الصورة عن الانترنت / الفيسبوك

جريدة صيدونيانيوز.نت / أصدق لحظة في حياتنا!

صيدونيانيوز.نت/ أقلام ومقالات حديث الجمعة / ​أصدق لحظة في حياتنا!

 

لن ينجو إنسان من لحظة وداع يفارق بعدها الدّنيا إلى رقدة برزخيّة ذات أجل، ولهذه الّلحظة المرعبة المنسيّة أهوال لا يعرفها المرء إلّا ساعة وقوعها، وهو إذ ذاك في أضعف الأحوال الجسديّة، بيد أنّه يكون في حال صفاء وشفافيّة إذا استطاع أن يفوه بكلمة فيها خُلاصة، أو أمنية، أو حسرة، أعاذنا الله وإيّاكم.

فعندما نزل الموت بخير خلق الله -صلّى الله عليه وسلّم- كانت آخر كلماته "بل الرّفيق الأعلى" ملّخصًا مختصرًا لحياة رجل كانت صلاته ونسكه ومحياه ومماته لله ربّ العالمين، ثمّ تواترت عن صحابته الكرام-رضوان الله عليهم- مقولات مؤثّرة، ما بين مبتهج بلقاء الأحبّة، وحزين على ميتة بعيدة عن ساحات الجهاد، وواعظ لمن بعده كي يعملوا لمثل مصرعه، إلى من رأى أحشاءه تخرج معلنة الموت فيفرح مفسدًا على قاتله بهجته ويقول: فزتُ وربّ الكعبة!

وسمعت عن أحد أشهر شيوخ البادية، وهو من أعظم فرسان الجزيرة العربيّة، الذين دوّخوا الغزاة في صحراء العرب فما بعدها، وعُرف قومه بأنّهم على الأرض مثل أعزّ السّلاطين، وفوق ظهور الخيل من أجرأ المحاربين، أنّه لما نزل به الموت، تعاظم أن يفارق الأرض وهو طريح الفراش، فأمر من حوله برفعه فوق حصانه ليموت فارسًا!
ومهما أخفى المرء من تفضيلات وآراء، فسوف تبدو سويعة رحيله، ومن ذلك ماروته ممرّضة أمريكيّة ضمن فريق العناية بآينشتاين وهو مغمى عليه، إذ استيقظ، ونطق بكلمات ألمانيّة لا تفهمها، ثمّ مات، والذين يعرفون هذا العالم والكاتب الكبير، يعلمون يقينًا تقديمه لغته الألمانيّة على لغة أمريكا التي آوته وأكرمته، ولا يُلام.

كما يستبين عند دنو ساعات الوفاة التّعلّق بالجذور، وعشق الدّيار، والإخلاص للفكرة ولو كانت خاطئة، فمع أن نابليون بونابرت توفي عام (1821م) منفيًا في جزيرة بالمحيط الأطلسي، إلّا أنّه ختم أيّامه بقوله: البقاء لفرنسا! وقبله بقرون سبح أبو جهل في دمائه قتيلًا مدحورًا في مصرع بائس لم يمنعه أن يسأل وهو يغرغر: لمن الغلبة اليوم؟ 

وينطِق الله أقوامًا بالحقّ الذي جحدوه وكتموه، فكم من مستعلن بالإلحاد مزهو بنفسه، فخور بما يطلق من تعابير غامضة ربّما لا يستطيع حتى هو شرحها، أفصح إبّان مغادرته الدّنيا عن ندمه على عمر صرمه بالهرطقة، وأبدى حنينه لظلال العبوديّة، وقريب منهم حال من غرق بالفلسفة المصادمة للإيمان حتى غدت أسمى أمنياته الأخيرة أن يظفر بشيء من برد يقين العجائز.

وليس ببعيد عنهم من ابتلي بالحكم فاقترف مع السّلطة شيئًا من الظّلم والعنف الحرام، إذ تحوم حول فراش موته صور الذين آذاهم وكأنّها تقرّعه قبل لفظ أنفاسه، فأقرّ فئام منهم بالخوف من العاقبة، والحزن على الماضية، ولات ساعة مندم! وتمنّى آخرون لو لم يكونوا أمراء، بينما أرسلها ميكافيللي واضحة بأنّه ذاهب إلى الجحيم لمرافقة باباوات وملوك سبقوه إلى قعرها، وروي عن قضاة جور هذيانهم بأسماء أبرياء باءوا بإثم إعدامهم!

يتذكر الإنسان في هذا الموقف العصيب تفريطه فيبكى ويُبكى، ولذا أنذرنا النّاصحون الرّاحلون من كلمة "سوف"، بينما قال المعتصم لو كنت أعلم أنّ عمري قصيري لما فعلت! وأعترف آخر بأسفه على انتهاء عمره دون أن يجاهد، وتحسّر آخرون على ساعات مضت لم يستمتعوا بها، ولم يقضوا من الوقت ما يكفي مع بنيهم وأسرهم، وعلى حال باكية تهيج البواكيا، وعندما سألت ممرّضة أستراليّة عددًا من مرضاها كبار السّن عمّا ندموا عليه، اجتمعت إجاباتهم حول النّدم على ترك شيء، أو فعل أمر، مراعاة للنّاس والأحوال دون قناعة ذاتيّة.

فيالها من لحظة مهيبة قادمة لا محالة، وحين تأتي على الواحد وفيه بقيّة يقظة، فما ذا يود لو أنّه فعل قبلها؟ وعلام يندم؟ وما هي الأشياء التي يستعدّ للتخلّي عنها لو أرجع لدنياه؟ وما ذا سيقول لو أتيح له منبر يخاطب العالم من خلاله؟ ومن استطاع أن يجيب عن هذه التّساؤلات بوضوح فدونه الحياة والعمر بالأيّام والّليالي، أطال الله بقاءه على النّعماء والخير؛ فليفعل الآن وهو قادر ما يرغب صنيعه في تلكم الّلحظة، كي يمضي إذا أزف الوداع بلا خزي ولا عار، بل بعظمة وأثر حميد، فطعم الموت في النّهاية سواء!

 

2019-04-05

دلالات: