صيدونيانيوز.نت/ أقلام ومقالات / حوار مع الهم
مقال د جاسم المطوع
من أدعية النبي صلي الله عليه وسلم (اللهم لا تجعل الدنيا أكبر همنا ، ولا مبلغ علمنا) لفت نظري هذا الدعاء، فاستدعيت " همي " يوماً من داخل قلبي ، حتى أصارحه ويصارحني ، فقلت : يا همي ما هي أصناف الهموم عندكم ؟ قال : عندنا الهموم صنفين : إما هم دنيوي أو أخروي ، قلت : وكيف أعرف نفسي ، وأصنف همي ؟
قال : تستطيع أن تعرف همك من العلامات التي ذكرها ابن قيم الجوزية –رحمه الله – حين قال : إذا أصبح العبد وأمسى ليس همه إلا الله وحده : تحمل الله سبحانه حوائجه كلها ، وحمل عنه كل ما أهمه ، وفرغ قلبه لمحبته ، ولسانه لذكره ، وجوارحه لطاعته ، وأما من كان همه الدنيا وما فيها حمله الله هموم الدنيا وغمومها وأنكادها ، ووكله إلى نفسه ، فشغل قلبه عن محبته بمحبه الخلق ، ولسانه عن ذكره بذكرهم ، وجوارحه عن طاعته بخدمتهم ، وإشغالهم فهو يكدح كدح الوحوش.
قلت : أريد أن أسالك سؤلاً ولكني مستحى لأني مقصر في حق ربي ، قال : لا تتردد فحوارنا هذا سيساعدك علي جعل همك للآخرة ، قلت : كيف أعرف أن همي أخروي ؟
قال : إنه لسؤال جيد ومهم وقد كفانا إجابته الإمام " المحاسبي " رحمه الله عندما وصف نظرة الناس لمن كان همه الآخرة فقال : يحسبه الجاهل صميتاً عيياً وحكمته أصمتته ، ويحسبه الأحمق مهذاراً والنصيحة لله أنطقته ، لا يتعرض لما لا يعينه ، ولا يتكلف فوق ما يكفيه ، الناس منه في راحة ، وهو من نفسه في تعب ، قد أمات بالورع حرصه ، وحسم بالتقي طمعه ، وأفنى بنور العلم شهواته.
قلت : إنه لوصف جميل ولكني سمعت مرة أنه من جعل الدنيا همه أعطاه الله ما تمنى ، ومن جعل الآخرة همه رزقه الله الآخرة وأقبلت عليه الدنيا ، فهل هذا صحيح ؟
قال : نعم وقد ذكر النبي صلى الله عليه وسلم هذا بقوله : (من كانت الآخرة همه ، جعل الله غناه في قلبه وجمع له شمله ، وأتته الدنيا وهى راغمة ، ومن كانت الدنيا همه ، جعل الله فقره بين عينيه ، وفرق عليه شمله ، ولم يأته من الدنيا إلا ما قدر له ) ،
قلت : لم أفهم عبارة (جعل الله فقره بين عينيه) ؟ قال : يعني الفقر يكون ساكن ومقيم بين عينيه فمهما كان لديه من النعم من مال وصحة وزوجة وأولاد وسكن وأمن وعمل ، فإنه دائما يرى نفسه فقير ومحتاج لأن عينه لا تري إلا الفقر الذي أمامها ولا يستطعم بلذة النعمة أو يستمتع بها ، وهذا حال أكثر الناس.
قلت : والله كلامك صحيح فإني أعرف رجلا يملك مليون دينار فلما قيل له إن زكاتك خمسة وعشرين ألفا قال إنها كثيرة ، فعينه رأت الخمسة والعشرين ألفا وهي نسبة 2.5% وهو حق الفقراء ولم ترى التسعمائة وخمسة وسبعون ألفا وهي نسبة 75% والتي في ملكه ،
قال : نعم هذا صحيح وبعض الناس يرى النعمة التي عند الآخرين ولا يرى الخير الكبير الذي ينعم به ، فهذا ممن جعل الله فقره بين عينيه.
قلت : أنا أتمنى أن يكون همي الآخرة فأعطيها الأولوية في حياتي ،
قال : لقد ذكرت لك كيف تجعلها أولوية في حياتك ، وإن أركان الإسلام تساعدنا علي ذلك فقد جعل الله لنا في اليوم خمس صلوات حتى يكون القلب بين حالتين ، إما في الصلاة ، أو في انتظار الصلاة ، فيعيش دوماً مع الله تعالى ولا تشغله الدنيا بمشاغلها ، وأما الصيام فأنت تعيش ثلاثين يوما في السنة مع الله تعالي في الليل والنهار وأما الحج فمرة في العمر ، فكل هذه تساعد القلب ليكون همه الآخرة فيسعد في الدنيا والآخرة ومع هذا نقول لك (ولا تنسى نصيبك من الدنيا)
2021-08-26