Sidonianews.net
----------
الأخبار - إبراهيم الأمين
لندع لغيرنا أن يلبس القفازات في مقاربته لما يجري. ولسنا أصلاً في وارد التماثل مع إعلام العدو الذي صار، عقداً بعد عقد، أكثر ارتباطاً بالمؤسسة الحاكمة، وأكثر خضوعاً للرقابة العسكرية التي لم تعد تكتفي بمنع ما تعتبره تهديداً أمنياً، بل صارت تتصرف وفق منطق الرقيب الذي نعرفه نحن العرب جيداً. علماً أن العدو لم يجد بعد علاجاً لمعضلة النشر العشوائي على مواقع التواصل الاجتماعي، فتراه يتكل على «وطنية» الشعب الذي لا يورط بلاده في أزمة، في انتظار أن يصدر تشريع يجرم من يقول ما لا يجب قوله.
ما حصل أمس لم يكن مفاجئاً لكل من هو عارف أو منخرط في الصراع المفتوح بين محور المقاومة والعدو. فكرة القيام بعمليات ضد العدو انطلاقاً من لبنان، ليست مرتبطة بجدول أعمال من يعيشون على هامش الأحداث الجوهرية في المنطقة والعالم. وإسرائيل أكثر من يعرف الأمر ويعي خطورته. شكل القصف الذي استهدف نهاراً وليلاً مستوطنات العدو في الجليل الغربي أو في إصبع الجليل، ربما لم يكن في حسابات كثيرين، ومن بينهم جهات في كيان الاحتلال. لكن التوقيت كان متوقعاً في ظل لعبة الاختبار التي يقوم بها العدو من خلال عمليات الاستفزاز في القدس المحتلة. وأكثر ما يجعل بعض أركان العدو، وعواصم أجنبية ودولاً عربية، وقوى كثيرة في لبنان، لا يضعون في حساباتهم احتمال انخراط الساحة اللبنانية في الصراع، هم الذين لا يزالون يحسبون الأمور وفق مقاس ما يعرف بالضغط الداخلي على حزب الله نتيجة الأزمات القائمة في لبنان. حتى أن بعض أصحاب هذه النظرية، اعتبروا أن الاتفاق السعودي - الإيراني سيكون له تأثيره لجهة تجميد الجبهة اللبنانية، كما كان هناك من اعتبر أو قرأ تفاهم الترسيم البحري على أنه بوابة الهدوء المفتوح على الجبهة الشمالية لكيان الاحتلال.
ad
ببساطة شديدة، ما قام عشية معركة سيف القدس وبعدها، أنهى مرحلة من التنسيق الموضعي بين القوى المنخرطة في مقاومة الاحتلال. وانطلق بعدها قطار كبير يصل عواصم بمدن ومحاور تغطي العالم العربي كله، وهو قطار مفتوح لمن هو قادر على تحمل المسؤولية وكلفة الانخراط في معركة كبيرة ستقود حتماً إلى المواجهة المنتظرة التي يراهن أهل الأرض على أنها ستنهي كيان الاحتلال تماماً.
قبل أربعة عقود، قال كثيرون، من قصيري النظر والممتنعين عن تحمل المسؤولية والمتخاذلين والمنخرطين في مشروع العدو، إن العصر الإسرائيلي ثبت نفسه بعد غزو بيروت عام 1982. بعدها بعقد، اعتبر هؤلاء أنفسهم، بعد التسوية مع قيادة منظمة التحرير الفلسطينية واتفاق أوسلو المشؤوم، أن لا جدوى من مقاومة الاحتلال. ورفضوا الإقرار بالنتائج التي تدحرجت من تحرير العام 1985 إلى انتفاضة العام 1987 وصولاً إلى صمود المقاومة في لبنان وفلسطين وانتصاراتها بين العامين 1992 و1997، وصولاً إلى تحرير العام 2000 في لبنان، والعام 2005 في غزة، وصمود العام 2006. مع ذلك، فإن الجميع بات يعرف أن المقاومة ليست فقط ذات جدوى فحسب، بل هي قادرة على حماية منجزاتها، وتتقدم خطوات كبيرة صوب الهدف الأكبر. وبالتالي، على من يعتقد أن الحديث عن التحرير الكامل لفلسطين ضرب من الجنون، أن يهدأ قليلاً ويعيد النظر في كل ما جرى خلال أربعة عقود، ليعرف أن الحلم ليس مستحيلاً.
ولأن الحلم ليس مستحيلاً، يجب توفير عناصر النجاح والقوة الكافية له، وهذا ما استوجب المساعي الهائلة التي حصلت في الأعوام الأخيرة نحو توحيد السياسات الاستراتيجية، السياسية والأمنية، في مواجهة العدو. وهو ما فتح الباب أمام ورشة ضخمة تعمل من دون توقف لترسيخ قواعد هذا التحالف. والأمر يرتبط أيضاً بالتجارب المباشرة، وهو ما يحصل من خلال المواجهات المفتوحة عسكرياً وأمنياً مع العدو في أكثر من ساحة.
وعليه، فإن فكرة توحيد الساحات والجبهات لم تعد شعاراً يعمل لتثبيت قواعده بصورة عملانية، بل صار إمكانية متاحة، والعدو هو أكثر جهة على وجه الكرة الأرضية تعرف حقيقة ما يجري. وكل نشاطه الأمني والاستخباراتي والتعاون السياسي القائم بينه وبين دول عربية وغربية، وكل أنشطته العدوانية، تعكس فهمه الدقيق لهذه الحقيقة.
لكن، ثمة خطوات يقوم بها العدو تبدو خارج الحسابات المنطقية. والمقصود، هنا، ليس انتقاصاً من مهنية مؤسساته السياسية أو العسكرية أو الأمنية، لكنه يشعر أنه بات محشوراً في زاوية لا يمكنه التعامل معها بصمت أو بتقييد نفسه، ولذلك يصبح مضطراً لاجتراح حلول لأزمته، وغالباً ما يلجأ إلى القوة التي تمثل عنصراً مركزياً في بنائه العام، ويندفع إلى اعتداءات تفرض معادلات جديدة.
توحيد الساحات والجبهات لم يعد شعاراً يعمل لتثبيت قواعده بل صار إمكانية متاحة والعدو أكثر من يعرف حقيقة ما يجري
الحاصل منذ عامين حتى الآن، أن العدو يحاول كسر الحلقة التي تجمع قوى وعواصم محور المقاومة. لكنه يعرف أن الحسابات باتت تقيده في كثير من الساحات. وفي معركة «وحدة الساحات» التي خاضتها حركة الجهاد الإسلامي، كان العدو حريصاً على عدم القيام بأي عمل من شأنه جر حركة حماس إلى المواجهة. وكما فعل في «سيف القدس»، بأن تجنب أي خطوة غير محسوبة في الجبهة الشمالية لعدم فتح الباب أمام حزب الله للقيام بعمل كبير مساند للمقاومة في فلسطين، فهو يلجأ إلى خيارات العمل الأمني في ساحات مثل لبنان وإيران، لكنه يتكل على «عقدة قائمة» على الجبهة السورية، ما يتيح له توجيه ضربات تلو أخرى، لا تعطل برنامج محور المقاومة، وإن كانت تتسبب بإزعاج، وتتحول عنصر ضغط على القيادة السورية. ومع ذلك، لم يحقق العدو الأهداف التي يريدها.
عملياً، نحن أمام مستوى جديد من تشابك أذرع قوى المقاومة في المنطقة. ما حصل أمس، هو إشارة عملانية إلى أن الجبهة الشمالية، بقضها وقضيضها، مستعدة لخوض المعركة بكل ما تتطلبه إذا تجاوز العدو حدوداً معينة، سواء في القدس أو أمكنة أخرى. وهو لمس، طوال الساعات الماضية، أن الاستعداد لم يعد هذه المرة يقصر على ساحة. وهو أبدى خشيته، للمرة الأولى، من أن يشارك اليمن في الحرب، وأن يعمد أنصار الله إلى توجيه ضربات ذات طابع استراتيجي إذا تطلب الأمر، كما يعرف أن قادة حماس والجهاد الإسلامي في بيروت الآن، وسمع إسماعيل هنية وزياد النخالة يتحدثان عن جاهزية مقاتلي الحركتين في كل أماكن تواجدهم، وليس في الساحة الفلسطينية فحسب، كما يدرك أن حزب الله لن يقبل أي تهديد، وسمع ما قاله رئيس المجلس التنفيذي في حزب الله السيد هاشم صفي الدين من أن القدس ليست وحيدة في المعركة. وحتى الرسالة التي وصلت بطريقة ملتبسة حول احتمال لجوء العدو إلى اغتيال قياديين من حماس في لبنان، بعد تحميل الحركة المسؤولية عن القصف الصاروخي، فإن الجواب عليها كان باستعادة كلام الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله الذي سبق أن حذر من أن المساس بأي مقاوم على الأراضي اللبنانية، بمعزل عن جنسيته، ستعده المقاومة عدواناً مباشراً عليها، وسترد عليه بقسوة وبسرعة، وحتى إن قرر العدو توجيه ضربات موضعية ضد لبنان، فهو يعرف أن الموضعي هنا، يعني اللاشيء، أما إذا تعرض أمن سكان جنوب لبنان لأي نوع من الخطر، فسيكون هناك رد من جانب المقاومة...
منذ أسابيع، تلقى العدو كل ما يلزم من إشارات إلى أن الجبهة المواجهة له متأهبة لخوض أعنف المعارك، وعلى أكثر من ساحة، وبأكثر من مستوى، وما على العدو إلا النظر إلى أوضاعه الداخلية، وإلى حالة الانتفاضة القائمة أو الكامنة في فلسطين التاريخية، وفي جوارها الساخن، وبيده القرار: إما يستسلم للوقائع الجديدة، أو يسير إلى حتفه بقدميه!
------------
هنية يحمّل العدو مسؤولية العدوان
بحث رئيس المكتب السياسي لحركة «حماس»، إسماعيل هنية، مع الأمناء العامين لفصائل المقاومة الفلسطينية، أمس في بيروت، تطورات الأوضاع في فلسطين المحتلة، خصوصاً ما يجري من عدوان متواصل على المسجد الأقصى. وفي بيان عقب المباحثات، حمّل هنية حكومة الاحتلال «المسؤولية الكاملة عمّا يجري من عدوان وحشي على المسجد الأقصى المبارك وعلى المصلين والمعتكفين فيه»، مؤكداً أن «شعبنا الفلسطيني وفصائل المقاومة لن يقفوا مكتوفي الأيدي أمام هذا العدوان الغاشم».
ودعا هنية فصائل المقاومة الفلسطينية كافة إلى «توحيد صفوفها وتصعيد مقاومتها في مواجهة الاحتلال الصهيوني»، محذراً حكومة العدو من «التمادي في عدوانها على المسجد الأقصى». كما دعا «المجتمع الدولي ومنظمة التعاون الإسلامي وجامعة الدول العربية إلى تحمل مسؤولياتهم والتحرك العاجل لإنقاذ القدس من التهويد والمسجد الأقصى المبارك من التقسيم ولجم حكومة الاحتلال ومنعها من مواصلة عدوانها على أرضنا وشعبنا ومقدساتنا».
إسرائيل تبحث عن ردّ... بلا تصعيد مع حزب الله
أدخلت الصواريخ التي انطلقت من لبنان باتجاه مستوطنات الجليل الغربي، مؤسسة القرار السياسي والأمني في كيان العدو في حال من الإرباك، والضغط ودفعت المنظومة الأمنية إلى إجراء تقديرات وضع استمرت وقتاً طويلاً في البحث عن القرار الواجب اتخاذه بما لا يؤدي إلى نشوب حرب واسعة مع حزب الله في لبنان. وبالتزامن، سادت حالة من الهستيريا بين مستوطني الشمال والجنوب بحسب القناة 13، في التلفزيون الإسرائيلي.
في هذه الأجواء، وبعد سلسلة مشاورات أجراها رئيس وزراء العدو بنيامين نتنياهو مع الجهات الأمنية، حول إطلاق 34 صاروخاً من لبنان، بحسب جيش العدو، أكد بأن «الجدال الداخلي في إسرائيل لن يمنعنا من العمل ضد أعداء إسرائيل، في كل مكان وعند الحاجة». وأضاف أن «إسرائيل ستخرج موحدة من هذه الحادثة».
وفي محاولة للتغطية على السياسات التي يعتمدها في المسجد الأقصى، أكد نتنياهو أنه «لا يوجد أي اهتمام بتغيير الوضع القائم في الحرم القدسي». ودعا إلى «تهدئة النفوس والعمل بشدة ضد المتطرفين الذين ينتهجون العنف هناك». وتوعد بأن «أعداء إسرائيل سيدفعون الثمن على كل عمل عدواني. وسيكتشفون مرة أخرى أننا في لحظات الاختبار سنكون موحدين وندعم عمليات الجيش وبقية الأجهزة الأمنية».
كدت مصادر أمنية أن إسرائيل تبذل جهودها من أجل الفصل بين الساحات وعدم الانجرار إلى تصعيد شامل، لكن بالطبع مع إعادة الردع. في السياق نفسه، دعا عضو المجلس الوزاري، يسرائيل كاتس، إلى أن يكون «الرد قاسياً، والقادة في غزة يتحملون المسؤولية عن كل ما يعنيه ذلك... وما حدث في لبنان يتطلب رداً قوياً. وإذا تصدع الردع ولو قليلاً، سنصل إلى موقف لا نستطيع أن نواجهه، وعلينا الرد وإعادة الردع».
أما عضو الكابينت السياسي – الأمني، الوزير بتسلئيل سموتريتش المتطرف، فكتب على حسابه: «في هذه اللحظات نترك كل الخلافات والاتهامات والاعتبارات السياسية ونتحد ضد أعدائنا»، مضيفاً أن إسرائيل «لن تتسامح مع الاعتداءات على مواطنيها، وسيندم أعداؤنا. الهدف المطلوب توجيه ضربة قاسية للإرهاب وإعادة الردع لإسرائيل». مع الإشارة إلى أن مواقف هذا الوزير لا تعكس بالضرورة توجهات المجلس الوزاري.
وفي موقف يكشف المخاوف والقيود التي تواجهها إسرائيل، ذكرت القناة 13، أن إسرائيل نقلت رسائل إلى الجانب الثاني عبر اليونيفيل، عبر الحكومة اللبنانية، بأن يبقى حزب الله خارج هذا الحدث، وأن لا يتدخل. وتوجهت وزارة الخارجية الإسرائيلية إلى سفراء إسرائيل في الخارج بالتوجه إلى وزارات خارجية الدول التي يتواجدون فيها والتوضيح أن إسرائيل سترد على إطلاق الصواريخ من لبنان و«ستتخذ التدابير المطلوبة من أجل الدفاع عن نفسها».
أثارت صلية الصواريخ ذعراً بين مستوطني الشمال والجنوب
وحمّل جيش العدو الحكومة اللبنانية وحركة «حماس» الفلسطينية، مسؤولية إطلاق الصواريخ، واصفاً ذلك بالحدث الخطير. وأضاف أن «الحديث عن حدث متعدد الجبهات. لكن الفاعل الذي أطلق الصواريخ هي حركة حماس من لبنان».
وليست المرة الأولى التي تطلق فيها صواريخ الكاتيوشا من سهول جنوبي صور باتجاه فلسطين المحتلة. لكن صلية الأمس كانت الأضخم. أكثر من ثلاثين صاروخاً أطلقت على دفعات بُعيد الثانية والنصف من بعد الظهر، من سهل المعلية باتجاه مستوطنات الجليل الغربي. هديرها القوي وشهب النار التي امتدت خلفها كانت واضحة في سماء صور، حيث تمكن عشرات المواطنين من التقاط صور لها وهي تنطلق من مرابضها.
وحتى منتصف ليل أمس، لم يكن العدو الإسرائيلي قد ردّ على الضربة الصاروخية سوى بقصف مدفعي، إلّا أنه أبلغ قيادة «اليونيفيل» بأنه سيردّ على إطلاق الصواريخ، من دون أن يُحدّد الزمان والمكان. وفي الأراضي الفلسطينية المحتلة، فتحت قيادة العدو الملاجئ للمستوطنين، تحسباً لتدهور الوضع إلى مواجهة مع الجبهة الشمالية.
وبانتظار الرّد الإسرائيلي المُرتقب، حافظت المخيمات الفلسطينية في منطقة صور على هدوئها. وفي جولةٍ لـ«الأخبار» عليها، تبيّن أن الفصائل لم تتخذ أي إجراءات استثنائية. كما أكد مصدر مسؤول أن الصواريخ «لم يتم تبنيها من قبل أي فصيل من المقاومة الفلسطينية»، مُبيّناً أن ما صدر عن العدو من اتهامات لفصائل فلسطينية «يهدف إلى زجّ المخيمات الفلسطينية لأهداف مشبوهة وإيصال رسائل في أكثر من اتجاه».
-----------
جريدة صيدونيانيوز.نت
الأخبار: محور المقاومـ ة يتحرّك: فلسطين - القدس ليست وحيدة
2023-04-07