الرئيسية / المرأة والمجتمع /أقلام ومقالات /المودة.. علاج البيوت التي لا تعرف الحب

الكاتبة: الحب الحقيقي الصادق هو نتيجة وجود 3 عناصر (المودة والرحمة والسكينة) وتفاعلها مع بعضها البعض (الجزيرة)

جريدة صيدونيانيوز.نت / المودة.. علاج البيوت التي لا تعرف الحب

صيدونيانيوز.نت/ أقلام ومقالات / المودة.. علاج البيوت التي لا تعرف الحب

 إن الدعائم التي أقرها الإسلام لبناء البيوت الصحية السليمة هي: المودة والرحمة والسكينة، وهذه توليفة "الحب" بحسب السنة الإلهية والفطرة السليمة.

فكيف يمكن أن تكون المودة شفاء لمن تقول "أنا لا أحب زوجي"، أو للزوج الذي يرى نفسه مجبرا على أن يعيش مع زوجة لا يحبها.

الفرق بين المودة والحب

المودة ليست الحب لكنها هي التي تجلبه، ويحدث الخلط هنا لأن الحب يقتضي إظهار المودة للشخص الآخر، لكن المودة لا يُشترط معها الحب الذي يرتكز أساسا على مشاعر وعواطف.

المودة هي مجموعة سلوكيات وأفعال إيجابية تنتج بسبب وجود تفاعل اجتماعي بين الزوجين، المودة تجذب الحب وتحضره معها مع تكرار الأفعال والتصرفات والسلوكيات، وكلما زادت أهمية الأفعال والسلوكيات للطرف الآخر بشكل مرغوب زاد الانجذاب والتقدير، إذن المودة هي الحضن الذي يبذر الحب ويرعاه حتى يترعرع في قلب بيت الزوجية، كلما أظهر أحد الزوجين الاحترام والتقدير والاهتمام قويت وشائج المودة بينهما وكأنها كائن حي ينمو بالتدريج ويقوى بالتغذية السليمة ويتطلب رعاية دائمة.

وكما أسلفنا، إن الحب الحقيقي الصادق هو نتيجة وجود 3 عناصر وتفاعلها مع بعضها البعض وهي المودة والرحمة والسكينة، الرحمة والمودة متلازمتان، لأن وجود الرحمة يجعل أحد الزوجين يغض الطرف عن مساوئ وعيوب الآخر، ويجعل القدرة على التحمل وقت مواجهة الصعوبات والمشاكل أكبر، فيما السكينة هي حصيلة المودة والرحمة.

لو فرضنا أن الحب الرومانسي -الذي أحيانا لا تصاحبه رحمة- هو الرابط الوحيد لتعلق الزوج بزوجته والزوجة بزوجها، وإذا كان أحدهما عصبيا مثلا أو عنيدا بطبعه أو شكاكا أو مزاجيا أو أنانيا نتوقع أن ردة الفعل عند الغضب ستكون مؤلمة للآخر وغير مرضية، لكن عين الرحمة  تليّن القلب وتنظر إلى الضعيف أو المخطئ بعطف ورقة، وتمكن صاحبها من التروي والتفكير قبل اتخاذ أي موقف أو تصرف، وتعطي قدرة أكثر على معالجة الموقف.

لعل النمذجة خير وسيلة على اكتساب قيمة وخلق الرحمة، وتقوية الإيمان بالامتثال بمعاني القرآن الكريم والسنة الشريفة.

كيف تعيش المودة؟

المودة قوامها "الانسجام والتوافق"، وهو الأرض الخصبة لنمو المودة، مسؤوليات وواجبات الحياة الزوجية والأدوار المنوطة لكل من الزوجين تفرض نوعا من التفاعل الاجتماعي والعاطفي عند التعامل مع المواقف المختلفة ومواجهة بعض الصعوبات والتحديات، وإذا غاب الانسجام والتوافق تحول الاحتكاك الاجتماعي إلى خلافات واختلافات قد تقود لمشاحنات ومصادمات غير مرغوبة.

من هنا كانت أداة القياس "محددات الزواج" محاولة لمعرفة مدى الانسجام والتوافق المنشود بين الشاب والفتاة قبل الإقدام على الزواج، لأنه المقدمة الأولى لضمان التفاهم والاحترام والتقدير.

"الرحمة" هي صمام الأمان للمودة كما قال صلى الله عليه وسلم "لا يفرك مؤمن مؤمنة، إن كره منها خُلُقا رضي منها آخر"، وهذا خطاب موجه للزوجين معا، من البديهي مهما بلغ الوفاق والانسجام مبلغه لا بد أن تظهر صفات وأفعال قد يكرهها الزوج من زوجته والعكس صحيح.

والإسلام يرشدنا لمبدأ عظيم وهو أن يوازن المرء دائما بين الحسنات والسيئات، فلا ننبذ الشخص الآخر لأقل هفوة، أو نعرض عنه لوجود صفة مذمومة معينة، إنه مبدأ العدل والبعد عن الظلم والافتراء والاجتراء، إنه مبدأ الرحمة التي بدونها تموت المودة عند أقل صدام.

من الرحمة التعالي عن النقائص وسفائف الأمور، والتغاضي عن بعض الأخطاء والهفوات، والتركيز على الإيجابيات التي يتمتع بها الآخر، والنظر إلى المساوئ والسلبيات بطريقة إيجابية، لأنها في بعض المواقف والظروف تصبح إيجابيات، وقد تشتكي بعض الزوجات من عيوب معينة في زوجها، فإذا نظرت إليها بعين مجردة وموضوعية قد تراها حسنات تناسب تطلعاتها واحتياجاتها أكثر مما كانت تظن.

إن النظر بعين الرحمة والعدل يحتاج لتدريب وممارسة حتى يغلب على الأفكار والمشاعر السلبية، وتصبح القيم الإيجابية هي السائدة على تفكيرنا، وليكون الحق والإنصاف من يحكم تصرفاتنا وسلوكياتنا.

المودة وقودها "الجهد"، وهو يحتاج لتغذية مستمرة مستمدة من الإيمان بالخالق عز وجل، والرغبة الشديدة بالسمو والترقي، والالتزام بالخلق القويم، والصحبة الصالحة، والتثقيف، هناك جهد لا بد أن يبذل لإظهار المودة لشريك الحياة، هناك مقاومة داخلية للتغلب على مشاعر الجفاء والعناد والنفور وعدم التقبل والزعل وربما الكره، الأمر يحتاج مجاهدة للتغلب على المشاعر السلبية الداخلية لئلا تتحكم في الأفكار والمشاعر وبالتالي تنعكس على السلوكيات.

علاقة السكن بالمودة والرحمة

يقول تعالى ﴿ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون﴾ (الروم/21).

أوجد الله تعالى الأزواج للسكن، بمعنى أن وجود الزوج والزوجة معا مدعاة للإحساس بسكينة النفس وطمأنينتها واستقرارها، كل منهما يوفر للآخر السكن بمعنى الحماية والأمن 

والسلام والراحة والسرور، بحسب ما يقتضيه دور كل منهما، طبيعة دور الزوجة إذا قامت به خير قيام يوفر السكن للزوج، وطبيعة دور الزوج وشروطه يوفر السكن للزوجة إذا أقامه كما ينبغي، السكن قيمة معنوية تحيا من عوائد مادية ومعنوية عندما يفي كل من الزوجين بواجباته ومسؤولياته مقرونا بالمودة والرحمة بمعناهما الحقيقي.

والسكن بين الزوجين يربو بسبب تنامي المودة والرحمة، وبدون الانسجام والتوافق لا يكون هناك سكن، وهو الشرط الذي لا بد منه لإقامة البيوت السعيدة والناجحة.

