صيدونيانيوز.نت/ أقلام ومقالات / المرأة وحوار التمكين في الإسلام (1)
معاناة المرأة بصفة عامة قديمة كقدم الإنسان، حيث عانت من تصورات بليدة، تارة أرضية، وتارة باسم الأديان، كما أن سعي التمكين والتحرير، باجتهادها الخالص، أو باجتهاد مجتمعات وثقافات قديمة كقدم وجودها؛ لا أعتقد له نهاية، أو محطة توقفٍ ما دامت تحوم حول كينونتها تمتمات ساخرة منتقصة، وتسيج مواردها الخلّاقة أشواك عازلة مبددة، وما فتئت هي بالعقل تنبش، ولكن في هذا الجزء سنتعرض لقضية المرأة من الرقعة الإسلامية، على أن نتعرض لها من رقع أخرى في الجزء الثاني من هذه المادة.
مما فُضّلت به النساء أن سميت سورة قرآنية باسم امرأة "مريم"، وأخرى بالنساء، وساح الفضل أكثر، فتناولت الأخيرة قضايا المرأة بشكل واسع.
الإسلام والمرأة، وقضية التمكين
أنصف الإسلام المرأة بشكل جذري وشيد لها مدينتها الغانية، بعدما كانت من قبله تئن داخل سراديب حالكة. تجسدت مكانتها المستحقة بالوحي المنزل، وبسلوك نبي الله المبجل، فالقرآن أقر بأن المرأة كيان كالرجل تماما تقع على عاتقيهما مسؤولية العمارة في الأرض، ويوميات نبينا في رحاب نسائه الطيبات، ونساء المسلمين؛ لأبلغ وأدمغ دليل على كينونة المرأة المكرمة.
ومن تلك البقعة النورانية نعرج على نماذج نسائية باقتضاب حصل لهن شرف السبق لمؤازرة الحق، من بينهن المرأة التاجرة أمنا خديجة أول من أسلم وأول من صدّق، وعائشة التي كانت فقيهة تعلم الناس ما أخذت عن خير البرية من علم، وسنن حياتية، وأول من بث قصة حب فاضلة، كما كانت قيادية تأمر فيستجاب لأمرها. ونظير جلالة قدرها ربط التصور الإسلامي اسم مركبها باسم معركة تاريخية فغدت المعركة تسمى باسم هودجها "معركة الجمل"، وأخيرا، أول ممرض وطبيب في الإسلام يظهر بشكل مؤسسي رفيدة الأسلمية؛ حيث نصبت خيمة وجمعت بداخلها معدات التطبيب والاستشفاء بغرض العلاج والتطبيب.
ومما فُضّلت به النساء أن سميت سورة قرآنية باسم امرأة "مريم"، وأخرى بالنساء، وساح الفضل أكثر، فتناولت سورة النساء قضايا المرأة تناولا واسعا. وفي مطلعها خطاب مفتوح موجه يُعنى بالجنسين؛ الأنثى كما الذكر. يقول تعالى: "يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة.."، حيث الكل مطالب بالتقوى وما ينجر عنه من خير يبني ويعمر. كما نقرأ التأكيد والتذكير بمسألة الأصل "خلقكم من نفس واحدة"؛ حتى لا تغيب عن الألباب؛ لأنها مسألة ذات أهمية بمكان، بسبب ما ينجر عنها من توازن لو عرف الكل أنهم سواسية وأن بداية التكوين واحدة، والغاية من خلقهم واحدة.
وفي سياق التفضيل أثنى القرآن الكريم على ملكة سبأ -وهي امرأة- من خلال الثناء على حسن سياستها، وفهمها الرشيد لقضايا الحكم، فيقول عنها: "قالت إن الملوك إذا دخلوا قرية أفسدوها وجعلوا أعزة أهلها أذلة ۖ وكذٰلك يفعلون" (سورة النمل – 34)، وهي مقولة من طراز الحكمة، ولا تعني إلا أساس فكرة التمكين، وضرورة التمكين الذي لا يعني إلا مزيدا من القواعد الحاكمة الرشيدة. كما أنها قصة لامرأة قيادية تحكم شعبا، وقد ذكرها القرآن لأسباب عدة؛ ليس من بينها قطعا تقريع وجودها أعلى السلطة، ما يعني الحاجة الماسة لمزيد من القراءة التأملية.
وتستمر حكاية المرأة بوصفها جزءا أصيلا من حكاية الإنسان، الممكَّن في أرضه، فينص القرآن على قضيتها بين صفحاته. ففي سورة يوسف تعرض لنا من جديد قصة المرأة، حيث يقول عز وجل: "فجاءته إحداهما تمشي على استحياء قالت إن أبي يدعوك ليجزيك أجر ما سقيت لنا"، نقرأ منها ما يعزز مكانة المرأة في المجتمع، ويسند فكرة أساس وجودها المشارك في التعمير والبناء الكوني، فهنا تمشي المرأة بمفردها ليس معها سوى سلاح الحياء والتربية الأصيلة، تعبر شوارع المكان بما فيه من أشواك وعثرات؛ لتوصل بريدا لرجل لا تعرف عنه سوى أنه صنع معروفا.
هذا الأخير (المعروف) الذي يعني -بشكل ما- سبب النزول الإنساني الأرضي، وهو التفسير الطبيعي لعلة التقاء الأنواع. والآية الأخيرة تتحدث عن رؤية أسرة لعلاقة المرأة بالمحيط الخارجي، فالأب لم يقابل بطل الصنيع الخيري، وبالنسبة إليه حينها هو مجهول الاسم والوظيفة؛ لكنه معروف لديه بجميل صنيعه، ولم ينزل عليه وحي يخبره بجلالة قدر يوسف عليه السلام ولا بنبوءته؛ إنما ابنته هي من قابلته، وهي من حكت له مشهد المروءة. بيد أن مسألة التربية لها دور كبير في القضية، فالتربية أساسية في ما يخص التفاعل المجتمعي، فالشخص الذي يخالط المجتمع؛ ليعمر فيه لا بد له من قدر معتبر من التربية الشاملة، كما أن ما يرد من أفعال، وأقوال، وسلوكيات في كتاب الله يستوجب منا اتباعه بالحرف؛ فهو بالنسبة لنا الشعاع الدليل، خارطة طريق، عبرها نعبر إلى ما يجب أن نعبر إليه بيقين التحقيق.
وعلى سير حديث كرامة المرأة وتمكينها هنا في هذه الآية؛ نخلص إلى ما يمكن أن تقدمه المرأة ليس فقط لمجتمعها بل للإنسانية قاطبة: (قالت إحداهما يا أبت استأجره إنّ خير من استأجرت القوي الأمين). فبحكمة جامحة سطرت "المرأة" قاعدة تخص المجال العملي على مداه (قانون العمل)، فوفق قولها؛ العمل المتقن ذو النتائج المرضية لا بد له من صفتين:
أولها: "القوة"، بمعناها الفضفاض والتي منها توفر شروط العمل في الذي سيكلف بالعمل، كالعقل، والتخصص، والصحة بمفهومها العام.
ثانيها: "الأمانة"، فلا يمكن أن يتولى عمل ولا يقوم به إلا من هو أمين يؤتمن؛ لأن الأمين لن يسرق من وقته ولا إتقانه، وبالتالي سنكون قد وضعنا الشخص المناسب في المكان المناسب، وسنستخلف بحق، ونعمر بإحسان.
إذن الرسالة السماوية تخط لنا دور المرأة العظيم وما يمكن أن تقدمه لو مُكّنت؛ فهي أهل للتمكين. كما أنها تبيّن لنا كرامة الإنسان في أصله ذكرا كان أم أنثى، وتنذر بالوعيد من يمس تلك الكرامة بما لا يحمد، والعبادة والتعمير دور على مسؤولية الاثنين (الجنسين).
من داخل بيئتنا المسلمة تشكّل من يعادي المرأة، والحقيقة هي أن مرجع ذلك ومرده إلى جهله وقلة درايته.
هذا الأصل.. أين الإشكالية؟
الخلل أيها القارئ الكريم طارئ فعندما تقدم الزمن بمعشر المسلمين وبدأ يمرح بأشكال متهورة استجدت متغيرات مسّت الكثير من المعاني الراقية والقيم النبيلة، وبدأ يقسو أكثر فأكثر حتى بزغ من تشطط ومن تميّع. وفي الحالتين أساؤوا للمرأة. والمشكل أن الواحد منهم يسيء لها باسم الدين، فيقول بملء فيه "المرأة ليست كالرجل بالمطلق، فهي بدءا ناقصة عقل، ومن ضلع أعوج (يعني بذلك التنقيص والدونية)، وما فائدة تعليمها؟". ثم يقول بحرمة عملها وانصهارها المجتمعي، فمكانها -وفق رأيه- العزلة بين جدران قاسية، ومنها إلى الثرى، ووظيفتها بيولوجية، "بيتوتية" أكثر منها شيء آخر.
وعلى ضوء هذا، تشكل من داخل بيئتنا المسلمة مَن يعادي المرأة. والحقيقة هي أنّ مرجع ذلك ومرده إلى جهله وقلة درايته؛ حتى وصل الحال ببعض هؤلاء إلى البحث عن أية نصوص تطمئن المرأة، وتثلج صدرها، وتشرح قلبها، وتفتح عقلها؛ ليتعرضوا لها بالطعن، ونعتها بالموضوعة، والفرية؛ فأي حديث يجل ويحترم المرأة ويعطيها مكانها المستحق ويسلط الضوء على دورها المنوط بها تمتد إليه ألسنة التجريح غير المصونة، ومن يبثها تتصدى له آلة التبديع والتقريح؛ ليغدو متمردا عاقا.
(الكاتب : زيني محمد لامين /مدرس و ناقد اجتماعي)
2023-09-19