Sidonianews.net
المصدر: DER SPIEGEL
يُعتبر "تلغرام" من أشهر تطبيقات الدردشة في العالم لكنه الأكثر خطورة بينها على الأرجح. تتراجع التنظيمات المعتمدة في هذه المنصة التي تُحقق رواجاً كبيراً وسط المجرمين والإرهابيين. من هو العقل المدبّر وراءها؟
ظهر بافيل دوروف (36 عاماً) في إحدى الصور وهو عاري الصدر ويمارس اليوغا في أحد فنادق دبي. تُعتبر هذه الصورة المنشورة على إنستغرام من المؤشرات النادرة على حياة واحد من أغنى وأقوى رواد الأعمال في مجال الإنترنت على مستوى العالم. يسمّيه البعض "النسخة الروسية" من زوكربيرغ لأنه أسس "فكونتاكتي"، النسخة الروسية من فيسبوك في العام 2006. لكنّ استثماره الأخير أكثر أهمية بكثير: إنه تطبيق "تلغرام" الذي يُعتبر أخطر خدمة مراسلة في العالم.
ما من معلومات كثيرة حول هذا الملياردير الروسي الذي يُعتبر من أغنى الرجال في وطنه الثاني دبي. غالباً ما تكون مواقفه العلنية محيّرة. فقد كتب تحت صورته على إنستغرام مثلاً: "العالم الخارجي هو انعكاس للعالم الداخلي".
أصبح تطبيق دوروف عالمياً، فقد تم تنزيله على 570 مليون هاتف ذكي. منذ بدء انتشار فيروس كورونا، بات هذا التطبيق أشهر من أي وقت مضى، وتُعتبر خدمة المراسلة التي يقدّمها من منصات التواصل القليلة التي تواكب منتجات "سيليكون فالي". انتقل ملايين المستخدمين من "واتساب" إلى "تلغرام" هذه السنة، بما في ذلك عدد كبير من الناس في ألمانيا.
لكنّ "تلغرام" ليس مجرّد تطبيق يشبه "واتساب" رغم اختلاف مصدره الأصلي. تعتبر هذه الخدمة نفسها منصة تعجز الدول والسلطات عن الوصول إليها، ما يعني أن أي شخص يستطيع أن يكتب أو يدّعي كل ما يريده. هذه الخصائص تجذب مؤيدي نظريات المؤامرة من أمثال حركة "التفكير المختلف" الألمانية، والمتطرفين اليمينيين، وتجار المخدرات، والمخادعين. يمكن إيجاد لائحة بأبرز أسماء أعضاء البرلمان الألماني عبر بحث صغير في ذلك التطبيق. كذلك، يستعمل المزوّرون هذه المنصة لنشر بطاقات تلقيح مزيفة ضد "كوفيد - 19"، ويستخدمها التجار لبيع جميع أنواع المخدرات. أصبح "تلغرام" أيضاً أداة أساسية للتخطيط للجرائم وارتكابها علناً. باختصار، يمكن اعتبار هذا التطبيق أشبه بشبكة للأعمال غير القانونية في جيوب الناس.
تضطر جميع المنصات على الإنترنت لتحديد الخط الفاصل بين حرية التعبير والمحتويات الممنوعة. غداة الانتخابات الأميركية الأخيرة، قرر تويتر مثلاً حظر دونالد ترامب على المدى الطويل، وكثّف فيسبوك حملة قمع خطابات الكراهية. لكن يكتفي "تلغرام" في المقابل بحذف المنشورات بوتيرة متقطعة.
تعجز السلطات عن التحرك لأن دوروف يمنعها من الوصول إلى بيانات المستخدمين. لقد أنشأ شبكة غامضة من الشركات، لذا تجد الحكومات صعوبة متزايدة في اختراقها. وفق مقولة قديمة وغير صحيحة في معظم الأوقات، تُعتبر شبكة الإنترنت مساحة خارجة عن القانون، لكن تنطبق هذه الفكرة على "تلغرام" بكل وضوح. سجّل دوروف الشركات في جزر العذراء البريطانية وبيليز، وقد صرّح لصحيفة "نيويورك تايمز" في العام 2014: "أنا شخصياً لا أحبذ مفهوم البلدان"!
تتعاون خدمات أخرى مع السلطات للتعامل مع الطلبات القضائية. لكن لم تعرف النيابة العامة الألمانية طوال سنوات العنوان الذي يسمح لها بالتواصل مع "تلغرام".
يقع أحد العناوين اليوم في دبي، لكن أكّد المحققون لصحيفة "شبيغل" على عدم جدوى إرسال أي استفسارات إلى هناك. هم يقولون إنهم لم يتلقوا أي رد من الشركة حين حاولوا اكتشاف المسؤول عن حساب يُستعمل لارتكاب الجرائم. يفتخر تطبيق "تلغرام" بهذا الواقع ويكتب على موقعه الإلكتروني: "حتى هذا اليوم، لم نكشف عن أي بيانات حول المستخدمين لأطراف ثالثة، بما في ذلك الحكومات".
من الناحيــة القانونية، لا يزال "تلغرام" تطبيقاً مبهماً. يحاول السياسيون حول العالم تنظيم شركات الإنترنت منذ سنوات، لكن بالكاد تغطّي القوانين تطبيقات المراسلة. يفرض "قانون إنفاذ الشبكات" الألماني على فيسبوك ويوتيوب وتويتر حذف أي مواد مسيئة أو غير قانونية لكنه لم ينطبق يوماً على "تلغرام".
قرارات جديدة من السلطات الألمانية
يوشك هذا الوضع على التغيّر. عَلِمت صحيفة "شبيغل" أن وزارة العدل الألمانية تطالب بإخضاع "تلغرام" لهذا القانون. هي تحاول مطالبة المنصة بتسهيل وصول السلطات إلى البيانات وحذف المواد الإجرامية فوراً وإرسال بيانات المستخدمين إلى المحققين عند الحاجة. كذلك، أطلق مكتب العدل الاتحادي (وهو جزء من وزارة العدل) الإجراءات اللازمة لفرض الغرامات على "تلغرام" بعد فشله في تعيين مسؤول كي تتواصل معه السلطات وامتناعه عن طرح آلية واضحة لرفع شكاوى جنائية عند نشر محتويات إجرامية، وهو ما ينصّ عليه القانون الألماني. قد تواجه الشركة غرامات تصل قيمتها إلى 55 مليون يورو. أرسل مكتب العدل الاتحادي رسالتَين من مدينة بون الألمانية إلى دبي لتنظيم جلسات استماع حول هذه المسألة. وفي 20 أيار الماضي، نقلت السفارة الألمانية تلك الرسائل على شكل مذكرة ديبلوماسية شفهية إلى وزارة خارجية الإمارة.
مع ذلك، من المستبعد أن تؤثر هذه الإجراءات على بافيل دوروف. اتضحت طريقة تعامله مع طلبات الحكومات في كانون الأول 2011. في تلك السنة، شهدت روسيا أكبر احتجاجات معادية للكرملين منذ سقوط الاتحاد السوفياتي، ونزل حوالى 10 آلاف شخص إلى شوارع "سانت بطرسبورغ"، بلدة دوروف، احتجاجاً على تزوير الانتخابات وعودة فلاديمير بوتين إلى الرئاسة.
كان دوروف لا يزال رئيس شبكة "فكونتاكتي" التي شملت حينها أكثر من 100 مليون مستخدم. لم تكن الحكومة الروسية مسرورة من إقدام جماعات المعارضة على تنظيم الاحتجاجات عبر استعمال تلك الشبكة الاجتماعية. فطالب جهاز الأمن الفدرالي الروسي دوروف بإغلاق المجموعات في تلك الشبكة. لكن بدل تنفيذ ذلك الأمر، نشر دوروف الرسالة التي تلقاها من الجهاز الاستخباري على تويتر وأرفقها مع صورة كلب يمدّ لسانه. بعد مرور ثلاثة أيام، حضر ضباط مسلّحون مع قوة الشرطة الروسية الخاصة إلى شقته الفخمة. تذكّر دوروف لاحقاً ما حصل خلال مقابلته مع صحيفة "نيويورك تايمز"، فقال: "لقد أرادوا على ما يبدو أن يكسروا الباب". شاهد دوروف الضباط عبر نظام الاتصال الداخلي لكنه رفض فتح الباب. فغادر الضباط بعد ساعة.
شكّلت تلك الحادثة بداية معركة دوروف مع الحكومة الروسية وصراع روسيا الرقمية المعاصرة مع نُخَب السلطة القديمة. كانت هذه الحادثة جزءاً من حكاية تأسيس "تلغرام" أيضاً: أدرك دوروف أنه يفتقر إلى قناة آمنة للتواصل مع شقيقه حين كانت قوى الأمن تقف خارج باب منزله. لذا اضطر لاختراع قناة مماثلة. بعد فترة قصيرة، بدأ العمـــل على ابتكار منصة "تلغرام" وأصبح التطبيق جاهزاً للاستعمال بحلول آب 2013.
جواز سفر من منطقة الكاريبي
لم ينتهِ عمل الحكومة الروسية مع دوروف في تلك المرحلة. بل إنه خضع للتحقيق بسبب حادثة مزعومة أخرى مرتبطة بحركة المرور، ثم اشترى رجل أعمال مقرّب من الكرملين أسهماً في شبكة "فكونتاكتي". رفض دوروف تسليم أي بيانات حول مستخدمين أوكرانيين كانـــوا يحتجون ضد الرئيس الأوكراني السابق فيكتور يانوكوفيتش إلى جهاز الأمن الفدرالي الروسي. سرعان ما أُقيل من شركته وغادر بلده الأم بعد بضعة أيام.
سافر دوروف حول العالم وكأنه بلا وطن وكان يحمل جواز سفر من "سانت كيتس" و"نيفيس" في منطقة الكاريبي بعدما اشتراه مقابل 250 ألف دولار. كان ينشر صوراً من محطاته، بدءاً من حفلة خاصة بشركة "تلغرام" في برشلونة وصولاً إلى اجتماع عمل في قلعة إيطالية. وكان يزور ألمانيا في مناسبات متكررة ويشارك هناك في مؤتمرات تكنولوجية في ميونيخ وبرلين.
بعد مرور سنوات، استقر دوروف أخيراً في دبي. يُعفى رواد الأعمال من الضرائب في دول الخليج، وهو أمر مهم بالنسبة إليه حتى لو كان حينها بصدد تأسيس "تلغرام". في غضون ذلك، تخضع هذه المدينة لجميع الأدوات المستعملة في دول المراقبة الحديثة وتنتقد المنظمات غير الحكومية وضع حقوق الإنسان هناك. لكن شعر دوروف بالأمان في ذلك البلد، حتى أنه قابل ولي عهد دبي والتقط صورة معه على سطح ناطحة سحاب.
لكن لا يمكن إيجاده في مكتب تابع للشركة في أي يوم. يقع الفندق الذي التقط فيه دوروف صورته وهو يمارس اليوغا في دبي على بُعد دقائق معدودة من أبراج الكاظم. يشمل كل مبنى منهما 53 طابقاً ويقع بالقرب من منطقة المارينا الشهيرة. ويقع مكتب شركة "تلغرام" في الطابق الثالث والعشرين من البرج "أ".
تقود ستة أبواب إلى ردهة ذات أرضية رخامية. يعود الباب البنّي الذي يحمل رقم 2301 إلى مكتب "تلغرام". لا تشير أي لافتة إلى هوية أصحاب المكتب ولا أحد يجيب عند الطرق على الباب المقفل. في مكتب الاستقبال في الطابق السفلي، تقول الموظفة إنها لم تشاهد أحداً يدخل إلى ذلك المكتب على مر السنوات الثلاث التي عملت فيها هناك: "الوضع غريب جداً. حتى أننا لا نتواصل مع أحد منهم. لكنّ شركة "تلغرام" مسجّلة في النظام".
لا تزال التفاصيل الأخرى غامضة. حتى أن عدد الموظفين بقي غير محدد لفترة طويلة. في شهادة قدّمها دوروف عبر الفيديو أمام محكمة أميركية، اعترف بأن عدد الموظفين في فريق "تلغرام" يتراوح بين 25 و30. يؤكد موظفون سابقون ما زالوا على تواصل مع الفريق على هذه المعلومة. هم يقولون إن عدد الأسماء المعلنة قليل لأسباب أمنية.
انما ثمة اسم مهم ومعروف في الشركة: إنه شقيق بافيل الأكبر نيكولاي دوروف المسؤول عن قسم التكنولوجيا. نيكولاي عبقري منذ صغره وقد بدأ يقرأ في عمر الثالثة ونال شهادتَي دكتوراه في الرياضيات، بما في ذلك شهادة من جامعة بون في ألمانيا. كان أستاذه الألماني قد فاز بميدالية "فيلدز" التي تُعتبر مهمة بقدر جوائز "نوبل" في عالم الرياضيات. وعلى غرار بافيل، كان نيكولاي يهتم بالبرمجة منذ صغره. نشأ الشقيقان في مدينة "سانت بطرسبورغ" في معظم فترات طفولتهما وكان والدهما أستاذاً جامعياً ووالدتهما محاضِرة.
يعرف الموظف السابق، أندريه لوباتين، نيكولاي منذ أيام المدرسة. فاز الاثنان في مسابقات برمجة معاً حين كانا في الجامعة ثم عملا في "فكونتاكتي" و"تلغرام". يتذكر لوباتين أنه كان يجلس مع نيكولاي في منزل عائلة دوروف الريفي عندما كانا يصممان الركائز التقنية لتطبيق المراسلة. كان يُفترض أن يكون التطبيق آمناً وسريعاً في آن.
يُعتبر لوباتين الذي غادر الشركة لاحقاً واحداً من الموظفين السابقين القلائل المستعدين لتقديم المعلومات علناً. هو يختار كلماته بحذر حين يناقش أي موضوع حول عائلة دوروف. بحسب قوله، كانت علاقة الشقيقين وثيقة وكان بافيل يتخذ جميع القرارات الاستراتيجية. بنظر العالم الخارجي، قد يبدو مشروع "تلغرام" أشبه بنادٍ للفتيان، إذ يقول لوباتين إن دوروف لا يفكر بتعيين نساء في قسم البرمجة.
يَصِف الموظف السابق، أنطون روزنبرغ، فريق "تلغرام" بـ"الطائفة" الخاصة بدوروف. سبّب روزنبرغ بعض الاضطرابات في العام 2017 حين قرر مقاضاة الشركة بعد طرده من منصبه كأحد كبار المبرمجين. يعرف دوروف معظم موظفي "تلغرام" منذ سنوات، كما قال روزنبرغ خلال مكالمة فيديو. إنه مجتمع مترابط حيث يتخذ بافيل دوروف وحده أهم القرارات.
خلال مقابلات مع موظفين سابقين في الشركة، تتضح صورة رئيس تنفيذي لا يهتم بالمال بل بالنفوذ والتقدير الدولي. يريد دوروف أن يصبح تطبيقه منصة تسمح لأكبر عدد ممكن من الناس بالتواصل وتقاسم المعلومات بكل حرية. ويُفترض ألا يؤثر عليه أحد، ولا حتى الحكومات.
يقول نيكولاي كونونوف، مؤلف كتاب حول مؤسّس "تلغرام": "يعتبر دوروف نفسه مهندساً له عالمه الخاص". يتماشى انبهار دوروف بفيلم Matrix وبطل قصته، المقرصن "نيو"، مع هذا الوصف على أكمل وجه. كان حماسه تجاه هذا الفيلم كبيراً لدرجة أن يبدأ بارتداء ملابس سوداء بالكامل، على غرار "نيو". وحين سُئِل في فترة تخرّجه من المدرسة الثانوية في العام 2001 أين يرى نفسه بعد عشر سنوات، أجاب قائلاً: "أريد أن أصبح ظاهرة مؤثرة في عالم الإنترنت".
لم يعد بافيل دوروف يجري المقابلات اليوم. هو وأعضاء فريقه لم يجيبوا على الرسائل الإلكترونية والنصية التي أرسلتها صحيفة "شبيغل". في أفضل الأحوال، قد يتواصل دوروف مع عامة الناس عبر قناة "تلغرام" أو عبر منشورات متقطعة على إنستغرام.
لقد خلق الشقيقان قصة نجاح عالمية حيث أدى بافيل دور الاستراتيجي فيما كان نيكولاي المبرمج العبقري الذي يعمل وراء الكواليس.
كانت الخدمات التي تسمح بنشوء المجموعات والقنوات بالغة الأهمية لتسريع نمو "تلغرام" في السنوات الأخيرة. في المجموعات العامة أو الخاصة، يستطيع حتى 200 ألف شخص أن يدردشوا في ما بينهم. أما القنوات، فهي تسمح لمؤسسيها بإغراق عدد غير محدود من المشتركين برسائلهم. في المقابل، قد تشمل المجموعات على "واتساب" 256 عضواً كحد أقصى، بما يتماشى مع استراتيجية عدم التحول إلى مساحة عامة.
إنها الخدمات التي جعلت "تلغرام" أكثر من مجرّد تطبيق للمراسلات الخاصة. تستعمل حركة "التفكير المختلف" في ألمانيا مثلاً قنوات مختلفة على "تلغرام" لتنظيم احتجاجاتها في مدن متنوعة. يقول مؤسس الحركة، مايكل بولويغ، إن التطبيق "عامل محوري" لنجاح المجموعة. نتيجةً لذلك، يشمل تطبيق "تلغرام" في ألمانيا اليوم شبكة خاصة بمؤيدي نظريات المؤامرة حول فيروس كورونا، لكنه يضمّ أيضاً جماعات مثل النازيين الجدد والإرهابيين اليمينيين.
مخالفات هائلة
يمكن اعتبار "تلغرام" تجسيداً لجميع أنواع المخالفات التي يمكن ارتكابها على شبكة الإنترنت. تشمل القناة تجار الأسلحة وأشخاصاً يعرضون أموالاً مزيفة ويخترقون البيانات. وتَرِد أسماء الجماعات التي تُركّز على التلاعب بالأسواق المالية في أعلى قائمة القناة. ونظراً إلى تعدد جماعات المخدرات على "تلغرام"، أنشأت شرطة برلين فريقاً للتعامل مع تجارة المخدرات عبر خدمة المراسلة، وقد رصدت منذ ذلك الحين أكثر من مئة حلقة من تجار المخدرات في مدينة برلين وحدها، وتشمل كل حلقة منها أكثر من 10 آلاف عضو. على عكس عالم الإنترنت المظلم حيث يضطر العملاء لمعرفة عناوين محددة في السوق السوداء، يسهل إيجاد العروض المحظورة على "تلغرام".
تقول الشركة إن التطبيق لا يسمح بأي محتويات غير قانونية. لكن تثبت دراسة أجراها موقعjugendschutz.net في السنة الماضية أن أحداً لا يطبّق هذه القاعدة.
صنّفت وزارة الداخلية الألمانية تطبيق "تلغرام" كقناة تطرح إشكالية منذ وقت طويل. يقول مسؤول بارز في وزارة الداخلية: "يبدو أن القوانين الوطنية، سواء كانت ألمانية أو أوروبية، لا تؤثر على هؤلاء الأشخاص. إذا رفضت الشركة التعاون، قد تحظر ألمانيا هذه الخدمة في أكثر الحالات تطرفاً". تقول وزيرة العدل الألمانية، كريستين لامبرخت، التي تفضّل تنظيم خدمات المراسلة مثل "تلغرام" على مستوى الاتحاد الأوروبي: "لا يُسمَح لأي منصة يستخدمها ملايين الناس في الاتحاد الأوروبي بتجاهل إطارنا القانوني".
مع اقتراب موعد الانتخابات العامة في ألمانيا خلال الخريف المقبل، يشعر المسؤولون الألمان بالقلق من أن تصبح هذه المنصة مصدراً بارزاً للمعلومات المغلوطة التي تصل إلى أعداد هائلة من الناس.
لكن في الدول القمعية، غالباً ما يُعتبر التطبيق نفسه من أكثر الأسلحة فعالية بالنسبة إلى الحركات المنادية بالديموقراطية. هذا هو الوضع مثلاً في هونغ كونغ وإيران وبيلاروسيا. حين نزل عشرات آلاف الناس إلى شوارع مينسك في آب 2020 للاحتجاج على تزوير الانتخابات، أصبحت قناة "نيكستا" على "تلغرام" أهم أداة تستعملها الحركة الاحتجاجية. منع الدكتاتور ألكسندر لوكاشينكو الوصول إلى المواقع الإلكترونية وخدمات المراسلة طوال أيام، لكن حرص بافيل دوروف على متابعة تشغيل "تلغرام". في تلك الفترة، شمل فريق "نيكستا" صاحب المدونة رومان بروتاسيفيتش (عادت رحلة "ريان إير" التي كان على متنها حديثاً إلى العاصمة مينسك).
هذه الصورة المتضاربة حول تطبيق "تلغرام" تطرح السؤال التالي: ما هو موقف بافيل دوروف السياسي؟
في الماضي، كان دوروف يميل إلى دعم السياسة التحررية. لكنه كتب في إحدى المرات أن العالم يشهد تغيراً سريعاً لدرجة أن يعجز المشرّعون عن مواكبته. لذا من الأفضل برأيه أن يتجنب العالم أي شكل من التنظيمات في القرن الواحد والعشرين. قد تبدو هذه الآراء متماشية مع نزعته إلى عدم تحريك أي ساكن لمنع المواد المتطرفة أو غير القانونية على "تلغرام" ورفض جميع أنواع الرقابة علناً.
يظن زميله السابق أنطون روزنبرغ أن هذا النوع من المواقف هو نتاج اعتبارات معينة في مجال إدارة الأعمال، فيقول: "النضال في سبيل الحرية شعار لافت وهو يجذب المستخدمين الجدد". لكن يظن أشخاص آخرون يعرفون دوروف على مر مسيرته المهنية أنه حاول البقاء خارج عالم السياسة قدر الإمكان. عَمِل إيليا بيريكوبسكي مع دوروف طوال سنوات وهو نائب رئيس "تلغرام" اليوم. هو يَصِف فلسفة دوروف بعبارة "البقاء على الحياد".
حتى لو اعتبرت المعارضة الروسية دوروف بطلاً في العام 2011 بعدما وقف علناً في وجه جهاز الأمن الروسي، يتعلق دافعه الأول بمصالحه المهنية. هو لا يريد بكل بساطة أن يخسر أي مستخدمين في ظل المنافسة التي يخوضها.
لا يزال الوضع المالي لشركة "تلغرام" سراً يحتفظ به دوروف لنفسه. لكن من الواضح أن تطبيق المراسلة يترافق مع نفقات كبرى: في العام 2020، قال دوروف في شهادته أمام المحكمة الأميركية إنه استثمر حوالى 218 مليون دولار في "تلغرام" حتى العام 2017. وفق مجموعة من التقديرات المستقلة، جمع دوروف بين 300 و400 مليون دولار عبر بيع حصته الأخيرة في "فكونتاكتي". وحين بلغ 28 عاماً، كتب في إحدى المدونات أنه كسب حتى تلك المرحلة "مئات الملايين" لكنّ هذا الوضع لم يُسعده مطلقاً.
حين كان دوروف يعمل في "فكونتاكتي"، كان يرمي المال من النافذة حرفياً. فقد عمد في أحد الأيام إلى رمي أوراق نقدية بقيمة 5 آلاف روبل (124 يورو) مع صديقه القديم ونائبه بيريكوبسكي من نافذة مكتبهما في الطابق السادس من مبنى "سينغر هاوس" المدهش في وسط "سانت بطرسبورغ". لا يزال زميله السابق روزنبرغ يتذكر ذلك اليوم جيداً، فقد تزامن مع ذكرى تأسيس المدينة وكانت الشوارع مكتظة. يقول روزنبرغ: "في البداية، حاول الاثنان رمي الأوراق النقدية بكل بساطة لكنها عَلِقت على زخرفة الواجهة بسبب الرياح. لذا بدآ يطويان الأوراق على شكل طائرة ويقذفانها نحو الشارع". أحدثت هذه الحركة ضجة واسعة في الأسفل وسرعان ما أصبحت تلك اللحظة خالدة في شعار "تلغرام": طائرة ورقية بيضاء ترمز إلى الحرية.
تواصل مكثّف مع شركة "وايركـارد"
في العام 2017، حاول الشقيقان دوروف تنفيذ خطة جريئة تهدف إلى زيادة مداخيل "تلغرام" تزامناً مع إبقاء التطبيق مجانياً وخالياً من الإعلانات. كانت فكرتهما تقضي بابتكار عملة مشفّرة لتطبيق المراسلة، بالإضافة إلى نظام سلسلة الكتل (Blockchain) باسم "شبكة تلغرام المفتوحة" (TON). كان يُفترض أن يسمح التطبيق للمستخدمين بإرسال المال في الاتجاهين والقيام ببعض عمليات التسوق. جمع الفريق 1.7 مليار دولار من المستثمرين، منهم عدد من الأوليغارشيين الروس، وصندوق يعود إلى رومان أبراموفيتش والمدير التنفيذي الهارب في شركة "وايركارد"، جان مارساليك. كان هذا الأخير من محبي "تلغرام" وقد استخدمه لإرسال الملصقات التي يريدها.
زاد التواصل بين "تلغرام" والشركة الألمانية "وايركارد" التي غرقت منذ ذلك الحين في مستنقع من الفضائح، فقد كانت كل شركة منهما تملك مكتبها الخاص في البرج نفسه في دبي. في نيسان 2019، أعلنت "وايركارد" رسمياً عن تعاونها مع مختبرات "شبكة تلغرام المفتوحة". وفي رسائل إلكترونية خاصة بالشركة، كتب المدير التنفيذي السابق، ماركوس برون، لموظفيه أن "قدرات الشركة تجعل هذه العملية من أكبر الصفقات في تاريخنا". لكن صرّح مسؤول تنفيذي في مختبرات "شبكة تلغرام المفتوحة" لصحيفة "شبيغل" بأن تلك الصفقة لم تنتج أي نوع من التعاون الحقيقي أو العروض المشتركة. هو يعترف بأنه سَمِع باسم مارساليك لكنه لم يقابله شخصياً، ويقول إن التواصل بين الشركتين حصل في المقام الأول بين المصمّمين. لكن تلاشت جميع الخطط المشتركة مع الشركة الألمانية في تشرين الأول 2019.
قد يكون فشل محاولة إطلاق عملة مشفّرة أكبر انتكاسة واجهها الشقيقان دوروف حتى الآن. في تشرين الأول 2019، فرضت "هيئة الأوراق المالية والبورصات الأميركية" قراراً بالتوقف عن بيع العملة المشفرة فوراً باعتبار عملية البيع غير مسموح بها في البورصة. انتقدت شركة "تلغرام" ذلك القرار واعتبرته "غير منطقي وغير ضروري"، لكن رفضت المحكمة المسؤولة عن هذا النوع من القضايا تغيير القرار. حتى أن "تلغرام" اضطرت لدفع غرامة بقيمة 18.5 مليون دولار. بعد فشل الخطط المتعلقة بالعملة المشفرة، بدأ دوروف يجمع الأموال منذ شهر آذار بطريقة أكثر تقليدية، فأصدر سندات تفوق قيمتها المليار دولار. كذلك، تنتشر شائعات في وسائل الإعلام الروسية في الفترة الأخيرة حول حصول طرح عام أولي محتمل قد تتراوح قيمته السوقية بين 30 و50 مليار دولار. على صعيد آخر، لا مفر من أن تظهر الإعلانات على "تلغرام" في نهاية المطاف لكنها ستقتصر على القنوات العامة ولن تستهدف الدردشات الخاصة.
قد يصبح الرأسمال في المستقبل عاملاً مؤثراً على مسار "تلغرام" أكثر من المحاولات الحكومية الرامية إلى تنظيم هذه الخدمة. في نهاية المطاف، يريد المعلنون والمستثمرون التواجد في بيئات هادئة وإيجابية. يُفترض أن يَحذر دوروف أيضاً من إفساد علاقته مع شركتَي "آبل" و"غوغل" لأنه يحتاج إلى متاجر التطبيقات التابعة لهما للحفاظ على أهمية تطبيقه.
لقد أثبت تطبيق الدردشة "بارلر" ما يحصل عند إثارة استياء هاتين الشركتين. نُظِّم اقتحام مبنى الكابيتول في كانون الثاني الماضي عبر "بارلر"، وسرعان ما قررت "آبل" و"غوغل" حذف هذه المنصة من متاجرهما، ما أدى إلى تدمير نطاق استخدام "بارلر" وتأثيره. لهذا السبب، يجب أن يتوخى بافيل دوروف الحذر إذا أراد تجنّب المصير نفسه.
----------------------------
جريدة صيدونيانيوز.نت / اخبار العالم / بافيل دوروف مؤسس "تـلغرام" من هو هذا الملياردير وما هي أسرار إمبراطوريته؟
2021-06-16