جريدة صيدونيانيوز.نت / اخبار العالم / شارل أزنافور صديق وفيّ لأم كلثوم وعبد الوهاب والعندليب الأسمر!
روزيت فاضل / المصدر: "النهار"
يوم واحد على رحيل شارل أزنافور، فرانك سيناترا بنسخته الفرنسية، كما عنونت" أمس صحيفة "الغارديان" البريطانية. لمَ أحببنا أزنافور؟ بكل بساطة لأن كلمات أغانيه كانت تضمد جراح الحب وتعزز مقامه في حياة كل منا، حتى لو كان على حساب "الموت حباً"، هذه الأغنية التي كرس فيها أزنافور لذة الموت عشقاً مع الحبيب.
لم يكن يوماً أزنافور إلا ذلك المتمرد على زمنه، فتحول عبر دفء صوته كأنه ذلك الشهريار، الذي يخطف القلوب، يأسرها دون أن يعمد إلى قتل امرأته قبل بزوغ الفجر. معه، كانت مسيرة فنية راقية لا تتكرر، تحولت الى "ألف ليلة وليلة"، نبيذ كل ليلة تحول حكاية موقعة بأغنية تسحر القلب، العقل والجسد وكل شيء معاً.
"La Mama"
أزنافور، ساحر الأغنية الفرنسية، كان يحن الى والدته المرأة الأولى، التي أحبها من دون حدود. فكرمها من خلال أغنية "La Mama"، وهي الصرخة المدوية العابقة بالشوق لحضن أمه. ويلتجئ كثيرون ممن اشتاقوا الى حضن والدتهم لسماع هذه الأغنية، ومنهم أحد متابعي أزنافور، معلقاً:" فقدت أمي باكراً وانا لم أتعدَّ الـ 11 ربيعاً، وها أنا اليوم أناهز الـ 46 من عمري، وأبكي حسرة وشوقاً على أمي عند سماعي أغنية “La Mama” لشارل أزنافور لأنني أدرك تماماً أنني أعيش فراغاً موحشاً دون أمي، وأتذكر هذا الواقع "البشع" عند سماع كل كلمة فيها".
لم يتردد في الغناء لقضايا رئيسية تعني الإنسان مطالباً بحقوق المثليين جنسياً عبر أغنية " Comme ils disent ". قدم الأغنية أمام جمهور واسع في مسرح الأولمبياد في فرنسا، ودخل عالم المثلية في كل كلمة، شارحاً نمط عيش فئة من الناس، بوجعها، بفرحها، بوطأة الأحكام المسبقة من غاليية الناس.
أزنافور، لم يتردد في الدفاع عن جذوره الأرمنية، فتحول صوتها الساطع ودعمها من خلال لجنة محلية حملت اسمه، وغنى لها "من أجلك أرمينيا" مع 88 مغنياً من أقطاب العالم، وأطلق هذه الصرخة في العام 1989 لتعم العالم كله داعياً كل إنسان لدعم بلده الأم وشعبه بعد الخسائر الكبيرة، التي وقعت بعد زلزال قوي في أرمينيا عام 1988.
تأثير بياف في حياته
أما المرأة الثانية، التي دفعته الى الشهرة، فهي إديث بياف، التي عرفت مثله بدايات صعبة في انطلاقتها الغنائية. إذا تصفحنا حياتهما الشخصية، فنلاحظ أنه كان يشبهها بغنائه في الملاهي والحانات، وهو برفقة صديقه بيار روش عازف البيانو. واختارته بياف مساعداً لها، وأصبح يرافقها في جولتها الغنائية بعد الحرب العالمية الثانية، التي امتدت من أميركا وكندا.
هناك، بدأ يتسلق درج الشهرة، وارتفع صوته بأغنية Emmenez-Moi وانطلق في مسيرته الغنائية، وهو يعيد أغانيها في حفلاته، حتى بعد موتها، كعربون شكر وامتنان "للفنانة التي أثرت وأغنت حياتي".
الزواج وموت ابنه
في حبه للنساء، تزوج أزنافور ثلاث مرات وأنجب 6 أولاد وخسر منهم ولداً واحداً ابنه باتريك، الذي خسر حياته وهو في الـ 25 ربيعاً بعدما أقدم على الانتحار هرباً من إدمانه المفرط على المخدرات. كيف يتحدث عن زيجاته الثلاث؟ ذكر في إحدى مقابلاته التلفزيونية على شاشة الماغازين الأسبوعي «Télé 7 Jours» أنه قرر "الارتباط ثلاث مرات في حياته" مشيراً الى أنه كان يافعاً في زواجه الأول من ميشلين فورمانتان في العام 1946 فيما اعتبره نفسه غبياً في زواجه الثاني من إفلين بلسي في العام 1955وهي والدة ابنه الراحل باتريك".
أما زواجه الثالث، وفقاً له، "فتميز باقترانه من اولا تورسال، المرأة من ثقافة مختلفة، ما ساعدني أن أكتشف أشياء عدة وأبرزها قبول الآخر". قال:" لا أقصد أنها حاولت تغيير بعض من أطباعي، فهذا يبدو لي مستحيلاً. لكنني أعتقد أنها تمكنت من مساعدتي على ضبط بعض الأمور في حياتي، لا بل كان لها دور في وضع هذا المسار في حياتي في السكة الصحيحة".
امرأة في الظل
خلقت هذه الزوجة، النروجية الجنسية، توازناً كان يفتقده أزنافور في حياته. لكنه أصر انها أحبت دائماً ان تبقى وراء الكواليس تاركة له ساحة النجومية. علق على هذه المعلومة قائلاً: "كانت لا تحب الظهور أمام العامة، ولا ترغب في إقحام نفسها في أي لقطة فوتوغرافية معها. لعبت دوراً مفيداً في حياتي. اختلفت في تعاطي مع واقع الحياة، كانت مختلفة في أدائها، فيما نجحت في تعزيز فن الجنون في نمط الحياة".
صديق الطرب الأصيل
على الساحة العربية، حرص أزنافور على تعزيز صداقاته مع وجوه فنية خالدة وأهمها أم كلثوم. ذكر في إحدى مقابلاته أنه "كان له دور أساسي في استضافتها على مسرح "أولمبيا" الشهير في باريس في العام 1967، وبقي على تواصل مستمر معها حتى وفاتها عام 1975". ووطد ايضاً علاقاته بكل من موسيقار الأجيال محمد عبد الوهاب، وجمعتهما لقاءات عدة في باريس في ثمانينات القرن الماضي. وربطته ايضاً صداقة مع العندليب الأسمر عبد الحليم حافظ، والتقيا في باريس مرات عدة قبل وفاة حافظ عام 1977.
أما محلياً، فقد سبق له ان زار لبنان منذ خمسينيات القرن الماضي وأحيا فيه عدداً من المهرجانات والحفلات الفنية آخرها كان في مهرجانات مدينة فقرا كفرذبيان الصيفية العام الماضي .
شارل أزنافور، معك الحب باقٍ، ولو كان يلوح لنا من وراء ذلك الأفق، فحبنا لك لا حدود له وهو سيبقى يتحدى الموت الذي فرقنا ...
2018-10-02