الشهيد محمد نعمه ناصر (الأخبار) صيدونيانيوز.نت
جريدة صيدونيانيوز.نت / الأخبار: اغتيال عزيز المقـ اومة أبو نعمة ناصر: رسائل العـ دو ميدانية وسياسية والحزب يذكّر بحرب من دون قواعد؟ | أبونعمة : قاتل كما أراد؟
Sidonianews.net
-----------
الأخبار
في خطوة تُعدّ تصعيداً نوعياً، وبعد محاولات اغتيال فاشلة عدة خلال الأشهر القليلة الماضية، نجح العدو في الوصول إلى القائد الجهادي في المقاومة محمد نعمة ناصر «أبو نعمة» الذي استهدفته صواريخ أطلقتها طائرات إسرائيلية على سيارة كانت تقلّه في منطقة الحوش في صور، ما أدى إلى استشهاده ومرافقه الشهيد محمد خشاب.الخسارة الكبيرة التي أصابت الجسم الجهادي في حزب الله باستشهاد «أبو نعمة»، تطرح أسئلة حول خلفية قرار استهدافه الذي لا بد أن رئيس حكومة العدو بنيامين نتنياهو وافق عليه، إذ إن الاغتيال رغم ارتباطه بعناصر المعركة القائمة، يعكس قراراً من جانب العدو، على صلة بما هو مطروح من خيارات على الطاولة، ربطاً بما يطلق عليه المرحلة الجديدة من العمل العسكري للعدو في غزة وانعكاس ذلك على الجبهة مع لبنان.
غير أن أهمية الحدث لا تنفي إمكان إدراجه في سياق المعركة القائمة، إذ إن عملية كهذه يستغرق التحضير لها وقتاً غير قصير، والكثير من عمليات الرصد والتعقّب، وسبقتها محاولات فاشلة لاستهداف «أبو نعمة». أضف إلى ذلك أن الشهيد قائد ميداني على رأس وحدة «عزيز» التي تتولى قيادة جانب رئيسي من الجبهة من غرب القطاع الأوسط حتى رأس الناقورة، وهو أوجع العدو في أكثر من مواجهة وأكثر من موقع في سياق المعركة القائمة، إلى جانب «تصفية حساب قديم» للعدو معه لمشاركته في مئات العمليات التي استهدفت العدو وعملاءه قبل التحرير في عام 2000 وبعده، إلى جانب دوره الكبير في حرب 2006.
الواضح أيضاً أن رسالة العدو الأهم هي أنه قرّر المضي في برنامج الاغتيالات، وأنه يقول للمقاومة بأنه مستعد لتحمّل نتيجة أفعاله، مراهناً في الوقت نفسه على أن رد المقاومة على الاغتيال لن يكون بطريقة تدفع الأمور نحو حرب مفتوحة.
وبمعزل عن كيفية تعامل المقاومة مع الحدث الكبير، ونوعية الرد المتوقّع على عملية الاغتيال، وهو ما سيظهر في الساعات المقبلة. يسعى العدو أيضاً إلى استثمار العملية في السياق السياسي المتصل بالبحث حول ما يُسمى المرحلة الثالثة من الحرب على غزة.
وتزامن الاغتيال مع جولة اتصالات جديدة بدأتها واشنطن حول جبهة لبنان، عبر محادثات المبعوث الأميركي عاموس هوكشتين في باريس، بحثاً عن «الصيغة الأكثر مقبولية» لعرضها على حزب الله، انطلاقاً من اعتقاد لدى رعاة الاحتلال، بأن دخول الحرب على غزة مرحلتها الجديدة قد يفتح الباب أمام فرصة للتسوية على جبهة لبنان، علماً أن العدو يكثر من الحديث عن قرب انتقال الثقل النوعي الميداني والسياسي إلى جبهة لبنان.
أهمية الحدث لا تنفي إمكان إدراجه في سياق المعركة القائمة
وإذا كان في جبهة العدو من يعتقد أن هذا النوع من الاغتيالات سيدفع حزب الله إلى التنازل في أي مفاوضات مقبلة، فإن الحزب وجد أيضاً التوقيت المناسب للرد استباقياً من خلال تصريحات نائب أمينه العام الشيخ نعيم قاسم الذي أكّد لوكالة «اسوشيتد برس» أنَّ «الطريق الوحيد المؤكد لوقف إطلاق النار على الحدود اللبنانية هو وقف إطلاق النار الكامل في غزة»، مبقياً على حالة الغموض حول طريقة تصرف حزب الله مع المرحلة المقبلة. وردّ قاسم ضمناً على أسئلة الأميركيين والغربيين بالقول: «إذا كان ما يحدث في غزة مزيجاً بين وقف إطلاق النار وعدم وقف إطلاق النار، والحرب وعدم الحرب، فلا يمكننا الإجابة كيف سيكون رد فعلنا الآن، لأننا لا نعرف شكله ونتائجه وآثاره». وقفز قاسم إلى المستوى الأعلى المتصل بالتهديدات الإسرائيلية، منبّهاً من أنه «حتى لو كانت إسرائيل تنوي شن عملية محدودة في لبنان لا ترقى إلى حرب شاملة، فلا يجب أن تتوقع أن يبقى القتال محدوداً. يمكن للعدو أن يقرر ما يريد: حرباً محدودة، حرباً شاملة، حرباً جزئية، لكن عليه أن يتوقع أنَّ ردَّنا ومقاومتنا لن يكونا ضمن سقف وقواعد اشتباك يحددها هو».
وعلى جانب العدو، كان البارز أمس زيارة وزير الحرب يؤاف غالانت للمنطقة الشمالية، وإطلاقه مواقف في اجتماع مع كبار الضباط، مكرّراً بـ«أننا سنصل إلى حالة الاستعداد التامّ لاتّخاذ أيّ إجراء في لبنان. نُفضّل التوصّل إلى اتّفاق على الحدود الشمالية عن طريق التفاوض، ولكن إذا لزم الأمر فإننا نعرف كيف نُقاتل». وتوجّه إلى حزب الله قائلاً إنّ «الدبابة التي تخرج من عملية رفح يمكنها أن تصل إلى الليطاني».
الردّ الميداني
وبعد ساعات على اغتيال «أبو نعمة»، نفّذ حزب الله سلسلة عمليات نوعية التي وضعها الحزب في إطار الرد على عملية الاغتيال. فقصف مقر قيادة فرقة الجولان 210 في ثكنة نفح ومقر الدفاع الجوي والصاروخي في ثكنة كيلع بمئة صاروخ كاتيوشا، ومقر قيادة اللواء 769 في ثكنة كريات شمونة بصواريخ فلق، وثكنة زرعيت بصواريخ بركان، ومقر الكتيبة التابعة لسلاح البر في ثكنة كيلع بعشرات صواريخ الكاتيوشا. واستهدف التجهيزات التجسسية في موقع المالكية، والتجهيزات الفنية في موقع بركة ريشا، وموقعَي السماقة والرمثا في تلال كفرشوبا، وتجمعاً لجنود العدو في مثلث الطيحات وموقع الراهب.
---------------
«أبو نعمة»... قاتل كما أراد
الأخبار - حسين الأمين
حزيران 1982. دبابات العدو الإسرائيلي وآلياته على المدخل الجنوبي لمدينة بيروت، فيما طائراته الحربية تدكّ قلب العاصمة العربية المقاومة. مقاتلون لبنانيون من مشارب مختلفة، ومجموعات من المقاتلين الفلسطينيين، يحاولون التصدّي ببطولة لطوابير دبابات المحتلّ في خلدة. يُطبق العدو حصاره على بيروت التي ستصبح، بعد نحو شهرين، العاصمة العربية الثانية بعد القدس التي يدنّسها الاحتلال الإسرائيلي.في أقصى الجنوب، قريباً جداً من الحدود مع فلسطين المحتلة، كان العدو الإسرائيلي مطمئناً إلى أن المنطقة باتت آمنة لجنوده. فالبلاد التي يُقبض على قلبها لن تقوى أطرافها على المقاومة. لكن، كان للشاب اليافع محمد نعمة ناصر، إبن بلدة حدّاثا، رأي آخر. «وصل إلينا في الشهور الأولى بعد الاجتياح. كان يرتدي لباساً عسكرياً، وقال: أريد أن أقاتل»، يقول أحد قادة الجيل الأول من المقاومة. «حينها، لم يكن قد وُجد بعد التشكيل الذي سيصبح في ما بعد حزب الله. كنا مجموعات صغيرة وقليلة هنا وهناك، وبحوزتنا أسلحة قليلة، وإيمان كامل بضرورة قتال العدو بأي طريقة، وكان أبو نعمة من أوائل الملتحقين». كان عمر محمد ناصر، حينها، نحو 17 عاماً. سرعان ما عاد الى بلدته حدّاثا، لكن هذه المرّة مقاوماً يحلم بطرد العدو، مع إدراك تام لصعوبة المهمّة... لكن كل شيء يبدأ بحلم. في تلك الفترة، كانت المهمة الأساسية استقطاب شبّان من أبناء القرى إلى المقاومة، وتخزين السلاح في المناطق المحتلة، وجمع معلومات عن قوات العدو وتحرّكاتها ومواقعها. وهي مهام لم تكن سهلة، وتترتّب عليها مخاطر جسيمة، منها القتل والإبعاد والأسر وترحيل العائلة أو اعتقال أفراد منها. «كان أبو نعمة واحداً من قلّة بدأت العمل في المقاومة داخل ما سيُعرف لاحقاً بقرى الشريط المحتلّ». سرعان ما تمكّن أبو نعمة ورفاقه من تنفيذ عدّة عمليات ضدّ قوات الاحتلال، في الشهور الأولى بعد الاجتياح. حينها، مبكراً، أدرك العدو أن أناساً من نوع مختلف هذه المرة قرّروا المواجهة وبدأوها من أصعب المواضع وأكثرها حساسية.
تحت وطأة ضربات المقاومة التي تطوّرت كمّاً ونوعاً خلال فترة وجيزة، انسحب العدو الإسرائيلي، عام 1985 نحو الشريط الحدودي. فانتقلت المقاومة الإسلامية الى نوع مختلف من العمل العسكري، أكثر تنظيماً وإيلاماً للعدو. وفي تلك الفترة، عمل أبو نعمة مسؤولاً عن «الاستطلاع» في قرى رشاف والطيري وصولاً الى بنت جبيل. «كان الاستطلاع في ذلك الوقت أمّ الأعمال العسكرية، وكان يُنتقى للقيام به نخبة المقاومين، وفي مقدّم هؤلاء كان أبو نعمة»، يقول أحد الذين رافقوه في تلك السنوات. «لكنه ما كان ليكتفي بالاستطلاع، بل كان يستطلع ويخطّط ويجهّز ويشارك بنفسه في العمليات، ودائماً كان في المقدّمة».
بعد سنوات قليلة، مطلع التسعينيات، سيصبح أبو نعمة مسؤول «موقع» - «أي محور عسكري في تعبيرات اليوم» - في «محور بنت جبيل» الذي يمتدّ من حدود بلدة صربين إلى قرى نهر الليطاني جنوب النبطية. وقد شهدت هذه المنطقة التي كان أشرف عليها في تلك السنوات بشكل خاص عدداً كبيراً من العمليات النوعية والمؤلمة للعدو.
تنقّل أبو نعمة في مهام مختلفة من جنوب لبنان إلى شرقه، وسوريا والعراق وحدود فلسطين
يروي مقاوم من مجايليه كيف رافقه في إحدى العمليّات في بيت ياحون (قضاء بنت جبيل) عام 1995، و«كان في حينها مسؤول المنطقة، وكان هناك ما يكفي من الأخوة لتنفيذ المهمّة، لكنه أصرّ على المشاركة». وصلت المجموعة إلى «كاراجات» مقابل موقع عسكري للعدو. «كانت الخطة أن نفخّخ الكاراج، ونفجرها بقوات العدو أثناء خروجها من الموقع. تولّينا زرع العبوات الكبيرة، بينما تولّى أبو نعمة الرصد والتأمين». واجهت المجموعة بعض المشاكل، ما أخّر أحد المقاومين في مكان قريب جداً من الموقع المعادي، فما كان من أبو نعمة إلا أن وجّه بمغادرة بقية المقاومين المكان، وتولّى بنفسه تأمين المقاوم العالق على ساتر الموقع، والذي لم يكن قادراً على التحرّك قبل الفجر الذي سيحلّ بعد نحو 3 ساعات. «كان شجاعاً ويتحلّى بإيثار كبير. رفض المغادرة إلا وأنا معه، مع أني طلبتُ منه أن أؤمّن انسحابه على أن أتبعه». اكتُشف أمر العبوّة بطريقة ما، و«جاؤوا بأفضل خبير متفجّرات في جيش لحد، كان معروفاً بـ«المصري»، وكان مصرياً مقيماً في لبنان، ومعروفاً بمهارته في كشف العبوات وتفكيكها (...) ما إن وصل الى المكان، ومعه مجموعة من العملاء، حتى دوّى انفجار هائل سُمع في كل القرى المجاورة، وقُتل العميل الخبير على الفور، ومعه 4 عملاء آخرين».
في العام نفسه، سيكون «محور» أبو نعمة على موعد مع عملية نوعية أخرى. استطلع، وبرفقته «ملاك» (الاستشهادي صلاح غندور) الطريق المؤدّي الى «مركز الـ17» الأمني - العسكري عند مدخل بنت جبيل. قاما بدوريات عديدة. ساعات طويلة في حرج بيت ياحون أمضاها الشهيدان معاً. في يوم العملية، كان أبو نعمة في حرج بيت ياحون يصور العملية ويتابع مع غندور عبر اللاسلكي حتى اللحظة الأخيرة، عندما فجّر ملاك سيّارته بآليات العدوّ وأحالها أكواماً من حديد وجثث. «قضت المهمة أن ينسحب أبو نعمة من الحرج بسرعة ومعه مقطع الفيديو. ورغم الخطورة الشديدة للانسحاب من هناك حينها، بفعل الإجراءات التي نفّذها العدو فور وقوع العملية، تمكّن من الخروج والعودة بمقطع الفيديو الذي خلّد العملية».
في الأعوام التالية، حتى التحرير عام 2000، بقي أبو نعمة كادراً أساسياً في «محور بنت جبيل»، يخطط وينفذ العمليات، وأبرزها عمليتا موقعي بيت ياحون وحدّاثا عام 1999.
عقب التحرير، انتقل الى عمل من نوع آخر. «هدأت الجبهة، ولم يهدأ أبو نعمة، فكان من ضمن الفريق الأول الذي عمل في ما كان يُعرف حينها بملف فلسطين، وتولّى مهامّ دعم ومساعدة فصائل المقاومة داخل الأراضي المحتلّة لسنوات عدة». وبعد ذلك، انتقل إلى العمل كضابط في «عمليات جبل عامل»، القيادة العسكرية لجنوب لبنان. وفي حرب تموز 2006، كان في منطقة كونين - بيت ياحون - حدّاثا، القرى الأقرب إلى فلسطين. «وشارك في التصدي لقوات العدو المتقدّمة في حدّاثا، وخاض بنفسه مواجهة بالأسلحة الفردية مع قوات نخبة العدو من منزل الى منزل».
بعد الحرب، تولّى مسؤولية العمليات في «مقرّ سيد الشهداء (ع)»، المسؤول عن الجنوب. حتى عام 2012 حين اندلعت الحرب في سوريا. كانت أولى محطاته في منطقة الزبداني، ومنها الى حمص التي تولّى مسؤوليتها، و«كانت معركة الخالدية في حمص قاسية جداً، قادها بنفسه، وكان على رأس القوات المهاجمة لكسر دفاعات المسلحين».
وبعد عامين، سيستقل أبو نعمة طائرة في مطار دمشق، مع مجموعة صغيرة من كوادر المقاومة، إلى بغداد. كان تنظيم «داعش» يوسّع سيطرته بشكل متسارع، فـ«تولّى ابو نعمة الإشراف على منطقة واسعة في سامراء، ثم جرف الصخر وآمرلي، حيث شارك في هجوم كبير كان باكورة الانتصارات ضد التنظيم». بقي أبو نعمة في العراق نحو 3 شهور، قبل أن يعود مجدداً الى سوريا، ثم إلى السلسلة الشرقية حيث تعرّض لإصابة خلال القتال.
وبعد استشهاد القائد حسن محمد الحاج عام 2016، تولّى أبو نعمة مسؤولية وحدة «عزيز»، و«منطقة عزيز كانت من أصعب المناطق لجغرافيتها الصعبة والمعقّدة، لذلك كان العمل فيها مضاعفاً على مستوى البناء والإعداد والتجهيز». بعد عملية «طوفان الأقصى» كان أبو نعمة يراقب من أحراج اللبونة ورأس الناقورة، نهاريا وعكّا وحيفا وغيرها من المناطق التي حفظ مناطقها ومواقعها وأسماء أحيائها، وأحصى أنفاس جنود العدو فيها. «بعد قرار تفعيل جبهة الإسناد للمقاومة في غزة، أشرف على العملية الأولى الناجحة التي نفّذها مقاومون من الجهاد الإسلامي، اقتحموا الأراضي المحتلة واشتبكوا مع قوات العدو في عرب العرامشة». كانت هذه افتتاحاً مدوّياً لمئات العمليات التي سيشرف على تنفيذها أبو نعمة لاحقاً، حتى يوم استشهاده أمس. «خلال الشهور التسعة التي مضت، كان كما عهدناه، شجاعة ورباطة جأش وهدوءاً واطمئناناً»، يقول أحد كوادر المقاومة في الجنوب، و«خلال الفترة الماضية، أبدى سرعة في التأقلم والتكيّف مع تطورات المعركة، وكان دائم البحث عن أساليب لتطوير العمليات والنتائج».
----------
جريدة صيدونيانيوز.نت
الأخبار: اغتيال عزيز المقاومة أبو نعمة ناصر: رسائل العدو ميدانية وسياسية والحزب يذكّر بحرب من دون قواعد؟ | أبونعمة : قاتل كما أراد؟