جريدة صيدونيانيوز.نت / البطريرك الراعي في رسالة العيد: نحن في زمن أحوج ما يحتاج إليه لبنان فيه، إنّما هو خلق الدولة – الوطن
جريدة صيدونيانيوز.نت / اخبار لبنان / البطريرك الراعي في رسالة العيد: نحن في زمن أحوج ما يحتاج إليه لبنان فيه، إنّما هو خلق الدولة – الوطن
النهار
وجه البطريرك مار بشارة بطرس الراعي رسائل سياسية عدة ابرزها على الصعيد التربوي في رسالة عيد الفصح المجيد. وقال :"أقدّم التهاني والتمنيات بالعيد، لكم أيّها الإخوة السّادة المطارنة الأجلّاء، وقدس الرؤساء العامّين والرئيسات العامّات، والكهنة والرهبان والراهبات وجميع المؤمنين والمؤمنات الاحبّاء، وأيها الحاضرون هنا، والمشاهدون والمستمعون عبر وسائل الإعلام، بل ايُّها اللبنانيّون المقيمون والمنتشرون. هذه التهاني والتمنيات نقدّمها لجميع أبرشياتنا ورهبانياتنا ومؤسّساتنا في النطاق البطريركي وفي بلدان الانتشار. المسيح الحيّ القائم من بين الأموات يجمعنا، وينصرنا بنعمة الرجاء على كلّ سبب يقود إلى الموت، بل يقيمنا من كلّ حالة موت أكان روحيًّا أم اجتماعيًّا أم معنويًّا، في مسيرتنا نحو القيامة الممجّدة.
واضاف :" إنّكم، أيُّها الإخوة السّادة المطارنة والرّؤساء العامّون والرّئيسات العامّات، والكهنة والرّهبان والرّاهبات والمؤمنون، تدركون بأنّ الكنيسة، فيما تقوم برسالتها الروحيّة، لا تستطيع إهمال رسالتها المميَّزة في المجتمع من أجل تحرير الإنسان من كلّ ما يعوّق نموّه البشري، والثقافي والإجتماعي والإنمائي. ولذلك أنشأتُم المدارس والجامعات والمستشفيات والمراكز المتخصّصة لليتامى والمسنّين والمعوّقين وذوي الإحتياجات الخاصّة والمؤسّسات الإجتماعيّة والخيريّة، وسخيتم في سبيلها. وأنتم بذلك تحملون عبئًا كبيرًا عن الدّولة، لأنّ جميع مؤسّساتكم "ذات منفعة عامّة". ولكن، من المؤسف أنّ الدّولة لا تقوم بواجباتها المالية تجاهها كما يجب ويليق" .
وتابع :"وتتفاقم مشاكلكم مع الدّولة في مدارسكم الكاثوليكية، كما وفي كلّ المدارس الخاصّة من جرّاء القانون 46/2017 الخاصّ بسلسلة الرتب والرواتب، وتداعياته. وقد تكلّمنا عنه مرارًا، وعقدنا بشأنه إجتماعَين تربويَّين موسَّعَين في هذا الصّرح البطريركي، في أول شباط الماضي، وفي 24 آذار الجاري. وكنا ظننّا ان المسؤولين في الدولة يعتبرون المشاركين وما يمثلون دينيًا واجتماعيًا وتربويًا. فأسفنا للعكس. فإنّي باسمكم ومعكم، من أجل حماية التعليم النوعي والثقافة العالية اللذين كوّنا ثروة لبنان، وحريّة الأهل في اختيار المدارس التي يريدونها لأولادهم، نعلن، مع تأكيد كامل مضمون بيان لقاء بكركي التربوي الأخير . أوّلًا، أنّ المدرسة الخاصّة تريد المحافظة على المعلّمين وحقوقهم، وعلى الأهل وإمكانياتهم، وعلى التلامذة وتعليمهم النوعي. لانها ام الصبي، والصبيّ في هذه الحالة هو المعلم والطالب والاهل. (القصة في الملوك 3: 26-27). ثانيًا، من أجل هذه الغاية تلتزم المدرسة من جهّتها بتطبيق سلسلة الرتب والرواتب بموجب الجدول 17 من القانون 46، على أن تتحمّل الدولة تمويل الدرجات السّت الاستثنائية، عملًا بمبدأ وحدة التشريع والتمويل. فليس بمقدور أيّة مدرسة أن تتحمَّل السلسلة والدرجات من دون أن ترفع أقساطها مرغمة بشكل يفوق طاقة المواطنين. وهذا أمر لا تريده على الإطلاق. ثالثًا، انطلاقًا من هذا التعاون بين المدرسة الخاصّة والدولة، فإنّنا نناضل ونضحّي في سبيل حماية النظام التربوي في لبنان من خلال التعليم الخاصّ. إنّ كلّ مدرسة خاصّة ولا سيّما المجّانية منها تضطر، لا سمح الله، على إقفال أبوابها وتشريد طلّابها وزجّ معلّميها وموظّفيها في آفة البطالة، إنّما يتحمّل مسؤوليّتها كلّ من مجلس النواب والحكومة، الأوّل بحكم سلطته التشريعية، والثانية بحكم مسؤوليّتها التنفيذية. فإنّنا نكل هذه القضية الوطنية الخطيرة إلى عناية فخامة رئيس الجمهورية المؤتمن على خير جميع اللبنانيّين بحكم الدستور. عندما كانت مراجعة المسؤولين بهذا الشأن في البدايات كانوا يجيبون " الخزينة فارغة". هذا التعبير الطف طبعًا من لفظة "افلاس".
القيامة لحياة جديدة ولواقع أفضل
وعن قيامة لبنان، قال :"وطننا لبنان يحتاج إلى قيامة في كيانه وشعبه ومؤسّساته كما وفي الممارسة السياسيّة والإقتصاد. نشكر الله على قيام المؤسّسات الدستوريّة التي تعمل قدر مستطاعها. لكنّ لبنان يحتاج إلى قيامة من نزيف الكهرباء المتواصل منذ عشرات السنين؛ ومن ديونه المتفاقمة وعجزه المتصاعد، ومن الفساد المستشري في المؤسسات العامّة والتهرّب الضّريبي، ومن الزيادة في الأنفاق بهدر ومن دون حساب، وكثرة التوظيفات من دون إنتاج، وحالة الفقر والحرمان. الأمر الذي يُنذر بوضع إقتصادي وإجتماعي ومعيشي صعب يُهدّد باهتزاز الإستقرار الدّاخلي. إنّنا نتطلّع إلى "الحيّ بين الأموات" القادر على أن يقيمنا من واقعنا المقلق بقوّته الفاعلة عبر الإرادات الطّيّبة، ومن خلال رجال دولة مدركين ومسؤولين ومتجرّدين. ونأمل أن تأتينا الانتخابات النيابية المقبلة بمثل هؤلاء، بالرغم من المخاطر التي يسببها القانون الانتخابي الجديد على صعيد الديموقراطية والميثاقية اللبنانية والتعايش الوطني، وحرية الترشّح وصوت الناخب المحاصرة بخيار النافذين والبلوكات المذهبية والمالية والإعلامية".
الحاجة إلى الدولة – الوطن والإصلاح
واضاف :"نحن في زمن أحوج ما يحتاج إليه لبنان فيه، إنّما هو خلق الدولة – الوطن التي تؤمن بالتعددية، والتي إليها يتوق شبابنا اللبناني الواعد والواعي، لا الدولة – المذهب التي تناقض الميزة التعددية، وتفرض الأحادية ربّما من حيث لا تدري، وتزعزع الوحدة النموذجيّة. ولذا، ينبغي العمل الجدّي على أن ينخفض الشعور والولاء الطائفي والمذهبي تدريجيًّا، وينمو الشعور والولاء الوطني تصاعديًّا. الملحّ اليوم هو إنقاذ الوحدة الوطنيّة، ومن أجل إنقاذها يجب تقوية الدولة والعمل على إصلاحها وتحريرها وتحييدها وجعلها دولة الحقّ والعدالة والقانون . إن المؤتمرات الدولية التي تنعقد تباعًا في روما وباريس وبروكسل، لعلامةُ رجاء ترتسم في سماء لبنان، لا سيّما وأنّ الدول التي تنظّمها وتشارك فيها وتلتزم بتوصياتها، مشكورة، تبيّن أنها معنيّة "بقيامة" لبنان، كي ينعم بالاستقرار الداخلي، والازدهار الاقتصادي، وبقواه المسلّحة الدستورية، وكي يتمكّن من إنهاض شعبه اللّبناني من فقره، ومساعدة الإخوة النازحين إليه واللاجئين، في حاجاتهم الأساسية وتجنيبهم الفقر المدقع، وكي يعمل في الوقت عينه على توحيد الرؤية في مساعدتهم للرجوع إلى أوطانهم، لا سيّما وأن لبنان بات مرهقًا بالعبء الناتج اقتصاديًّا واجتماعيًّا وديموغرافيًّا".
وختم :"لكي لا تأتي القروض الدّوليّة، ولو ميسّرة، عبئًا يزيد من الدّيون التي ترزح تحتها الخزينة، تشترط هذه المؤتمرات إجراء إصلاحات سياسيّة وإداريّة وماليّة وأمنيّة هي في غاية الضّرورة، وأولاها إصلاح الدّولة – الوطن، كما أشرنا".لماذا تطلبنَ الحيّ بين الأموات؟" (لو24: 5). بهذه العبارة التي تؤكّد قيامة الحيّ الأزلي من بين الأموات، "أقام" الملاكان النسوة من صدمتهنّ وحزنهنّ وخوفهنّ. المسيحُ القائم من الموت "يقيم" الآمال المحطَّمة، ويعطي الشجاعة للنهوض والسَّير من جديد، وهو رفيق الدّرب مع كلّ إنسان: يهديه في الضياع، ويقويّه في الضعف، ويعزّيه في الحزن، ويقدّسه في الألم، ويساعده في دروب الخير والصلاح، ويسعده في الحياة، ويعطي معنى وقيمة لوجوده.
أيّها الإخوة والأخوات الأحبّاء، كم يريدنا هذا "الحيّ" أن يكون كلّ واحد وواحدة منا انعكاسًا "للحيّ" في حياتنا وأعمالنا، في أبرشيّاتنا ورهبانيّاتنا، في مؤسساتنا ورسالاتنا في هذا المشرق وفي بلدان الانتشار