الرئيسية / أخبار لبنان /تحقيقيات وتقارير /شعب غارق فما الخوف من البلل؟...لبنان: فياضانات وطوفان شوارع ..إبحثوا عن التعديات..تغيّر المناخ نكتة... والنواب يغرّدون للشكوى

جريدة صيدونيانيوز.نت / شعب غارق فما الخوف من البلل؟...لبنان: فياضانات وطوفان شوارع ..إبحثوا عن التعديات..تغيّر المناخ نكتة... والنواب يغرّدون للشكوى

Sidonianews.net

--------------

الأخبار-راجانا حمية :

طوفان كفرحباب ــ غزير ــ جونيه: ابحثوا عن التعدّيات

لا تُسأل الطبيعة وحدها عن الكوارث التي تحلّ مع كلّ موسم مطر، فهذه الأخيرة ليست إلا سبباً عابراً وبديهياً، فيما توصل الأسباب الأخرى إلى إغراق بلد بأكمله، من دون أن يشعر المسؤولون بأيّ إحساس بالذنب. في حالة غزير وكفرحباب وجونيه، لعب تقاعس سلطات الوصاية، الطاقة تحديداً، وتواطؤ السلطات المحلية الدور الحاسم في غرق هذه المناطق بسبب التغاضي المزمن عن التعديات القائمة على مجاري الأنهار والسواقي الطبيعية

غرقت غزير، ومعها المناطق المجاورة، مع ثالث «شتوة»، كما سبق لها أن غرقت في المرتين السابقتين. الغرق ليس توصيفاً عابراً لما حدث أول من أمس هناك وعند أوتوستراد جونيه لاحقاً، مع تحوّل منطقة بأكملها إلى مستنقع هائلٍ من الأمطار الموحلة.

طوال ساعة ونصف ساعة، شُلّت الحياة تماماً. مجاري تصريف المياه على الطرقات فقدت القدرة على استيعاب كميات الأمطار الآتية من الأعالي، من مجاري الأنهار والسواقي الطبيعية التي أصابها عطب التعديات، ما تسبّب بالمشهد القاتم الذي رأيناه أمس: أرتال من السيارات عالقة في قلب المستنقع، مدارس عدّلت موعد خروج طلابها خوفاً من الحوادث، والدة تنقل أطفالها وحقائبهم المدرسية على ظهر «بيك أب»، وبيوت عائمة بمياه الشوارع الموحلة. يوم شبّهه الناجون منه بـ«القيامة»، وهي نسخة قابلة للتكرار مع الموسم القادم ليس في المنطقة الكسروانية فحسب، وإنما في كل منطقة تتشابه فيها العوامل.
 


كمية المتساقطات
قد يكون ما حدث في غزير «متل الكذب»، بحسب ما يقول رئيس بلديتها شارل الحدّاد، فيما لو أخذنا في الحسبان الحدث الطبيعي المتمثل بكمية الأمطار المتساقطة، ولكنه يستحيل «غير ذلك»، مع التطرّق إلى مسألة توزيع المسؤوليات عمّا جرى.
في الشق الطبيعي، لم تكن الأمطار التي تساقطت أول من أمس ضمن المستوى المعتاد عليه حتى في موسم الغزارة، وإنما كانت استثنائية ليس فقط لناحية الكمية وإنما لناحية الوقت أيضاً. وبحسب المعلومات، فقد بلغت كمية المتساقطات أول من أمس 105 ملليمترات في فترة قياسية لم تتعدَّ الساعتين، فيما بلغت في مثل تلك الفترة من العام الماضي ما نسبته 35 ملليمتراً تساقطت على مدى عشر ساعات. ولأن الرقم «غير مسبوق»، كان يسهل على البعض القول إن هذه الشتوة فاقت ما يمكن أن يساوي ثلاث دفعات من الأمطار خلال الموسم الماضي. وأكثر من ذلك، بلغت هذه النسبة «ثُمن» المعدّل السنوي من المتساقطات للعام الماضي والذي بلغ 800 ملليمتر! وهذا إن كان يعني شيئاً بالنسبة إلى من عاشوا التجربة أول من أمس، فهو أنها «كانت أمطاراً فيضانية بكل معنى الكلمة»، يقول الحدّاد. ويذهب الأخير أبعد من ذلك في الوصف، مشيراً إلى أنه «بستّين سنة من عمري ما قطع عليي هيك شتي».


مجاري الأنهار
يمكن تصنيف هذا العامل الطبيعي باعتباره واحداً من الأسباب التي أدّت إلى فيضان أول من أمس، لكنه ليس السبب الوحيد حكماً. فثمة ما يفوق الطبيعي عند الدخول في الشق المتعلق بالمسؤوليات. والسؤال هنا: من يتحمّل مسؤولية مواسم الغرق؟
في حالة غزير والمناطق المجاورة، المسألة غير محصورة فقط في أقنية ومجاري المياه الداخلية التي لم يجرِ تحديثها منذ فتراتٍ طويلة لتتناسب والطفرة السكانية والعمرانية هناك، فالمشكلة التي تظهّرت أول من أمس هي أن الجزء الأكبر من الفيضان كان يأتي من «فوق»، من مجاري الأنهار والسواقي الطبيعية المقفلة بالتعديات، بحسب ما أظهرت المقاطع المصوّرة وبحسب مصادر متابعة في وزارة الأشغال العامة، ووزارة الطاقة والمياه أيضاً.
في الأحوال العادية، كانت وظيفة هذه المجاري والسواقي في مواسم الشتاء الغزيرة أن تشكل معبراً للأمطار التي يذهب الجزء الأكبر منها نحو البحر، والجزء الآخر في مصارف المياه الشتوية، إلا أنها اليوم لم تعد تلعب الدور نفسه. ويقود هذا التغيّر في الأدوار إلى أزمة التعدّيات على المجاري الطبيعية. وهو ما حدث في أعالي المنطقة الكسروانية مع هطول الأمطار، حيث تشير المصادر إلى أنه «منذ سنوات، قامت بعض التعدّيات على تلك المجاري من دون الأخذ في الحسبان مدى فداحة هذا الأمر، والذي تظهر تداعياته مع مواسم الأمطار».
المشكلة لا تقتصر على حصول التعدّي وإنما على مروره، إذ إن «أصحاب التعديات» مجبرون على أخذ الموافقات اللازمة لإقامة المنشأة أو المبنى من وزارة الطاقة والمياه بما أنّها الطرف الوصي. وبحسب المصادر، تُعطى الرخص «بناءً على الالتزام بشروط معينة». البديهي في الأمر «ألا تسمح الوزارة لأي أحد بالتعدي على مسلك طبيعي إن كان ذلك يشكل إضراراً». هذا ما يفرضه المبدأ العام، أما على أرض الواقع... فلا رخصة ولا من يرخّصون.

 

الطاقة والمياه: التعديات أوّلاً
ثمة مسؤولية مزدوجة تقع إذاً، على عاتق وزارة الطاقة كسلطة وصاية على الأملاك العامة، والبلديات كسلطة محلية التي تقع تلك الأملاك ضمن نطاقها.
في الشق الأول، تتخفّف وزارة الطاقة من هذه المسؤولية، انطلاقاً من أنها ليست سوبرمان... فهي لا يمكنها أن تعرف بهذه التعديات. ويتساءل مصدر في الوزارة «كيف يمكن أن نعرف بالتعديات إن لم تعلمنا السلطات المحلية بذلك؟ فنحن لا نملك دوريات ولسنا ضابطة عدلية فكيف لنا أن نعرف بذلك؟». بحسب الأخير، يقع على عاتق البلديات «التأكّد ما إن كانت هناك تعديات، فهي المسؤولة عن تنفيذ تلك الرخص، ومن المفترض أن تجمّدها في حال تبيّن أن هناك تعدّياً على الأملاك، ومن ثم تعطي الوزارة علماً بذلك». وإن كانت الوزارة «لا تعرف»، إلا أن اليقين ثابت لديها بأن 99% من الحاصل في معظم الأملاك تأتي في إطار التعدّيات «وليس بموجب مراسيم إشغال أو أذونات». فلماذا لا تتحرّك إذاً؟

بلغت كمية المتساقطات 105 ملليمترات خلال ساعتين، فيما بلغت 35 ملليمتراً خلال 10 ساعات العام الماضي


