Sidonianews.net
--------
الأخبار : فلسطين - عبد الرحيم الشيخ
«وآخرون عُذِّبوا، ولم يقبلوا النجاة، لكي ينالوا قيامةً أفضل» -الرسالة إلى العبرانيين
لقد أسّس العبور الفلسطيني في 7 تشرين الأول (أكتوبر) 2023، غير المسبوق في تاريخ فلسطين، وما تلاه حتى اللحظة، لبلوغ حافة حدث قيامي بالمعنى الأسطوري والثقافي والتاريخي. وهذه معالجة سريعة تضيء على أبرز ملامح المشهد القيامي الذي تتصدّره الحرب الإبادية التي تشنها «إسرائيل» وحلفاؤها، ويباركها المتواطئون معها والساكتون عنها، لتدمير غزة وإبادة أهلها واستكمال تنفيذ مخطط التطهير العرقي في عموم فلسطين، أو ما يمكن التعبير عنه بكلمتين، هما: «قيامة شمشون». ولعلّ في معجم الحرب ونحوها الذي دُشّن منذ اللحظات الأولى للحدث، من السياسيين والعسكريين الصهاينة وحلفائهم الاستعماريين الغربيين، ما يتيح استدعاء أسطورة شمشون ومقتنيات ترسانة المخيال الديني اليهودي حول «رب الجنود» الغاضب والمنفلت من عقاله على الدوام. كما أنّ الآلة العسكرية والآلية الثقافية التي تشن بهما «إسرائيل» اليوم «حرب وجود» على أرض فلسطين، التي بدأ مشروع استعمارها منذ أكثر من مئة عام، تعزّز المسعى الانتحاري للصهيونية، فكرة وحركة ودولة، الذي تلهمه أسطوريات شمشمون ومسادا وباركوخبا التي تصلح، للمفارقة، أن يتمثَّلها اليوم الفلسطينيون لا الصهاينة.
أسطورياً، بعث صباح 7 تشرين الأول 2023 المخاوف الآسنة في اللاوعي الجمعي الصهيوني من سباتها، والتي يمكن اختزالها في مشهدٍ وثائقي قصير. تتنقَّل الكاميرا، في فيلم آفي مغربي «أنتقم عن واحدة من عيني» بين مسادا التي على البحر الميت وغزة التي على البحر الحي، حيث يعرض مغربي فاشية النظام التعليمي والاجتماعي والعسكري الصهيوني في دولة المستوطنين. ففي انتفاضة الأقصى 2000-2004، يُراوح مغربي بين أسطورة مسادا غير التوراتية وفوق التاريخية (التي تحتل مساحة مشبوهة في كتاب «حروب اليهود» لفلافيوس الكاذب)، وأسطورة شمشون التوراتية وغير التاريخية (التي تحتل مساحة واسعة في «سفر القضاة») وما يمليانه من ممارسات فاشية لجيش الاحتلال الذي تربَّى جنوده وحاضنتهم الاستعمارية في كنف هاتين الأسطورتين. وفي الفيلم مشهد لافت يأتي فيه مستوطنون أشكيناز من «فتية تلال» في الضفة الغربية إلى مغارة صرعة الواقعة على بعد 50 كم إلى الشمال-الشرقي لغزة، القرية المطهرة عرقياً والتي صارت «تسورعا»، حيث أُقيم «قبر شمشون، مسيح جيله، وأبوه منوح». هناك، يعقدون «صُلحة» مع شمشون الذي يعتقدون أن «قبائل يهودا» سلَّمته للعماليق الفلسطينيين. يعتذر المستوطنون البيض من شمشون بالغناء والعربدة، وتعتذر دولة المستوطنين من شمشون بالعسكرة والعربدة. ولكن ما يفوت المستوطنين ودولتهم، وإن نما شعر شمشون وعلت أعلامه في القدس وعموم فلسطين، أنه لم يعد في وسع أحد اليوم قتل ألف من الأعداء بفكّ حمار، ولا إحراق بلادهم بذيول الثعالب المشتعلة، ولا خلع بوابة غزة وحملها إلى الخليل من دون مقاومة... وقد بلغ عدد الفلسطينيين 15 مليوناً. ولكن درس التاريخ يفيد أن هذه الدولة، التي لا تزال تعيش في مغارة شمشون كوحش أعمى، تتحسّس رأسها وهي تحميه بـ«القبعة الحديدية».
