صيدونيانيوز.نت / من وحي رمضان / كيف يمكن تخطي مصاعب أيام الصيام الأولى؟
يشعر معظم الصائمين بصعوبة الصيام، خصوصاً في الأيام الأولى من شهر رمضان، فما الذي يحدث لصحة الإنسان في بوادر صيامه؟ وما أسباب شكوى الناس في هذه الفترة؟ وكيف يمكننا أن نتخطاها؟
يشكو الكثير من الناس في بدء صيامهم من الصداع أو الإعياء العام أو النعاس أو الدوار أو جفاف الفم والبلعوم أو كثرة حموضة المعدة أو "فقد الأعصاب"، أو عددا من هذه الأعراض أو كلها مجتمعة. ويتوجسون خيفة مما ينتظرهم من مشقة فيما تبقى من الشهر. وقد يلجأ أحدهم لترك الصيام معتذرا أنه لن تسمح له صحته بمتابعة فرض الصيام هذا العام، لكن أكثرهم لا يجدون مشقة في متابعة الصيام بعد تجاوز أيامه الأولى، بل ويرحبون به ويستمتعون بنعمه الروحية والصحية.
وقد تمكن الأطباء من معرفة أسباب معاناة الكثيرين صحيا من تجربة الصيام في مراحله الأولى، وتوصلوا لوسائل طبيعية وبسيطة تقيهم من معاناة هذه المصاعب.
التغلب على الجفاف
الجفاف وراء أبرز مشكلة صحية تواجه الصائمين في بداية رمضان، ألا وهي الصداع. فمن المعروف أن أكثر من 75% من دماغ الإنسان مكون من الماء، والدماغ البشري كثير الحساسية لفقدان هذا العنصر الأساسي في تكوينه، فإذا هبط تركيز الماء عن حد معين، بدأ الدماغ في إفراز مادة الهيستامين كوسيلة لحفظ الماء في هذا العضو الحساس، ما ينتج عنه حس الصداع والإعياء العام الذي عادة ما يرافقه، خصوصاً قبيل وقت الإفطار.
إذا كان الشخص بالأساس مصابا بنوبات ألم الرأس المزمنة أو نوبات الشقيقة، فيتوقع أن يفاقم الصيام من أعراضه ويجعلها أصعب مراسا. كما أنه معروف أن صداع الصيام يصيب النساء أكثر من الرجال، ويصيب المتقدمين في العمر أكثر من الشباب.
وللتأكد من أن صداع الصيام هو حقيقة (لا مجرد أسطورة)، أجريت دراسة مؤخراً في جامعة ملايا Univ of Malaya طلب فيها من حوالي 100 متبرع تسجيل درجة ألم الرأس لديهم (بحسب الجداول المعتمدة) على مدى عدة أشهر، فتبين أن درجة الصداع خلال شهر الصيام كانت أعلى من بقية الأشهر بنحو 50 في المئة.
لا تنحصر مشكلة التجفاف في تسبيب الصداع، وحسب، وإنما تتعداها للشعور بالإرهاق وفقدان العزيمة والنعاس والميل إلى النوم والدوار والعطش وجفاف البلعوم واللسان وخشونة الجلد والإمساك.
ومن دون مبالغة إن التجفاف هو أبرز علة وراء الأعراض التي يعانيها البشر في أولى أيام الصيام، وأنه من حسن الحظ، أسهلها علاجا.
فالحل يكمن في الإكثار من شرب الماء، (ينصح بشرب عشرة أكواب يوميا للشخص البالغ ذي الوزن العادي).
وعلى الصائم أن يستمر على هذا النهج طوال الشهر ليدرأ عن نفسه جميع مضاعفات التجفاف التي ذكرت، والذي يشكل (إضافة لأعراضه المزعجة) خطرا لا يستهان به على كل من يشكو علة مرضية مهمة أخرى (كمرض القلب أو الكليتين مثلا).
التغلب على نقص سكر الدم
يحصل انخفاض سكر الدم (الذي يسبب الدوار وخفقان القلب والتعرق، والصداع أحيانا) عندما يتناول الصائم وجبة غنية بالسكاكر والنشويات في السحور، فهذا من شأنه أن يرفع تركيز سكر الدم عاليا، ما يزيد بسرعة من إفراز البانكرياس للإنسولين، ويخفض الإنسولين من مستوى السكر في الدم فجأة، مسببا أعراض نقص السكر التي أتينا عليها، والتي إضافة للإزعاج الحاصل منها تشكل مؤشراً خطراً للمرضى السكريين أو المؤهبين للسكري، ومرضى القلب، لأن نقص السكر الحاد قد يعرضهم لخطر فقدان الوعي والوفاة.
