جريدة صيدونيانيوز.نت / لبنان في مواجهة شرعنة التوطين وتثبيت النزوح!؟
Sidonianews.net
---------------------
الجمهورية
جوزف القصيفي نقيب محرري الصحافة
للمرّة الأولى في تاريخ النزاع العربي- الإسرائيلي الذي تراجعت حدّته إلى المستويات الدنيا، يبرز توطين الفلسطينيّين حيثما هم كخيار لا بدّ من السير فيه، وتمثل مخططات «الترانسفير» لأبناء غزة والضفة الغربية كقدر لا مفرّ منه. هناك مخاوف جادة أن تطاول موسى التوطين ذقن لبنان، وأن يجد نفسه أمام تثبيت النزوح السوري الذي توفّر له قوى دولية وأممية ذرائع للبقاء، مع ما يرتب ذلك من أخطار. فماذا في التفاصيل؟
في 11 كانون الأول 1948 أصدرت الأمم المتحدة قراراً حمل الرقم 194، يضمن صراحة حق عودة الفلسطينيّين إلى الاراضي التي هُجّروا منها قبل إعلان دولة إسرائيل وبعده والتعويض عليهم. وأشارت قرارات لاحقة في متنها إلى هذا الحق، وأنّ منظمة التحرير الفلسطينية والتنظيمات غير المنضوية تحت لوائها، ومنها حركة «حماس» تمسكت بهذا القرار الدولي ووضعته في رأس جدول أولوياتها. وجرت محاولات كثيرة لكسر هذا القرار من جهات دولية وتل أبيب بالطبع، واستغلّت أحداثاً دموية بين المقاومة الفلسطينية ودولة الأردن، وكذلك الحرب اللبنانية في العام 1975، لإمرار مشروع توطين الفلسطينيّين بإقامة وطن بديل لهم على أرض إحدى الدولتَين. لكنّ رياح التصدّي لهذا المشروع جرت بما لا تشتهي سفن المخطّطين، وظل القرار الرقم 194 قائماً، ولو على الورق، كوثيقة قانونية لتثبيت حق الفلسطينيّين في عودتهم إلى أرضهم من النهر إلى البحر. وقد احتاط النواب اللبنانيّون في مؤتمر الطائف 1989 لهذا الأمر، فضمّنوا مقدّمة الدستور، وتحديداً الفقرة (ط): (...لا تجزئة، لا تقسيم، لا توطين). هذه الثلاثية بات لها صفة الإلزام، وهي تجسّد وحدة الدولة وسلطتها، وتحافظ على هوية لبنان. إنّ سبب الحديث عن هذا الموضوع يتصل بما أعلنه الرئيس الأميركي دونالد ترامب، الذي دعا إلى «ترانسفير» فلسطيني من غزة في اتجاه مصر، وإلى «ترانسفير» موازٍ من الضفة الغربية في اتجاه الأردن، وما يمثله هذا الأمر من خطر حقيقي على مستقبل المملكة واستقرارها، مع الإشارة إلى أنّ الضفة وحتى حزيران 1967 كانت جزءاً من الأردن وتحت حكمه، فيما لا تزال القدس تحت الوصاية الهاشمية. وتترافق حملة ترامب مع كلام عن خطة لرئيس وزراء إسرائيل بنيامين نتنياهو بأنّه يريد إجراء عملية «تطهير» لا تُبقي في فلسطين المحتلة إلّا العنصر اليهودي، وهذا يعني ألّا يكون هناك أي فلسطيني على أرض دولته. أي «صفر» فلسطيني. أو مجموعة صغيرة على غرار السكان الأصليّين للولايات المتحدة الأميركية، أو كندا أو سواها من البلدان التي هاجرت إليها شعوب من دول إستعمارية غزتها واستوطنتها عنوةً.
وهنا يُطرح مصير فلسطينيي 1948 الذين يحملون الجنسية الإسرائيلية في قابل الأيام بعد الإطمئنان إلى نجاح خطة «الترانسفير»، هل سيُبقى عليهم، أم سيُرحّلون وضمان الوجهة التي ستستقبلهم، أم سيُفرَض عليها استقبالهم سواء كانت عربية أو دولية؟
وفي لبنان بلغ عدد الفلسطينيّين بحسب سجلات «الأونروا» 493,201 لاجئاً، يعيش منهم على أرضه وفق آخر إحصاء تقريبي في العام 2023 ما يلامس الـ250 الفاً، وجميع هؤلاء - أي المسجّلين - يحملون البطاقة الزرقاء الخاصة بالإقامة في لبنان، ووثائق سفر يستخدمونها لدى مغادرتهم إلى خارج البلاد.
وتتقاطع المعلومات مع ما يتسرّب من اتجاه السلطة الجديدة في سوريا إلى توطين الفلسطينيّين الموجودين على أرضها، بعد سقوط مخيّم «اليرموك» ودماره خلال الحرب بين النظام السابق ومعارضيه، وهجرة أكثرية ساكنيه إلى أوروبا وبلدان أخرى، وكان نصيب لبنان منهم 30 ألفاً توزّعوا على مخيّماته. ويُلاحظ أنّ العمل جارٍ دولياً وإقليمياً على إبدال الـ»ترانسفير الخشن» بما يُسمّى الـ»ترانسفير الناعم»، بفتح أبواب الهجرة للفلسطينيّين وتوفير سبل»العيش» الكريم لهم في بلاد «الدياسبورا». وهناك عروض على جرحى حركة «حماس» لتلقّي العلاج في الخارج بصحبة أفراد من عائلاتهم، شرط عدم العودة إلى غزة. كما هناك الأسرى المبعدون الذين ستُسهّل أمامهم فرص اللجوء والحصول على عمل. وعندما يتحدّث الرئيس ترامب أنّ على الدولة اللبنانية أن تفرض سلطتها على كل أراضيها بما فيها المخيّمات الفلسطينية شرط احترام الحقوق الإنسانية لأبنائها، فإنّ كلامه يستبطن الدعوة إلى إسقاط صفة اللجوء عنهم.
ولبنان لا يواجه خطر التوطين الفلسطيني فحسب، بل إنّه يواجه ما يوازيه خطراً: النزوح السوري إليه، فيما لا تلوح في الأفق أي مبادرة قريبة لحل الملف، ومَن استمع إلى كلام رئيس «المفوّضية السامية للاجئين» التابعة للأمم المتحدة فيليبو غراندي يتبيّن له وجود عراقيل لا تساعد في عودة هؤلاء لأغراض ترتسم حولها غير علامة استفهام. واللافت أنّ المفوّضية وقفت بشدة في وجه الدولة اللبنانية عندما سعت إلى إعادة النازحين إلى بلادهم، حتى بعدما توقفت الحرب في العام 2015، بذريعة إنتفاء الحل السياسي وعدم الاطمئنان إلى نيات النظام السابق حيال العائدين. واليوم ترى المفوّضية أنّ ثمة خوفاً لدى النازحين من العودة إلى سوريا لأنّ الوضع الجديد ليس مستقراً، ولأنّ الوضع فيها يلفّه الغموض. يعني أنّ لبنان يدفع ثمن هذا النزوح في مدّه وجزره، و»على الطالع والنازل».
ثمة أمر آخر، هناك مئات العائلات الإيرانية التي مُنحت الجنسية السورية في زمن النظام السابق، والتي لجأت إلى لبنان على إثر سقوط النظام، ما زاد مسألة النزوح تعقيداً. وكان هذا الموضوع الطبق الرئيس على طاولة اللقاءات بين كل من رئيس المجلس النيابي نبيه بري ووزير الخارجية عبدالله بوحبيب والمدير العام للأمن العام اللواء الياس البيسري، ونائب وزير الخارجية الإيراني للشؤون القنصلية والبرلمان وحيد جلال زادة. فهل ثمة حل لهؤلاء، أم يبقون حيث هم أعداداً مضافة في ملف النزوح؟
بطبيعة الحال، فإنّ الموقف اللبناني الرسمي، واضح وقوي ولا يحتاج إلى شرح أو تبرير، من كل الطروحات التي تتناقض مع الدستور، والقوانين المرعية، والمنطق وخصوصية المجتمع اللبناني وهويته. فرئيس الجمهورية العماد جوزاف عون المتمسك بالدستور الذي أقسم الحفاظ عليه بعيد انتخابه، لن يقبل بتحويل صفة الفلسطيني في لبنان من وضعية اللاجئ إلى وضعية مقيم بصفة مواطن مجنّس، انطلاقاً من مقدّمة الدستور في البند (ط) الذي يحظّر التوطين ويجعله في مرتبة واحدة مع التجزئة والتقسيم. كذلك، فإنّه يرفض في شكل مطلق تحويل النزوح السوري من وضعية الموقت إلى وضعية الدائم. وكان ردّه على كلام غراندي واضحاً في هذا الشأن. لكن هل يستطيع لبنان المنهك بفعل الاعتداء الإسرائيلي المتمادي، وانقساماته السياسية الأفقية والعمودية، وأزماته الاقتصادية والمالية، وتحدّياته الاجتماعية، من الثبات في وجه العواصف المتتالية؟ وهل ستكون الحكومة العتيدة من الصلابة بما يمكنها من رفض أي عملية فرض تعاكس مصلحة لبنان وتمسّ عمق تركيبته؟ وتجدر الإشارة أيضاً إلى الموقف الفلسطيني، سواء من السلطة والتنظيمات والحركات المعارضة لها، الرافض للتوطين والتهجير. وذلك من دون التقليل من أهمية الموقف العربي المتمثل باجتماع القاهرة الأخير بين وزراء خارجية فلسطين ومصر والسعودية وقطر والإمارات والاردن. لكن السؤال يبقى، هل يمكن أن يؤسس هذا الموقف لنواة صلبة يمكن أن تتسع، ويشتد عودها، في مواجهة ترامب ومخططاته؟
------------------------
جريدة صيدونيانيوز.نت / اخبار لبنان / لبنان في مواجهة شرعنة التوطين وتثبيت النزوح!؟