن الاحتلال حاول الترويج لكوْن العدوان يستهدف «الجهاد» حصراً، آملاً أن «لا تنضمّ حركة حماس إلى المواجهة». لكن المصدر المذكور، أفاد بأنه يجري التشاور مع بقيّة الفصائل حول طبيعة الردّ وحدوده، جازماً بأن «القسام» ستتدخّل في الجولة الحالية، حتى لا تسمح باستنساخ السيناريو نفسه ضدّ قادة آخرين.

-------------------

تيسير الجعبري يخبرنا... المقاومة ليست مقامرة
الأخبار -  يوسف فارس

غزة | يغيّر القرب من القائد تيسير الجعبري، الصورة النمطية عن القادة العسكريين. هكذا قال عنه أحد رفاقه. هو، خلافاً للكثيرين منهم، هادئ إلى الحدّ الذي لا يستفزّه شيء، ذكي إلى أبعد الحدود، ووحدوي. وعلى رغم امتلاكه رؤيته السياسية والفكرية الخاصة، فهو لا يرى في الأحزاب إلّا الوسيلة المثلى للمقاومة والتحرير.

ولد ابن حيّ الشجاعية في العام 1972، وانتمى إلى حركة «الجهاد الإسلامي» في مطلع التسعينيات، ونشط في الجناح العسكري الأوّل للحركة، «القوى الإسلامية المجاهدة - قسم»، فيما لم يمنعه نشاطه العسكري الذي انخرط فيه مبكراً من أن يمارس أدواراً اجتماعية وثقافية وأكاديمية لافتة داخل التنظيم، حتى إن اسمه اقترن بقيادته لـ«الجماعة/ الرابطة الإسلامية»، وهي الإطار الطلابي لـ«الجهاد»، الذي برع في إدارته لسنوات طويلة.

الخبرة التي راكمها خلال ثلاثين عاماً من انخراطه في المقاومة، أهّلته لأن يشارك في قيادة عدد من الحروب والجولات القتالية، إلى جانب مشاركته بشخصه في تفاهمات التهدئة في مصر. وقد نجا من عدّة محاولات اغتيال؛ إذ قصفت الطائرات الحربية شقّة كان يتواجد فيها وسط مدينة غزة عام 2012، حيث قضى رفيقه مسؤول الإعلام الحربي، الشهيد رامز حرب. كما نجا من محاولة اغتيال أخرى عام 2014، استشهد فيها عدد من مقاتلي «السرايا»، ومن محاولة ثالثة خلال عملية «الحزام الأسود» عام 2019.
عُرف عن عضو المجلس العسكري في «السرايا»، إيمانه المطلق بالصعود البياني لقوى المقاومة في المنطقة. يقول أحد مَن عايشوه: «أبو محمود كان مؤمناً بأن الطريق الذي يسلكه محور المقاومة، برغم أنه شائك ووعر، إلّا إن نتاجاته آمنة، كان يقول إن المقاومة ليست مقامرة، هي نهج أثبت تاريخياً أنه آمن النتائج». عقب اغتيال «شقيق روحه»، القائد بهاء أبو العطا، في عام 2019، تقلّد الجعبري منصب قائد المنطقة الشمالية في «سرايا القدس»، إلى جانب عضويته في المجلس العسكري الأعلى منذ عام 2019. يميل الجعبري في أسلوبه العسكري، وفقاً لِمن يعرفونه، إلى «العمل المدروس والمركّز والبعيد من العشوائية، وتُمثّل معركة كسر الصمت التي خاضتها السرايا عام 2014 وقصفت فيها كافة المدن والبلدات المحاذية للقطاع بأكثر من 130 صاروخاً خلال 20 دقيقة، نموذجاً من طرائق خططه العسكرية».
خلال معركة «سيف القدس»، نجح لواء الشمال الذي كان الجعبري على رأسه، في تنفيذ عملية استهداف بأحد الصواريخ الموجّهة لجيب عسكري إسرائيلي شمال القطاع، وقد حمّلته إسرائيل، إلى جانب الشهيد حسام أبو هربيد، المسؤولية المباشرة عن العملية، وروّجت، خلال الأيام الماضية، لكوْن «السرايا» تخطّط، تحت إشرافه، لعملية استهداف بسلاح ضدّ الدروع. ووفق مزاعم الاحتلال، فإن رصداً تمّ للوحدات التي كان الجعبري يشرف عليها، قبل أن يعتقَل الشيخ بسام السعدي، فيما أدى اعتقال الأخير إلى تزايد الإنذارات بإمكانية تنفيذ هذه المجموعات استهدافاً للمدرّعات الإسرائيلية.

استشهد القائد تيسير الجعبري، عصر يوم أمس الجمعة، إثر قصف طائرات الاحتلال برج فلسطين في حيّ الرمال وسط مدينة غزة، بسبع قنابل من نوع «GBU39»، أدت إلى استشهاده إلى جانب عدد من رفاقه.

----------------

كتيبة جنين: عودة المحارب على الثغور
الأخبا ر-  موسى جرادات  

منذ عام ومدينة جنين على موعد متجدّد مع الأضواء عبر حدث لم تألفه الضفة الغربية وذلك منذ انحسار العمل العسكري فيها قبل 15 عاماً. تعود الأضواء من خلال مجموعة مسلحة ومنظمة ومتميّزة، نشأت في رقعة جغرافية واضحة، داخل مخيّم جنين حملت اسم «كتيبة جنين».

حينها طرحت أسئلة كثيرة حول هذه الظاهرة المتجددة والمتمثلة في وجود مجموعات عسكرية تابعة للمقاومة الفلسطينية وبأعداد كبيرة. لكن أهم تلك الأسئلة المطروحة اليوم، تتعلّق بمدينة جنين ومحيطها وريفها، لماذا الفعل المقاوم والمسلح ينشط فيها من دون بقية مدن الضفة؟
هذا السؤال الذي يتفرع منه عدة أسئلة تتعلق بطبيعة هذه الظاهرة وخلفيتها التاريخية والأيديولوجية والبيئة الحاضنة لها، وكذلك الأمر علاقة هذه الظاهرة بجملة التحولات المصيرية التي تعتور القضية الفلسطينية برمتها، وعلى وجه الخصوص حال الكفاح المسلح الفلسطيني.
ad

من دون شك فإن التجارب السابقة للآباء والأجداد، مدت في عضض الأبناء المنتسبين اليوم لهذه الكتيبة، فجنين شاهدة على إرث تاريخي عظيم دشّنه الشيخ عز الدين القسام في منتصف ثلاثينيات القرن الماضي عندما اختار هذه المنطقة لتكون منطلقاً للثورة الفلسطينية الكبرى ضد الاحتلال البريطاني لفلسطين. ولم يكن هذا القرار عشوائياً بل جاء ضمن دراسة لهذه المنطقة تتضمّن الجغرافيا والناس. فهي قريبة من الأردن وسوريا ولبنان، ومفتوحة على بقية المناطق والمدن الفلسطينية الأخرى، وهذا العامل سيمد الثورة بالدعم اللوجستي من تلك البلدان وهذا ما حصل. أمّا على صعيد الناس، فقد تكوّنت لدى القسام قناعة أن أهل هذه المنطقة مهيئون على الصعيد النفسي والانتماء الديني والوطني ليتكلفوا أعباء هذه الانطلاقة.
ومع رحيل المحتل البريطاني عن فلسطين وقيام دولة الاحتلال في العام 1948، كانت جنين مرة أخرى على موعد مع معركة كبرى بعد أن قام الصهاينة باحتلالها في بداية العام 1948، لكن التحام الجيش العراقي الموجود على أطرافها بالقرب من بلدة قباطية مع أهل المدينة وجوارها، أجبر جيش الاحتلال على الانسحاب منها، مخلفاً وراءه مئات القتلى والجرحى، ومدمراً معظم آلياته التي احتل بها المدينة.
وفي أوج التحضير للثورة الفلسطينية، كانت جنين وريفها في نهاية العام 1967، أي بعد احتلال الضفة الغربية على موعد مع زائر جديد لها، وهو الرئيس الراحل ياسر عرفات، حيث تنقل في أريافها، وأقام قواعد مسلحة، مستلهماً من تجربة القسام السابقة مثالاً له. ورغم مكوثه فيها لبضعة أشهر، إلا أنه استطاع أن يؤسس بالفعل قاعدة صلبة لحركة «فتح» كبرى فصائل العمل الوطني الفلسطيني في ذلك الوقت.

