
جريدة صيدونيانيوز.نت / الأوراق انكشفت مسيحياً وقانون البلديات مش ماشي
Sidonianews.net
-----------------------
الجمهورية / طوني عيسى
أمّا وقد انتهت الانتخابات البلدية، فهي أظهرت بوضوح ملاحظتَين: الأولى إيجابية، وهي أنّ الانتخابات جرت في موعدها ولم تؤجّل كما كان يعتقد البعض. والثانية سلبية، وهي أنّ القانون الذي رعى هذه الانتخابات بدا متخلّفاً جداً عن العصر، وأنّه من غير الجائز الاستمرار في اعتماده قبل تشريحه وإصلاحه.
ثمة عطل أساسي يُصيب قانون الانتخابات البلدية الحالي، وهو مدة الـ6 سنوات لولاية المجلس البلدي. فهذه المدة طويلة جداً لممارسة السلطة المحلية. وخلالها يطمئنّ رؤساء المجالس البلدية وأعضاؤها إلى أنّهم يمتلكون وقتاً طويلاً في البلدية. وهذا ما يسمح لكثيرين منهم بالتباطؤ في العمل وإهدار الوقت. كما أنّ الولاية الطويلة تسمح غالباً للمسؤولين والموظفين وذوي السلطة بتجاهل أصوات الاعتراض والانتقاد، خصوصاً عندما تسود البلد حال عامة من استضعاف القانون.
ومع أنّ قانون الانتخابات النيابية تعرّض لعمليات تغيير متتالية، فرضتها موازين القوى ومصالح الأطراف النافذة في كل مرحلة، فإنّ القانون الذي يرعى الانتخابات البلدية بقي جامداً منذ نحو نصف قرن.
وثمة فارقان جوهريان بين القانونَين البلدي والنيابي:
ـ الأول، هو أنّ النظام الانتخابي البلدي أكثري بكامله، وفيه يحصل الفائزون على أكثرية عددية بسيطة، فيما يعتمد قانون الانتخابات النيابية مبدأ النسبية، (ولو أنّها تحتاج إلى تصحيح) مرفقة بالصوت التفضيلي.
ـ الثاني، هو ما يمكن تسميته بالضوابط الطائفية. ففي الانتخابات البلدية، يُعتمد على العرف لتوزيع المقاعد على الطوائف والمذاهب، وهذا ما تسبّب في الانتخابات الأخيرة بأزمات خطرة في بعض المدن والقرى. كما تمّ تجاوز العرف أحياناً، بقوة الأمر الواقع، كما هي الحال في بيروت وطرابلس وبلدات أخرى.
لكن، في أي حال، ما يجدر تصحيحه في الانتخابات البلدية يتجاوز القانون إلى ما يمكن تسميته ثقافة العمل الانتخابي والتطبيق السليم للديموقراطية. فإذا كان مفهوم الديموقراطية سيقتصر على العدد، طائفياً كان أو مذهبياً أو عائلياً، فهي تصبح تخلّفاً ورجعية. فما قيمة الأكثرية العددية من الناس إذا كانت ترتكز إلى هذه المعايير البدائية المتخلّفة، بدلاً من الاعتماد على البرامج الواضحة الهادفة والمرفقة بجدولة للتنفيذ؟
وفي الواقع، في معمعة الانتخابات البلدية الأخيرة، غالباً ما كان أصحاب الأفكار هم الخاسرين، لأنّ غالبية المرشحين خاضوا معاركهم البلدية إمّا استناداً إلى الاعتبارات الحزبية أو السياسية وإمّا إلى العصبيات الطائفية أو العائلية، وارتكزوا إلى التحشيد العاطفي والغريزي والمصلحي الفئوي، من دون أن يُكلّفوا أنفسهم عناء التقدّم أمام الناخبين برؤيتهم إلى ما ستكون عليه المدينة أو البلدة، أو ما يُخطّطون للقيام به خلال السنوات الـ6 المقبلة، وهذا هو جوهر العمل في السلطات المحلية.
ولأنّ قانون الانتخابات البلدية مُصمَّم لضمان فوز الأكثرية البسيطة في كل بلدية، فإنّ القوى الأكثر تنظيماً أو قدرة على الحشد وتشكيل تحالفات هي التي حظِيَت بالفرصة الأفضل لتحصد المقاعد، وهو ما أدّى إلى إقصاء الأقليات على أنواعها.
والأقليات هنا تعني النُخَب الضيّقة التي ربما تكون لها مشاريعها الطموحة لتنمية المدينة أو البلدية اقتصادياً أو ثقافياً مثلاً، كما الأقليات الطائفية أو المذهبية أو السياسية. وهنا يجدر التفكير مثلاً بالتحدّيات التي واجهها المسيحيّون في الانتخابات الأخيرة، والتي تؤشر إلى تحدّيات أعمق ستعترضهم في أي انتخابات بلدية مقبلة، لكن أيضاً في الانتخابات النيابية المقرّرة بعد عام.
فالمسيحيّون واجهوا في الانتخابات الأخيرة تحدّيَين أساسيَّين:
1 - تحدّي النزاع بين القوى السياسية المسيحية نفسها، كـ«القوات اللبنانية» و«التيار الوطني الحر» و«الكتائب» وسواها، لكَون الاستحقاق البلدي مؤشراً إلى التحوّل في مزاج الرأي العام المسيحي. لكن هذه القوى كانت مضطرة إلى عقد التحالفات مع قوى أخرى مسيحية وغير مسيحية لتدعم مواقعها. وأحدث النماذج لذلك هو التحالف الذي نسجه «التيار» لخوض معركة جزين. وفي مواجهة «التيار» أظهرت «القوات» نمواً إضافياً لشعبيّتها في عدد من المناطق، فيما مُنيَ حزب «الكتائب» بخسائر فادحة من بيروت إلى زحلة إلى زغرتا إلى جزين، وأمّا الخسارة الكبرى فكانت في المتن، وتحديداً في المعركة القاسية والحاسمة على رئاسة اتحاد البلديات.
2 - تحدّي الحفاظ على عرف التمثيل المسيحي في كثير من البلديات، إمّا بسبب التراجع الديموغرافي وإمّا بسبب تنامي النفوذ السياسي للقوى الشيعية أو السنّية في مناطق معيّنة. ولذلك، خسر المسيحيّون للمرّة الأولى تمثيلهم في مجلس طرابلس، وحافظوا على تمثيلهم «اصطناعياً»، والأرجح موقتاً، في بيروت، وخسروا تمثيلهم التقليدي في قرى أخرى في الجنوب.
وفي أي انتخابات بلدية مقبلة، ستكون هناك ضرورة للبحث في السبُل الكفيلة بسدّ الثغرات التي تجعل القانون الحالي متخلّفاً وقاصراً عن تلبية التحدّيات والتحوّلات ومواكبة الخصوصيات اللبنانية. وهذا الأمر يستدعي إطلاق ورشة نقاش لتطوير قانون البلديات، في مدى عام أو عامَين. ويُفترض أن تنجح الورشة في تقصير ولاية المجالس البلدية لتصبح 4 سنوات، كخيار إصلاحي. وهي بالتأكيد مدة كافية لتحقيق الإنجازات.
فهل يُعقل مثلاً أن يُمنح رئيس الولايات المتحدة مدة 4 سنوات فقط لتنفيذ برنامج عملاق، فيه تدار جيوش وأجهزة واقتصاد بآلاف التريليونات من الدولارات عبر العالم، فيما يقبع رئيس بلدية لبناني، في قرية نائية، على كرسيّه 6 سنوات، يمضي معظمها نافضاً الغبار عن الطاولة والرفوف، أو مفتشاً عن مصلحة من هنا أو مكسب من هناك؟
طبعاً، ليس التشكيك أو التعميم مقصودَين هنا. فهناك رؤساء بلديات وأعضاء مجالس هم قدوة في الإخلاص والكفاية وإرادة الخدمة. إنّما الكلام هنا في المبدأ والقانون الذي يجب أن يُصلَح، ضمن ورشة الإصلاح الموعودة، ليواكب العصر والخصوصيات والتحوّلات اللبنانية، وهي كثيرة وعميقة، وقد آن أوانها.
-------------------------------
جريدة صيدونيانيوز.نت / اخبار لبنان / الأوراق انكشفت مسيحياً وقانون البلديات مش ماشي