الحوار مقابل الصمت

إن مسؤوليات وواجبات الحياة الزوجية تحتم على الزوجين التعاطي مع بعضهما البعض للبت في أمور حيوية لتلبية مصالح البيت، مما يزيد التفاعل الاجتماعي بينهما، كأن يتخذا قرارات تبدأ من اختيار طبق اليوم إلى شراء منزل وسيارة إلى التعليم الجامعي للأولاد، وقد يضطر الزوجان إلى أن يتواصلا مع بعضهما البعض في أجواء مشحونة بالخلافات والخصام لتسيير عملية إدارة المنزل، ويجدان نفسيهما مرغمين على الخروج من بوتقة السلبية لتلبية مصالح البيت.

هذا الاحتكاك مفيد لأنه يقوي القواسم المشتركة بينهما ويولد مودة، وقد يدخلان في حوار يتبادلان فيه الآراء، ويضعان أيديهما على مواطن الاختلاف والسلبيات والإيجابيات لكل وجهة نظر حتى يصلا إلى حل مرضٍ يخدم المصلحة المشتركة.

ومن شأن الحوار أن يساعد على معرفة طبيعة شخصية الآخر ومفاتيحها، لأن الحوار الجيد المثمر يحتاج ممارسة وتدريبا وتعودا، فمهارة التواصل والتعامل مع الآخر علم وفن.

الصمت بين الزوجين هو العدو الأول لقتل المودة، الحوار والنقاش والمحادثة والمؤانسة تقرب المسافات وتزيد الألفة والقدرة على فهم الآخر، غياب الحوار يفتح بابا لا يسد من المشاحنات، فعلى سبيل المثال قد تنتاب الزوج مشاعر سلبية بسبب تراكمات لم يصارح بها زوجته أولا بأول لتعرف ما يريد وما لا يريد، معتقدا أن عليها أن تعرف هي بنفسها، فقد لا تعرف أنه لا يحب العطر الفلاني ولا يعجبه وضع الملح الزائد على الطعام، وألا تلبس اللون الرمادي، ونسيت أن تضع ملفاته في الدرج، ونسيت أن تكوي قميصه، كل هذه التصرفات الممقوتة من الزوجة تختنق داخل الزوج وتكبر وتنمو إلى أن تنفجر مرة واحدة عند هفوة غير مقصودة من الزوجة، وتثور ثائرته معلنة وفاة جديدة للمودة.

كان بإمكان الزوج أن يتحكم بمشاعره وأعصابه، ويفهم لماذا فعلت الزوجة هذه الأمور فيناقشها، ويوضح لها مراده ويصبر عليها حتى تتعود على أسلوبه وتفهم طريقته في الحياة.

الحوار يعرّف الزوجين برغبات الآخر وما يفضله وما لا يفضله، وفرصة لقضاء الوقت معا على مائدة الشاي مثلا وقت العصر، ويساعد بشكل كبير على زيادة الألفة والأنس بينهما، وهو فرصة للحد من استخدام التكنولوجيا، ولمناقشة المشاكل ووضع حلول لها، ويعطي مجالا للتعبير عن المشاعر ووضع خطط السفر والمشتريات وترتيب الميزانية ومناقشة أحوال الأولاد واتخاذ قرارات حاسمة ومهمة.

إذا، علاج البيوت التي لا تعرف الحب يكون بغرس الحب الحقيقي وتغيير أي تفكير أو شعور سلبي يهز معاني المودة والرحمة فيه، لأن قوة المودة تكمن في إظهار أفعال وسلوكيات إيجابية للطرف الآخر تتسم بالتقدير والاحترام والاهتمام، والمودة لا بد أن تتلازم معها الرحمة ليُولّدا الحب ولتستقر السكينة والطمأنينة والأمن داخلهما.

سهير الصلاح /كاتبة قطرية/ مدونات الجزيرة

 

2023-01-11

دلالات: