Sidonianews.net
-------------------
المدن / عارف العبد
لم يخف رئيس الجمهورية العماد ميشال عون يوماً، هو أو أقرب معاونيه أنه غير معجب بالدستور الحالي الذي انتجه اتفاق الطائف، وأنه يتحفز لتغييره أو تعديله عبر النص أو الممارسة في أماكن متعددة يعتبر أنها غير صالحة للبقاء كما هي.
وقد سبق للمستشار القانوني الأقرب إلى الرئيس أن قال علناً في ندوة أمام وسائل الإعلام إن الدستور يحتوي على مواقع وفقرات رمادية على الرئيس القوي، وفي هذا الظرف، الإقدام على اغتنام الفرص لاقتحامها، بغية تعديلها وتبديلها عبر الممارسة.
من هنا، فإن الأزمة الراهنة التي تشهدها الأيام الأخيرة من العهد العوني ومرحلة تشكيل الحكومة الحالية، ليست صدفة أو مسألة عابرة، بل هي أزمة مدبّرة بعناية، ومعدّ لها ومنتظرة.
يبدو أن الرئيس المكلف ورئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي قد أدرك بالممارسة المتكررة خلال هذا العهد أن الأزمة وعمليات الابتزاز على مستوى التشكيل آتية، فأعدّ بعض عدته وتقدم بتشكيلته فور انتهاء الاستشارات التي أجراها، تاركاً لرئيس البلاد الاختيار بحرية على أي جنب يريد أن ينام.
لم يعجب هذا التصرف رئيس الجمهورية وبطانته الحزبية والعائلية، إذ بمجرد أن تقدم الرئيس المكلف بتشكيلته إلى رئيس الجمهورية، فاضت وسائل الإعلام التقليدية والحديثة، بحملة انزعاج من ميقاتي لأنه تقدم بهذه التشكيلة وبهذه السرعة.
الجديد في الأمر ليس القرار بل الأسلوب المتبع من قبل رئيس البلاد.
برأي الرئاسة ومن هم حولها، أنه على رئيس الحكومة المكلف الاستماع إلى مطالب رئيس البلاد ومحيطه ومفاوضتهم، والنزول عند خاطرهم ورغباتهم، قبل أن يتقدم بأي تشكيلة حكومية. وهذا ما عبّر عنه كثر من الجماعة السياسية المحيطة بالرئيس عون علناً، مع أن الدستور لا ينص على هذا الأمر إطلاقاً.
في المحصلة، رئيس الحكومة هو المسؤول أمام مجلس النواب، الذي يفترض أن يحاسبه نتيجة مواقفه وتصرفاته على رأس الحكومة. لكن من الظاهر أن رئيس الجمهورية الذي لا تطاله المسؤولية حسب الدستور، يريد تثبيت أعراف جديدة في ممارسة النظام السياسي، منها كما هو ظاهر، أن تشكيل الحكومة يجب أن ينطلق من توجيهات ومعايير يريدها ويضعها ويراها مناسبة.
سبق لرئيس الجمهورية أن قال في بيانات علنية في أولى التجارب مع سعد الحريري إن تشكيل الحكومة يجب أن يخضع لمعايير يقررها هو.
بطبيعة الحال لم تنجح هذه المحاولة، واندلعت سجالات ونقاشات حامية حولها، لكن الرئيس عون كما هو ظاهر لم يتراجع عن أفكاره.
الجديد الظاهر بعد فشل محاولات فرض ممارسات جديدة، هو تغيير أسلوب التعاطي مع الرئيس المكلف من الأكثرية النيابية، حتى لو كانت ضئيلة. وقد تمثل ذلك مجدداً في محاولة استدراج الرئيس ميقاتي غير المرضي عنه الآن إلى "خناقة شخصية" أو نزاع صبياني لو أمكن، على أمل أن ينجح في تحويله إلى خلاف سياسي .
تعمد الرئيس عون توجيه إهانات شخصية تلفزيونية إلى سعد الحريري لإغضابه، لكي يطيح بمحاولاته تشكيل الحكومة. والأمر ذاته يتكرر مع الميقاتي الذي يطلب موعداً ولا يلبى طلبه، لدفعه للحرد على أمل الإفشال.
ليس هناك من تفسير آخر لإقدام دوائر القصر الجمهوري على إرسال مغلفات بالبريد الدرّاج إلى بيت الوسط باسم سعد الحريري من أجل تعبئة الفراغات والمربعات المقترحة بالأسماء الوزارية اللازمة، إلا محاولة إذكاء نزاع شخصي وتوجيه إهانات سخيفة وصغيرة بهدف الدفع نحو الخلاف.
وليس أدل على هذا الأسلوب المتبع للتطفيش من تعمد تسريب الحوار بين الرئيس عون وحسان دياب، حيث لم يتردد بالقول عن الحريري أنه يكذب. وترك الأمور تتفاعل بشكل مقصود لإغضاب الحريري، والوصول إلى إفشاله وإسقاط محاولة الوصول إلى حكومة جديدة.
لقد نجح عون في إفشال مساعي الحريري وإحباط محاولاته للتشكيل، حتى لو كان الثمن عيش البلاد والمواطنين في جهنم الحالية.
الأسلوب نفسه يبدو أنه يستعمل اليوم مع نجيب ميقاتي. فالحملة قد بدأت على الرجل لأنه أقدم على إنجاز وتقديم تشكيلة في اليوم الثاني لانتهاء المشاورات. وقد حرصت الدوائر العونية المعنية على اعتبار ذلك استفزازاً للرئيس، بما في ذلك رأي وزير الاقتصاد الخلاق أمين سلام الملوح له بكرسي في السراي الكبير، الذي سرعان ما انحاز لهذا الرأي المستهجن.
كيف لدولة أن تستقيم إذا كانت بيانات رئيس التيار الوطني الحر الوصيّ على الرئاسة الاولى، تسابق بيانات القصر الجمهوري في انتقاد رئيس الحكومة وتوجيه السهام الشخصية له، بخصوص سبل تشكيل الحكومة وطرق التعاطي مع الموضوع .
لم يتردد رئيس الجمهورية المضغوط في آخر أيامه الرئاسية، في شن حرب البيانات في وجه ميقاتي. وفي المقابل، لم يؤخر أو يبدل الرئيس المكلف في هذا الظرف الحرج برنامجه في الذهاب في إجازة خاصة عائلية كان يمكن تأجيلها.
في المحصلة حسبما هو ظاهر، تحققت بنجاح توقعات رئيس الجمهورية في الانتقال إلى جهنم، وكما يبدو بعد الاقتحامات القضائية المثيرة، فإن توقعات نجيب ميقاتي لن تخيب في التوجه نحو العصفورية وسريعاً جداً.
----------------------
جريدة صيدونيانيوز.نت / اخبار مدينة صيدا / من جهنم إلى العصفورية
2022-07-23