صيدونيانيوز.نت / المرأة والمجتمع /
تواجه بلدان غربية منذ بضع سنوات دعوات إلى التخلّي عن نظام التعليم المختلط في المدارس الابتدائية والثانوية. وتستند في ذلك إلى اعتبارات متباينة تربوية وإجتماعية وأخلاقية ودينية وسياسية. ومن اللافت أن تلك الدعوات الصادرة عن بلدان ذات أنظمة عريقة ومتشددة في علمانيتها، ارتفعت وتيرتها أخيراً وسط سجالات حادة بين أنصارها ومؤيديها، إلى درجة أن مسألة الفصل بين الجنسين، خرجت عن نطاقها التربوي لتصبح قضية رأي عام تتصدّر أوساطاً اجتماعية وإعلامية.
وفي بلدان أوروبية كفرنسا وبريطانيا، تلح الأوساط الدينية المحافظة على فصل الإناث عن الذكور والعودة إلى النظام التعليمي التقليدي، بغية تحصين الناشئة بالقيم والمثل الأخلاقية، وتأصيلها في نفوسهم، تلافياً لأية انحرافات مسلكية أو اجتماعية. وفي المقابل، ترى الأوساط العلمانية في الحكم وخارجه أن العودة عن التعليم المختلط، هي دعوة إلى الوراء تتناقض أساساً مع مبدأ المساواة، وتكرّس التمييز بين الجنسين، ما يخالف ما تنص عليه النصوص الدستورية وشرعة حقوق الإنسان.
أما في الولايات المتحدة، فيتخذ الفصل منحى آخر، يتمحور في جوهره حول ما يسمّى برامج «العفة والعذرية» التي روجّت لها بشدة دوائر المحافظين الجدد، لا سيما في عهد الرئيس السابق جورج بوش الذي جعلها في طليعة برامجه الإجتماعية قبل توليه الحكم وبعده. ووصل الأمر إلى تخصيص 155 مليون دولار سنوياً للمدارس التي تلتزم تطبيق تلك البرامج، علماً أن الجماعات الأميركية المحافظة لا تزال تروّج لفصل الناشئة في المدارس. وترى، كما يقول الناطق باسمها وندي رايت، أن «أي تعليم خارج نطاق العفة والعذرية يهدد سلامة النظام التربوي الأميركي ومستقبل الناشئة»، مشيراً إلى أن «المراهقين ليسوا جديرين بأن يتصرفوا بوعي ومسؤولية ازاء مسألة الجنس، لا سيما أن أكثر من نصفهم تتراوح أعمارهم بين 14 و17 سنة يمارسون الجنس بعيداً من أية مراقبة دينية أو صحية أو تربوية، وأن معدّل الحمل غير المشروع في أوساط المراهقات يصل إلى نحو 500 ألف حالة سنوياً، وهو من أعلى المعدلات ارتفاعاً في العالم».
وتتقاطع مبررات الفصل، في كندا، أحياناً مع دعوات أورربية وأميركية، الا أنها تقتصر خصوصاً على ظاهرة الرسوب المدرسي المزمنة، والتي لا تزال تتفاقم عاماً بعد عام، وتتفاوت معدلاتها في شكل حاد بين الذكور والإناث، علاوة على ما تخلّف من تداعيات خطيرة على المستويات التربوية والإجتماعية والإقتصادية.
وتشير الاحصاءات الكندية الرسمية إلى أن نسبة النجاح في المدارس الإبتدائية على مدى الاعوام الخمسة الماضية لم تتعدَ 41 في المئة للذكور في مقابل 59 في المئة للإناث، وفي المدارس الثانوية 31.3 في مقابل 68.7 في المئة. وأظهرت دراسة تربوية أجرتها مجموعة من أساتذة التربية في الجامعات الكندية، وشملت 1500 تلميذة وتلميذ من المرحلتين الابتدائية والثانوية، أن مؤهلات الإناث العلمية للنجاح تفوق مثيلاتها لدى الذكور بمعدل لا يقل عن ثلاثة أضفاف.
يعتقد عدد من خبراء التربية في كندا، أن لا حل سحرياً لمعضلة الرسوب المدرسي أو لجدلية الفصل بين الجنسين المرتبط بها. ويرون أن المعالجة المتاحة اليوم تقتصر على حلول تطـبّق جزئياً في بعض بلدان أوروبا وأميركا وكندا، ومنها اتخاذ إدارات المدارس تدابير صارمة تحظّر على التلميذات إرتداء الملابس المثيرة، لا سيما في حصص الرياضة والسباحة، ومنع خلع الملابس في غرف مشتركة، وتحويل مدارس مختلطة إلى مدارس منفصلة بين الذكور والإناث. إلا أن نتائج هذه التجربة لم تكن مشجعة لجهة تخفيف حدّة التفاوت العلمي بين الجنسين، فعاد بعضها عن التجزئة واستمر بها بعض الآخر.
وثمة من اقترح اعتماد حل وسط، يقضي بفصل الإناث عن الذكور داخل المدرسة الواحدة في بعض المواد كالرياضيات والعلوم واللغات وحصص الرياضة، علماً أن هذا الحل يلقى معارضة قوية من بعض المؤسسات التربوية.
وعلى سبيل المثال، ردّ المعهد الوطني التربوي في كيبيك على مثل هذه الاقتراحات بالقول: «لا نفهم كيف يعالجون هذا الفصل التعسفي بطريقة تماثل الفرز العنصري القائم على نوع الجنس، والذي لا يمت إلى أي مفهوم تربوي بصلة». وهناك من يذهب إلى أبعد من ذلك كالقول أن الفصل بين الجنسين يحول دون التحرّش الجنسي، وأن التفاوت بينهما يعود إلى «الفطرة» أو إلى «اختلاف الجينات» أو إلى «عوامل بيولوجية»، أو إلى» تفاوت المنابت الطبقية وتناقض الفروق الاجتماعية والاقتصادية والثقافية».
2018-05-18