تجيب المصادر بأنه «حصلت عبر سنين عدة محاولات لرصد التعديات ومعالجتها، وقمنا بحملة خلال عام 2003 استمرّت لمدة شهر ثم توقفت بسبب التدخلات السياسية». ومن بعدها، طالبت الوزارة بحدود عام 2012 بزيادة على الموازنة «وطلبنا حينها زيادة 40 مليار ليرة لمعالجة هذا الملف، إلا أن وزارة المال رفضت، ثم جدّدنا الطلب في عام 2015 فرُصد مبلغ بحدود ملياري ليرة بالكاد يكفي لتنظيف الأنهار». ومنذ عام 2019 وحتى اللحظة، لم تعد هذه التعدّيات في سلّم الأولويات بسبب الأزمة التي يفرضها غياب التمويل «وفي كلّ عام نطلب من البلديات أن تحاول قدر الإمكان تنظيف المجاري في نطاقها البلدي»!
ينعكس هذا السيناريو على ما جرى أول من أمس في أعالي كسروان والذي أغرق غزير ومحيطها. ويضاف إليه «عدم وجود مجارٍ لتصريف مياه الأمطار على طول الطريق هناك».
لكلّ تلك الأسباب، كانت غزير أولى ضحايا الشتاء، ولكنها لن تكون آخرها، فالموسم سيجرجر الكثير من الضحايا طالما أن ملفّ التعديات مستمرّ.

----------------

الأخبار - غسان سعود

جونية: أول الغارقين في الدولة الفاشلة

سيمرّ المشهد عرضياً، ككل ما سبقه وسيلحق به. بضع تغريدات انفعالية ومقدمات تلفزيونية خنفشارية، ثم حدث آخر وانفعالات أخرى، إلى ما لا نهاية. في ظل سرعة هائلة، لا تتيح لأيّ حدث أن يأخذ نفَساً أو يحجز مساحته المستحقة.

مع ذلك، لا بدَّ من التوقف قليلاً عند سيول جونية وضواحيها، لأنها جونية بالتحديد.
ليس «جونية اللؤلؤة» أو غيره من الشعارات التي لم تقدم شيئاً للمدينة سوى مخالفات البناء على طول واجهتها البحرية وفي أحراجها التي كان يفترض أن تكون محمية، قبل أن يربط مشروع رفيق الحريري اسمها بالمعاملتين حصراً. ولا جونية التي تضعها بعض العقول الرجعية في مرتبة أهم من غيرها وفق خلفية مذهبية لا ثقافية أو إنتاجية...
وإنما جونية النائب الثوري نعمة افرام و«إنسانه أولاً»، والذي يقدم نفسه مرشحاً إلى ما بعد بعد الرئاسة. وجونية البطريركية المارونية التي تكدّس الأموال فوق الأرزاق فوق عائدات الوقف والمؤسسات، من دون أن تقدم لهذا البلد الذي تحمل نير مجده المفترض أكثر من الخطابات ومطالبة الآخرين بفعل شيء ما. جونية فريد هيكل الخازن الذي كاد «يزفّت» سطوح المنازل حين كانت وزارة الأشغال في يد تيار المردة. جونية جوان حبيش الذي ينشغل بتنظيم مهرجان صيفي طويل لرفع اسم مدينته من دون أن يهتم بالضغط والمتابعة لتنفيذ ما يفترض تنفيذه من أجل حمايتها من الغرق. جونية التي خصّها العماد ميشال عون وحدها بزيارة مهرجانية، عشية الانتخابات البلدية السابقة، ليقول إن له فيها ما لا يمكن أبداً خسارته. جونية التي تصرّ القوات اللبنانية على إيجاد موطئ قدم لها فيها عبر المساعدات المالية والغذائية والتربوية والاستشفائية الصغيرة بدل المشاريع الكبيرة التي تفيد كل الناس. في جونية هؤلاء، يغرق الناس في سياراتهم وتغمر المياه منازلهم من دون أن يرفّ لفعالياتها الروحية والسياسية رمش.

ad

من يسألون دائماً عما يحصل نتيجة الفقر في طرابلس التي «خرّجت» مليارديرية، يتقدّمهم الرئيس نجيب ميقاتي، عليهم أن يسألوا أيضاً كيف يمكن أن يحصل ما حصل وسيحصل في جونية رغم حرص ابنها نعمة افرام على «الإنسان»، ورغم نفوذ ابنها الآخر فريد الخازن في «الأشغال»، ورغم قدرات بلديتها، ورغم إغداقها الأصوات على العونيين والقوات. من دون أن ننسى أن السبب في ما حصل وسيحصل مجدداً، ويبرّر لهؤلاء كل هذا التجاهل، هو الناخب نفسه الذي يفضل الخدمات المباشرة الصغيرة على المشاريع الإنمائية الكبيرة، ويؤيد من يمنحه بطاقة استشفائية أو علبة دواء من دون أن يبالي بما يفترض أن يجنّبه المرض.
لأنها جونية لا بدّ من التوقف عند ما حصل، واستعادة التنافس الذي شهده العقدان الماضيان بين افرام وحبيش على هدر عشرات آلاف الدولارات في احتفاليات المفرقعات لـ«رفع اسم المدينة عالياً»، بدل التنافس على ترميم البنية التحتية للمدينة أو تطويرها أو وضع تصور اقتصادي يحدد وظيفتها بعدما فقدت منذ سنوات بعيدة هويتها الاقتصادية.
جونية نموذج عن شعب يتفاخر بالتبولة والفتوش من دون أن يهتم بالصرف الصحي الذي تسقى به البندورة والبقدونس


والكارثة الأكبر أنه لا أحد من المعنيين عندما يُسأل عما حصل، يجيب بأنه «نورمال». عادي أن يغرق الناس في سياراتهم ويعيشوا هذا الخوف كله. طبيعي جداً أن يحصل ما يحصل طالما أن البناء العشوائي لم يترك ممرات للأمطار غير الأوتوستراد، فباتت تسلكه من حريصا إلى البحر، مروراً بالمنازل والمطاعم والمتاجر والسيارات والمشاة. من المسؤول عن توزيع رخص البناء؟ وعن التنظيم المدني؟ وعن محاسبة وزراء الأشغال؟ وعن كل هذا الانعدام في التخطيط أو المتابعة أو المحاسبة أو المعالجة طالما أن ما يحصل يتكرر دوريّاً.
جونية نموذج عن إعادة الإعمار الرسمي والخاص الذي لا يهتم سوى بتشييد الأبنية الجميلة من الخارج دون اهتمام بمجاري المياه التي ستهطل فوقها أو بصرفها الصحي أو مواقف السيارات أو إمدادات المياه أو علاقة البر بالبحر! هي نموذج عن شعب يتفاخر بالتبولة والفتوش من دون أدنى اهتمام بالصرف الصحي الذي تسقى به البندورة والبقدونس.
جونية نتيجة «نورمال» جداً لذهنية شعب وأحزاب ونواب وبيوتات ووزارات.

-------------------

أين المناخ من السياسة والمجتمع؟
الأخبار:   حبيب معلوف 

حتى لو نجحت وزارة الأشغال في فتح مجاري المياه، يمكن للفيضانات أن تحصل في لبنان بسبب الظواهر المناخية المتطرّفة. هذا التطرّف المناخي بدأ بالظهور فعلاً في السنوات الأخيرة، وهو مرجّح للتفاقم في السنوات المقبلة مع الزيادة المتوقّعة في ارتفاع درجات حرارة الأرض والزيادة في غزارة تساقط الأمطار، كأن تمطر في عشر دقائق ما كانت تمطره خلال أسبوع، بطريقة غزيرة أكبر من قدرة مجاري مياه الأمطار على الاستيعاب، والتسبّب بفيضانات كبيرة.

وحتى لو نجحت وزارة البيئة في استباق حرائق الغابات والأحراج، بحملات الوقاية والتنبيه، كما حصل مع وزير البيئة هذا العام الذي نجح بنشاطه الزائد في خفض عدد الحرائق، مقارنة مع السنوات الماضية، إلا أنّ احتمالات الحرائق وحجمها وعددها يمكن أن تزيد بسبب ارتفاع درجات الأرض أيضاً.
وكذلك الأمر بالنسبة إلى سرعة ذوبان الثلوج، التي تتسبّب بخفض تغذية المياه الجوفية، وفي شحّ المياه صيفاً، بالإضافة إلى التأثيرات السلبية على السياحة الشتوية ورياضة التزلج، وعلى بعض الزراعات. ويمكنها أن تؤدي إلى زيادة في انتشار الأمراض وفي شراسة بعض الفيروسات وبالتالي زيادة الوفيات… مع آثارها الخطرة جداً على حياة بعض الأنواع النباتية والحيوانية وتهديد التنوّع البيولوجي عامة.


لقد أصبح موضوع تغيّر المناخ واقعاً لا شك فيه، ويجب أن ينتقل الخطاب العلمي والعالمي والسياسي والإعلامي، من الحديث عن «تغيّر المناخ» إلى الحديث عن «الكوارث المناخية» التي يفترض أن تسجّل أرقاماً قياسية كل سنة بشكل تصاعدي، تماماً كما تتزايد الانبعاثات بدل أن تنخفض بسبب عدم وفاء الدول بالتزاماتها كما ظهر بشكل معلن في قمة مناخ شرم الشيخ. كما لم يعد هناك من شك في لبنان، كما على مستوى العالم، بأن الكلفة الاقتصادية للكوارث المناخية ستطيح بكلّ مكتسبات التنمية التي عرفها لبنان والعالم.
أمام هذه المعطيات وهذا الواقع، كيف يتصرف لبنان الرسمي والأهلي حول هذا الموضوع؟
في هذه الجولة الـ27 من المفاوضات الدولية التي حصلت في شرم الشيخ أخيراً، راوحت المشاركة الرسمية ضمن حدود تقديم وزارة البيئة اللبنانية كلّ تقاريرها المطلوبة ومساهماتها المحددة وطنياً، بحسب اتفاقية باريس التي وافق عليها لبنان. وكانت في السنوات الماضية قد قامت بالدراسات اللازمة لمعرفة مصادر الانبعاثات وقضايا التكيّف، وأعدّت بعض الاقتراحات التي تحدّد فيها ما هو المطلوب من كلّ الوزارات والقطاعات للتخفيف من الانبعاثات والتكيف مع هذه الظاهرة المستجدة، وسعت إلى إيجاد تمويل لكل ذلك. وقد بقي على وزارة البيئة الآن العمل على اقتراح استراتيجية شاملة تشكل مدخلاً لاستراتيجية بيئية مستدامة تحمي الموارد والبيئة وتعيد بناء اقتصاد حقيقي يحترم قوانين الطبيعة عامة والأنظمة الإيكولوجية خاصة… واقتراح تبنّيها في مجلس الوزراء عندما ينتظم عمل المؤسسات.
ad

أما لناحية ما يسمى المجتمع المدني، فقد وصلت مشاركة المجتمع الأهلي في هذه الجولة من المفاوضات الدولية في شرم إلى ذروة غير مسبوقة! بغضّ النظر عن مدى فعالية هذه المشاركة شبه الفولكلورية لما يسمى المجتمع المدني، التي لم يُحضّر لها جيداً (معرفياً) قبل انعقادها، بقدر الاهتمام بالتسجيل وإيجاد تمويل (كبير) للمشاركة، والتي لا يمكن قياس جدواها إلا من باب الاستطلاع والاستعلام! وهذا ما يطرح علامات استفهام كبيرة حول التوظيفات المستقبلية لهذه المشاركة، الواعية وغير الواعية؟!
اعتادت المراجع التفاوضية الرسمية، الممثلة للقوى الاقتصادية المسيطرة في الأسواق العالمية والمسيطرة على الدول والعالم، أن تموّل ما يسمى ممثلين عن المجتمع المدني الطيّع، لا سيما الشباب المتحمّس وغير المتخصّص والمتعمّق في حقيقة قضية تغيّر المناخ والصراعات حولها، إلى درجة تراجع دور القوى الاجتماعية المطالبة بتغيير الأنظمة التي غيّرت المناخ، وإدخال المجتمع المدني السطحي إلى باحات الاجتماعات الرسمية للتعبير عن وجود شكلي لمعترضين وضاغطين على الدول لتقديم المزيد من التنازلات الشكلية في المفاوضات. وكانت بعض قوى الضغط الغربية تطالب ما يسمى المنظمات العربية المهتمة بالمناخ، بالضغط بدورها على بعض الدول النفطية الغنية لأن تساهم في تحمّل المسؤولية وفي تمويل صناديق المناخ وتحميلها مسؤولية عرقلة المفاوضات لناحية عدم تجاوز زيادة حرارة الأرض بدرجة ونصف! في حين أن مشكلة الدول النامية عادة، وبينها الدول النفطية التي لا تزال تعتبر نفسها نامية، هي أنّها تقلّد الدول المصنّفة متقدّمة في نموذجها الحضاري، وتطالبها بتحمّل مسؤوليتها التاريخية بتغيّر المناخ في الوقت نفسه! وهذا النهج التاريخي التفاوضي هو ما جعل الاتفاقيات غير ذات جدوى، والمناخ إلى المزيد من التدهور.


بغض النظر عن المشاركة الفولكلورية الأهلية اللبنانية، كان لافتاً كلام ممثل بعض المنظمات (الشبكات) العربية في أحد اجتماعات مجموعة التفاوض العربية التي «ناضلت» من أجل حضور جلسة واحدة فيها، حين خاطب المجتمعين بالقول «اعتبرونا الموسيقى التصويرية لأعمالكم، وقولوا لنا ما هو الموقف حتى نعمّمه على المجتمع»! مضيّعاً نضالات كبيرة للكثير من المناضلين التاريخيين الذين كانوا يعتبرون أن قوى المجتمع المدني يفترض أن تشكل قوة ثالثة بين الحكومات والقطاع الخاص لحماية المجتمعات من جنوح السلطات وفسادها، ومن استثمارات القطاع الخاص المدمرة للبيئة والمناخ.
فما الذي يمكن تحضيره عربياً، رسمياً وأهلياً، للكوب 28 الذي سيعقد في الإمارات العام القادم، من مساهمات أكثر نضجاً؟
أخيراً، يتفرّد لبنان بين أشقائه العرب، بحالة الانهيار الشاملة التي ضربته على كلّ المستويات، ولم يعد له من مخارج للخروج من هذه الحالة إلا من بابين لا ثالث لهما: إما الاستدانة من الصناديق الدولية، أو الرهان على التنقيب عن النفط والغاز. وبما أن هذه الرهانات- الخيارات هي في صلب مشكلة المناخ العالمية واللبنانية التي تقول في خلاصتها، إنّه إذا أراد العالم أن يمنع زيادة حرارة الأرض بما يفوق درجة ونصف درجة، كما نصت اتفاقية باريس، عليه أن يترك ما بقي من غاز ونفط ووقود أحفوري تحت الأرض، أو على الأقل، وقف دعم الاستثمار في هذا الاتجاه. من هنا يفترض أن يتركز النقاش الآن عن البدائل والتعويضات الممكنة من البلدان المسؤولة تاريخياً عن المشكلة، إذا قرّر لبنان أن يسير بهذا الخيار. وللحديث عن هذا الموضوع صلة.

---------------

«تغيّر المناخ» نكتة... والنواب يغرّدون للشكوى
تُضحك عبارة «التغيّر المناخي»، التي ساقها رئيس بلدية جونية جوان حبيش، ضمن أسباب طوفان المياه في منطقة كسروان أول من أمس، المغرّدين على مواقع التواصل الاجتماعي. يمكن إيجاد أكثر من تبرير لسخرية المواطنين من كلام المسؤولين، وخصوصاً في بلد يصعب فيه تصديق أيّ مسؤول. إلا أنّ المشكلة تكمن في تحويل «تغيّر المناخ» إلى نكتة، بعدما بات يشكل التهديد الأخطر لحياة الكوكب، وبعدما تبيّن فعلاً استحالة أن لا تتسبّب كمية المتساقطات غير المسبوقة التي شهدتها كسروان أول من أمس في طوفان، من دون أن يعني ذلك على الإطلاق تحييداً للمسؤولين في البلديات والوزارات المعنية. وكان حبيش قد عدّدهم أول من أمس في واحدة من إطلالاته الإعلامية: «الأوتوستراد والواجهة البحرية من مسؤولية وزارة "الأشغال"، أما الأنهار التي تفيض فمن مسؤولية "الطاقة"، فيما تنحصر مسؤولية البلدية في تنظيف الأقنية ومعالجة أزمات الطرقات الداخلية».