والحل يكمن في ضرورة أن تكون وجبة السحور فقيرة بالسكاكر المكررة أو النشويات التي تتحلل إلى سكر في الدم بسرعة (كالخبز الأبيض).
ويمكن للمريض أن يسأل طبيبه عن جدول "المؤشر السكري glycemic index"ليستدل على الأطعمة منخفضة المؤشر السكري، والتي يحسن أن يتقيها في وجبات السحور.
مواجهة الحرمان من القهوة
أجرى الدكتور إليوت شيفيل Elliot Shevel رئيس جمعية آلام الرأس في أفريقيا الجنوبية دراسة واسعة عن الصداع لدى المسلمين الصائمين في بلده، فاستنتج منها أن أول سبب للصداع التالي للصيام في بلده هو الحرمان من القهوة.
نصح الدكتور شيفيل بتخفيف استهلاك القهوة اعتبارا من بضعة أسابيع قبل شهر الصيام. كما نصح بشرب فنجان قهوة مركز قبيل بدء الصوم في كل يوم من رمضان (بعد السحور)، كل ذلك لتخفيف تأثير التوقف المفاجئ عن تعاطي الكافئين خلال شهر الصيام.
التعامل مع فقدان الراحة قبيل رمضان
يسعى الكثيرون لإنهاء مشاغلهم والتزاماتهم بسرعة والتحضير للشهر الفضيل، فيرهقون أنفسهم ويتعذر عليهم النوم الكافي خلال بضعة الأيام التي تسبق رمضان، ما يجعلهم عرضة لآثار هذا الإعياء في بداية الشهر.
ما يزيد من أعراض التعب العام الذي يحصل من التجفاف، وكل ما هو مطلوب لتفادي هذه المشكلة، هو أن يعطي المرء نفسه فرصة للراحة والنوم الكافي قبل بداية شهر الصيام، وأن يتابع على هذا المنهاج قدر استطاعته طوال الشهر.
تجنب التخمة على الفطور
يلجأ بعض الصائمين (خصوصاً في بضعة الأيام الأولى) لتناول كل ما هو موضوع على مائدة الفطور، دون اعتبار لنوع الطعام المعروض او لقدرة معدتهم على استيعابه، اعتقادا منهم أن ذلك من حقهم بعد صيام يوم كامل، وخوفا من إحساسهم بالجوع في اليوم التالي.
إن هذا التصرف يلقي عبئا كبيرا على كاهل جهازهم الهضمي، ما يجعلهم يشكون من التلبك المعوي وفرط الحموضة خلال النهار، خصوصاً إذا كانوا من المؤهبين للارتجاع الحامضي (القلس) المعدي-المريئي.
والمطلوب هنا هو أن نتبع السنة الشريفة في تحضير المعدة تدريجيا لطعام الفطور، وانتخاب ما هو صحي من المأكل، والتوقف عن الطعام قبل امتلاء المعدة.
التعامل مع النزق والعصبية
يصاب البعض بفقدان السيطرة على مشاعرهم وتصرفاتهم مع الآخرين مع بداية شهر الصوم، وبخاصة الذين يضطرون للتوقف عن التدخين. وقد ينتج عن هذا الأمر اضطراب العلاقات مع بعض أفراد العائلة أو الأصحاب، وقد تؤدي نزوات الغضب لمصاعب وأزمات في مكان العمل، وقد تسبب قلة التركيز المرافقة لهذه النزوات إحدى حوادث السير المؤسفة.
الحل يكمن بتحضير النفس والروح لهذا الشهر الفضيل بالاستغفار، والمطالعة الدينية والعبادة، ومد يد العون للمحتاجين في شهر شعبان وقبل بداية الصيام.
أخذ الأدوية الوقائية حسب الحالة
هل هناك أدوية يمكن ان تساعد في الوقاية من مصاعب بداية رمضان الصحية؟
نعم؛ بإمكان المؤهبين لآلام الرأس مثلا أخذ حبة من مضاد الألم نابروكسين Naproxen sodium، عيار 500 مغ، قبل بدء الصيام (بعد السحور مباشرة)، وبإمكان المؤهبين لحموضة المعدة أخذ حبة Omeprazole، عيار 20 مغ في التوقيت نفسه، لكن من الأفضل استشارة الطبيب قبل تناول أي دواء. (مجلة بلسم مجلة جمعية الهلال الاحمر الفلسطيني)
2018-05-17