أما ثقافياً، فقد أيقظت الصهيونية اليهودية، في صباح 7 تشرين الأول 2023، حاضنتها الاستعمارية في إمبراطوريات الصهيونية المسيحية على صراخ «الخطر الوجودي الأكبر على اليهود منذ المحرقة» و«الخطر الوجودي الأكبر على الأطلسي منذ الحرب العالمية الثانية»! ولم تكتفِ الأخيرة بتجنيد آلة دعايتها الفاشية، بل حشدت آلتها العسكرية، من حاملات الطائرات وجسور الموت الجوية، لإبادة غزة التي تجرأت على قص شعر شمشون وزعزعة جبروته في المنطقة. هنا، التقت نزعة العسكرة الأميركية بنزعة العسكرة «الإسرائيلية»، واستثمر الطرفان، وكلاهما غارق في «تلحيم الذات» في الفترة السابقة للحرب، حالة الاستثناء من القانون في الحرب لارتكاب الإبادة على مرأى العالم ومسمعه، كما يخبرنا جيل النجار في كتابة رسولية سابقة للحدث. وهنا، لم يدع «طوفان الأقصى» مجالاً للشك لدى الصهاينة وحلفائهم أنّ «خيار شمشون»، كما وصفه ليفي أشكول مجازياً، ينبغي أخذه على محمل الجد لأنّ «اليوم الماطر»، الذي تنبأ به شمعون بيرس فعلياً، قد حلَّ. وعلى ذلك، فقد بدأت قوات العدوان الصهيوني-الأطلسي بتنفيذ إبادة منظمة في حق غزة وأهلها مطمئنة إلى سكوت الرسمية العالمية، وتواطؤ الرسمية العربية، وتخاذل الرسمية الفلسطينية.
يفيد درس التاريخ أن هذه الدولة، التي لا تزال تعيش في مغارة شمشون كوحش أعمى، تتحسّس رأسها وهي تحميه بـ«القبعة الحديدية»
وأما تاريخياً، فقد أسهم صباح 7 تشرين الأول 2023، في استدعاء مواد مهارات القراءة منذ «نبوءة دانيال» (القرن الثاني قبل الميلاد) القديمة وحتى «مشروع دانيال» (2003 بعد الميلاد) لـ«قراءة الكتابة على الجدار»، وحشد الآلة العسكرية والتلويح بخيار شمشون في وجه «محور المقاومة» لردعه عن المقاومة وثنيه عن إنقاذ غزة والوعيد بتفعيل «استراتيجية الضاحية» مرفوعة للقوة ألف، لا في بيروت وحدها، بل في عواصم المنطقة! وفي اليوم الأخير من تشرين الأول 2023، وقد قضى من الفلسطينيين قرابة عشرة آلاف شهيد وعشرين ألف جريح ودمرت أكثر من نصف بيوت غزة، تبدو احتمالات «اليوم الماطر» في تصاعد مستمر و«إسرائيل» وحلفاؤها يناورون على حدود غزة لاسترداد شمشون ورفاقه من ربقة الأسر في «عملية برية»، والثأر لما لحق به من عار، حتى لو كلَّف ذلك تدمير الذات والآخرين. لكن السؤال الأكثر إلحاحاً الآن ربما لا يكون «من هو التالي بعد مقاومة غزة» بقدر ما هو «من يلجم شمشون قبل أن يذهب شمالاً؟؛» بعد مسح كل الخطوط الحمراء عن خريطة فلسطين الصغيرة.
وعلى الرغم من أن قوس الحرب ما زال مفتوحاً ومن ضمنه ثمن العبور، إلا أنّ من الواضح أن من استثمروا في «خيار شمشمون»، وإن نجحوا في إيقاظه وحشد حلفائهم الاستعماريين من ضفتَي الأطلسي لمواجهة غزة تحت تهويل «اليوم الماطر» الذي استدعاه «طوفان الأقصى»، سيقترفون كل ما بوسعهم من جرائم لتدمير المعبد الفلسطيني الذي صار بحجم غزة، ولكنهم لن يستطيعوا منع الفلسطينيين من مواصلة جزِّ جدائله التي نمت، وسمل عينيه... من جديد. ولعل في هذه المواجهة القيامية بين فائق القوة الصهيوني وفائض الحق الفلسطيني، في ظل انعدام أي تكافؤ أخلاقي، أيقظت دلالة أكثر خطورة وانتحارية، وهي أنّ «خيار شمشمون» اتسع من التلويح الصهيوني بتفعيل السلاح النووي من قبل «إسرائيل» الاستعمارية، إلى التلويح بـ «إسرائيل» نفسها بوصفها «خيار شمشمون» الإستراتيجي لدى القوى الاستعمارية الغربية ورأس حربتها الأميركية لـ«تربية» المنطقة.
-----------
جريدة صيدونيانيوز.نت
دولة لا تزال تعيش في مغارة شمشون كوحش أعمى؟ | غـ ز ة قيامة شمشون ؟| عبور فلسطينـ ي 7 تشرين الأول 2007
2023-10-31