جريدة صيدونيانيوز.نت / هذا ما تعلمته من طلاقي
صيدونيانيو.نت/ أقلام ومقالات / هذا ما تعلمته من طلاقي
غالبا عندما استمع لمن يشتكي عن تجربته ومعاناته للطلاق أحاول بعد الإستماع أن أطرح عليه سؤالا واحدا ، وهو (ما الذي تعلمته من تجربة الإنفصال ؟ ) .
كان بعضهم يستغرب من سؤالي ، إلا إنه بعد النقاش والحوار معهم يشعروا باطمئنان وراحة نفسية ، وخاصة بعدما يتأملوا الجوانب الخيرية في هذا الحدث ، حتى قال لي أحدهم يوما مازحا : (جعلتني أرى الإنفصال من نعم الله علي) ، فقلت له : نحن لا نشجع علي الطلاق ولا نريد أن نزين لك الإنفصال ، ولكن لو حصل الطلاق لأمر ما ، فلابد من أن نكون ايجابيين في التعامل معه ، وقد جمعت بهذا المقال إجابات المطلقين عندما وجهت إليهم سؤالي عما تعلموه من تجربة الطلاق ، وقد تكون بعض الإجابات غريبة ولكنها زاوية في التفكير والنظر لا بد أن ننظر من خلالها حتى نري المحن منح ، ونرى الإبتلاء باب للخير قد فتح لنا.
وسأترككم الآن مع كلام المطلقين فيما تعلموه من تجربة الطلاق .
قال الأول: أنا تعلمت من طلاقي أن أتحمل مسؤولية قراراتي في الحياة ولا أعتمد علي غيري في تحمل مسؤولية قراراتي ،
وقال الثاني : أنا تعلمت أن لا أستغني عن أهلي حتي لو كنت سعيدا في زواجي وعائلتي ،
وقال الثالث : أنا تعلمت أن أضع أملي في الله أكثر من أن أضعه لدي الناس ولو كانوا قريبين مني ،
وقالت الرابعة : أنا تعلمت أن أبنائي عندما يبتعدون عن أبيهم يتربون تربية أفضل ، لأنه كان مصدر خوف ورعب وعدم أمان واستقرار لهم فلما انفصلنا شعروا بالأمن والأمان ،
وقالت الخامسة : أنا تعلمت كيف أتعامل مع مشاعر الناس التي تنظر لي بخوف وترقب وكأني أحمل مرض معدي ، فهم يخافون مني ويرتابون من أخلاقي ويتعاملون معي بحذر وأحيانا بعض الزوجات يخشون أن أخطف أزواجهم ،
وقال السادس : أنا تعلمت أن الدنيا متقلبة ، وأنها ليست دار قرار وأمان وإنما القرار والإستقرار في الآخرة ،
وقال السابع : أنا تعلمت كيف أتعامل مع مشاعر الغضب والكراهية التي شعرت بها لحظة الطلاق ،
وقال الثامن : أنا تعلمت أن لدي قدرات ومواهب ممتازة لأني لم أكتشف نفسي إلا بعد الطلاق ، وقد استثمرت نفسي بعمل مشاريع وبرامج تحقق ذاتي وأخدم مجتمعي ،
وقال التاسع : أنا تعلمت أن المحن التي يمر بها الإنسان يتعرف فيها علي أصدقائه المخلصين أو الذين يركضون وراء مصالحهم ،
وقال العاشر : أنا تعلمت أن أركز علي أعمال ومشاريع في حياتي تفيدني في آخرتي ، فقد كنت منشغلا بالدنيا كثيرا والطلاق جعلني أعيد أوراق حياتي ،
وقال الحادي عشر : أنا تعلمت الصبر والمصابرة ومجاهدة النفس والتحكم بالذات ، وكان الانفصال فرصة لي لقراءة كتب تهذيب النفس والدخول في دورات تنمية الذات والنفس ،
وقال الثاني عشر : أنا تعلمت كيف أرشد غيري وخاصة الذين يمرون بنفس تجربتي ، حتي صرت مصدرا لإسعاد الآخرين ،
وقال الثالث عشر : أنا تعلمت كيف أرتب حياتي وأهدافي وأهتم بصحتي وعقلي وعلاقاتي ، وقد تابعت تعليمي بعد الطلاق والآن في طريقي للحصول علي الدكتوراه ،
وقال الرابع عشر : أنا تعلمت أن بعض العلاقات لابد وأن يكون لها تاريخ نهاية إلا علاقتنا بالله تعالي ،
وقال الخامس عشر : أنا كنت أعيش بأحلام وخيال دنيوية ، وبعد الطلاق تعلمت أن الحياة الحقيقية ليست هذه التي كنت أراها ، فقويت علاقتي بربي وبدأت أتعمق بالدين أكثر وشعرت براحة وأنس بالقرب من الله تعالى.
فهذه كانت اجابات المطلقين بعدما فاجأتهم بسؤالي عن الذي تعلموه من وراء هذا الحدث ، وكانوا في البداية لا ينظرون لأي خير أو بصيص أمل في الحدث ، وينظرون للطلاق وكأنه نهاية العالم ، إلا إن هذا السؤال المفاجأ غير نظرتهم للإنفصال وصاروا يرون الجانب الخيري فيه ، ولهذا قال رسولنا الكريم (عَجَبًا لأمرِ المؤمنِ إِنَّ أمْرَه كُلَّهُ لهُ خَيرٌ ، وليسَ ذلكَ لأحَدٍ إلا للمُؤْمنِ ، إِنْ أصَابتهُ سَرَّاءُ شَكَرَ فكانتْ خَيرًا لهُ ، وإنْ أصَابتهُ ضَرَّاءُ صَبرَ فكانتْ خَيرًا لهُ) ، فهذا ما يمتاز به المؤمن فهو يمتلك النظرة الإيجابية في الحدث المألم ، ويمتلك النظرة التفاؤلية في الحدث المحزن ، ويمتلك النظرة الخيرية في الحدث المتشاؤم ، حتي لو كان الحدث هذا في ظاهره طلاق وانفصال وتفكك أسرة فقد يكون في باطنه خير كثير .
وأعرف امرأة كانت مكتئبة بسبب طلاقها وكنت أحاول أوجه نظرها للخيرية في الطلاق ولكنها رفضت هذا المنطق ، وتمر الأيام فتكتشف الخير كله عندما علمت أن طليقها كان تاجرا للمخدرات فصرف الله عنها وعن أولادها السوء ، ومع ذلك كله هي أكملت تعليمها وحصلت علي شهادات عليا وقد أكرمها الله بزوج طيب وخلوق ومتدين تزوجها بعدما تجاوز عمرها الأربعين عاما ، ثم جاءتني مرة أخري وقالت : نعم إن الطلاق كان خيرا لي.
فأحداث الحياة تحتاج لنفس مطمئنة ونفسية متفائله ، وأفضل تكنيك للتعامل مع القدر الذي يألمنا أن ندفعه بقدر آخر يفرحنا ، مثلما قال ابن القيم رحمه الله في دفع القدر بالقدر (مثل دفع العدو بقتاله ، ودفع قدر المرض بقدر التداوي، ودفع قدر الذنب بقدر التوبة، ودفع قدر الإساءة بقدر الإحسان ) وكذلك دفع قدر وقوع الطلاق بقدرالإنطلاقة بعده ، ورؤية ايجابياته واستثمار حسناته.