البطريرك مار بشارة بطرس الراعي / الجمهورية
جريدة صيدونيانيوز.نت / البطريرك الراعي لـ«الجمهوريّة»: لثورة شعبيّة ضد الفساد والفاسدين وسنتصدّى للمثالثة
جريدة صيدونيانيوز.نت / اخبار لبنان / البطريرك الراعي لـ«الجمهوريّة»: لثورة شعبيّة ضد الفساد والفاسدين وسنتصدّى للمثالثة
ألان سركيس- جريدة الجمهورية
عيد مار مارون شفيع الكنيسة المارونية، أفكارٌ كثيرة تجول في رأس سيّد الصرح. هو المؤتمَنُ على تاريخٍ طويلٍ من النضال يمتدّ على مدى 1500 سنة، هذا التاريخ يواجه تحدّياتِ المستقبل في عالمٍ بات قريةً كونيةً حيث لا تستطيع أن تقول للشاب الماروني وهو يرى كل تلك التغيّرات تحصل من حوله، عِش كما عاش أجدادُك. في المقابل يحمل بطريركُ الموارنة أثقالَ بلدٍ كان أبناءُ مارون وراءَ فكرة إنشائه ويواجه خطرَ الإنهيار. من هنا، لا يُحسَد البطريرك مار بشارة بطرس الراعي على اللحظة التي تربّع فيها على العرش البطريركي وهو يعبّر عن هواجسه وتطلعاته اليومَ عبر «الجمهورية»، متمنّياً أن يتمّ إنقاذُ البلد بشفاعة أبينا القديس مارون.
بين بكركي والديمان والرعايا في الداخل والخارج يجول البطريرك الراعي محاوِلاً إبقاءَ الروابط بين أبناء طائفته، متخطّياً مرات عدّة كل الحواجز التي يرسمها البشر. وكم هو بعيد اليوم من الأمس ومن الزمن الذي عاش فيه الناسك مارون نسكيّته. وربما تكون صورة العائلة هي الأقرب الى الواقع الماروني، فعندما يكون الأطفال صغاراً تبقى العائلة مجتمعةً وعندما يكبرون ينتشرون في أصقاع الأرض.
الأمّة المارونية
يعيش الراعي حالة أملٍ بالغد على رغم كل الصعوبات، ويؤكد لـ«الجمهوريّة» أنّ الموارنة أمّةٌ متجانسةٌ وباقيةٌ حتى لو إنتشرت في القاراتُ أجمع وفرّقتها السياسةُ في أوقات شتى، لكنّ الإيمان الماروني والتمثل بسيرة أبينا القديس مارون وتعاليمه وقيَمه يُبقياننا صامدين بوجه كل أنواع المخاطر والحروب.
ويتابع قائلاً: أنظروا الى شعب مارون فما زال يقدّم قديسين للبشرية، لذلك لا خوفَ عليه، فنحن نكبر ونقوى بإيماننا المسيحي، نعمل للحق ولا نتعدّى على أحد، نريد العيش بسلام لكننا في المقابل نرفص أن نكون ذمّيين عند أحد، فالمارونية والحرية جوهران متلازمان، و«لا يفكر أحد مهما بلغ من قوة وجبروت بأنه قادرٌ على إخضاعنا».
الراعي يسخر من كل مَن يقول إنّ لبنان سيبصبح أرضاً خالية من الموارنة، ويشدّد على «أننا نحن حرّاس هذه الأرض، ولا تستطيع أيُّ قوة في العالم إقتلاعنا منها، دفعنا أرواحنا فداها، فالشعب الماروني يستشهد في سبيلها، ولدينا بطريركان شهيدان، ورهباننا لم يبخلوا في تقديم الدماء فداها»، ويضيف متسائلاً «فأيُّ عاقل يتصوّر أننا سنتركها لقمةً سائغةً للغرباء والطامعين؟».
الإستقلال والوجود
يراهن الراعي على الذاكرة المارونية الجماعية وعلى الحرص على حفظ تاريخ الأمّة المارونية، ويؤكّد أنّ «الماروني ماروني سواءٌ كان في الجبال أم في الساحل أو في المهجر».
ويدعو الى «عدم الإستخفاف بالعلاقة التي نشأت بينه وبين الصخور والوديان، تلك العلاقة منحتنا القوة والعزيمة والإستقلالية، وباتت جبالنا وودياننا ملعبَ حريّتنا».
وفي عيد مار مارون، يعتير الراعي أنّ الحفاط على لبنان ليس مسؤولية مارونية فقط بل مسؤولية وطنية شاملة، فالموارنةُ لم يعملوا لإقامة وطن قومي مسيحي بل أرادوا لبنانَ بشكله الحالي، وقد لاقاهم المسلمون الى منتصف الطريق، لذلك لا بدّ من تعزيز فكرة الإستقلالية اللبنانية لدى جميع مكوّناته والإنتهاء من فكرة الإرتباط بالخارج أو القوميات العابرة للوطن، فالأساس هو لبنان وولاؤنا الأوّل والأخير يجب أن يكون له، وإلّا فكل فريق سيبحث عن قوة خارجية تحميه وتعطيه نفوذاً ويصبح عندها بلدُنا مشرّعاً لكل أنواع التدخّلات والفتن والحروب.
الحكومة والفساد
ولا يخفي الراعي غضبه على معظم الطبقة السياسية، ويؤكد أنّ تصرّفاتِها تدمّر البلاد، وهذا الأمر لا ينطلق من موقف شخصي من أحد، بل إنّ الأرقام الإقتصادية والتقارير تُظهره.
ويقول «لم يصل لبنان في تاريخه الى هذا المستوى من الفساد، هناك مسؤولون فاسدون يشرّعون الفساد، ويعطون الشعبَ الفتاتَ ليُغرقوه في لعبتهم ويسكتون عليه وينهشون هم الخيرات والمليارات».
ويلفت الراعي الى حجم الدين العام الذي يقترب من ملامسة عتبة المئة مليار دولار أميركي، ولا أحدَ يحرّك ساكناً وكأنّ الهدفَ تفليس الدولة وإنهاء الكيان.
ويشدّد على أنّ «المطلوب ثورة شعبية وثورة ضد الفساد والفاسدين وإلّا سيسقط الهيكل فوق رؤوس الجميع»، فبكركي لا يمكنها أن تسكت لأنها بطريركية تدافع عن حقوق الشعب، وهنا أشدد كل الشعب، لأنّ الفقر يطال المسلم والمسيحي على حدٍّ سواء، والإنهيار لا يرحم أحداً، ومن واجبنا أن نرفع الصوت عالياً.
ويدعو الراعي منبّهاً: أنطروا ماذا فعلوا من أجل الحصول على الأموال الموعودة في مؤتمر «سيدر»، وكيف يفرّطون بها، فقدّ تأخّروا 9 أشهر عن تأليف حكومة بسبب خلافهم على الحصص والمغانم وكأنّ لبنان ملك أبيهم وورثوه ليدمّروه وهذا الأمر لن نقبل به بتاتاً.
في المقابل، لا يريد الراعي أن يكون سلبياً، إذ يرحّب بالولادة الحكومية الصعبة، ويدعو الى تعويض كل الوقت الذي ضاع منذ تسعة اشهر من دون أيِّ مبرِّرٍ منطقي.
ويشير الى أنّ أمام الحكومة تحدّياتٍ كبرى أبرزها معالجة الوضع الإقتصادي والإجتماعي والمباشرة بالإصلاحات وتنفيذ مندرجات مؤتمر «سيدر».
ويطالب الوزراء حازماً بـ»أن يكونوا أمناءَ على المال العام ويوقفوا مسلسل الهدر والفساد في وزاراتهم» لأنّ الإهتراءَ يأكل الدولة ومؤسساتها.
ويطلب الراعي من الحكومة الجديدة بأن تكون فريق عمل متجانساً لا أن تتحوّل الى متاريس وجبهات متقاتلة، وهو يرى ويدرك أنّ «التجارب السابقة لا تشجّع»، متمنّياً ترك الملفات الخلافية جانباً والمباشرة بالعمل لحلّ مشكلات الناس.
لا مثالثة
ووسط الخوف على الوجود المسيحي في لبنان، يرى الراعي أنّ «الوقت الآن ليس وقتَ تغييرِ نظام، فالأولوية للإنقاذ، ومَن يفكّر بهذا الأمر يفكّر بنفسه ويريد تحقيقَ مكاسب مستفيداً من فائض القوة الذي يملكه».
ويتابع: نسمع في الخفاء عن طروحاتٍ جديدة مثل المثالثة، وهذا الأمر مرفوص جملةً وتفصيلاً، ومَن يفكر فيه يريد إلغاءَ لبنان القائم بجناحيه المسلم والمسيحي، فالمسيحي هو شريكٌ في الوطن والمدافعُ الأول عنه، وإذا تناقص ديموغرافياً فذلك لا يعني الإنقضاض عليه، لذلك «سنتصدّى للمثالثة او أيِّ طرحٍ آخر مشبوه من أيِّ جهةٍ أتى».
ويشدّد أنّ «المطلوب تطبيق الدستور و»إتفاق الطائف» بنصّه وروحه، فيجدوا عندها المخارج لأزماتنا السياسية».
اللقاءاتُ المارونية
منذ إستلامه السُدّة البطريركية، يحاول الراعي جمعَ الموارنة حول مواقفَ موحّدة وإتمامَ المصالحات وكسرَ الجليد الذي راكمته السنوات العابرة، وفي السياق يشرح الراعي أنّ «اللقاءَ الماروني» الذي حصل في بكركي في 16 كانون الثاني الماضي ضروري، ولجنة المتابعة تقوم بعملها، والسببُ الأساس لجمع الموارنة هو الشعورُ بالخطر على الكيان اللبناني وليس الطائفة، ونحن نتواصل مع كل الناس من كل الطوائف.
ويؤكّد: أنّ التنسيق بين أبناء الطائفة مهمّ للغاية، فاللقاء ليس موجَّهاً ضد أحد، والتحرّك يبدأ من قلب البيت لينتقلَ الى الآخرين، لذلك سيكون العمل جدّياً ومكثّفاً خصوصاً في المواضيع المطروحة، والأجواء حالياً بين الموارنة إيجابية لأنّ الجميع يتكلمون مع بعضهم ويتناقشون مصيرَ الوطن على رغم الإختلافات الموجودة.
ويعتبر أنّ العلاقة بين الموارنة قطعت أشواطاً كبيرة، فـ«القوات اللبنانية» و«التيار الوطني الحر» تصالحا ويجب الحفاط على المصالحة، والدكتور سمير جعجع والوزير السابق سليمان فرنجية إلتقيا في بكركي، لذلك على الموارنة أن يمنعوا الحقدَ من أن يتسرّب مجدداً الى نفوسهم والّا سيدفعون الثمن من حضورهم ووجودهم، فالكره أخطر سلاح فتّاك يقضي على الوجود الماروني.
الدولةُ وحصرُ السلاح
ويدعو الراعي الجميع الى العودة الى مشروع الدولة لأنها تحمي الجميع من دون إستثناء، «فلا مستقبلَ للدويلات في بلد مثل لبنان، ومَن يفكّر بانشاء دويلته الخاصة سيرتدّ هذا الأمر عليه سلباً»، لذا المطلوب هو جلوس الجميع مع بعضهم والمصارحة، فكلّ القوى السياسية والطائفية كانت لها تجارب خاصة لكنها لم تصل الى أيّ مكان.
الراعي يطالب بالعمل فوراً لإنقاذ هيكل الدولة، فلدينا مؤسسات ما تزال تعمل رغم كل الفوضى والفساد، لذلك علينا أن نؤمِنَ بها وندعمها، فالجيش والقوى الأمنية إستطاعا أن يهزما «داعش» وأخواتها والشبكات الإرهابية، وبالتالي فهما وحدهما مؤتمنان على الدفاع عنّا ولحصر السلاح بأيديهما، لأنّ اللبناني على إختلاف أيّاً كان انتماؤه يدعم الشرعية.
الكنيسة والشعب
وفي عيد مارون، يشدّد الراعي على العلاقة الجيدة بين بكركي والفاتيكان، نافياً كل الشائعات المغرِضة التي يحاول البعضُ إطلاقها من أجل التصويب على الكنيسة، ويؤكّد أنّ الشعب الماروني يطالب بكركي بالكثير لأنه يعتبرها مرجعيّته، لكنّ المطالبة الأولى يجب أن تكون للدولة لحضّها على القيام بواجباتها.
ويرى أنّ الدولة تخطئ في اماكن كثيرة وكان آخرها إقرار القانون 46 التربوي الذي ضرب المدارس الخاصة والأهالي على حدّ سواء، ونحن «نعمل جاهدين من أجل إطفاء كرة النار التي رُمِيت بين أيادينا».
ويضيف: نعم هناك هواجس مارونية وأسئلة، مثل الديموغرافيا والجغرافيا التي تتآكل، ونحن نحاول جاهدين الحفاظ على أرضنا وعدم بيع المسيحي لها، وقد نجحنا الى حدٍّ بعيد في هذا الملف، وبالنسبة الى الخوف الديموغرافي، فإنه موجود لكنّ هناك دراسات تشير الى أنّ الخلل في الميزان بدأ يتصحّح ونأمل ذلك.
أما بالنسبة لوظائف الدولة، فيدعو الراعي المسيحيين الى الدخول الى الدولة وتصحيح الخلل، وعلى المستوى الإداري نتعب جاهدين للعودة الى المراكز التي كنا نشغلها، علما أنّ هناك مَن تعوّد بعد التسعين على أخذ القرارات والمراكز من دون أن يحسب الحساب للمسيحيين، وهذا الأمر يتصحّح تباعاً.
زيارة البابا
لم يشأ الراعي أن تمرّ زيارةُ البابا فرنسيس الى الإمارات من دون المشارَكة فيها، إذ يصف الزيارة بالتاريخية، ويقول إنّ ما أظهرته تلك الزيارة يشكّل خيرَ دليل على أنّ الأديان السماوية تستطيع العيش معاً بسلام دون إرهاب وتطرف.
ويُثني على كل ما فعلته القيادة الإماراتية قبل وخلال زيارة البابا، فهذه الزيارة وجّهت رسالةً كبرى للبشرية بأنّ الدين هو للسلام وليس للحروب ويجب السير وفق تعاليم الله لا تحويرها.
ويلفت الى إعلان الأخوّة الإنسانية الذي وُقّع بين قداسة البابا وشيخ الأزهر حيث يجب أن نحمله الى بلداننا وبيوتنا ومجتمعاتنا.
ويقول: «الإمارات قدّمت شهادةً للعالم كله بأننا اخوة في العالم والديانات هي مصدر الأخوّة والتلاقي، والحروب لا تأتي من الدين وإنما ممَّن يستغلّون الدين من أجل حروبهم».
ويطالب المسلمين والمسيحيين في الشرق أن يحافظوا على الرسالة العظيمة الموكلة اليهم من الله وأن يعيشوا معاً، ويبنوا حضارة وثقافة معاً، ًًوأن يُظهر المسيحي وجهَ الإسلام الحقيقي في العالم المسيحي وبدوره يُظهر المسلم الوجهَ المسيحي الحقيقي في العالم الإسلامي».
وفي النهاية، يدعو الراعي الشعب المسيحي الى الأمل بالغد وعدم الخوف، لأنّ ما مرّ علينا أصعب بكثير من وقتنا هذا، لكننا صمدنا وبقينا، وطالما أنّ هذه الجبال موجودة فالمارونيُّ باقٍ، ولبنانُ باقٍ أيضاً.