
جريدة صيدونيانيوز.نت / الحرب إلى الذروة ولبنان ليس بمنأى
Sidonianews.net
--------------------
الجمهورية / جوني منير
أن يتمنى الرئيس الأميركي دونالد ترامب «الحظ السعيد» لمرشد الثورة الإيراني خامنئي، معناه أنّ البيت الأبيض اتخذ قراره بإشراك سلاح الجو الأميركي في الضربات على إيران، وأنّ الخطة الموضوعة ستؤدّي إلى واقع إيراني مختلف كلياً عن الواقع الحالي. وهذا ما يفسّر أيضاً رفض ترامب العرض الإيراني باستئناف المفاوضات، ولو من خلال قدوم وفد إيراني إلى البيت الأبيض، واعتباره أنّ الوقت فات. وأشار الرئيس الأميركي إلى الأسبوع المقبل كموعد حاسم.
وتركّز التقارير على أنّ الضربة القاضية للمشروع النووي الإيراني، والتي لا يمكن سوى للجيش الأميركي وحده أن يسدّدها، ستكون عبر تدمير منشأة «فوردو» المتحصنة في أعماق الجبال الإيرانية. وتدمير هذه المنشأة التي تمثل قلب المشروع النووي الإيراني، يحتاج لقنابل لا يمتلكها سوى الجيش الأميركي، والتي لا قدرة سوى لقاذفات الـ B 2 على حملها. وهذه القاذفات أصبحت منذ فترة غير بعيدة ترابض في قاعدة دييغو غارسيا الواقعة في المحيط الهندي، في انتظار أوامر التحرّك. وخلال الأيام الماضية، ومع تدرّج مواقف ترامب من البقاء جانباً وصولاً إلى القرار بالمشاركة في العمليات الجارية، نشطت الحركة العسكرية للقوات الأميركية بما يتناسب مع وضعية الحرب. فسُجّل عبور 17 طائرة نقل جوي من القواعد الأميركية في أوروبا إلى القواعد القريبة من إيران. كذلك سُجّل عبور 31 طائرة شحن عسكري من الأراضي الأميركية إلى منطقة الشرق الأوسط وفق مصادر متخصصة. وشرحت هذه المصادر، أنّ المعدات والأسلحة الجاري شحنها تهدف بالدرجة الأولى لتأمين الحماية للقوات الأميركية المنتشرة في المنطقة وتعزيز قدراتها القتالية. وبذلك تصبح التعزيزات العسكرية متجانسة مع مواقف ترامب من طهران. في الوقت نفسه كشفت صحيفة «نيويورك تايمز»، أنّ واشنطن أرسلت إلى أوروبا نحو 30 طائرة للتزويد بالوقود في الجو، لاستخدامها لمساعدة الطائرات المقاتلة على حماية القواعد الأميركية في الشرق الأوسط، وعلى توسيع مدى القاذفات المشاركة في أي ضربة محتملة للمنشآت النووية.
في المقابل، تعمل إيران على تجهيز صواريخها الفتّاكة، إضافة إلى المعدات العسكرية الملائمة، لشن ضربات على القواعد الأميركية في المنطقة في حال انضمّت واشنطن إلى الحرب الجوية. ولذلك استقدمت البحرية الأميركية طرادات تحمل صواريخ مخصصة للدفاع الجوي إلى مقربة من الساحل الشرقي للمتوسط، وكذلك إلى بحر الخليج حيث حاملات الطائرات الأميركية.
وخلال الأيام الماضية، كان واضحاً «التقنين» المدروس للصواريخ الإيرانية على إسرائيل. واعتبر بعض المراقبين أنّ السبب يعود للإقتصاد في المخزون الصاروخي قياساً مع احتمال أن تطول مدة الحرب الجوية. أما البعض الآخر فردّ ذلك إلى نجاح الطائرات الإسرائيلية بتدمير زهاء 40% من قواعد إطلاق الصواريخ كما قالت إسرائيل. أما البعض الثالث فرأى أنّ طهران تعمل على ترك صواريخها الفتّاكة لاستخدامها ضدّ القواعد العسكرية الأميركية عندما ستدخل الحرب. وهذه النقطة بالذات تقلق كثيراً دول الخليج العربي والتي توجد القواعد الأميركية على أراضيها. ذلك أنّ إسرائيل، والتي تُصنّف في الوقت الراهن بأنّها أكثر دولة في العالم تحظى بأنظمة الحماية الجوية، نالت قسطاً وافراً من الصواريخ الإيرانية الفتاكة والتي نجحت في اختراق متكرّر للأجواء الإسرائيلية، وألحقت دماراً هائلاً، قيل إنّ تل أبيب بحاجة لخمس سنوات لإعادة إعمار ما تهدّم.
وفي وقت تأمل واشنطن بإنهاء حربها الجوية وتحقيق أهدافها ونقل إيران إلى حقبة جديدة، مع محاذرة دفعها إلى الفوضى الشاملة، بدا أنّ الإختراق الأمني الواسع الذي حققته إسرائيل داخل إيران شكّل صدمة كبيرة للمراقبين. فهذا ما مكّنها من تصفية قادة كبار ومستشاري المرشد من ذوي الحلقة الضيّقة جداً، وذلك بالتزامن مع بدء الهجوم الجوي. فبدت التركيبة الحاكمة وكأنّها مكشوفة بكاملها وبكل تفاصيلها أمام الطائرات الإسرائيلية.
وكان صادماً أن تضبط قوات الأمن الإيرانية ورشتين لصناعة المسيّرات ولتصنيع المتفجرات واختبارها في مدينتي أصفهان وكرج. وكذلك الحديث عن مواجهات مسلحة بين قوى الأمن ومجموعات تنتمي إلى «مجاهدي خلق» في طهران. فلقد بدا أنّ «الباسيج» كان غائباً كلياً عن مكافحة التجسس والشبكات المعادية والاكتفاء بمطاردة المعارضين السياسيين.
وعلى رغم من نجاح السلطات الإيرانية في استيعاب «صدمة» الضربة الأولى وقيامها لاحقاً بكشف جواسيس واعتقالهم وإعدامهم واكتشاف ورش تصنيع المسيّرات والمتفجرات، إلّا أنّ مسلسل الاغتيالات استمر، وهو ما يُظهر أنّ الموساد نجح في بناء شبكات كثيرة داخل إيران. وإلّا فكيف يمكن تفسير عملية اغتيال رئيس الأركان الجديد، والذي لم يمرّ على تعيينه ثلاثة أيام فقط؟ وقد أعطى ذلك انطباعاً بأنّ إسرائيل تريد منع القيادة العسكرية من التعافي، خصوصاً أنّ المصير نفسه طاول مسؤولين آخرين تمّ تعيينهم بعد اغتيال أسلافهم. مع العلم أنّ الاغتيالات الأمنية التي كان الموساد نفّذها سابقاً وفي طليعتها اغتيال زعيم حركة «حماس» إسماعيل هنية في قلب طهران وفي حضن الحرس الثوري وفي مناسبة رسمية رفيعة، كان يجب أن تدفع الأجهزة المختصة إلى إجراء تقييم كامل وشامل، وهو ما لم يحصل بالطبع، ما أهدى الفرصة الذهبية لإسرائيل.
ومن الواضح أن تردّد واشنطن في مجاراة إسرائيل حربها على إيران سببه خشيتها من انفلات الأمور ودفع إيران في اتجاه فوضى عارمة. ذلك أنّ واشنطن تعتبر طهران بلداً غنياً وأساسياً وموقعها جغرافي إستثنائي، وفي الوقت نفسه يمتاز شعبه بمستوى ثقافي عالٍ والأهم غربي الهوى. ووفق أوساط ديبلوماسية مطلعة، فإنّ النقطة الأساس والتي تمّت مناقشتها من كل جوانبها تمحورت حول الخشية من خروج مسار الحرب عن السيطرة، ما قد يدفع المنطقة كاملها إلى بركان. كما أنّ إطالة أمد الحرب خلافاً للحسابات والتوقعات، سيفتح الباب أمام الفوضى الإقليمية ودخول مجموعات متطرّفة على الخط، وهو ما سيؤدي حكماً إلى خلط الحابل بالنابل مجدداً.
لكن إعلان ترامب أنّ السبيل الوحيد المتبقي أمام خامنئي هو الإستسلام الكامل وغير المشروط، أظهر أنّ القرار اتُخذ. فكيف يمكن لأي كان القبول بهذا الشرط؟ وألحق ترامب شرطه بالدعاء لخامنئي، من باب السخرية طبعاً.
لكن من الخطأ وضع الأمور ضمن سياق سهل. ذلك أنّ خامنئي المحشور جداً، والذي بات يقف داخلياً من دون الفريق الذي اعتاد عليه، غير قادر بالتأكيد على الرضوخ لشروط واشنطن. فعندها ماذا عساه يقول لحركة «حماس» والفلسطينيين، بعدما كانت إيران تضغط لعدم ذهابهم إلى اتفاق لوقف النار «كيف ما كان»، رغم أنّ غزة كانت تحترق تحت النار؟ وماذا عساه يقول أيضاً لـ«حزب الله»، بعدما أرسل وزير خارجيته إلى بيروت في عزّ الحرب ليطلب من الرئيس نبيه بري رفض التسوية التي كان حملها وزير الخارجية الفرنسي قبل أيام معدودة؟ وتالياً، فهو سيفضّل السقوط العسكري على السقوط السياسي.
لكن من الخطأ الجسيم الإعتقاد بأنّ أوراق إيران العسكرية قد نفدت، لا بل على العكس فهي تمتلك أوراقاً مؤذية قد يكون وقعها أشدّ في حال الذهاب إلى مواجهة إنتحارية. فالصواريخ الإيرانية النوعية قادرة على تهديد القواعد الأميركية في الخليج، وهو ما قد يعرّض أمن هذه الدول، وكانت طهران لوّحت به أكثر من مرّة خلال مراحل النزاع المكشوف بين إيران ودول الخليج العربي.
كذلك، فإنّ صدور قرار الإعدام للمنشآت النووية وتحديداً منشأة «فوردو» سيدفع الحوثيين إلى استخدام كل مخزونهم الصاروخي في اتجاه إسرائيل والبحر والقواعد الأميركية. وسيعمد الحوثيون لإقفال باب المندب والممرات البحرية لحركة التجارة العالمية، ما سيدفع بالنفط إلى أسعار جنونية.
أما في لبنان، فسيتحرك «حزب الله» من خلال إطلاق صواريخه الدقيقة والبالستية إلى إسرائيل. ذلك أنّ إيران والتي تمسك بهذه الصواريخ عبر ضباط للحرس الثوري موجودين في لبنان، تعلم أنّ إسرائيل وحالما تنتهي من إيران ستنتقل في اتجاه لبنان. فإما تسليم السلاح الثقيل والصواريخ لدى «حزب الله»، أو تحقيق ذلك من خلال حملة عسكرية جوية جديدة.
ووفق هذه الحسابات لا تبدو الأمور سهلة كما يجري تصويرها في وسائل الدعاية. إلّا إذا حصلت «حركة تصحيحية» داخل الفريق الحاكم في إيران، ويشكّل ضماناً للقيادة الحالية ويفتح صفحة جديدة مع واشنطن.
صحيح أنّ ترامب حدّد الأسبوع المقبل توقيتاً حاسماً للحرب الدائرة على إيران، إلّا أنّ الحروب تكون عادة حبلى بالمفاجآت غير المتوقعة، إلّا إذا كان ترامب «ينام» على مفاجآته التي تخوله تحقيق أهدافه بسرعة.
---------------------------
جريدة صيدونيانيوز.نت / اخبار لبنان والعالم / الحرب إلى الذروة ولبنان ليس بمنأى