
جريدة صيدونيانيوز.نت / خليل المتبولي : آل سعد: بيت الوطنية والمقاومة من معروف إلى مصطفى وصولًا إلى الدكتور أسامة، وشوكةٌ في حلق الطائفية والمذهبية ومِرآة لوطنٍ لا يُباع
Sidonianews.net
-------------
بقلم : خليل ابراهيم المتبولي
في تاريخ لبنان الحديث، تبرز أسماء وعائلات حملت همّ الوطن على أكتافها، ودفعت أثمانًا باهظة دفاعًا عن كرامة الشعب واستقلال القرار الوطني، ومن بين هذه البيوت التي سطّرت صفحات من المجد والوفاء والصدق في الموقف، يسطع اسم آل سعد، هذا البيت الصيداوي العربي اللبناني الذي جمع بين الأصالة الوطنية والنقاء الأخلاقي والالتزام بالقضية القومية منذ نشأته وحتى اليوم.
بيت آل سعد في صيدا ليس مجرّد عائلة لبنانية مرّت في الحياة السياسية، بل هو مسيرة وطنية متجذّرة في الأرض والوجدان، تمتدّ من النضال الشعبي إلى المقاومة المسلّحة، ومن صوت الفقراء إلى نبض الكرامة. هو بيت تأسّس على مبدأ ثابت لا يتبدّل: أن الوطن لا يُصان إلّا بالفعل، وأن الكرامة لا تُشترى ولا تُمنح، بل تُنتزع بالتضحية والموقف. من معروف سعد إلى مصطفى سعد وصولًا إلى النائب الدكتور أسامة سعد، تتشكّل حكاية هذا البيت كما لو كانت مرآة لتاريخ لبنان المقاوم، المتجذر في صيدا مدينة البحر والنضال والانتماء العربي العميق.
كان معروف سعد أحد أبرز رموز الوطنية اللبنانية في النصف الأول من القرن العشرين، رجلًا خرج من صفوف الناس البسطاء، ليصبح قائدهم وصوتهم. عاش من أجلهم، وناضل معهم، وقاد المعارك من الشارع إلى البرلمان. حمل همّ الصيادين والفلاحين، وواجه الظلم الاجتماعي والفساد السياسي. آمن أن التحرّر الوطني لا ينفصل عن العدالة الاجتماعية، وأن مقاومة الاستعمار لا تكتمل إلّا بتحرير الإنسان من القهر والفقر. ومن رحم هذا الفكر التقدّمي أسّس التنظيم الشعبي الناصري ليكون إطارًا جامعًا للنضال الشعبي والوطني، حركةً عابرةً للطوائف والمذاهب، تعبّر عن نبض الناس وتواجه الطبقية والطائفية السياسية. وفي لحظة من لحظات الشرف، سقط شهيدًا في تظاهرة الصيادين عام 1975، تاركًا خلفه إرثًا من العزة والوفاء، وبذرةً نضاليةً أثمرت أجيالًا من المقاومين.
بعد رحيله، تولّى مصطفى سعد راية النضال، فكان خير خلف لخير سلف. في زمن الاحتلال الإسرائيلي للجنوب، حين كانت البنادق تُشترى بالولاءات والمواقف تُباع في أسواق السياسة، اختار مصطفى سعد الطريق الأصعب: طريق المقاومة الوطنية الشريفة. جعل من صيدا قلعةً للمقاومة ضد العدو الصهيوني، وفتح بيته لكل مناضل حرّ، فصار بيته مقرًا وملاذًا، وصارت صيدا على يديه مدينة الصمود والتحدي. تمسّك بخطّ التنظيم الشعبي الناصري الذي قاده، مؤكدًا أن الوطنية الحقيقية لا تُقاس بالانتماء الطائفي، بل بالانتماء إلى الشعب والوطن. لم يساوم على دماء الشهداء، ولم يدخل في صفقات السلطة، بل بقي صادقًا مع نفسه ومع الناس. كان صلبًا في مواقفه، مؤمنًا بأن الكرامة الوطنية لا تعرف التسويات ولا التنازلات.
