الرئيسية / المرأة والمجتمع /من قصص الحياة /حكاية.. بين الخيال والواقع

جريدة صيدونيانيوز.نت / حكاية.. بين الخيال والواقع

صيدونيانيوز.نت/ من قصص الحياة / 

حكاية.. بين الخيال والواقع

أحياناً، تتطابق حكايات الخيال مع قصص الواقع؛ هذا يحدث مع الحكايات التي تتحدث عن التسامح أو غيابه، كما يحدث مع قصص الواقع التي تتحدث عن الحكمة أو الافتقار إليها. وهنا، لدينا حكاية من الخيال الإيجابي تذكرنا أن التسامح يقتضي منا عدم الحكم مسبقاً على الناس، وإلى جوارها قصة من الواقع تثبت خطأ مثل هذا الحكم المسبق على الآخرين..

تقول الحكاية:

عاش رسّام عجوز في بلدة صغيرة. وكان شهيراً، وناجحاً، تكتب عنه الصحافة، بينما لوحاته تباع بأسعار خيالية؛ ولكنه مع ذلك، كان ملتزماً بالعيش متقشفاً في بيت بسيط متواضع، يشبه بيوت فقراء البلدة. بينما هو في حياته ومأكله وملبسه، لا يختلف عنهم في شيء؛ لذا، كان أهالي البلدة يصفونه بالبخيل.

وفي يوم من الأيام أتاه شاب مندفع من أهل القرية وقال له:

- أنت تكسب مالاً كثيراً من أعمالك، لماذا لا تساعد الفقراء في البلدة؟! كن على الأقل مثل طبيب البلدة، ليس فقط أنه يرفض أن يتقاضى من الفقراء أتعابه، ولكنه يمنحهم الدواء مجاناً، وها هو يبني مشفى ليقدم خدماته مجاناً للبلدة كلها..

لم يردّ عليه الرسام وابتسم بهدوء. غير أن ذلك استفز ذلك الشاب، فواصل يقول بغضب:

- لا أريدك أن تكون بكرم المقاول، الذي تعهد بإصلاح مبنى المدرسة، وأضاف لها صفوفاً دراسية جديدة؛ ولكن على الأقل، انظر لجزار القرية الذي لا يملك ما تملك، ولكنه مع ذلك يرسل مطلع كل نهار إلى الفقراء حصة مجانية من اللحم.

ولم يقل الرسام شيئاً، واكتفى بالابتسام بهدوء؛ ما أغاظ الشاب فعلاً، فخرج من عند الرسام منزعجاً، وراح يشيع في البلدة بأنّ الرسام الثري، ليس بخيلاً فقط، ولكنه لا يعبأ بهم، بل ويزدريهم أيضاً؛ فنقم عليه أهل البلدة، وصاروا يتعاملون معه بفظاظة، ويتسببون له بمختلف الإزعاجات. غير أن الرسام كان يتعامل معهم بصبر وهدوء..

وبعد مدّة مرض الرسّام العجوز، ولم يعره أحد من أبناء البلدة اهتماماً، ومات وحيداً، ولم يجد من أهل البلدة إلا الشماتة، وكانوا يتحدثون عنه طوال الوقت ويتساءلون: ما الذي أفاده من ماله، لم ينفق على نفسه، ولم يساعدنا. ولو ساعدنا لما كان مات وحيداً على الأقل..

ومرّت الأيّام، ولاحظ أهل القرية بأنّ الجزار لم يعد يرسل للفقراء لحماً مجّانياً. وعندما سألوه عن السبب، قال بأنّ الرسّام العجوز الذي كان يعطيه كل شهر مبلغاً من المال ليرسل للفقراء كل يوم حصة من اللحم، ولما مات الرسام، وتوقفت الدفعات توقّف هو عن فعل ذلك. ثم اكتشفوا أن المقاول أصلح مبنى المدرسة وشيّد صفوفاً دراسية جديدة بأموال الرسام. وكذلك طبيب البلدة، كان يعالجهم مجاناً لأنه كان يتقاضى مقابلاً من الرسام العجوز، الذي تكفل كذلك بكلفة بناء مشفى ليخدم أهالي البلدة..

انتهت الحكاية الخيالية، وتبدأ القصة الحقيقية:

منذ سنوات قليلة مضت، كشفت وسائل إعلامية أمريكية قصة مؤثرة عن المليونير البخيل، ألان نيمان، الذي عرف على مدار عمره، الذي انتهى عند 63 عاماً بأنه حريص على المال، وشديد البخل، لا ينفق حتى على نفسه واحتياجاته الرئيسية إلا القليل؛ بل إنه كان يعمل بوظيفة متواضعة رغم أنه ورث عن والديه تركة مليونية.

ورغم ثروته، إلا أنه لم يكن يشتري ملابس جديدة أو طعاماً فاخراً، ولا ينفق على أي من ملذات الحياة. وكان يقصد المنتجات الرخيصة الثمن دائماً. لم يكن يشتري شيئاً، إلى درجة أنه كان يقوم بتصليح حذاء ينتعله ويرتقه بشريط لاصق، بدلاً من إنفاق المال على آخر جديد. وعلاوة على ذلك، كان يقوم بأعمال أخرى موازية لعمله، تدر عليه المزيد من المال الذي كان يقوم بتوفيره، ولا ينفق منه شيئاً.

وحينما توفي، اكتشفت الصحافة ومعارفه وزملاؤه، أنه كان فعلاً يقتر على نفسه ولا يستخدم ماله في المتع والملذات، ولكنه كان يفعل ذلك لينفق على علاج مئات الأطفال المعوزين؛ وتبين بعد وفاته أنه تبرع بكل أمواله وممتلكاته لأعمال الخير، حيث أوصى بثروته البالغة 11 مليون دولار لدور ومؤسسات رعاية الأطفال المحتاجين.

وما بين الحكاية الخيالية، والقصة الواقعية، هناك الكثير من الحالات الحقيقية، التي تعكس وجود الخير في النفس البشرية؛ ولكن يبقى دوماً أن يتأكد الإنسان أنه يمكنه أن يضل طريقه إن لم يترك مساحة كافية في نفسه للتسامح.

2019-05-20

دلالات: