https://sidonianews.net/article330627 /حرب إيران تنفجر داخل أروقة واشنطن
صيدونيا نيوز

جريدة صيدونيانيوز.نت / حرب إيران تنفجر داخل أروقة واشنطن

 

Sidonianews.net

-----------------------

الجمهورية  / جوني منير

وقف إطلاق النار بين إيران وإسرائيل، والذي وصف بالهش، لا شك في أنّه سيصمد، خصوصاً إذا ما إستُكمِل بتحول سياسي كبير، وهو ما يتوقعه بعض المراقبين إستناداً إلى النتائج والدروس التي استُخلصت من مواجهة تمّ التحضير لها على مدى أكثر من عقدين. وفي وقت لم تنجح الإدارة الديموقراطية الأميركية من تحقيق هذا التحول عبر اتفاقها الشهير مع طهران عام 2015، بدا أنّ الدروس المستقاة من حرب الأيام الـ12 قابلة لأن تمنح هذه الخلاصة.

العالم ما زال منشغلاً في تقييم النتائج العسكرية للحرب التي انفجرت فجأة وأُقفلت وفق إخراج أميركي غامض ويحمل التباسات كثيرة. لكن من الواضح أنّ طرفي القتال الرئيسيين (واللذين أعلن كل منهما انتصاره)، شعرا بالإنهاك بعدما أفرغا ما لديهما من أوراق قوة. لذلك وجدا في دخول الرئيس الأميركي دونالد ترامب على الخط، الفرصة الملائمة لخروج معقول من أتون النار. فالإخراج الذي اعتمدته طهران في الردّ «الضعيف» والمدروس على قصف مفاعل «فوردو»، أظهر بوضوح النية الإيرانية بوقف الحرب لا الإندفاع فيها، وحيث باتت إستمرارية النظام الديني القائم في خطر داهم. وبخلاف مواقفه الفجّة، فإنّ توقيت ترامب لدخوله العسكري على خط الأحداث حمل كثيراً من الدهاء والحنكة. أوليس هذا ما يفسّر قصفه لمنشأة «فوردو»، ولكن بعد تهديدات «تحذيرية» سمحت لإيران بنقل كمية من وقود اليورانيوم المخصب؟

بدايةً لمس النظام الحاكم في إيران نقاط ضعف خطيرة في بنيانه وتركيبته، ما أظهره وكأنّه شاخ وبات في حاجة إلى سنوات طويلة من الهدوء والسلام للإنكفاء إلى ورشة إصلاح داخلية شاملة، لا تقتصر فقط على تجديد التركيبة المترهلة القائمة، بل أيضاً على تطوير العقيدة القائمة وتحديثها، لجذب جيل الشباب كما فعلت السعودية ولو من زاوية مختلفة، وإلّا فإنّ الوحدة التي فرضتها ظروف الحرب سرعان ما قد تنقلب إلى عودة الإحتجاجات، ولكن بعناوين أخرى هذه المرّة. فليس منطقياً أبداً ظهور هذه الفجوات الأمنية الهائلة، ما سمح للطائرات الإسرائيلية أن تتسيّد الأجواء الإيرانية وتتصيّد الكوادر والقيادات والعلماء. ولأنّ الحفاظ على استمرارية النظام احتلت الأولوية على حساب البرنامج النووي، كان لا بدّ من وقف لإطلاق النار يسمح أولاً بالإنقضاض على خلايا إسرائيل داخل الجسم الإيراني، وحيث بلغ حجم الإعتقالات في اليوم الأول حوالى 700 متهم بالتعامل مع إسرائيل.

لكن الشعب الإيراني، وكما هو معروف عنه، تجاوز إنقساماته الداخلية والتف حول قيادته في لحظة الشدّة، وهو ما شكّل عامل قوة للنظام القائم. وكذلك ظهرت الصواريخ الإيرانية كسلاح متطور وكاسر وقادر على تعويض الضعف في سلاح الجو وعلى مستوى القدرات العسكرية التقليدية، فأثبتت قدرتها على استهداف مواقع إستراتيجية وتسببها بشلل كامل للحياة في إسرائيل ومختلف المجالات، إضافة إلى دمار هائل لم تشهده إسرائيل قبلاً، ما خلّف زهاء 30 قتيلاً و2500 جريح، وتشريد آلاف السكان، حيث تردّد أنّ العدد قارب الـ10 آلاف. وكذلك استهداف مصافي تكرير النفط في خليج حيفا ومنشآت لشركة الكهرباء. لكن اللافت أنّ صواريخ إيران لم تستهدف بتاتاً مفاعل ديمونا النووي، حتى خلال قصف منشآت إيران النووية. وهو ما أعطى الإنطباع بأنّ طهران لم تكن تريد الذهاب إلى النهاية، وكانت تترك نافذة خلفية مفتوحة. لكن وبخلاف فعالية الصواريخ لم تثبت المسيّرات الإيرانية نجاحها.