ثم جاء الدكتور أسامة سعد، فحمل الراية بعقل المفكر وقلب المناضل. هو ابن البيت الذي لم يعرف المهادنة يومًا، وامتدادٌ طبيعي لمسيرة أصيلة لم تنحرف عن خطّها قيد أنملة. جمع بين العلم والنضال، فدخل المجلس النيابي لا ليغرق في دهاليز الصفقات، بل ليحمل صوت الناس الذين مثّلهم أبوه وأخوه من قبله. ظلّ ثابتًا في دعمه لخيار المقاومة، متمسّكًا بالعروبة كهوية جامعة، وبفلسطين كقضية مركزية لا تقبل النسيان أو المساومة. وواصل عبر التنظيم الشعبي الناصري ترسيخ النهج الذي يرفض الطائفية والمذهبية، مؤكدًا أن الوحدة الوطنية هي أساس القوة، وأن الإصلاح يبدأ من تجاوز العصبيات الضيقة.
هذا البيت لم يكن يومًا تابعًا لأحد، ولا خضع لإملاء من سلطة أو حزب، بل كان دائمًا في صفّ المقاومة، في صفّ الشعب، في صفّ الوطن. في زمن الخضوع والارتهان، بقي آل سعد عنوانًا للصلابة والكرامة. لم يبدّلوا جلدهم، ولم يبدّلوا ولاءهم. كان ولاؤهم الوحيد للبنان الحرّ، لفلسطين، وللناس الذين أحبّوهم. رفضوا الانزلاق إلى الاصطفافات الطائفية التي مزّقت الوطن، وواجهوا كل محاولة لجرّهم إلى خانة المذهبية، مؤكدين أن الانتماء الحقيقي هو للوطن، لا للطائفة، وأن العروبة الجامعة أسمى من كل انقسام. كانوا صادقين في خصومتهم كما في تحالفاتهم.
بيت آل سعد هو اليوم رمز للطهارة السياسية والنقاء الوطني، ونموذج للانتماء العابر للطوائف والمذاهب. بيت لم يتلوّث بوحول الفساد، ولم يُبنَ على المصلحة، بل على التضحية والعطاء. بيت لم يهادن ولم يُذعن، بل صمد في وجه العواصف السياسية كما صمد في وجه الاحتلال، وظلّ أمينًا على مبادئ التنظيم الشعبي الناصري الرافض للتمذهب والانقسام. من معروف إلى مصطفى إلى أسامة، خيط واحد يشدّ التاريخ بالحاضر، ويؤكد أن هذا البيت لم يكن يومًا محطة عابرة في السياسة اللبنانية، بل مدرسة قائمة على الوفاء والموقف والكرامة، وعلى رفض الطائفية والتبعية بكل أشكالها.
هكذا تستمرّ الحكاية، حكاية بيتٍ حمل الوطن في وجدانه، ووهب أبناءه للناس لا للسلطة. بيتٍ لا يزال يؤمن أن المقاومة هي فعل انتماء لا شعار، وأن الشرف في السياسة يعني الصدق والثبات لا الثرثرة والمظاهر. في زمن تتهاوى فيه القيم أمام الإغراءات، يبقى آل سعد نموذجًا لما يمكن أن تكون عليه الوطنية حين تتجسّد في عائلة حملت على كتفيها همّ الوطن، وظلّت وفيّة له مهما تبدّلت الأزمنة، بعيدةً عن كل تلوين طائفي، مؤمنةً بلبنان الواحد، العربي، المقاوم.
----------
جريدة صيدونيانيوز.نت
خليل المتبولي : آل سعد: بيت الوطنية والمقاومة من معروف إلى مصطفى وصولًا إلى الدكتور أسامة، وشوكةٌ في حلق الطائفية والمذهبية ومِرآة لوطنٍ لا يُباع