وقبل سنوات قليلة من اندلاع انتفاضة الحجارة في العام 1987، كان الشهيد فتحي الشقاقي على موعد جديد مع مدينة جنين بزيارات متعددة، في رحلة البحث عن القسام وتجربته، حيث زار المدينة وأريافها واضعاً اللبنة الأولى لحركة «الجهاد الإسلامي» في الضفة الغربية.
وأمام هذا التراث العظيم من العمل الكفاحي كانت جنين تتجهز، عبر انتفاضة الأقصى، لتكون القاعدة الأولى والمتقدمة في صنع الملحمة التي سطرت على أرضها في العام 2002، لتعود بعد عشرين عاماً بجيل جديد يحمل عبء التجربة ويمضي فيها.

لتأسيس والبدايات
بعد عملية السور الواقي وفق التسمية الاحتلالية لها، أصبحت جميع مناطق (أ)، التي كانت تصنف ضمن السيطرة الفلسطينية الكاملة، كلها تحت سيطرة الاحتلال. فجميع المدن الفلسطينية التي كانت تحت هذا التصنيف، تحوّلت إلى مشاع لقوات الاحتلال، تدخلها ليلاً ونهاراً وتمارس فيها أشكال الإرهاب كافة، من قتل وتنكيل واعتقالات، ثم تعود أدراجها إلى أطراف المدن حيث المستوطنات والمعسكرات التي أقامتها وتوسّعت بها بعد عملية السور الواقي.
وفي هذه الفترة كانت المقاومة الفلسطينية المسلحة في الضفة الغربية، تعيش ذروة ضعفها، باستثناء بعض العمليات، ذات الطابع الفردي والهبات الشعبية، التي اعتمدت بدورها على الإمكانيات البسيطة المتوافرة لدى السكان، والتي تأثرت بأحداث كبرى، بالتحديد في كل ما يتصل بالمسجد الأقصى، أو القضايا المتصلة بإضرابات الأسرى داخل السجون، أو بعض الجرائم التي كان يخلفها الاحتلال في هجماته المتكررة على المدن والقرى والمخيمات.

كان الاحتلال يتفاخر بأنه أجهز على المقاومة ونال منها، وحتى منعها من إعادة إقامة البنى التحتية لها. وأمام هذا التفاخر كانت السلطة تعيش أسوأ لحظاتها بالفعل، إذ كان الإعلام الإسرائيلي يتفنن في الحديث عن السيناريوات المفترضة لنهاية السلطة، طبعاً عبر تمرير التقارير الصحافية التي تفصّل فساد السلطة والصراعات الداخلية بين أجنحتها.

التجارب السابقة للآباء والأجداد، مدت في عضض الأبناء المنتسبين اليوم لهذه الكتيبة

كل تلك السيناريوات محمولة بالقطيعة السياسية، مع قيادة السلطة، وإغلاق ملف التفاوض السياسي ودفنه إلى الأبد، إضافة إلى ذلك، الضغط على السلطة لتحويلها إلى أداة طيعة في خدمة أجندته الاحتلالية، عبر الاقتطاعات من الأموال الضريبية، لمنع السلطة من أداء واجبها المالي تجاه أهالي الأسرى وأهالي الشهداء، بذريعة أن هذا الدعم يذهب إلى إرهابيين وفق منطوق الاحتلال. في حين أن الاحتلال لم يتوقف لحظة عن ممارساته سواء ضد الشعب الفلسطيني، أو ضد مؤسسات السلطة، لإيصال رسالة واضحة للكل، أن المنسق الاحتلالي هو الحاكم الفعلي للضفة، فهو الآمر الناهي والذي بيده مقاليد الحكم، وأن السلطة هي جزء لا يتجزأ من أدواته في إدامة الاحتلال وتأبيده.

وأمام هذه الإرهاصات، بدأت تتشكل قناعة لدى ثلة من الشباب المقاوم، أن المبادرة يجب أن تخرج منهم، وفي جنين ومخيمها وقراها، بدأت تتشكل مجموعات عسكرية صغيرة العدد، تتداخل فيها الانتماءات الأيديولوجية، وقد ساعد على ذلك الكثير من العوامل، أهمّها العربدة اليومية لجنود الاحتلال، وضعف السلطة على جميع الأصعدة، الأمر الذي أتاح لتلك المجموعات هامشاً للحركة، تصاعد بشكل متواتر حتى وصلت الحالة إلى ما وصلت إليه اليوم. فالاشتباكات المسلحة التي بدأت تواجه قوات الاحتلال في منطقة جنين، أثناء اقتحاماتها، أخذت بالتصاعد، ومع سقوط الشهداء والجرحى من المقاومين (سجّل حتى هذه اللحظة سقوط ما يقارب 25 شهيداً في تلك المواجهات منذ بداية العام الحالي) أصبحت شعبية تلك المجموعات المقاومة تتصاعد في بيئتها الحاضنة، وأصبح الفعل المقاوم سيد الموقف.
ويسجل للشهيد جميل العموري الذي استشهد في حزيران من العام الماضي، أنه من أبرز المؤسسين للعمل العسكري، وواضع اللبنة الأولى لكتيبة جنين. لكن مع حادثة تحرر أسرى جلبوع في أيلول من العام الماضي، جاءت التسمية لفعلهم المقاوم، فالأسرى الستة الذين ينتمون بغالبيتهم لـ«الجهاد الإسلامي» في فلسطين، شكلوا بفرارهم من الأسر رافعة قوية، استحضر فيها أهالي جنين وعموم فلسطين أهمية الفعل المقاوم، وتيمناً بهم انتقلت التسمية للمجموعات المسلحة في جنين، وتوحدت تحت هذا الإطار، الذي يشبه إلى حد بعيد الغرفة المشتركة لفصائل المقاومة في قطاع غزة. ففي الكتيبة خليط من «سرايا القدس» و«كتائب شهداء الأقصى» و«كتائب القسام»، لكن الغلبة في مكونها الأساسي تعود لـ«سرايا القدس»، الجناح المسلح لحركة «الجهاد»، لأن جنين تعد المعقل الأساسي، منذ نشأتها في الضفة. ويبدو أن توحد القوى المقاومة تحت هذا المسمى، والدور المركزي الذي تلعبه «السرايا» فيها، له أسباب أخرى تتعلق بكون «السرايا» تمثّل القاسم المشترك بين الجميع، فهي لم تدخل في الصراعات والانقسام الحاصل بين «فتح» و«حماس»، والآخر أن الحاضنة الشعبية تثق بالسرايا، باعتبارها صمام أمان لنجاح الفعل المسلح.

كتيبة جنين تتمدّد
بعد أن اشتد عود كتيبة جنين، تحولت بسرعة إلى مثال يحتذى به، حيث تشكلت في مدينة نابلس «كتيبة نابلس»، وهي مكونة من «كتائب شهداء الأقصى» في غالبيتها مع «سرايا القدس»، إذ بدأت الكتيبة بحراسة داخل المدينة، ومشاغلة قوات الاحتلال أثناء اقتحامها للمدينة، يضاف إلى ذلك بعض الهجمات النوعية على النقاط العسكرية، المتمركزة حول المدينة، إضافة إلى ذلك، التصدي المسلح لقطعان المستوطنين، الذين يهاجمون شرق المدينة لإقامة صلواتهم التلمودية في قبر يوسف.
يسود الاعتقاد أن هناك تنسيقاً كاملاً بين كتيبتي جنين ونابلس، بخاصة بعد حادثة الاغتيال التي وقعت في حي المخفية داخل مدينة نابلس قبل خمسة أشهر، والتي أسفرت عن استشهاد كل من أدهم الشيشاني، ومحمد أبو الرائد، وأشرف المبسلط، الذين قاموا بزيارة جنين قبل استشهادهم بأيام.
أمام هذا المشهد الذي أفضى إلى توسيع وانتشار الكتائب المسلحة، أعلنت قوات الاحتلال عن عملية عسكرية أطلقت عليها «جز العشب»، تعتمد على الهجمات الخاطفة بهدف اغتيال المقاومين. لكن هذه العملية المستمرة حتى هذه اللحظة جوبهت بمقاومة عنيفة بخاصة في جنين وأريافها، أدّت إلى سقوط قتلى وجرحى في صفوف القوات الخاصة، الموكلة بهذه المهمة، إذ أعطت هذه العملية نتائج معاكسة لما أراده جيش الاحتلال، فصدى كتيبة جنين بدأ يصل إلى عموم المحافظات الفلسطينية، حيث تشكلت «كتيبة طولكرم»، و«كتيبة رام الله»، و«كتيبة الخليل». وتستمر هذه الكتائب باستهداف المستوطنات والمعسكرات والنقاط العسكرية المقامة على أطراف المدن، ويسجل لهذه الكتائب حضورها اليومي في هذا الفعل المقاوم.

وما بين جنين في الشمال والخليل في أقصى الجنوب، أضحت هذه الظاهرة التي تتسم بالنمو والتكامل، تشكل الصورة الكاملة للبنية العسكرية للفصائل الفلسطينية المقاومة، وأصبح من الصعب على قوات الاحتلال مواجهة هذه الظاهرة والإجهاز عليها، بخاصة أن هناك قناعة تشكلت لدى الجيل الشاب بأن المقاومة المسلحة هي الطريق الوحيد لانتزاع الحقوق، وأن الاحتلال وأدواته وخياراته تقوم على تأبيد الاحتلال، وتحويله إلى قدر في الوعي الفلسطيني. وربما كل محاولات الاحتلال في فرض وجوده، والتي أطلق عليها تسمية «كي الوعي» في امتحان حقيقي مع الوعي الفلسطيني الذي تبلور تحت أسنة الحراب، أصبح اليوم في مواجهة مفتوحة على كل الأصعدة؛ فزيارة الشهيد ضياء ورعد، وأبناء اغبارية، وأبو القيعان، لمدننا المحتلة في العام 1948، رسالة واضحة من المقاومة الفلسطينية، بأنها قادرة على الهجوم وليس فقط الدفاع، وهي رسالة مهمة، أن الفلسطيني المقاتل قادر أيضاً على كي الوعي عبر تلك الكتائب، والعاقبة لأهل الأرض.

-----------------------

بسام السعدي: بين جنين وبيروت

الأخبار - موسى جرادات

ليس سهلاً أن تبقى الأحداث في قلب الذاكرة، ذاكرتي، بعد مرور أكثر من ثلاثين عاماً، لولا أنها عصيّة على النسيان، فهي تشبه صاحبها الذي يروي ويروى عنه.

في آذار عام 1988، جاء المحتلون لاقتحام بيتنا في الفجر، على أطراف ريف مدينة جنين، حاملين معهم قراراً عسكرياً يقضي بنسف منزلنا، عقاباً لنا على مشاركتنا في انتفاضة الحجارة، أمهلونا ساعتين لإخلاء المنزل، وبدأوا على الفور بزراعة المتفجرات، وفي لحظات تطايرَ المنزل عالياً في السماء، وأصبح البيت ركاماً.
شاهدت موطن الذكريات أمام عيني يهوي قطعاً متناثرة على الأرض، كان الشعور مغيّباً لحظتها، وكان الأقارب والجيران يطلقون الوعود لنا، بأنهم سيعيدون البناء من جديد، لكنه الشيخ بسام السعدي وحده، الذي جاء بعد لحظات من انتهاء حظر التجول المفروض على قريتنا، يحمل اقتراحاً وجواباً عملياً لإعادة بناء المنزل، بدون وعود، وبدون انتظار، وبدون تلكؤ. «شاحنات مواد البناء ستأتيكم غداً»، سمعته يحدّث أمي، وفي مساء اليوم التالي، نفّذ الشيخ بسام السعدي ما قاله لأمي، أحضر مواد البناء، وبدأت عملية بناء المنزل الجديد، وأنا الفتى الشاهد على فعله الذي طابق قوله.


بعد تلك السنين، أسأل نفسي: كيف استطاع الشيخ الإنسان أن يحضر إلى قريتي، وبهذه السرعة ليلبّي نداء الواجب، تجاه أخيه الشيخ خالد، كما سمّاه، فلم تكن شبكة الاتصالات الهاتفية موجودة أصلاً في قريتي، يبدو أنها شبكة الانتماء والولاء للفكرة، هي التي كانت أقرب وأشد وصلاً ممّا هي عليه اليوم، شبكة تتّصل بالقلب وتعرف معاني مشاركة الوجع، كيف لا والشيخ بسام سليل عائلة مناضلة قدمت قوافل من الشهداء، من اللحظة الأولى التي داس فيها الأعداء فلسطين، فكان الشيخ العجوز فرحان السعدي أول فاتح لدرب الشهادة ضد الإنكليز، ليلحق به الأبناء والأحفاد وأبناؤهم ليكملوا مسيرته.

أكثر من أربعة عقود والشيخ بسام يحمل راية الحب للبلاد، ولأهلها، ولأجلها قدّم ولديه


تغيب السنوات، ونلتقي قدراً في بيروت، أنا الطالب في إحدى جامعاتها، وهو المبعد إليها قسراً مع ثلة من إخوانه المبعدين، ضمن ما صار يعرف بـ«مبعدي مرج الزهور» في عام 1992. بعد اللقاء بلحظات، طلب مني الشيخ بسام الذهاب معه إلى مخيم شاتيلا، بحثاً عن زوجة ابن عمّه الذي استشهد في حرب المخيمات، ذهبنا معاً نتفقّد أزقّة المخيّم، نسأل عن منزلها، ولفتني لحظتها أن الشيخ كان يتنقّل في تلك الأزقّة الضيقة كأنه يعرفها ويحفظها عن ظهر قلب، بينما أنا الريفي، لا أعرف أسرار المخيّمات. وصلنا إلى هدفنا، أدركت حينها أن الشيخ بسام يحمل قلب إنسان عطوف، خارجاً من كل دهاليز السياسة ولغاتها المتشابكة، لقد جاء حاملاً البشرى لزوجة ابن عمّه، بأن ولدها الذي انتقل للعيش في مخيم جنين قبل سنوات، يحمل لها السلام ويريد لقاءها.


خرجنا من المخيّم، عائدين إلى الضاحية الجنوبية لبيروت، لم أسأل الشيخ بسام عن سرّ وجود الولد في جنين، والأم في بيروت، لكن يبدو أنه انتبه بأنّ حيرة ما تلبّستني، فأخبرني أن الولد تربّى في منزله هو، بعدما أحضره شقيق الشهيد مع بداية انتفاضة الحجارة، مضيفاً بأنّ حبّه للولد لا يقلّ عن حبه لأولاده، لكنه أعطى الخيار لوالدته أن تذهب إلى مخيّم جنين للعيش مع ابنها، أو أن يأتي الولد للعيش معها في مخيم شاتيلا. بدت لي هذه القصة كأن رحلة إبعاد الشيخ بسام إلى لبنان كانت من أجل إتمام هذه المهمّة الإنسانية، لذا عمل سريعاً على إتمامها.
وبين اللقاءين اليتيمين بيني وبين الشيخ، كانت فلسطين حاضرة دوماً في حياته، حاضرة في سنوات المحنة التي عايشها حتى هذا الوقت، أكثر من أربعة عقود والشيخ بسام يحمل راية الحب للبلاد، ولأهلها، ومن أجلها قدّم ولديه إبراهيم وعبد الكريم شهداء، فكرّس مدرسة للوفاء لقناعاته. فالسياسة عنده ليست مهنة، إنها جزء من تشكيل أقوى وأعمق، وأبهى، إنها حلم عودته إلى قرى مرج بن عامر التي غادرها الأهل مكرهين، وهي لحظة الفروسية التي يتقن معرفة كنهها، كيف لا وهو يعيشها في كل خلجاته، وليس مستغرباً رد فعل إخوانه على اعتقاله الهمجي.
لقب الشيخ الذي يطلق على بسام السعدي لقبٌ يتجاوز معنى شيخ الدين التقليدي، فهو لقب يطلق على كبار المجاهدين الفلسطينيين الذين يعيشون فلسطين بالفكر والعمل، ويتبنّون روح الثورة في الإسلام.

-------------

جريدة صيدونيانيوز.نت 

تفاصيل الخديعة : هكذا غُدر بـ«الجهاد» : إسـ رائيل تغتال  القيادي تيسير الجعبري..والرد بعشرات الصواريخ ...ماذا بين  جنين وبيروت ؟

 

2022-08-06

دلالات: