https://sidonianews.net/article333521 /حرب إسرائيل ومخاطرها الحقيقية
صيدونيا نيوز

جريدة صيدونيانيوز.نت / حرب إسرائيل ومخاطرها الحقيقية

 

Sidonianews.net

---------------------

الجمهورية / جوني منير

تقصّد الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي تأخير اتصاله بنظيره اللبناني العماد جوزاف عون للتهنئة بعيد الإستقلال، ليستبق ببضع ساعات موعد وصول وزير خارجيّته بدر عبد العاطي إلى بيروت. فهو كشف عن جدّية إستعداد إسرائيل لقيامها بضربة عسكرية تستهدف «حزب الله»، وأنّ عبد العاطي يحمل ملفاً مفصّلاً في هذا الصدد. وهو بذلك أراد إضفاء طابع جدّي للغاية لما يحمله معه وزير خارجيّته، إزاء خطورة الأوضاع. وفي برنامج لقاءات عبد العاطي، موعد مع رئيس كتلة «حزب الله» النائب محمد رعد، لإبلاغه أيضاً بخطورة الوضع.

قبل أسابيع، وتحديداً نهاية الشهر الماضي، كان رئيس المخابرات المصرية حسن رشاد قد زار بيروت. يومها أرسل رشاد أحد أقرب معاونيه للقاء النائب رعد بصحبة السفير المصري في لبنان علاء موسى. يومها طرح المسؤول المصري ورقة من نقاط عدة، قادرة لأن تُشكِّل أساساً لمبادرة سياسية كمخرج للأزمة المتعلّقة بسلاح «حزب الله». وجاءت هذه الزيارة بعد نجاح مؤتمر شرم الشيخ، الذي حضره الرئيس الأميركي دونالد ترامب، وأنجز اتفاقاً من 3 مراحل لوقف الحرب في غزة. وجرى وضع المبادرة التي حملها حسن رشاد إلى بيروت، في إطار استثمار واستكمال الإندفاعة التي حققها اتفاق غزة. واعتقد «حزب الله» ومن خلفه إيران، أنّ المبادرة المصرية لا بُدّ أن يكون جرى تنسيقها في الكواليس الخلفية مع السعودية، لاسيما وأنّ أمين المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني علي لاريجاني زار المملكة منتصف أيلول الماضي، داعياً المسؤولين السعوديِّين لفتح أبواب التحاور مع «حزب الله». وإثر ذلك، أطلق أمين عام «حزب الله» الشيخ نعيم قاسم دعوة علنية للتحاور مع السعودية. ونقلت جهات عراقية إلى قيادة «حزب الله» لاحقاً، أنّ المسؤول الأمني السعودي الأعلى، سأل عن مدى جدّية الحزب في دعوته الحوارية حول سلاحه، وجاء جواب «حزب الله» أنّه جدّي للغاية. وتزامن ذلك مع المبادرة المصرية، ما جعل «حزب الله» يعتقد بأنّ التقارب الإيراني-السعودي الحاصل أنتج دفعاً حوارياً جديداً في المنطقة، وهو سيطال لبنان. لكنّ «الوسيط» العراقي أبلغ «حزب الله» لاحقاً بأنّه لم يحصل أي جديد، وأنّ الأمور توقفت هنا. كذلك فإنّ القاهرة حرصت على التأكيد بأنّ النقاط التي حملها وفدها الأمني إلى «حزب الله» لم تطّلع عليها السعودية، ولا علاقة لها بها لا من قريب ولا من بعيد. وعندها تبدّد المناخ التفاؤلي الذي كان لفح «حزب الله» حول إمكانية صياغة مظلة إيرانية-سعودية جديدة فوق لبنان. وبالتالي، فإنّ القاهرة نفسها التي لمست معارضة إسرائيلية حول العديد من نقاط مبادرتها، خصوصاً تلك المتعلقة «بتجميد استخدام سلاح «حزب الله» شمال الليطاني»، آثرت وضع ورقتها جانباً، وسط تشدّد إسرائيلي وأميركي بالتمسك بنزع سلاح الحزب وليس تجميد استخدامه. واستطراداً، فإنّ المهمّة الأساسية التي حملها وزير الخارجية المصري تتركّز حول جدّية إسرائيل بقرب قيامها بعمل عسكري، وضرورة أن يعمل لبنان على إيجاد حل سريع لأنّ الوقت ينفد.

