جريدة صيدونيانيوز.نت / لا تجعل الناس سببا لحزنك وسعادتك
صيدونيانيوز.نت / اقلام ومقالات / لا تجعل الناس سببا لحزنك وسعادتك
من الطرائف المشهورة أن أمرأة كانت تشاهد من نافذه غرفتها وسخ الملابس المعلقة بشرفة الجيران وتنتقد عدم اهتمامهم بنظافة ملابسهم، فقام زوجها بتنظيف زجاج النافذة فاكتشفت أن الوسخ على زجاج النافذة وليس على ملابس الجيران المعلقة، فكم من اتهام نتهم به الناس، ولو دققنا أكثر لاكتشفنا أن الخطأ فينا وليس في الآخرين، كما أننا في كثير من الأحيان نتوقع أن الناس يعطوننا السعادة أو هم سبب حزننا، بينما لو تأملنا أكثر لوجدنا أن ذواتنا هي سبب سعادتنا وحزننا وليس الناس، ولهذا هناك أمثلة كثيرة تؤكد هذا المعنى مثل «من راقب الناس مات هما» أو «رضا الناس غاية لا تدرك» وهذه كلمة للشافعي رحمه الله، ولها تكملة وهي «فعليك بما يصلحك، الزمه فإنه لا سبيل إلى رضاهم»، ولهذا قيل: «رضا الناس غاية لا تدرك ورضا الله غاية لا تترك»، فمما يساعد الإنسان على سعادته في الدنيا والآخرة أن كون له منظومة قيمية يعمل من خلالها سواء وافق عليها الناس أو رفضوها، فالمهم أن يعمل بما يرضي رب الناس وليس بما يرضي الناس، ولا يحزن إذا شعر بحزن الناس عليه، أو تغير نظرتهم اليه مادام أنه واثق من صدق واستقامة وصحة ما يفعل، فالناس «لا يعجبها العجب، ولا الصيام في رجب» كما قيل.
ولعل من القصص الشهيرة قصة جحا مع ابنه عندما ركبا الحمار، ومشيا في السوق، فسمع الناس يقولون: انظروا إلى جحا، كم هو ظالم، لأنه يركب مع ابنه فوق الحمار، والحمار يلهث من التعب، فنزل جحا من فوق الحمار وترك ابنه فوق الحمار، فسمع الناس يقولون: كم هذا الابن عاق لوالده، ولا يحترم والده، لأنه فوق الحمار، وترك والده يمشي على رجليه، فجعل جحا ابنه يمشي على الأرض، وركب هو فوق الحمار، فسمع الناس يقولون: كم هذا الأب قاس وظالم، لا يقدر تعب ابنه ومشقته، فحمل جحا الحمار على ظهره ليتخلص من كلام الناس، وليحقق رضاهم، فصار الناس يقولون: انظروا إلى جحا، اشترى الحمار ليكون له حمارا.
بغض النظر عن صدق القصة إلا أنها تصف حال الناس في الحديث عن الناس، وقد حاول جحا في كل محاولة أن يحقق رضا الناس ولكن كما قيل: «رضا الناس غاية لا تدرك»، وحتى رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم على الرغم من اختيار الله له من أشرف النسب، وأفضل الخلق، إلا أن بعض الناس من حوله لم يرضوا به، وكان رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم يحزن على المشركين لتركهم الإيمان، وبعدهم عنه، فقال الله تبارك وتعالى له: (فلا تذهب نفسك عليهم حسرات)، أي لا تهلك نفسك وتحزن من أجل الناس، مادام أنهم اتخذوا قرارا بعدم اتباع الهدى لأن ما على الرسول إلا البلاغ، وفي آية أخرى كذلك نبه الله سبحانه وتعالى الرسول الكريم محمدا صلى الله عليه وسلم ألا يهلك نفسه من أجل الناس، وإنما يؤدي ما عليه فقط فقال جل جلاله، وتباركت اسماؤه: (فلعلك باخع نفسك على آثارهم إن لم يؤمنوا بهذا الحديث أسفا)، أي لا تهلك نفسك من أجل رفضهم للإيمان، لأن الله جعل الدنيا دار اختبار، وليست دار متاع، فقال جل شأنه: (إنا جعلنا ما على الأرض زينة لها لنبلوهم أيهم أحسن عملا)، فكل إنسان يتحمل قراره، والله يحاسب الجميع.
فالرؤية صارت واضحة عند رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم، ولهذا أخبرنا بأنه لابد أن نحدد الرؤية، ونعرف من نسعى لتحقيق رضاه فقال «من التمس رضا الله بسخط الناس كفاه الله مؤنة الناس، ومن التمس رضا الناس بسخط الله وكله الله إلى الناس»، ومن وكله الله إلى الناس عاش حزينا وفقيرا ومكتئبا وقلقا ومتوترا، وقد قامت فلسفة كاملة وهي الوجودية لسارتر على شعار الا وهو: «الآخرون هم الجحيم»، وألغى كل القيم التي يؤمن بها الناس، ولكن الإسلام علمنا أننا نحترم الناس، ونقدرهم، ونراعى مبادئهم، ولكن في نفس الوقت لا نجعلهم معيارا لعملنا ولسلوكنا، ولا نسعى الى تحقيق رضاهم، فكم من أسرة هدمت بسبب طلب رضا أبنائها لا رضا الله، فلنتأمل.
الخبير الاجتماعي والتربوي/ الدكتور جاسم المطوع