جريدة صيدونيانيوز.نت / "المركزي" يلهو بسعر الصرف... والمواطن يسأم
Sidonianews.net
-------------------
نداء الوطن / خالد أبو شقرا
تتعامل السلطة النقدية مع سعر الصرف كلعبة. حيناً توظفه لأهداف شخصية، وأحياناً كثيرة تقدّمه «قرباناً» على مذبح المصالح السياسية. الملهاة في سعر الصرف ما هي في الواقع إلا مأساة وطنية، تطيح بالاستقرار، تعمق انهيار القدرة الشرائية، تغني قلة وتفقر الاكثرية، وتجعل المواطنين في خلاف دائم بين بعضهم البعض وبينهم وبين المصارف التجارية. نعم، بهذه الخفّة ما زال «المركزي» اللبناني يتعامل مع دعم الليرة بداية الانهيار.
تكفي العودة إلى عصر يوم الجمعة 27 أيّار الفائت للاستدلال على الخفة التي تعالج بها الأزمة. قبل ظهر ذلك اليوم تابع سعر الصرف الارتفاع الذي كان قد بدأه قبل نحو شهر من الانتخابات النيابية، ملامساً 38 ألف ليرة. التحليق الصاروخي الذي تخطت نسبته 30 في المئة في غضون شهر تقريباً نتيجة تراجع ضخ الدولار على منصة صيرفة والضبابية السياسية، أشعل الشارع وكاد «يطير» انتخابات رئاسة البرلمان في 31 أيار. فصدر عن مصرف لبنان البيان الذي يدعو فيه جميع حاملي الليرة اللبنانية ويريدون تحويلها إلى الدولار، التقدم بهذه الطلبات إلى المصارف اللبنانية ابتداء من يوم الاثنين في 30 أيار، وذلك على سعر «صيرفة» (24600 ليرة). على أن تتم تلبية هذه الطلبات كاملة في غضون 24 ساعة. فهدأ السعر وتراجع إلى 28 ألف ليرة في غضون ساعات.
تخفيض السقوف
العرض المفتوح والمتاح يومياً، مع الكثير من إستنسابية المصارف في تطبيقه، لم يصمد أكثر من 11 يوماً. حيث عمد مصرف لبنان إلى تخفيض حدود التحويل الشهرية بالنسبة للأفراد إلى 500 دولار فقط بعدما كانت مفتوحة. وذلك بالتوازي مع تخفيض سقوف عمليات المصارف. نتيجة القرار كانت تراجع التداول يوم أمس الاول على منصة صيرفة إلى 55 مليون دولار بعدما بلغ في 30 أيار، أول أيام تطبيق القرار 196 مليون دولار، وعاد سعر الصرف إلى الارتفاع متخطياً 30 ألف ليرة.
مصدر مصرفي برر السياسة التي يتبعها «المركزي» بانها «تهدف في كل مرة إلى سحب فتيل الانفجار وإعطاء فرصة جديدة للتوافق وبدء الاصلاح، وهذا ما لا يحصل مع الاسف». وبغض النظر عن معرفة المركزي قبل غيره قدراته المحدودة على التدخل فان الثمن هذه المرة كان:
- بلوغ حجم التداول على منصة صيرفة في غضون 11 يوماً فقط 1.192 مليار دولار.
- إستنزف مصرف لبنان مئات ملايين الدولارات الاضافية النادرة، حيث كان البائع الأكبر على المنصة.
- خسر المواطنون قسماً كبيراً من الدولارات التي ادخروها، بعدما أسرعوا إلى بيعها خوفاً من تراجع سعر الصرف بنسب أكبر.
- لم تتراجع أسعار الكثير من السلع والخدمات التي سبق وحددت على أساس 38 ألف ليرة للدولار بنفس نسبة تراجع سعر الصرف.
- حققت فئة قليلة من السماسرة بالتنسيق مع موظفين من البنوك أرباحاً هائلة نتيجة امتهانهم بيع الدولار في السوق، ومن ثم شرائه يومياً من المصارف على سعر صيرفة، وبفارق 4000 ليرة للدولار الواحد ومن دون سقوف.