وفي الوقت الذي باشر فيه عبد العاطي جولته في لبنان، كان وزير الدفاع الإسرائيلي يسرائيل كاتس يعلن بأنّه في حال لم يتخلَّ «حزب الله» عن سلاحه قبل نهاية العام، وهي المهلة التي حدّدتها واشنطن، فإنّ إسرائيل ستقوم بذلك بقوّتها العسكرية مرّة أخرى. وهي ليست الإشارة الإسرائيلية الوحيدة باتجاه الحرب. فهنالك التعبئة الإعلامية اليومية التي تقوم بها وسائل الإعلام الإسرائيلية وبشكل منسّق ومنظّم، وهنالك خصوصاً المواقف الأميركية على مختلف المستويات. وفي هذا الإطار يمكن إدراج عدم صدور أي ردّ إسرائيلي لا على المبادرة التي أطلقها الرئيس جوزاف عون، التي تضمّنت خارطة طريق من 5 نقاط، ولا على موافقة لبنان على مفاوضات غير مباشرة مطعّمة بمدنيِّين. الإستنتاج الواضح هو أنّ زمن التفاوض وفق المعطيات القائمة حالياً أصبح وراءنا، وأنّ المرحلة الحالية هي، وفق الحسابات الإسرائيلية، للتحضير لعمليات عسكرية تؤدّي لإحداث تغيير جذري في المعطيات الميدانية، ما سيسمح لاحقاً بتحويلها لمعطيات سياسية جديدة.

والوفود الأميركية التي كانت تزور بيروت، كانت تسعى دائماً لدفع لبنان باتجاه البدء بمفاوضات مباشرة مع إسرائيل من خلال وفد عسكري وسياسي يمثل القرار الرسمي للدولة اللبنانية. وفي الوقت عينه كانت إسرائيل ترفع من وتيرة اتهامها للسلطة اللبنانية بأنّها تغضّ الطرف عن إعادة بناء التركيبة العسكرية لـ«حزب الله». وفي الوقت الذي كان لبنان يدعو فيه الأطراف الدولية وعلى رأسهم واشنطن، لإجراء معاينة ميدانية تؤكّد خلو منطقة جنوب الليطاني من السلاح، كانت التسريبات الأميركية تشير إلى أنّ الحدود اللبنانية ليست مقفلة تماماً أمام إعادة تسلّح «حزب الله»، وأنّ المقصود هنا ليس فقط الحدود البرية بل أيضاً البحرية، ولو من دون إعطاء أدلة واضحة في هذا الخصوص.

وبعيداً من الجدل القائم، إلّا أنّه يبدو بأنّ القرار بالتصعيد قد اتُخذ، وأنّ ما يجري حالياً هو للتمهيد له. ذلك أنّ ثمة أهدافاً مطلوبة، ولا يبدو أنّه من الممكن تحقيقها إلّا عبر الآلة العسكرية.