إلّا أنّ نجاح القدرة الصاروخية لإيران كان له إنعكاساته السلبية. فازداد منسوب القلق ضمناً لدى دول الخليج، وأيضاً لدى روسيا التي تقع ضمن مجال هذه الصواريخ. وهنا لا بدّ من الإشارة إلى اكتشاف إيران ما سبق وعاشه نظام بشار الأسد وقبله صدام حسين في العام 1991. فموسكو بقيت بعيدة من الإنخراط في دعم عسكري مباشر، لا قتالاً ولا حتى تسليحاً. ذلك أنّها لن تنزلق إلى حرب مع الولايات المتحدة الأميركية وتترك مصالحها المتشعبة على الرقعة الدولية. وكذلك فعلت الصين والتي اكتفت بالتنديد من بعيد، على رغم من ارتباطها باتفاقات استراتيجية إقتصادية مع طهران. ورغم ذلك ستجد طهران نفسها ملزمة بإيداع وقود اليورانيوم المخصب لدى موسكو في أي اتفاق لاحق مع واشنطن. ولا شك في أنّ ما حصل يشكّل أحد أبرز دروس الحرب والتي يعول البيت الأبيض على أخذ إيران العبرة منها.

أما إسرائيل، والتي نجحت في تفكيك قدرات إيران الدفاعية من خلال ضربتها الإستباقية، ما مكنها من تصفية القادة الكبار والعلماء المشرفين على البرنامج النووي، فلقد عانت كثيراً من قدرات إيران الصاروخية، ونجاحها في التحايل على ترسانة منظومتها للدفاع الجوي. وعدا مشاهد الدمار الكبير، فإنّ مخزون الصواريخ الإعتراضية كان بدأ بالنفاد، وهو ما أثار مخاوف من قدرة التعامل مع الصواريخ البالستية في حال الدخول في حرب استنزاف طويلة الأمد. وكما خيبة خامنئي الدولية، فإنّ نتنياهو شعر بأنّ الإنتصار الذي كان يريد الإمساك به بيديه، سرقه منه ترامب الذي امتلك اللحظة الأكثر إثارة في الحرب، ومن ثم كانت له وحده كلمة إنهائها. وبالتأكيد لن يجرؤ نتنياهو على المشاكسة، فهو سمع جواب ترامب القاسي حين عمد إلى خرق وقف إطلاق النار. لا بل سيضطر نتنياهو للتراجع خطوة في ملف إنهاء القتال في غزة.

لكن السؤال الأبرز والأهم يبقى ما إذا كان نجاح ترامب في وضع حدّ للحرب (بعد سلسلة إخفاقات في غزة وأوكرانيا، وأخرى داخلية) وفق الصيغة التي اعتمدها، قابلة لأن تمهّد لتحول استراتيجي أم تبقى في إطار الظروف التكتيكية للمرحلة؟

ثمة قول شائع في دوائر وزارة الخارجية الأميركية بأنّ أزمات الشرق الأوسط كالرمال المتحركة مخادعة من بعيد، لكنها تؤدي الى إغراق الرؤساء الأميركيين لدى الغوص فيها. وهذا ما أصاب فعلاً جميع الذين جلسوا في البيت الأبيض. لكن ترامب مختلف، وهو من خارج السلوك الكلاسيكي المعهود. وقد يكون الشرق الأوسط في حاجة لهذا الأسلوب المختلف. فترامب أثبت خلال الأزمة أنّه ليس أسير الكتل الضاغطة والقريبة منه. كما أنّه يمكنه الذهاب إلى المواجهة العسكرية فجأة ومن دون التمهيد لها داخلياً، وحتى من دون التشاور مع الكونغرس، وأيضاً من دون تقديم التبريرات اللازمة لاحقاً. وهو ما عزز اقتناع خصومه بأنّه قابل لاتخاذ قرارات متهورة ومن دون حسابات أو قيود. ولذلك يتحاشى الجميع الإصطدام به.

في العام 2015 أملت إدارة باراك أوباما أن يؤدي توقيع الاتفاق النووي مع طهران إلى استثماره سياسياً في إطار استمالة طهران واستعادة علاقة جيدة معها. لكن هذه الآمال تبدّدت مع اندفاع النظام الديني القائم في تعزيز محوره الإقليمي وفي سياسة أكثر هجومية. أما اليوم، وبعد «معمودية» الحرب القاسية، بدا لطهران بالملموس أنّ واشنطن لا تهدف لإسقاط النظام القائم بل لتعديل سلوكه. وبالتالي وبعد فقدان إيران عدداً من أوراق القوة، وكذلك بعد وقوفها وحيدة ومكشوفة دولياً، فإنّه لا بدّ أن تكون لها قراءة جديدة جسّدتها مساهمتها في إنهاء القتال. ومن هذه الزاوية يمكن قراءة ما قاله مبعوث ترامب إلى الشرق الأوسط ستيف ويتكوف، من أنّ المحادثات بين بلاده وإيران واعدة، وأنّ واشنطن تأمل بالتوصل إلى اتفاق سلام طويل الأمد. ولا شك في أنّ ويتكوف اختار عباراته بتأنٍ شديدٍ.

وربما لذلك ثار الديموقراطيون في وجه إدارة ترامب. فأن تنجح الإدارة الجمهورية تحت رئاسة ترامب في الملف الإيراني حيث فشلت إدارتا أوباما وبايدن الديموقراطيتان، إنما يشكّل صفعة مدوية. ربما لذلك ارتفعت أصوات التشكيك بنجاح تدمير النووي. ووصل الأمر بويتكوف إلى وصف تسريب هذا التقييم السرّي بالخيانة، داعياً إلى محاسبة المسرّبين، ومعتبراً التقارير في هذا الشأن سخيفة. ولكن المفاجأة جاءت من طهران، والتي أعلنت عبر وزارة الخارجية وبلا مناسبة، أنّ المنشآت النووية تضّررت بشدة بسبب الضربات الأميركية. ولا شك في أنّ هذا الموقف الإيراني الرسمي يصبّ في مصلحة إدارة ترامب في نزاعها الداخلي مع الديموقراطيين. وهو ما يعزز تفاؤل ويتكوف حول أجواء «واعدة» وحول التوصل لاتفاق طويل الأمد.

ويبقى السؤال حول تأثير كل ذلك على لبنان. تكفي الإشارة إلى ردّ فعل ترامب العنيف ضدّ نتنياهو عندما خرق اتفاق وقف إطلاق النار مع إيران. ما يعني ضمناً أنّ الخروقات الإسرائيلية المتتالية في لبنان تحظى بموافقة أميركية، وهنا مكمن الخطر. فإبقاء الواقع العسكري خاضعاً للخروقات اليومية يعني وجود قرار بعدم إقفال الجبهة مع لبنان، وهو ما يدفع للإستنتاج بإمكانية إعادة إستعادة اللغة الحربية عند أول ظرف مناسب. والمقصود هنا إنهاء التأثير الإيراني على الساحة اللبنانية، والذي يتجلّى من خلال الوظيفة العسكرية لـ«حزب الله».

وخلال جولة توم براك في بيروت، كان واضحاً أنّ هنالك مهلة ولأشهر معدودة لإنهاء ملف سلاح «حزب الله». وفيما أوحى ولو بطريقة ملتوية بأنّ التطورات الإقليمية تساعد في هذا الإتجاه، بدا أنّ إنهاء الدور العسكري للحزب مسألة غير قابلة للمساومة. وفي موازاة عبارات براك الديبلوماسية، فإنّ أوساطاً ديبلوماسية تشرح بأنّ واشنطن تعرف جيداً أنّ صواريخ دقيقة وبالستية لا تزال موجودة ومخزنة خصوصاً في البقاع، ويجب تسليمها للسلطات اللبنانية لإتلافها، وأنّ مدة السماح قد لا تتجاوز نهاية فصل الصيف. وما لا تجاهر به هذه الأوساط وإنما تكتفي بالإيحاء بأنّ تجاوز هذه المهلة قد يعني العودة إلى الحرب الخاطفة، وهو ما يريده نتنياهو بشدة، ومعه اليمين المتطرف.

وقد يكون هذا التفسير هو الأكثر منطقية لترك الباب اللبناني مفتوحاً أمام الخروقات الإسرائيلية اليومية، وسط صمت دولي وأعذار غير مقنعة.

-------------------------------

جريدة صيدونيانيوز.نت / اخبار العالم / حرب إيران تنفجر داخل أروقة واشنطن

 





www.Sidonianews.Net

Owner & Administrator & Editor-in-Chief: Ghassan Zaatari

Saida- Lebanon – Barbeer Bldg-4th floor - P.O.Box: 406 Saida

Mobile: +961 3 226013 – Phone Office: +961 7 726007

Email: zaatari.ghassan@gmail.com - zaataripress@yahoo.com

https://sidonianews.net/article330627 /حرب إيران تنفجر داخل أروقة واشنطن