الرئيسية / أخبار لبنان /شؤون إعلامية وصحافية /الغرس الثقافي في الإعلام.... بقلم الشريف علي صبح

جريدة صيدونيانيوز.نت / الغرس الثقافي في الإعلام.... بقلم الشريف علي صبح

Sidonianews.net

------

الغرس الثقافي في الاعلام
بقلم: الشريف علي صبح
الثقافة بما لها من مردود وترادف لغوي على انها الفطنة من جهة والاطلاع من جهة اخرى لا تنسلخ عن كونها الحذاقة وسعة المعلومات و وسعة الذوق في صنوف المعرفة ، فالشخص ذو الاطلاع الواسع في ضروب المعرفة يعد مثقفا بالإضافة انها تدل على مجموعة من السمات التي تميز اي مجتمع وفئة عن غيره . فيضعها تايلور على انها نظام متكامل من المعرفة والفن والقانون والعادات والتقاليد بل وحتى الاخلاق وصنوف الامور التي يكتسبها الانسان بوصفه فردا ينتمي الى بيئة ما .
فالثقافة هي إرث كل فرد في ظل مجتمعه تحذه ضمن معتقداتهم وقيمهم وعلومهم وكل أشكال أنماط سلوكهم ومن أهم عناصرها اللغة ، والمعارف العلمية ، المعتقدات الدينية ، والقيم والإتجاهات الاجتماعية ، وعلى هذا تتضح أهمية الثقافة في إستمرارية وبقاء المجتمعات وترتيبها في مصاف الريادة على المستوى البشري .
الغرس الثقافي كمصطلح علمي يرجع حسب مفهوم والتر ليبمان للصورة الذهنية التي تتشكل في أذهان الجماهير من خلال الوسائل الاعلامية وظهرت هذه الدراسة التي ترتبط بمدى تأثير التلفزيون التراكمي والشامل بشأن الطريقة التي يرى بها الجمهور هذا العالم ، بعيدا عن دراسة الآثار المستهدفة لوسائل الاعلام وهذا فرق يجب أن نحيط به إذ إن هذه الصورة الذهنية من قبل الجمهور تكون أحيانا بعيدة عن الواقع نتيجة عدم وجود رقابة على المواد المعروضة في وسائل الاعلام مما يؤدي في تشويه وتحريف المعلومات وخلق حالة من سوء فهم للواقع .
 تعود جذور هذه النظرية إلى أواخر الستينيات من القرن الماضي في أعقاب تداعيات اغتيال مارتن لوثر كينج و الرئيس جون كندي وتورط الامريكيين في حرب الفيتنام وخروجهم منها بخسارة فادحة ، حيث انتشرت قراءات ودعوات لدراسة أسباب تفشي العنف والجريمة في تلك الحقبة وسوء الأوضاع الأمنية على الساحة الامريكية فأخرج الباحث الأمريكي جورج جيربنر  G.Gerbnerالغرس الثقافي وإرتباطه بتفسير الاثار الاجتماعية والمعرفية لوسائل الاعلام وحاجة التلفزيون الذي كان له العلاقة الأبرز في سبل الوقاية من التردي الذي ضرب أمريكا في ذلك الوقت كونه الالة التي كانت محط الاهتمام والاكثر تطورا في ذلك الوقت في آليات الوسائل الإعلامية.
 نظرية جربنر الاعلامية أدخلت مجال الثقافة في دور وسيلة الاعلام لخلق صورة للمتعرضين للوسائل الاعلامية بكثرة عن صورة متطابقة العالم الواقعي الذي يعيشونه تنمي اعتقادهم أنه هو العالم الذي يرونه في الوسيلة الاعلامية (في تلك الفترة جيربنر أعطى التلفزيون نموذجا أما اليوم فأنا أعطيكم كل أنواع الوسائل الإعلامية كنموذج وبشكل خاص الاعلام التكنولوجي الإفتراضي) فكانت نظرية الغرس الثقافي هي نوع من إنماء ثقافي وإشباع الذهن بنوع من التعلم العرضي دون وعي للفكر وللفرد على حد سواء .
‎هذه التكاملية بين الثقافة والسيسيوإعلامية وتداخل تأثيراتها بين أنماط وتطور الوسائل الإعلامية وسيكولوجية السيطرة على الجماهير وإثبات ثقافات معينة كانت رائدة في غرس ثقافة وإثبات صور جديدة من خلال مفهومين أساسيين إعتمدهما جيربنر أولا الاتجاه السائد Main streaming والترديد Resonace وبالتالي اذا تم التوجيه الكثيف وسعي الوسيلة الاعلامية لتقديم رسالتها بشكل جذاب وثابت (الاتجاه السائد) وترديد ذلك في الواقع بين ما يشاهده و يتعرض اليه المتلقي على نحو يتطابق الواقع مع المادة الاعلامية على شكل جرعات مزدوجة تكون عملية الغرس أسهل وأكثر فعالية .
 امام هذا الواقع و على نسق هذه النظرية نقف وقفة متأمل للواقع فيما يتعلق بالعملية الثقافية والبنيوية المعرفية للمجتمعات اليوم عبر ما يترجم من أفكار وقيم مستحدثة لا تعبر عن هوية مجتمع خاص بل نجدها أممية او لنقل عالمية واحدة بين الجميع ، ما يجعلنا نتساءل عن سؤال مهم لنفهم كيفيه الغرس بل الغزو الثقافي على نحو معمق وتحليل المضمون وفهم الرسائل المبطنة وما بين السطور في كل قضية واتجاه يمس ثقافات وانسجام المجتمع . إن جيربنر وذهابه بنظريته إلى تبني أن الوسيلة الاعلامية تقوم حاليا بدور شيخ القبيلة او رجل الدين أو مكوك المجتمعات يجعلنا نعي خطورة ودقة وأهمية الوسيلة الاعلامية في تغيير الواقع وايجاد اليات وصور ذهنية وثقافية جديدة تخدم مشروع العولمة وتمهد للموجة الرابعة والثورة الافتراضية .

-----

جريدة صيدونيانيوز.نت 

 

2021-05-31