فهنالك أولاً الهدف المتعلق بإخراج النفوذ الإيراني بالكامل من الساحة اللبنانية. وهذا ما يعني تدمير السلاح الذي يحمل الطابع الإقليمي، أي السلاح الثقيل كالصواريخ البالستية والمسيّرات المتطوّرة، والمستودعات التي تُشكّل بنية تحتية ولوجستية لها. وفي وقت يجري الإشارة هنا إلى منطقة البقاع الشمالي، فإنّ اللافت عدم الحديث عن السلاح الخفيف والمتوسط. كذلك يجري العمل على قطع كل شرايين التواصل المالي بين «حزب الله» وإيران. واللافت في هذا الإطار، ما يدور في أروقة حركة «حماس»، حول وجود نقاش داخلي يقضي بتحويل «حماس» إلى حزب سياسي ضمن إطار مصالحة فلسطينية شاملة. وهو ما يعني خلق هيكلية تنظيمية داخلية جديدة، تتناسب مع الدور السياسي البحت. وهو ما يُشكّل نموذجاً متقدّماً لما يجري طرحه على «حزب الله».

والهدف الثاني، وهو تثبيت المنطقة الحدودية العازلة، والعمل على جعل كامل منطقة جنوب الأولي منطقة منزوعة السلاح بالكامل. وهنا يصبح مخيّم عين الحلوة من ضمن المشروع المطروح. ولفت في هذا الإطار ما يجري ترويجه حول وجود تفاهم لاستعانة «حزب الله» بمقاتلين فلسطينيِّين من حركة «حماس».

والهدف الثالث، هو ما أشار إليه كاتس بالأمس، ويتعلّق بالحدود البحرية، واستطراداً بالثروة الغازية في البحر، وما يُطرح حول شراكة إقليمية لإدارة هذه الثروة وتصديرها، وتضمّ إسرائيل وتركيا ومصر وقبرص ولبنان وربما سوريا. وهذا التعاون يستلزم وجود تعاون وتفاهم سياسي، أي اتفاقات سلام وشراكة بين الأطراف.

وهنا يأتي الهدف المتعلّق بحصول مفاوضات لبنانية-إسرائيلية مباشرة، من خلال وفدَين سياسيَّين رسميَّين، وهو ما ظهر صعوبة تحقيقه حالياً. وبالتالي، فإنّ العملية العسكرية الإسرائيلية ستحاكي في بعض جوانبها كيفية ترتيب نتائج سياسية لها، ربما من خلال إجراء تعديل في الإطار والسلوك السياسي القائم.

ووفق ما تقدّم، يظهر جلياً وجود مشروع كبير يُحتِّم الذهاب إلى تسخين الوضع، بهدف فرض معادلات ميدانية جديدة، تسمح بسلوك هذا المسار.

وعند الضفة الأخرى، يبدو أنّ «حزب الله» بدأ يَعي جدّية الذهاب إلى المواجهة العسكرية مرّة جديدة. وجاءت عملية اغتيال رأس الهرم العسكري عنده لتطرح العديد من علامات الاستفهام. فالعملية تُشكّل مؤشراً متقدّماً لسلوك درب المواجهة العسكرية بدل سلوك دهاليز المفاوضات والتسويات التي كان يأمل بها. ولا شك بأنّ قيادة الحزب تعيد مراجعة «ثغراتها» الأمنية من جديد. ويُقال إنّ قيادة الحزب تضع أمامها حتى أسوأ الإحتمالات، كمثل تجديد إسرائيل لتنفيذ خطتها خلال الحرب الماضية، من زاوية استهداف قياداتها في أول موجة جوّية، على ألّا تقتصر هذه المرّة على القيادات العسكرية بل أيضاً السياسية.

كذلك ثمة احتمالات مرتفعة باستهداف بعض المواقع والمؤسسات الرسمية اللبنانية، وهو ما تؤشر إليه التهديدات المتتالية للسلطة اللبنانية. أضف إلى ذلك، احتمال عزل بعض المناطق المستهدفة من خلال ضرب الطرق والجسور التي تصلها بالمناطق المجاورة.

ولإسرائيل أهداف أبعد ممّا تريده واشنطن، في هذه المرحلة على الأقل. فإذا كانت إدارة ترامب توافق حكومة نتنياهو على النقاط التي جرى ذكرها آنفاً، إلّا أنّ للحكومة الإسرائيلية اليمينية أهدافاً أبعد، تسعى إلى تحقيقها ضمن ما تعتبره الفرصة التاريخية التي لن تتكرّر. فنتنياهو المحاصَر داخلياً يعمل على تجنّب فتح ملف المسؤوليات لما حصل في السابع من أكتوبر، ويواجه تخويناً داخلياً بأنّه خضع لمشيئة واشنطن ووافق على تسوية في غزة لا تلحظ تهجير الفلسطينيِّين منها إلى الأبد. وهو ما يدفعه أكثر فأكثر للهروب باتجاه حرب في لبنان، لكن في الوقت عينه، للتأسيس لواقع يسمح في وقت غير بعيد بتغيير الحدود الجغرافية القائمة إن في سوريا أو في لبنان. وهو مشروع اليمين الإسرائيلي بتفكيك الدول المجاورة وإعادة تركيبها وفق عبارة توم برّاك الشهيرة، على واقع عشائري ومذهبي وطائفي... على رغم من أنّ إدارة ترامب لا توافق على الذهاب بهذا الإتجاه الآن.

ففي الوقت الذي تعمل فيه إسرائيل على استمالة العلويِّين في سوريا وانتزاعهم من الحضن الإيراني، فهي تعمل على استثمار النزاعات الدموية والطائفية الحاصلة، لتوظيفها في مشروع التفتيت الذي تسعى إليه. وها هم العلويّون ينضمّون إلى الأكراد والدروز في المطالبة بحكم لامركزي ترفضه دمشق، لخشيتها من تحقيق تقسيم البلاد لاحقاً. ويعتقد المراقبون أنّ التظاهرات التي خرجت في الساحل السوري يوم الثلاثاء الماضي، لم تكن عفوية بالكامل، وإنّما تندرج في سياق حراك متصاعد للأقليات، وهو ما شهدته محافظة السويداء سابقاً. وكان معبّراً جداً أن تعقد لجنة الخارجية والأمن في الكنيست الإسرائيلي جلسة لمناقشة أوضاع الدروز في سوريا بحضور الشيخ موفق طريف. وحضر الجلسة التي تحوّلت إلى سرّية، ممثلون عن مجلس الأمن القومي والجيش ووزارة الخارجية.

وهو ما يعني وجود خشية حقيقية من أن تعمد إسرائيل، ومن خلال الضربة التي تُحضّر لها في لبنان، أن تؤسس لواقع تفتيتي على المستوى اللبناني الداخلي الهش. وكما كانت الدماء سبيلاً لتفكيك النسيج السوري، أكان مع الدروز في السويداء جنوباً، أو مع العلويِّين عند الساحل السوري، أو مع الأكراد شمالاً من خلال المواجهات مع «قسد»، فإنّ إسرائيل تدرك جيداً أنّ الصراعات الداخلية الدموية تؤسس لتمزيق هذا النسيج المهترئ أساساً. ما يستوجب التحوّط من احتمال دفع إسرائيل خلال عمليّتها العسكرية من استدراج الداخل اللبناني لأعمال دموية، هدفها التأسيس لتفتيت لاحق، يعزّزه مسار تاريخي مثقل بالجراح والمآسي.

عسى أن تُشكّل زيارة رأس الكنيسة الكاثوليكية إلى لبنان عامل تعزيز لمنسوب المناعة الداخلية.

---------------------------

جريدة صيدونيانيوز.نت / اخبار لبنان / حرب إسرائيل ومخاطرها الحقيقية

 

 

 

 

 





www.Sidonianews.Net

Owner & Administrator & Editor-in-Chief: Ghassan Zaatari

Saida- Lebanon – Barbeer Bldg-4th floor - P.O.Box: 406 Saida

Mobile: +961 3 226013 – Phone Office: +961 7 726007

Email: zaatari.ghassan@gmail.com - zaataripress@yahoo.com

https://sidonianews.net/article333521 /حرب إسرائيل ومخاطرها الحقيقية