
جريدة صيدونيانيوز.نت / المؤشرات السياسية للبلدية بعيون غربية
Sidonianews.net
-----------------------
الجمهورية / جوني منير
بعد انتهاء المرحلة الثالثة للانتخابات البلدية، من المفترض أن تقفل المرحلة الرابعة هذا الإستحقاق والتي ستحصل يوم السبت المقبل. وبعيداً من المواقف المعلنة، والتي تضمنت في غالب الأحيان بطولات وانتصارات لا تعكس حقيقة الواقع، ستنصرف القوى السياسية المختلفة على قراءة الإشارات السياسية التي أظهرتها أرقام الإستحقاق البلدي، من أجل إعادة برمجة الخطوات تحضيراً للإستحقاق السياسي الأهم، والمقصود هنا الانتخابات النيابية المقبلة.
لكن الإرتدادات التي أحدثتها زيارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب للمنطقة لن تترك فسحة هادئة تسمح للبنانيين بإجراء الجردة المطلوبة. ذلك أنّ نائبة المبعوث الأميركي إلى الشرق الأوسط مورغان أورتاغوس من المفترض أن تصل إلى بيروت نهاية الأسبوع، في زيارة ستشكّل استكمالاً لبنانياً لزيارة ترامب إلى المنطقة. وباشرت أورتاغوس التمهيد لزيارتها بالتسريب بأنّها ستكون عالية السقف، وستتضمن مواقف قوية، خصوصاً لناحية دعوة بيروت للاتعاظ من نتائج اللقاء الذي جمع ترامب بالرئيس السوري، والمقصود هنا إبداء الأخير استعداده للتطبيع مع إسرائيل. ووفق أوساط ديبلوماسية أميركية في واشنطن، فإنّ الشرع أبدى أمام ترامب قدرته على حسم مسألة إمساكه بكل الساحة السورية. وجاء كلام الأوساط الديبلوماسية الأميركية تعليقاً على الضربة التي وجّهتها القوى الأمنية السورية لوكر «داعشي» في حلب، وكذلك قرار وزير الدفاع السوري بدمج كافة الوحدات العسكرية ضمن الوزارة. لكن الأوساط الأميركية تُدرك ضمناً أنّ حقل الألغام السوري معقّد وصعب ودقيق، وأنّ المشوار لن يكون سهلاً.
وعلى رغم من ذلك ستجاهر أورتاغوس في بيروت بالدعوة إلى التطبيع مع إسرائيل، طبعاً إلى جانب الإسراع في نزع السلاح غير الشرعي، قبل أن تدير إدارة ترامب ظهرها للبنان، وبالتالي تركه يتخبّط في أزماته الإقتصادية.
لكن هل فعلاً يوجد اقتناع أميركي بأنّ ظروف لبنان تسمح له فعلاً بالسير في مغامرة التطبيع؟ الخبراء في كواليس واشنطن يعتقدون أنّ المسؤولين الأميركيين المعنيين يعرفون جيداً أنّ الظروف اللبنانية لا تسمح له بالذهاب في هذا الإتجاه، وأنّ التمسك الأميركي بهذا المطلب قد يكون لأهداف ومطالب أخرى.
وفي كل الحالات، فإنّ الدوائر الديبلوماسية الغربية، وعلى رغم من انشغالها بمتابعة ملفات المنطقة ونتائج زيارة ترامب، فهي أجرت قراءتها للنتائج السياسية التي أفرزها الإستحقاق البلدي. والقراءة الديبلوماسية تختلف بلا شك عن قراءة القوى السياسية اللبنانية التي تستميت لإعطاء انطباعات مضخّمة ومبالغ فيها لقوتها الشعبية.
في البداية، ترى العواصم الغربية المهتمة بالواقع اللبناني، أنّ رئيس الجمهورية العماد جوزاف عون نجح في فرض إيقاع جديد لم يكن يحصل خلال العقود الماضية. فعدا عن أنّه أصرّ على إتمام الإستحقاق في موعده ومن دون البحث عن أعذار أو ذرائع لتأجيله، فهو في الوقت نفسه لم يسخّر قدرات الدولة لمصلحة هذا أو ذاك، بل أبقى مؤسسات الدولة على مسافة من الجميع أياً تكن النتائج.
كذلك وعلى رغم من الوقت الضيّق والتحدّيات الصعبة نتيجة المرحلة الماضية، إلّا أنّ وزير الداخلية أحمد الحجار نجح في تنظيم الانتخابات بأقل مقدار ممكن من المشكلات، على رغم من الحماوة والتجييش. وهو ما يعزز الاقتناع حول إمكانية إعادة بناء مؤسسات الدولة.
أما في الإشارات السياسية، فإنّ هذه الأوساط لم تلاحظ وجود نتائج مفاجئة أو غير متوقعة على مستوى أحجام القوى السياسية المختلفة بما فيها الساحة المسيحية. إلّا أنّ اللافت كان حجم المشاركة المتراجع في كثير من المناطق، ما يعزز الإنطباع بوجود شرائح أساسية لا تزال في موقع الخصومة مع القوى السياسية الموجودة، أو في أفضل الحالات لا تجد نفسها منسجمة مع الطبقة السياسية الحالية.
أما الملاحظة الإضافية، فإنّ «حزب الله» ما زال يبسط نفوذه على البيئة الشيعية، وقد ساعده في ذلك حملات التجييش غير المدروسة التي تولتها جهات حزبية معارضة له. فهي ولأهداف ربما تتعلق بتحسين موقعها الشعبي داخل شارعها، عمدت إلى توجيه حملات طاولت الطائفة الشيعية أكثر منه «حزب الله»، وهذا ما أدّى إلى خلق شعور بالخوف لدى أبناء هذه الطائفة، وأنّها مهدّدة في استمراريتها ووجودها، وهو ما دفعها إلى تجاوز النتائج السيئة للحرب والوضع المالي والإعماري، وبالتالي الإلتفاف حول «حزب الله». وفي رأي هذه الأوساط، إنّ قيادة «حزب الله» كانت مسرورة ضمناً «وتضحك في عبّها» لهذه الحملات الغرائزية وغير المدروسة.
كذلك بدا وكأنّ هنالك علامات استفهام عدة حول ما أحاط العملية الانتخابية في بيروت، وهو ما سيفتح الباب تلقائياً أمام نقاش حول وجوب تعديل النظام الانتخابي، والذي سيتطور لطرح مشروع اللامركزية من الباب العريض.
لكن هذه الأوساط توقفت عند الإشارات الصادرة عن الساحة السنّية الشمالية. فالفراغ الذي لا يزال قائماً بسبب قرار تيار «المستقبل» بالانكفاء عن العمل السياسي، بدأ يخلق أوضاعاً جديدة انسجاماً مع التطورات الكبرى في جوار لبنان. ففي هذه المنطقة التي ترتفع فيها نسبة الفقر، بدأت تظهر مؤشرات بانتعاش تيارات إسلامية تدور في فلك تركيا. وتقول هذه الأوساط، إنّه صحيح أنّ واشنطن متفاهمة مع تركيا على عدم العبث بالساحة اللبنانية، لكن هنالك تأسيساً لواقع جديد، وهو إذا ما نجح سيفرض نفسه مستقبلاً، بحيث لا يعود أحد قادراً على تخطّيه. وقد تكون تركيا، والتي انفتحت أمامها أبواب ومسالك في اتجاه عمق الشرق الأوسط، تسعى للتسلل إلى لبنان في هدوء ومن خلال نفوذ ناعم. فلطالما بدت أنقرة مهتمة بالساحل اللبناني. واليوم قد ترى أنّ دورها بملء الفراغ الناتج من غياب إيران قابل لأن يتجاوز الساحة السورية، وليطاول الساحة السنّية في لبنان بسبب جملة عوامل وظروف.
ففي حمأة المواجهات البلدية، لم تأخذ زيارة مسؤول تركي لشمال لبنان الحيز الواجب اتخاذه. فرئيس أتراك المهجر عبدالله أرن زار بلدات تركمانية في شمال لبنان مثل الكواشرة ووادي خالد والبداوي، وقد رافقه السفير التركي في لبنان مراد لوتيم، حيث استُقبل الوفد بالأغاني التركية ورفع أعلام تركيا إلى جانب العلم اللبناني. وصحيحٌ أنّ الزيارة اتسمت بالطابع الإجتماعي والثقافي، لكن مضمونها سياسي بلا أدنى شك، خصوصاً أنّها جاءت بعد انتخابات بلدية ظهر فيها بنحو لافت مرشحون لديهم علاقات ممتازة بأنقرة. وفي وقت وعد أرن بالعمل على زيادة المنح الدراسية للطلاب اللبنانيين إلى تركيا، قال لمستقبليه إنّ حكومته تسعى لأن تكون أينما وجد «الأتراك الذين يشعرون بقربهم لنا».
لكن الأوساط الديبلوماسية تعتقد أنّ السعودية، والتي بات واضحا أنّها أصبحت تشكّل المرجعية الإقليمية للبنان، لن تقبل بالتأكيد بأي «دخول على الخط» عبر الساحة السنّية على لبنان. وإزاء استمرار الفيتو السعودي على الرئيس سعد الحريري وتيار «المستقبل»، فإنّ هذه الأوساط توقّعت تنشيط الحركة السعودية لترتيب الساحة السنّية، والعمل على ملء الفراغات الحاصلة، إن عبر مساعدات مدروسة أو عبر إعادة إحاطة ورعاية زعامات مناطقية تمهيداً للإستحقاق النيابي في السنة المقبلة.
لكن قبل كل هذا، لا بدّ من انتظار الجولة الجديدة للموفدة الأميركية، والتي يجري التمهيد لها بكلام عالي السقف. وفي الوقت الذي يبدي «حزب الله» تمسكه بسلاحه أياً تكن الظروف والضغوط والتي سيتحمّل وزرها مهما كبرت، إلاّ أنّ المعلومات في العاصمة الأميركية وبخلاف ما يُنشر في الإعلام، تتحدث عن تقدّم كبير في المفاوضات بين واشنطن وطهران. وبالتأكيد فإنّ هذا التقدّم لا ينحصر فقط بالملف النووي كما يصرّ الوفد الإيراني على التمسك به عبر مواقفه الإعلامية، بل هو يطاول ملفات عدة أخرى تشمل مجمل المنطقة. وقد تكون بيروت تنتظر بدورها باب الفرج من مسقط.
-----------------------------
جريدة صيدونيانيوز.نت / اخبار لبنان / المؤشرات السياسية للبلدية بعيون غربية