صيدونيانيوز.نت/ أقلام ومقالات / هذه قصة الـ 3200 دينار!
رجل يعمل في إحدى الدول العربية قال: عملت في إحدى الشركات لفترة طويلة ثم قدمت استقالتي واستلمت حقوقي المالية نظير عملي في الشركة، وكان المبلغ الذي استلمته (3200) دينار، وكنت فرحا عندما استلمت الشيك لأن في رأسي أكثر من حاجة أريد أن أشتريها بهذا المبلغ، وكنت أتمنى هذا المبلغ منذ زمن بعيد لأحقق به جزءا من طموحي، وذهبت مباشرة إلى بيت والدي لأبشرهم باستلامي المبلغ، فقال والدي ووالدتي: الحمد لله الذي رزقك هذا المبلغ لتحقق به أمنيتنا في الحياة وهي الذهاب إلى الحج، فتفاجأ من طلبهما وحدث صراع داخل نفسه بين أن يقدم المبلغ لوالديه أو أن يحقق به طموحه وأمانيه، ولكنه اختار أن يقدمه لهما، فقال لوالديه على الرحب والسعة فأنا أتعبد الله في طاعتكم وبركم، ثم ذهب لحملة الحج ودفع المبلغ كاملا وودع والديه للحج وهو سعيد وراض بما فعل، ثم جلس يفكر كيف يجمع مثل هذا المبلغ الذي قدمه لوالديه، فقرر أن يعمل وقدم سيرته الذاتية للشركات حتى قبلته إحدى الشركات براتب أفضل من راتبه السابق، وبعد عودة والديه من الحج بأسبوعين اتصل به مديره في الشركة السابقة وقال له: إن لديك مبلغا آخر إضافة لحقوق الخدمة التي استلمتها ففرح بالخبر وذهب مسرعا لمعرفة مقدار المكافأة الإضافية، وتفاجأ لما علم أن الشيك المخصص له بمقدار (3200) دينار، مثل المبلغ الذي استلمه سابقا وقدمه لحج والديه، فقال سبحان الله، إن الله لا يضيع أجر البر وثوابه أبدا، لأن أفضل النفقة أن ينفق الولد على والديه كما قال تعالى (يسألُونك ماذا يُنفِقُون قُل ما أنفقتُم مِن خيرٍ فلِلوالِدينِ والأقربِين واليتامى والمساكِينِ وابنِ السبِيلِ وما تفعلُوا مِن خيرٍ فإِن الله بِهِ علِيم).
فمن أجمل اللحظات أن تدخل السرور على والديك ولو بطرفة تقولها أو تدخل منزلهما وبيدك شيء تحمله فيكون سببا في سعادتهما حتى ولو كنت تحمل قهوة أو عصيرا أو تمرا، وكلما كنت سببا في سعادتهما بارك الله لك في صحتك ووقتك ومالك، وثواب البر عظيم، فعلى الرغم من عظم ثواب صيام التطوع إلا أن ثواب البر أعظم، وقد قال الحسن البصرى رحمه الله فيمن يصوم صيام تطوع وسأله أبوه أن يفطر فقال: إنه يفطر وله أجر البر وأجر الصيام إذا أفطر، ولعل من طرائف القصص أن ابن عباس رضي الله عنه سئل عن المرأة التي تعلمت السحر ثم أرادت أن تتوب، فقال: لها أن تتوب وإن كان لها أبوان فلتبرهما ما داما حيين، فبر الوالدين يساهم في تكفير الذنوب والتقصير في حقوق الله تعالى.
وقد عشت قصصا كثيرة ببر الوالدين فأذكر أني قابلت أحد أشهر رجال الأعمال على مستوى العالم وسألته عن سر نجاحه وثروته فكان جوابه بالإضافة إلى المهارة والذكاء واغتنام الفرص والعلاقات فإن أهم سبب أعتقده هو الحرص على طاعة الله وبر الوالدين، وأذكر تاجرا آخر تفرغ لخدمة والديه في الكبر فقالوا له كيف تترك تجارتك؟ فرد عليهم: كما أن الموظف يتقاعد بعد طول خدمة فإني أنا أستقيل من تجارتي وأرباحي من أجل بر والدي فتفرغ لخدمتهما وبرهما، ولهذا لما ماتت أم إياس بن معاوية رحمه الله (أحد التابعين) بكى عليها، فقيل له ما يبكيك؟ فقال: «كان لي بابان مفتوحان إلى الجنة فأغلق اليوم أحدهما»!. بمثل هذه القيم تحيا الأمم ولهذا تتفاخر الدول المتقدمة بما تقدمه لكبار السن من خدمات ورعاية، ولكن يبقى الإنسان هو الإنسان يحب أن يخدمه ويساعده أقرب الناس إليه أو من صرف وقتا لرعايته وتربيته وتعليمه، فمهما قدمت الرعاية من عاملين لكبار السن يكون طعمها ووقعها على نفوسهم مختلفا لو كان الذي يقدم الخدمة أحد أبنائهم.
2018-12-07