الرئيسية / أخبار لبنان /علي أغرم بها في مطبخ المطعم وتحدّى العالم لأجلها... يوم أخبر أهله النبأ الصادم

(الصورة عن النهار)

جريدة صيدونيانيوز.نت / علي أغرم بها في مطبخ المطعم وتحدّى العالم لأجلها... يوم أخبر أهله النبأ الصادم

علي أغرم بها في مطبخ المطعم وتحدّى العالم لأجلها... يوم أخبر أهله النبأ الصادم

 

مجد بو مجاهد المصدر: "النهار"

في المطعم حيث كان يعمل، خبّأت الأقدار لعلي سليمان رسولة حب، حملها في قلبه ورحل بها الى بعيد. راح ليكسب رزقه بعرق الجبين، وما كان يعي أن ذاك المطبخ، رغم قسوة حيطانه، سيخبئ له حلماً موعوداً ينسيه كلّ ضيمٍ أصابه في سنيه العشرين. انها سارة، المواطنة البنغلادشية التي كان يتشارك واياها الحديث عن مزاجية الزبائن ورائحة الزيت المقلي التي تأبى أن تبرح أنسجة القميص. وما لبث تكدّس الأيام أن وسّع حدقة العيون، وكبّر اللهفة في نبض القلوب. تحوّل العاملان الى صديقين مقرّبين. سارة كانت تشتكي له عن كلّ هاجسٍ يعتريها. الغربة وبُعد المسافات عن الأهل. الخوف من الاستغلال. التجارب المؤلمة. وكان علي منصتاً الى الأنين، يبحث عن كلمة حسنة تكوي الجرح النازف في قلب امرأة، وعن يدين يتّكئ عليهما عندما تراوده الرغبة في أن يشتكي، هو الآخر. قالت له إنه مختلف عن سواه. عن كلّ الذين عرفتهم قبله. ليس المطبخ وحده من جمعهما، ولا صالة المرتادين. انه البحث عن الآخر في هذا الكون الفسيح. البحث عن إبرة في كومة قشّ، او عن دمعة سقطت في مياه البحر.

لم تكن سارة فتاةً عادية في عيني علي. لا يعي كيف يعبّر. لكنه يقول لـ"النهار" إنها فتاة غريبة ومسكينة في آن. تتقن العربية كأنها لغتها الأم. لا معيل لها في لبنان. وحيدة. تحتاج حضناً. وهي فتاةٌ جيّدة وواعية ومحترمة. انتظرت وميضاً يسطّر لها حكايةً جميلة. كلّها عوامل حضّت ابن العشرين سنة على الغوص أكثر في دهاليز الفتاة التي لم تتخطَّ أعوامها التسعة عشر. حبٌّ يافعٌ هو. لم ينتظر تأشيرة مرور. ولم يستأذن أحد. لا الفوارق العرقية.  ولا صدى الأهل، العالي النبرة. ولا المراهقة. ولا رائحة الزيت. سنة واحدة كانت كفيلة في حياكة فستان الزفاف.

مصارحة العائلة لم تكن مهمةً سهلة. كيف يقنع شابٌ لم يتجاوز عقده الثاني أهله بنبأ زواجه السريع من فتاةٍ لا تمتّ الى البيئة المجتمعية بصلة. كيف لا، وكانوا قد اختاروا لعلي عروساً من قرية بدنايل البعلبكية، مسقط رأسه. كيف لسارة أن تصير في مكانة بنت الأرض في لمحة بصر؟ يسرد الشاب اليافع ان "الحواجز الكبيرة التي اعترضت قصّة حبّه، كانت تتربّص في خواتيمها السعيدة. صغر السن، وتضاعف المسؤوليات، والنظرة الغريبة الى فتاةٍ آتية من أرضٍ بعيدة". كانت تلك بمثابة صفعة علّمت على وجنتي الصبي المتحمّس. انها ضبابة غيّمت على الوجهين الضحوكين، فغبّشت على ملامحهما، وما عادا يبصران الصورة الكاملة، أو يتأمل واحدهما الآخر أو يتلمسان وجهيهما بأصابع اليدين. علي حزم قراره وأراد قتل الحلم قبل ان يولد. وهكذا كان.

أعلم سارة بأن دروب اللقاء لم تتوافق، وعلى كلٍّ منهما المضي في سبيله. "لم أكن أعي أنها تشبّثت بوجودي في حياتها الى هذه الدرجة. يئست وانكسرت. ضعفها دغدغ أفكاري، وكان أقوى من أي عاملٍ آخر مانعٍ "، يروي علي. كان التصميم أقوى من كلّ الأصوات المعترضة. سار الشاب خلف قلبه، وعقد قرانه عليها، بعدما سلّم الأهل لخياره. وعادوا ليقيموا حلقات الرقص في بدنايل في حفلة متواضعة اجتمع فيها الأصدقاء، وفق علي، الذي يروي أنه كان يوماً مميزاً لا ينسى.

حصل ذلك قبل 4 سنواتٍ من اليوم. حملت السنين معها كثيراً من المستجدات التي طبعت حياة الثنائي.

 كيف توصّف العلاقة بين زوجتك وعائلتك بعد سنواتٍ على زواجٍ تكلل سنة 2013؟

"عارضوا في البداية، لكنّهم باتوا اليوم يحبّونها أكثر مني".

أي صعوباتٍ شخصية تواجهكما في علاقتكما كثنائي؟

"انها امرأة مزاجية بعض الشيء. نتشاجر أحياناً، لكن لا تلبث أن تعود المياه الى مجاريها سريعاً".

وماذا عن الصعوبات الاقتصادية؟

"بعدما رزقنا بمولودنا الأول حسن، اضطرت سارة الى مغادرة العمل. صار الحمل ملقى على كاهلي. أعمل في شركة مياه صباحاً، في المساء أتحوّل الى سائق أجرة. ما يهمني ان في مقدوري تأمين حاجات الأسرة".

ألا تفتقد سارة أهلها وتنوي العودة الى بنغلادش، ولو موقتاً؟

"بلا، ونحن نخطط للسفر الى موطنها قريباً لقضاء عطلةٍ سياحية. لكن قسماً من عائلتها بات موجوداً في لبنان. عائلة أخيها وخالتها وابن عمتها، جميعهم يعملون اليوم في الأراضي اللبنانية".

ما الفروقات التي لمستها بين المجتمعين اللبناني والبنغلادشي؟

"لا شيء. ربما البنغلادشيون أكثر بساطة من اللبنانيين. انهم يتحدّرون من مجتمع لطيف يحتاج الدعم".

يطول الحديث مع علي، الذي اذا ما صادفته يوماً في أحد شوارع بيروت، ستجد زوجته بقربه، خلال عمله سائق سيارة أجرة. يأخذها، ينزهها واياه، بدل ان تقبع وحيدةً في المنزل، ويخاف عليها من قسوة الضجر. يصطحبها اينما ذهب، متجنباً المشاكل العائلية، في حال تأخّر  في القدوم الى المنزل. كيف لا وهي أم حسن "حسّونة" كما يناديه، الطفل الأول وفرحة العائلة الذي أضفى عليها كلّ الحب والحنان واللهفة. يريد الأب لابنه مستقبلاً باهراً. أن يكمل علمه، لينظر اليه من عينين ملؤهما العنفوان. هو الذي انسلخ عن المدرسة في سنٍّ مبكرة، ولم ينل سوى الشهادة المتوسّطة.

ثلاثة أشهر عمر حسن، الطفل الذي يربى في كنف عائلةٍ أغلى ما تقدّمها له هو الحنان. ها هي الأيام تلعب لعبتها، وتعد عصفوري الحب بالمزيد من البراعم. ثلاثة اشهرٍ فقط، مرّت على غفلة، حملت معها نبأً جديداً سعيداً. بلهفةٍ تفوق الوصف، همست سارة خبراً لم يكن متوقعاً في أذن زوجها بعد شهرين على انجابها حسن. قالت له وهي تبتسم في عينيه: "أنا أنتظر مولوداً ثانياً!".

2017-09-06