الرئيسية / أخبار العالم /أخبار العالم /مراقبة مكثّفة لحرب أوكرانيا من الجو

جريدة صيدونيانيوز.نت / مراقبة مكثّفة لحرب أوكرانيا من الجو

 

Sidonianews.net

---------------

 

نداء الوطن / فاين غرينوود

 

قد لا تكون أحداث أوكرانيا أول حرب تتابعها مواقع التواصل الاجتماعي حيث تُستعمَل الطائرات المسيّرة الاستهلاكية الصغيرة والرخيصة، لكنها أول حرب تُوثّقها الطائرات المسيّرة الصغيرة بهذه الطريقة الشاملة: يقود الجميع هذا النوع من الطائرات، بدءاً من الجنود في البلدَين وصولاً إلى المراسلين والمدنيين الفضوليين. اليوم، تجذب أنظمة "بيرقدار" المسلّحة وتركية الصنع انتباه معظم دول العالم، لكن يبدو أن اللقطات الجوية عالية الدقة التي تَصدُر من أوكرانيا هي نتاج طائرات مسيّرة استهلاكية وأصغر حجماً وغير مكلفة نسبياً، أبرزها تلك التي تنتجها شركة DJI الصينية.

لكن تبرز أيضاً استعمالات هجومية مباشرة. ينشر الجنود الأوكرانيون دوماً فيديوات الطائرات المسيّرة على صفحات الجيش الرسمية على فيسبوك وتلغرام وتويتر، ما يثبت للعالم طريقة استعمالهم للطائرات المسيّرة الصغيرة والاستهلاكية لتحسين دقة ضرباتهم المدفعية. بدأ أشخاص من خارج أوكرانيا يشاركون في هذه النشاطات أيضاً، فقد تبرّعوا بمئات الطائرات الاستهلاكية إلى القوات الأوكرانية لمتابعة مراقبة التطورات من الجو.

 

تتعلق أكبر مشكلة تواجهها الطائرات المسيّرة الاستهلاكية في مناطق الصراع بصعوبة تمييزها، مع أنه جزء من أهم مبادئ القانون الإنساني الدولي. وفق قواعد اللجنة الدولية للصليب الأحمر، ينصّ هذا البند على ضرورة أن تُميّز أطراف أي صراع مسلّح بين المدنيين والمقاتلين طوال الوقت وبين الأجسام المدنية والأهداف العسكرية، ما يسمح بتوجيه العمليات ضد الأهداف العسكرية حصراً. يمكن تحقيق هذا الهدف مع الطائرات بموجب قواعد الحروب أو القانون الإنساني الدولي عبر وضع رموز معينة على الطائرات مثلاً كي يتمكن الطيارون من التعرّف عليها عبر الراديو، أو يمكن تجهيز الطائرة بأنظمة إلكترونية لتحديد الصديق أو العدو، أو اللجوء إلى استراتيجيات أخرى. لكن لا يمكن تطبيق هذه المقاربات مع الطائرات المسيّرة الاستهلاكية الصغيرة لأنها متشابهة ميدانياً ويصعب التمييز بينها من الجو.

 

يفترض البعض أن وجود الطيار الذي يُوجّه طائرة مسيّرة صغيرة على مسافة معينة من القتال الناشط (6 أميال كحد أقصى بشكل عام) يعني أنه بأمان، لكنهم مخطئون.

 

بعدما بدأ عناصر تنظيم "داعـــش" وجماعات أخـــرى يستعملون الطائـــرات المسيّرة الاستهلاكية كسلاح بحد ذاته بعد العام 2013، أطلقت الحكومات والجيوش والصناعات الخاصة جولة عالمية مكثفة من الأبحاث والاستثمارات في مجال تقنيات مكافحة الطائرات المسيّرة، وكانت روسيا أبرز مشارِكة في هذه الحملة نظراً إلى تورطها في سوريا. لا تكون الطائرات الاستهلاكية، كتلك التي تنتجها شركة DJI، مُصمّمة للاستعمال العسكري صراحةً وتحرص الشركة على تذكير المستخدمين بهذه المعلومة دوماً، ومع ذلك لا يمكن اعتبارها آمنة بدرجة كبيرة.

 

كانت طائرات المراقبة المسيّرة التابعة لمنظمة الأمن والتعاون في أوروبا (معظمها نماذج استهلاكية صغيرة) تتعرض للتشويش وإطلاق النار دوماً خلال طلعاتها فوق إقليم "دونباس" قبل اندلاع الحرب هذه السنة.

 

أثبت المقرصنون مراراً قدرتهم على التحكم بالطائرات المسيّرة الصغيرة والوصول إلى المعلومات التي يجمعونها ثم إعادة إرسالها إلى أجهزة التحكم في هواتفهم الذكية. في حادثة غريبة جرت في العام 2018، حاول موظفون على متن يخت يملكه الملياردير الروسي رومان أبراموفيتش استخدام جهاز مضاد للطائرات المسيّرة بهدف مصادرة طائرة "فانتوم" أطلقها سائح فضولي.

 

تتواصل الطائرات المسيّرة مع أجهزة التحكم بها ميدانياً عبر استخدام إشارات راديو يسهل رصدها نسبياً وتستعملها تقنيات معاصرة لمكافحة الطائرات المسيّرة وتحديد موقع الطائرة والطيار في آن. في فيديو لم تثبت صحته بعد ونشره بائع الطائرات المسيّرة الأوكراني تاراس تروياك على فيسبوك، يظهر طيار من مستخدمي طائرات شركة DJI المسيّرة وهو يتعرض لهجوم بقنبلة يدوية بعد هبوط طائرته، ويستهدف ذلك الهجوم المنطقة التي هبطت فيها الطائرة على الأرض بدقة مشبوهة. لم يتأكد أحد بعد من حقيقة ما حصل، لكن اشتبه بعض المراقبين بأن إشارة الراديو الصادرة من الطائرة هي التي قادت المعتدين إلى الطيار. تُجرّم معظم الدول رصد الطائرات المسيّرة عبر فك شيفرة هذا النوع من البيانات، لكن يسهل أن نفتــرض أن الروس يستطيعـــون اختراق أجهزة الحروب الإلكترونية التي تُحدد مواقع الطيارين.

 

منذ العام 2017، بدأت شركة DJI تتحايل على قوانين منع فك الرموز عبر بيع تقنيتها AeroScope المُصمّمة لفك شيفرة الإشارات، وهي لا تعمل إلا مع منتجاتها الخاصة. إنها أداة فاعلة لأن جميع طائرات الشركة المعاصرة تبث إشارات مصحوبة بمعلومات حول موقع الطيار والطائرة معاً وتستطيع أجهزة Aeroscope تفسيرها: يمكن إيجاد نماذج محمولة وثابتة وقصيرة أو طويلة الأمد. تقول الشركة إن هذه الخاصية لا يمكن تعطيلها، مع أن مستخدمي الطائرات المسيّرة يستطيعون اختراقها أو التحايل عليها إذا كانوا بارعين في مجال التكنولوجيا. أصبحت هذه التقنية شائعة الاستعمال في أوساط وكالات إنفاذ القانون والمساحات الرياضية، وهي مفيدة أيضاً في ساحة المعركة.

 

حتى الآن، يبدو أن شركة DJI تحافظ على موقف حيادي، وقد اتّضح ذلك في ردّها على طلب مباشر من نائب رئيس الوزراء الأوكراني، ميخايلو فيدوروف، في 17 آذار الماضي. طُلِب من الشركة أن تمنع شراء جميع منتجاتها في روسيا، لكنها ذكّرته بأن منتجاتها "مُصمّمة للاستعمال المدني" وأن دقة رؤيتها هي "سبب آخر يمنع استعمالها في المهام العسكرية".

 

بعد بدء الحرب في شهر شباط، اتّهم تروياك شركة DJI بتعطيل تقنية AeroScope عمداً على الأراضي الأوكرانية. لكن أنكرت الشركة هذه الادعاءات وأعلنت أن موظفيها يتعاونون مع المستخدمين الأوكرانيين لحل المشكلة التي تنجم برأيها عن خلل في شبكة الإنترنت. تنكر الشركة أيضاً أنها قادرة على مراقبة نشاطات الطائرات المسيّرة على مستوى العالم أو تقديم المعلومات التي طلبها فيدوروف حول مواقعها، مع أن بعض الأدلة يشير إلى قدرتها على تعقب مكان الطائرات المسيّرة عالمياً في الماضي على الأقل، ويستطيع المستخدمون تقديم سجلات رحلاتهم طوعاً إلى الشركة. إذا كانت هذه البيانات موجودة فعلاً، ستكون المكافأة التي يتلقاها المقاتلون على الجانب الآخر من الصراع جاذبة على نحو استثنائي.

 

يتساءل عدد كبير من المراقبين اليوم عن استعداد DJI لإضافة خاصية السياج الجغرافي إلى منتجاتها في روسيا أو أوكرانيا، وهو تساؤل مبرر. كانت الشركة قد أخبرت فيدوروف بأنها مستعدة لنشر سياج جغرافي فوق أوكرانيا إذا تلقّت طلباً رسمياً للقيام بذلك، لكنها شددت على تشغيله في جميع طائراتها في أوكرانيا بدل حصره في الطائرات التي تطلقها القوات الروسية. لكن يبقى هذا الخيار مستبعداً. أعلنت DJI أن الحكومة الصينية لا تؤثر على قراراتها، لكن تتعدد الأدلة التي تثبت العكس. مع ذلك، لن تستفيد الشركة ولا الصين على الأرجح من اتهامها بالانحياز إلى أوكرانيا أو روسيا خلال الصراع الراهن، ولا ترغب الشركة أصلاً في اتخاذ أي خطوات توحي بأنها تدعم استخدام منتجاتها في ساحات المعارك.

 

تعتبر شركة DJI طبعاً أن تشغيل سياج جغرافي من هذا النوع قد يُسبب مشاكل سياسية للصين من دون إحداث فرق كبير في ساحة المعركة بالضرورة. لن يكون هذا السياج مثالياً، فهو يهدف في الأساس إلى ردع الناس غير الكفوئين تقنياً أو من يجهلون قواعد استخدام الطائرات المسيّرة في منطقتهم بكل بساطة. تعرض شركات كثيرة تقنيات ووسائل للتحايل عليها. حتى أن إحدى الشركات التي تدخل في هذه الخانة تعرض خدماتها مجاناً على كل من يثبت تواجده في أوكرانيا أو روسيا.

 

أخيراً، أثبتت تجربة أوكرانيا أن الطائرات المسيّرة الصغيرة هي أداة مفيدة جداً لجميع المشاركين في مناطق الحرب المعاصرة، ومن المتوقع أن يرافقنا هذا الابتكار لفترة طويلة. يستطيع الطيارون أن يتخذوا بعض التدابير لحماية أنفسهم (منها التأكد من تشغيل وضع الطيران في الأجهزة الخلوية المتّصلة بالطائرة المسيّرة)، لكن يجب أن يعرفوا أولاً أن هذه التدابير موجودة. من واجب المجتمع الدولي اليوم أن يبلغ جميع مستخدمي هذه الطائرات في زمن الحرب (سواء كانوا مدنيين أو مقاتلين) بمختلف المخاطر التي ترافق استخدامها.

------------------

جريدة صيدونيانيوز.نت / اخبار العالم / مراقبة مكثّفة لحرب أوكرانيا من الجو

 

2022-04-11

دلالات: