Sidonianews.net
------------------
المصدر: "النهار"
ليلي جرجس
يبدو أن الهروب من الملوّثات أصبح مهمّة شبه مستحيلة أو صعبة في #لبنان؛ فغياب الرقابة الدائمة، وارتفاع الأسعار بشكل جنونيّ، دفع عائلات كثيرة إلى اللجوء لبدائل غير صحيّة.
يحتلّ لبنان المرتبة الرابعة بمؤشر التلوّث فيه ضمن 116 دولة، حيث بات التلوّث حقيقة لم تعد بحاجة إلى أرقام وإحصاءات للتثبت من صحتها، إذ يكفي متابعة ورصد حالات التسمّم والأمراض الناتجة من الملوّثات في الطعام والشراب والهواء لمعرفة ما وصلنا إليه.
ما يُفاقم الأزمة هو وضع المياه في لبنان، حيث المياه التي تضخّها مؤسسات المياه الرسمية لا تتمتّع بالأمان، والمياه الموزّعة بالعبوات البلاستيكية ليست مأمونة الجانب أيضاً، فضلاً عن تكلفتها المالية الكبيرة. وفي جولة على المياه المعبّأة الموجودة في السوبرماركت، نجد أن تكلفة الصندوق الواحد المؤلّف من 6 قوارير بلاستيكيّة، سعة الواحدة منها 2 ليتر، تبلغ ما بين 42 ألف ليرة و51 ألف ليرة لبنانية. أمّا بالنسبة إلى تعبئة الخزّان فتتراوح تكلفة الصهريج الواحد لخزان سعة 1000 ليتر ما بين 250 ألف ليرة و350 ألف ليرة حسب كلّ منطقة.
وفق تقرير أعدّته منظمة "يونيسف" في حزيران 2022، تعتمد 44% من الأسر على المياه المعدنيّة المعبّأة في الزجاجات.
ويُشير التقرير في تموز 2022 إلى أنّه على العائلات التي تعتمد على شراء #مياه الشرب أن تدفع من 3 إلى 5 أضعاف المصروف الاعتيادي للحصول على المياه مقارنة بالسنة الماضية.
نظام المياه في لبنان على وشك الانهيار. هذه الحقيقة باتت قريبة جداً في ظلّ الانهيار شبه الكامل للقطاعات كافة في لبنان. وعليه، تحتاج عائلة مكوّنة من 5 أفراد إلى شرب نحو 10 ليترات يوميّاً من المياه، وبالتالي عليها إنفاق نحو 6 ملايين و500 ألف ليرة لبنانية أو 261$ سنوياً، فضلاً عن تكلفة المياه المستخدمة للحاجة اليوميّة مثل احتياجات الطبخ والنظافة، إذ لم يعد بإمكان مزوّدي القطاع العام توفير المياه الكافية لعملائهم نتيجة لأزمة الكهرباء إلى حدّ كبير، ولكن أيضاً بسبب عدم قدرتهم على تحمّل تكاليف قطع الغيار والتصليحات والديزل، وسط التضخّم المتصاعد. ومنذ بداية الأزمة، انخفضت إمدادات المياه من مؤسّسات توفير المياه الأربع بشكل كبير، وغالباً ما كانت أقلّ من 35 ليتراً للفرد في اليوم، والتي تعتبر الحدّ الأدنى للكميّة المقبولة.
تُشكّل إمدادات المياه الصّالحة للشرب غير الكافية مخاطر عديدة على الرّضع والأطفال المعرّضين بشكل خاصّ للأمراض التي تنشأ من سبب مائي، سواء من مياه الشرب الملوّثة أم من مياه الصرف الصحي؛ وهي أمراض تصنّف ضمن الأسباب الرئيسيّة لوفاة الأطفال دون سنّ الخامسة.
يوضح البروفيسور عصمت قاسم العامل في مركز سلامة الغذاء في جامعة جورجيا (الولايات المتحدة) بأنه "من خلال فحص مياه الصنبور (الحنفية) في عدّة مناطق لبنانية مثل: زحلة، بعلبك، المرج، راشيا والهرمل، أظهرت النتائج أن المياه غير صالحة للشرب، بل حتى للاستخدام الشخصيّ نتيجة تلوّثها بالبكتيريا والطفيليّات.
وتشير المؤشرات الموجودة إلى وجود نوعين من ملوّثات المياه هما:
* coliforms fecal: تشير إلى وجود تلوّث بالبراز، وعادة ما يكون مصدر هذا التلوّث من مياه الصرف الصحيّ أو مصادر حيوانيّة.
* staphylococci: تكشف مدى نظافة المياه.
وتبّين أنه من كلّ 100ml هناك نوعان من البكتيريا التي تؤكّد تلوّث المياه بالبراز، بالإضافة إلى عدم نظافتها وصحّتها.
ويوضح قاسم أن لدينا نوعين من التلوث:
* التلوّث الجرثوميّ: ناجم عن بكتيريا وفيروسات وطفيليّات تُسبّب التهابات، ولها خطر شديد على الصحّة، وقد تُسبّب مرضاً موقتاً أو أثراً طويلاً ومزمناً.
* التلوّث بالموادّ الكيميائيّة: له أثر كبير على الصحّة، ويُسبّب أمراضاً حادّة وشديدة ومزمنة وسرطانية.
نحن نتحدّث عن بكتيريا وفيروسات وموادّ كيميائيّة من شأنها أن تُسبّب أمراضاً شديدة، لها أثر خطير ومتعدّد على صحة الناس، ومنها أمراض مزمنة وسرطانية، بالإضافة إلى التهاب في الكبد، وصولاً إلى التسمّم في الدم... كما أنها تؤثر على نمو الأطفال وتُسبّب تشوّهات.
ما هي المسبّبات لتلوّث المياه في لبنان؟
وفق الدراسات السابقة كان لافتاً مدى انعكاس تلوّث البيئة على تلوث مياه الأنهر والشواطىء في لبنان. لكن ما يُثير الخوف والقلق أن يصل هذا التلوث إلى المنازل.
منذ فترة، شهدت مدينة طرابلس انتشاراً لفيروس اليرقان، في حين سجّلت مناطق أخرى، ومنها البقاع، انتشاراً لفيروس التهاب الكبد "أ"، وأحد مصادر نقل العدوى يكون عبر الطعام أو المياه الملوّثة بالبراز.
إذن، أسباب هذا التلوّث عديدة، ومنها وفق قاسم أنّ "فحص المياه قبل نقلها وتوزيعها على المناطق عبر شركة المياه شيء (نتائج الفحوص نظيفة وسليمة)، وما يجري على أرض الواقع خلال التوزيع شيء آخر. ونعرف تماماً أن هناك تعديات كثيرة على شبكات المياه (بناء غير شرعي- إمدادات غير شرعية - البنى التحتية قديمة)، وبالتالي هذه التعدّيات والبنى التحتية القديمة تسمح بدخول الملوّثات إلى المياه لتصل إلى المستهلك ملوّثة.
ويشير إلى أنه في دراسة سابقة على بعض الخضراوات، اكتشفنا أن المياه المستخدمة لغسل الخضراوات كانت ملوّثة أو زادت من تلوّث هذه الخضراوات أكثر. وهذا دليل إضافيّ على أنّ المياه المنزليّة المستخدمة في المنازل ملوّثة في مناطق كثيرة، ومن شأنها أن تفاقم أزمة سلامة الغذاء وانتشار الفيروسات أكثر.
كذلك، وبالاستناد إلى تقريرين سابقين من منطقة البقاع، وبعد فحص المياه من بنايتين سكنيّتين، أظهرت الفحوص تلوّثاً عالياً في المياه المستخدمة. وعند الحديث مع الأهالي، تبيّن أنّ هذه المياه تستخدم ليس فقط للاستخدام اليومي وإنما كمياه للشرب.
أما بالنسبة إلى مياه الشرب الذي يشتريها الناس، فيُميّز قاسم بين نوعين:
* النوع الأول يخضع لرقابة وزارة الصحة
* النوع الثاني: يُباع في محلّات صغيرة غير مراقبة من جهات رسمية أو مسؤولة.
ما يقلقنا حسب قاسم أننا "نعرف أن موضوع الرقابة في لبنان غائب بشكل كبير، وهناك عدم التزام دائم بالمعايير والمواصفات المطلوبة. صحيح أن الشركات الكبيرة تقوم بفحص مياهها في مختبراتها، ولكن ماذا عن الشركات الصغيرة التي تبيع المياه للمواطنين؟ هل ترسل عيّنة من مياهها إلى مختبرات خارجيّة أو كبيرة في لبنان للتأكّد من صحّة وسلامة المياه. لذلك، تجب المتابعة مع الشركات (الكبيرة والصغيرة) بشكل دوريّ للتأكّد من هذه الفحوص ونتائجها وصحّة المختبرات، خصوصاً أن تكلفة الفحوص باتت مرتفعة جداً وقد نشهد على بعض التقصير في إجرائها.
2022-09-20