لذا يمكن وصف السخرية من «التغيّر المناخي» في كونه سبباً يصعب استثماره في سيل الاتهامات والاتهامات المضادة التي أغرقت مواقع التواصل خلال اليومين الفائتين. فإلى المسؤولين الذين عدّدهم حبيش، هاجم المواطنون نواب كسروان. كلّ مجموعة تهاجم النائب الذي ينتمي إلى الفريق السياسي الذي تناهضه، وتشيد بالآخر، دائماً من دون أي محاولة جدية لفهم ما حصل. لكن ماذا قال الجديون في تغريداتهم؟ وبم اختلفوا عن المواطنين؟

وزير الأشغال
على صعيد المسؤولين، كان وزير الأشغال علي حمية أبرز المغرّدين، رافعاً المسؤولية عن وزارته بما أنّه «طوال الليلة الماضية عملت ورش متعهدي وزارة الأشغال العامة والنقل على رفع الأتربة والحصى والأوساخ التي جرفتها معها السيول المتدفقة من الأعالي إلى الأوتوستراد، فضلاً عن تعزيلها من مجاري التصريف منعاً لانسدادها، ونجدّد الدعوة لقيام الجميع بمسؤولياتهم داخل البلدات وعلى مجاري الأنهر».

 

وفي معرض تحميله للمسؤوليات، نشر حمية في تغريدة ثانية «فيديو من منطقة ساحل علما - شننعير يُظهر بوضوح مكان تدفق المياه وخروجها عن مجراها الى الطرقات في البلدات لتتشكل عبرها سيول، جارفة معها الأتربة الى الأوتوستراد، وهذا بسبب التعدّيات على مجاري المياه الشتوية والعبّارات وعدم مراقبتها من قبل الجهات المختصة ( بلديات- وزارة الطاقة)»

 

نواب كسروان
أما على صعيد نواب كسروان الخمسة، فقد غرّدوا جميعاً وأجمعوا على أمر واحد هو المطالبة بتعويضات للمواطنين، سواء مباشرة، أو من خلال مطالبة الهيئة العليا للإغاثة بالتحرّك. ومن طالب منهم الوزارات (وزارة الأشغال حصراً) بتحمّل المسؤوليات، تجاهل السؤال عن أسباب ما حصل.
فقد شكت وزيرة الطاقة السابقة، النائبة ندى البستاني من أنّ «الأمطار التي يفترض أن تكون نعمة تتحوّل إلى نقمة لأهالي كسروان. للمرة الثالثة، يتكرّر هذا المشهد وفي وقت خروج التلاميذ من المدارس. أناشد رئيس الحكومة ووزير الأشغال والهيئة العليا للإغاثة للتحرّك فوراً وإيجاد الحلّ لهذا الموضوع والتعويض عن المتضرّرين ومعاقبة المقصّرين».


ومن باريس، غرّد النائب نعمة افرام، واضعاً إمكاناته في التصرّف «اليوم مصيبة في ساحل جونية وكسروان - جبيل. غداً ستكون كارثة وستتكرّر مع كلّ شتوة. فلتجتمع جهود وزارة الأشغال والبلديات والدفاع المدني والمجتمع الأهلي وكلّ المعنيين لوضع خطة وإيجاد حلّ. كلّ إمكاناتنا في التصرّف».

 

تغريدة النائب شوقي دكاش بدت أشبه بتغريدة مواطن غاضب، وليس مسؤول منتخب يفترض أن يجيب هو عن السؤال الذي طرحه «غرق الناس على الطرقات. هدر وقتن وأعصابن مسؤولية الدولة والوزارات. كل واحد رح يرمي التهمة على غيرو. بس النتيجة وحدة: كسروان وجبيل بمدنن وضيعهن غرقوا اليوم واختربت بيوت الناس. مين بعوض عليهم؟»

 


أما النائب فريد هيكل الخازن فاكتفى بتوصيف ما حصل، داعياً إلى التعالي عن المصالح: «مشهد المواطن المحاصر في السيول ما هو إلا دليل سقوط الدولة واهتراء مؤسساتها وحال الفراغ وانعدام الوزن والمسؤولية. أما آن الأوان للتعالي عن المصالح الخاصة المتضاربة والنظر إلى كرامة شعب يرزح تحت أنياب الإهمال!!».

---------------

جريدة صيدونيانيوز.نت 

شعب غارق فما الخوف من البلل؟...لبنان: فياضانات وطوفان شوارع ..إبحثوا عن التعديات..تغيّر المناخ نكتة... والنواب يغرّدون للشكوى

2022-12-01

دلالات: