جريدة صيدونيانيوز.نت / الاهتمام بالطفل حتى سن عامين
صيدونيانيوز.نت / أقلام ومقالات حديث الجمعة/ الاهتمام بالطفل حتى سن عامين
اهتمام الإسلام كمنهج حياة متكامل بالإنسان يبدأ قبل وجوده، وذلك الأمر من باب إصلاح المحضن والمرتع الذي سوف ينشأ فيه الطفل؛ لذلك فإن للإسلام سلسلة من الأحكام والإرشادات والتوجيهات التي تهيئ هذه البيئة الحسنة للطفل قبل وجوده، فإذا ما تفتحت عيناه ونبض قلبه وجد البيئة الصالحة لنشأته وترعرعه، وذلك من خلال هذا العقد الفريد من التوجيهات النبوية لإصلاح محضن البشرية:
* حضَّ الإسلام على الزواج باعتباره حاجة فطرية للإنسان من باب المحافظة على النوع، وأداء مهمة الخلافة في الأرض، وللزواج ضوابط تبدأ من اختيار الزوجين، وينبني ذلك على عدة أسس هي: الدين، والخلق، وسلامة البدن والنفس، فبالنسبة للرجل يقدم حديث أبي هريرة رضي الله عنه المعيار لذلك : (إذا خطب إليكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه، إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد كبير)[1].
أما بالنسبة للمرأة فقد روى أبو هريرة رضي الله عنه أيضًا حديثًا يبيِّن معيار اختيارها: (( تنكح المرأة لأربع: لمالها، ولحسبها، ولجمالها، ولدينها؛ فاظفر بذات الدين تربت يداك))[2].
وقد أثبت العلماء أن الصفات الخَلقية والخُلقية تنتقل عن طريق الوراثة، وأيضًا وضع بعض العلماء نظرية في الانحراف وأسبابه مبناها على العوامل الوراثية[3].
تعتمد نشأة الأجيال على الطهارة والعفة والاستقامة، وعلى طهارة المحضن والمنبت؛ لذا فقد حرم الإسلام الزنا بكل صوره، لأن الطفل عندها يكون نتاج نطفة خبيثة مهانة، عادة يكون مصيره الضياع والفساد، وكذا حرم الإسلام عددًا من الأنكحة الفاسدة؛ حفاظًا على طهارة المحضن: مثل نكاح المتعة، وفي الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن المتعة، وعن لحوم الحمر الأهلية زمن خيبر[4]، وكذلك نكاح الشغار، والمحلل، والاستبضاع، وفي الحديث: (لا شغار في الإسلام)[5]، والحديث: (لعن الله المحلل والمحلل له)[6].
لأن تربية الطفل تبدأ قبل الولادة كما قلنا، فإن الأمر لا ينتهي باختيار الزوج والزوجة، بل لا بد من تعهد الجنين وهو في بطن أمه، وذلك من خلال:
أ- إحسان إلقاء البذرة الأولى؛ بالتزام آداب الجماع: من تسمية، واستتار، واستحضار نية الولد الصالح، وإعفاف النفس.
ب- تعاهده بعد تكوينه جنينًا في بطن أمه؛ بالإنفاق على أمه، وحسن رعايتها: نفسيًّا وصحيًّا، وإبعادها عما يسبب لها الضعف والقلق والتوتر؛ لأن كل ذلك ينتقل مباشرة للطفل؛ قال تعالى: ﴿ وَإِنْ كُنَّ أُولَاتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ ﴾ [الطلاق:6].
وشريعة الإسلام السمحة أباحت بعض الأمور من باب المحافظة على الطفل وهو جنين: مثل رخصة الفطر للحامل والمرضع، وتأجيل الحد على الزانية حتى ترضع وتفطم ولدها، وحفظ نصيب الجنين في ميراث أبيه إذا مات قبل ولادته[7].
والخلاصة: الأبوة والأمومة هما أعظم تبعات الإنسان من أجل إنشاء الطفل الصالح في كل الجوانب صحيًّا ونفسيًّا وعقليًّا.
رعاية الطفل بعد ولادته حتى سن عامين:
لقد تفرد الإسلام كمنهج شامل في رعاية الطفل منذ أول يوم لولادته، ووضع مجموعة من الأحكام والتوجيهات النبوية التي من شأنها جعل الطفل سعيدًا صالحًا سويًّا، وباستعراض هذه التوجيهات نلاحظ أنها تسير في إطار متسلسل؛ لتسليم الطفل إلى مرحلة الفطام على أكمل وجه، ونذكر هذه التوجيهات بصورة مختصرة.
أ- أعمال اليوم الأول للولادة:
1- البشارة والتهنئة بالمولود؛ فالمجتمع المسلم سمته التكافل والتواد والتراحم، ومن ذلك بشارة الملائكة بيحيى لأبيه زكريا عليهما السلام...[8].
2- التأذين في أذنه اليمنى، حتى يكون أول ما يطرق أسماع الطفل حال قدومه للدنيا ألفاظ الأذان؛ المشتملة على تمجيد الله وتعظيمه وتوحيده، وقد ذكر ابن القيم جملة من الفوائد لذلك الأمر في كتابه (تحفة المودود بأحكام المولود).
3- تحنيكه: وذلك بمضغ تمرة، ثم وضعها بحنك الطفل؛ ليكون أول ما يدخل جوف الطفل الطعام الحلو، ويستحب أن يقوم بذلك أحد الصالحين، وهذا التحنيك يعتبر معجزة نبوية في مجال الصحة للطفل؛ لما ثبت علميًا من فوائد عظيمة لدخول الحلو حنك الرضيع في أول يوم له[9].
ب- أعمال اليوم السابع للولادة:
وأعمال هذا اليوم مجموعة في حديث سمرة بن جندب رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (كل غلام رهينة بعقيقته؛ تذبح عنه يوم سابعه، ويحلق، ويسمى)[10].
فهي ثلاثة أمور:
1- التسمية؛ ويستحب في ذلك أسماء الأنبياء والمرسلين والشهداء، وعبد الله وعبد الرحمن؛ كما ورد في الحديث، وهمام وحارث؛ لكونهما أصدق الأسماء، ولقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يغير الأسماء القبيحة لأخرى حسنة، ولبعض أهل العلم مصنفات في ذلك[11].
2- العقيقة: وهي ما يذبح للمولود حسب نوعه: للذكر شاتان، وللأنثى شاة واحدة، وهي شعيرة مستحبة عند الجمهور، خلافًا للأحناف، وفيها سر بديع موروث عن فداء إسماعيل بالكبش، وتعتبر فداء وتخليصًا له من حبس الشيطان له، والذي يطعنه في أول يوم لولادته.
3- حلق الرأس والتصدق بوزنه فضة: وفي ذلك فائدتان: الأولى صحية لتقوية الشعر، وحاسة البصر والشم والسمع[12]، والأخرى اجتماعية بالتصدق على الفقراء بوزن شعره.
جـ- الختان:
وهو رأس الفطرة، وشعار الإسلام، ومن آكد خصال الفطرة؛ فهو يميز المسلم عن غيره من أتباع الديانات الأخرى، وهو واجب في حق الرجال؛ وذلك قول الجمهور خلافًا للأحناف، وقد شدد الإمام مالك فقال: (من لم يختتن لم تجز إمامته، ولم تقبل شهادته)..
هذا وللختان فوائد صحية عظيمة؛ حيث يمنع حدوث أمراض كثيرة.
وبعد: يوفر الإسلام للطفل حتى سن العامين الرضاعة، بل يوجبها على الأب؛ فإن الأب عليه الرزق والكسوة، فبعد أن أقام الإسلام أول لبنات الأسرة: الزوجان، وهو كمنهج حياة جعل لكل من الزوجين حقوقًا، وفرض على كل منهما واجبات، فالزوج عليه الإنفاق، والزوجة عليها الإشفاق؛ وذلك بالرضاعة حتى الفطام، وقال تعالى: ﴿ وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ ﴾ [البقرة: 233]، وهي عادة بشرية، لا يختص بها الإسلام فقط؛ وإرضاع الأم لولدها يحقق له كل أسباب الصحة النفسية والبدنية والعقلية[13].
[1] "الترمذي" النكاح (1084).
[2] "البخاري" النكاح (5090).
[3] "انحراف الأحداث" ص (110).
[4] "البخاري" النكاح (5115).
[5] "مسلم" النكاح (1415).
[6] "أبو داود" النكاح (2076)، "ابن ماجه" النكاح (1936).
[7] "منهج السنة" لبدير ص(40).
[8] "منهج السنة في تربية الطفل" ص(55).
[9] "منهاج السنة" لسويد ص(57).
[10] "أبو داود" الضحايا (2838)، "أحمد" البصريين (19579).
[11] "رسالة" للشيخ بكر أبو زيد في تسمية المولود.
[12] "منهج السنة" لبدير ص (44) نقلًا عن ابن القيم.
[13] لمزيد من الفوائد راجع كتاب: "الأمومة ونمو العلاقة بين الطفل والأم" ص (83).