التدخل الضار
التدخل بالسوق من خلال السياسات النقدية الخاطئة قد تكون أخطر بما لا يقاس على ترك الاقتصاد يوازن نفسه بنفسه. فـ»تداعيات التدخل الخاطئ والمتقطع عادة ما تكون تشويه الاقتصاد في مجالي الاستهلاك والاستثمار»، بحسب الخبير الاقتصادي وليد أبو سليمان. و»التقلبات الهائلة في الاسعار الناتجة عنها تخلق إرباكاً عند التجار «الاوادم» وتُعجزهم عن التسعير، وتخفض القدرة الشرائية للمستهلكين، ولا يستفيد منها إلا «تجار العملة» الذي يحققون مكاسب على حساب ما تبقى من أموال المودعين». المشكلة بحسب أبو سليمان هي أن «السياسات النقدية المتبعة لا تقوم على رؤية واضحة طويلة الامد، بل هي سياسة ترقيعية، دائماً ما تنتظر أن يبصر حل ما النور، سواء كان هذا الحل المراهن عليه داخلياً أو إقليمياً».
التخبط باعتماد سياسات نقدية آنية لا تأخذ في عين الاعتبار لجم التضخم وحماية القدرة الشرائية كانت كلفتها باهظة على الاقتصاد بشكل عام، والمودعين بشكل خاص. فـ»هامش الربح الفوري والسهل الذي فتحته هذه السياسة للمضاربين على العملة تخطى 15 في المئة يومياً»، برأي أبو سليمان. «وهو يتجاوز بأشواط الربح الذي يمكن تحقيقه من أي عمل شرعي. في المقابل يسجل مصرف لبنان قيم التدخل بالعملة الصعبة خسارات في دفاتره من أموال المودعين». وعليه لم يكن يجوز بأي شكل من الاشكال الاستمرار في هذه السياسة، إلا أن تعديلها من قبل المركزي، وتلقفها من قبل المصارف المتفلتة أساساً من أي رقابة والتي كانت تتعامل مع التعميم 161 باستنسابية فاقعة، ارتد ارتفاعاً في سعر صرف الدولار في السوق الموازية.
السلاح الفتاك
خلافاً للدول التي تعتمد سياسة سعر الصرف الموجّه للمحافظة على الاسقرار النقدي، تحولت هذه السياسة إلى «سلاح فتاك بيد المركزي، وتحديداً من بعد ثورة 17 تشرين، يُشهر عند مواجهة كل استحقاق لترهيب الخصوم والوصول إلى الاهداف»، من وجهة نظر أبو سليمان. فـ»يخفّض سعر الصرف لتبريد الاجواء والايحاء بالانفراجات، ويرفع للضغط والايحاء بالخطر من عدم تمرير الاستحقاقات. والامثلة على ذلك لا تعد ولا تحصى. وما يجري اليوم لا ينفصل عن هذا المسار الذي شهدناه منذ بداية الازمة. ومن غير المستبعد أن يكون الضغط على الليرة من خلال تخفيض سقوف السحب على صيرفة رداً على الملاحقات القضائية التي يتعرض لها الحاكم من جهة، وللضغط من أجل إعادة تكليف الرئيس نجيب ميقاتي لتشكيل الحكومة العتيدة من جهة ثانية».
استعمال سعر الصرف للتصفيات السياسية ولـ»قطع» يد المضاربين يدفع ثمنه في النهاية المودع. فالاخير أصبح عاجزاً عن سحب أمواله من المصارف بالليرة كما بالدولار في اقتصاد متضخم وقائم على الدفع النقدي Cash economy. وهو مضطر إلى خسارة ما يصل في أحيان كثيرة إلى خسارة 90 في المئة من قيمة ودائعه لتسيير أموره والحصول على أمواله. وهو الامر الذي لا يصب في نهاية المطاف إلا في مصلحة المصارف أولاً التي تذوب الودائع بما تمثل من التزامات وفي مصلحة تجار الشيكات ثانياً.
---------------------
جريدة صيدونيانيوز.نت / اخبار لبنان / "المركزي" يلهو بسعر الصرف... والمواطن يسأم