الرئيسية / أخبار لبنان /تحقيقيات وتقارير /بلديات لبنان نحو الاقفال

بلديات عدة قلّصت خدماتها وخفضت رواتب العاملين فيها إلى النصف (مروان طحطح)

جريدة صيدونيانيوز.نت / بلديات لبنان نحو الاقفال

 

جريدة صيدونيانيوز.نت / اخبار لبنان / بلديات لبنان نحو الاقفال

 

 

رحيل دندش  / الأخبار

حدّدت معظم البلديات حزيران المقبل موعداً أخيراً لإعلان انهيارها. لا شيء يدعو إلى التفاؤل لتمديد هذا الموعد، خصوصاً في ظلّ تقاعس وزارتَي الداخلية والمال عن إعطاء البلديات مستحقّاتها عن عامَي 2018 و2019 من الصندوق البلدي المستقل

 

البلديات في لبنان في طريقها إلى التوقف عن العمل. على ما يبدو، اليوم، لا مفرّ من هذا السيناريو الكارثي. فكلّما كبر حجم الأزمة كبرت مشاكل القطاع البلدي الذي يعيش اليوم «أسوأ أيامه»، على ما يُجمع رؤساء البلديات. وهو الواقع الذي بدأت بوادره قبل نحو شهرين تقريباً، عندما لم تعد البلديات، حتى الكبرى منها، قادرة على تلبية «الضروريات» في المناطق التي تديرها.

اليوم، البلديات تعمل على «تسكيج» أمورها من «اللحم الحي»، ومما تبقى في صناديقها من مال الصندوق البلدي المستقل. بلديات عدة قلّصت خدماتها ووسّعت من سياساتها التقشفية إلى حدّ خفض رواتب العاملين فيها إلى النصف وإلغاء العلاوات وغيرها من التقديمات الإضافية. وهي إذ تفعل ذلك، فضمن سياسة فرملة الانهيار، من دون أن تكون قادرة على تعطيله. أمّا السبب؟ فيعود إلى «عدم انتظام موازنة الصندوق البلدي المستقل المقرّرة من قِبل وزارتَي الداخلية والمالية»، حسب ما يذكر مسؤول العمل البلدي في اتحاد بلديات جبل عامل علي الزين. إذ أن آخر ما تقاضته البلديات من الصندوق العام الماضي «هو المستحقات العائدة إلى عام 2017... وعلى دفعتين». ما هو أسوأ من التأخّر والتقسيط أن أكثر من جهة بلدية تقدّر نفاد هذه المبالغ في حزيران المقبل في أحسن تقدير. فيما مستحقات البلديات عن عامَي 2018 و2019، وتقدّر بنحو 800 مليار ليرة عن كل عام، لم تُقرّ حتى الآن، كي تُصرف تباعاً.

وفي هذا الإطار، علمت «الأخبار» من مصادر في وزارة الداخلية والبلديات أن الأخيرة «أرسلت منذ أيلول الماضي كتاباً إلى وزارة المال بخصوص المبلغ المخصّص للصندوق البلدي عن عام 2018، إلا أنها لم تتلقَّ ردّاً». وعزت السبب إلى شحّ خزينة الدولة وتبدّل أولويات «المال» في هذه الظروف الصعبة! ولئن لم تبدِ مصادر «المال» رغبة في الردّ على ما قالته مصادر «الداخلية»، إلّا أنها نقلت عن وزير المال، علي حسن خليل، أن «300 مليار ليرة جاهزة لتسلّم إلى البلديات، والأمر يتعلق فقط بالتأخير الحاصل في إجراءات المراسلة في وزارة الداخلية». وبعيداً عن حفلة تقاذف المسؤوليات بين الجهتَين، يبقى أن ثمة قطاعاً، بأمّه وأبيه، يقف على حافة الإفلاس بسبب البيروقراطية الإدارية، وهو ما يدفع البلديات إلى رفع الصوت للمطالبة بصرف هذا المبلغ. وهو وإن كان غير كافٍ، إلّا أنه قد يسعف حال البلديات التي تمضي في خياراتها التقشفية قبل أن تعلن إفلاسها النهائي. كما تجدّدت الدعوة إلى استعادة المطلب الأساس وهو فكّ ارتباط الصندوق البلدي عن وزارة الداخلية، وجعله مستقلّاً بالفعل، برفع يد الداخلية عنه والكفّ عن استعمال الأموال المودعة فيه في غير مكانها.

في انتظار الإفراج عمّا لها في ذمّة «المال»، تعمد غالبية البلديات، اليوم، إلى تسيير أمورها الضرورية، متخلّية عن كثير من الأدوار. ووصل الأمر بها إلى إيقاف المشاريع التنموية والبرامج الصحية والتربوية كافة التي كانت مقرّرة، فضلاً عن التوقّف عن التخطيط لأمور مستقبلية، وصولاً إلى خفض رواتب الموظفين والأجراء وصرف المياومين. وهي سياسة موجعة ليس لأصحاب القرار وحدهم وإنما للآلاف ممن يعتاشون من رواتب تلك السلطات المحلية. فعندما يحين وقت الانهيار سيصبح نحو 15 ألف موظف بلدي، ما بين ثابت متعاقد ومياوم، على حافة الجوع مع عائلاتهم، ناهيك عمن صار منهم اليوم بلا أبسط مقومات الحياة بعد صرفهم من أعمالهم.

وما يزيد الطين بلة ويسرّع من الوصول إلى موعد الانهيار هو تّدني الجباية التي وصلت في الشهرين الأخيرين إلى مستويات غير مسبوقة. ويتوقّع أن يتوقف تحصيل الجباية قريباً، مع تقاعس المكلّفين - بسبب تبدّل أولوياتهم - عن دفع رسوم الجباية على القيمة التأجيرية ورسوم صيانة المجاري والأرصفة. وما يزيد الوضع مأساوية توقّف قطاع البناء وبالتالي رسوم رخص البناء التي تشكّل أساساً في مداخيل البلديات.

يؤكد الزين أنه لم يعُد أمام البلديات سوى التقشّف «لتخفيف الإنفاق، وقد عمدت البلديات في هذا الإطار إلى توقف الدفع لمتعهدين كانوا باشروا في بعض الأعمال الروتينية كإصلاح أعطال في البنى التحتية». ويتوقّع أن تتفاقم المشكلة، بحسب الزين، «في النصف الثاني من العام الجاري، حيث أن 80% من البلديات ستواجه مشاكل جديّة بعد حزيران».

 

عندما يحين وقت الانهيار سيصبح نحو 15 ألف موظف بلدي على حافة الجوع مع عائلاتهم

رئيس اتّحاد بلديات البقاع الأوسط محمد البسط (ينضوي تحت الاتّحاد 4 مدن و3 بلديات ويضم 50 موظفاً ثابتاً ما عدا المياومين) يؤكّد أن «بلديات البقاع الأوسط تمرّ بأسوأ الظروف، إذ أنها تضمّ العدد الأكبر من النازحين السوريين، ما يشكل مزيداً من الضغط على البنى التحتية والطلب على الكهرباء». حالياً، تعمل البلديات بحسب البسط على «إدارة الأزمة»، وتحديداً رفع النفايات حصراً! أما الموظفون فقد خُفّضت رواتبهم إلى النصف، إضافة إلى تعطّل كلّ المشاريع، «فحتى من كان يتعامل معنا على الأمانة كرؤساء بلديات أوقف ذلك، لأن البلديات بلا أموال والدولار اليوم غير ثابت ولا جباية مطلقاً لأن الناس يحتفظون بأموالهم كي يأكلوا».

وإذا كان الوضع مستتباً حتى الآن بالنسبة إلى بلديات زحلة وشتورة وتعلبايا وسعدنايل والفرزل وأبلح وحزرتا غير أن الأمور تقتصر على تلبية الضروريات من دفع رواتب العمال ورفع النفايات وكنس الطرقات ومعالجة الصرف الصحي، وفق رئيس اتّحاد بلديات قضاء زحلة جورج صوان.

ما يبدو مستتباً في الأوسط، صار في دوامة الإفلاس في الشمالي. يقول رئيس بلدية الهرمل صبحي صقر إن العمل حالياً يجري في إطار تحضير خطة مع المجتمع المحلي لمعالجة أزمة النفاية وللاستمرار على الأقل في رفع نحو 40 طناً يومياً من النفايات. وبدا صقر شبه حاسم في الحديث عن رواتب الموظفين، مؤكداً أن «البلدية قادرة فقط على دفع الرواتب لشهرٍ آخر إضافي قبل أن تتوقف نهائياً عن الدفع مع انتهاء ما بقي من ميزانية 2017!».

ومثل الهرمل، يؤكّد رئيس بلدية مدينة جبيل وسام زعرور «أننا نستطيع دفع رواتب موظفينا (40 موظفاً ثابتاً و55 مستخدماً ومياوماً) شهراً آخر فقط»، لافتاً إلى أن إجراءات تقشفية اتخذتها البلدية منذ تشرين الأول الماضي، إذ «توقفت عن الدفع لمتعهّدي الأشغال، ولم تجدّد للحراس الذين انتهت عقودهم نهاية العام الماضي». وعن رفع نفايات المدينة، يقول زعرور: «إلى حينها لن يكون أمامنا إلّا التعويل على المجتمع الجبيلي وتعاونه معنا لإنقاذ المدينة!».

2020-01-21

دلالات: