صيدونيانيوز.نت / أقلام ومقالات /رحمة الله من أعظم نعمه ﴿وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ﴾
إن من أكبر نعم الله تعالى على عباده أنه خلقهم وشرفهم بمنزلة العبودية له، وعرفهم بذاته وصفاته العلية، ومن أولها وأهمها صفة الرحمة، فكان أول ما عرّف به الله تعالى نفسه لعباده بأنه الرحمن الرحيم، وذلك في البسملة التي تكررت في أول كل سورة من سور القرآن الكريم، والتي وردت بنصها في قوله تعالى: ﴿إِنَّهُ مِن سُلَيْمَانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَٰنِ الرَّحِيمِ﴾ [ النمل: 30]، فهو عزوجل الرحيم بخلقه، وهو أرحم بهم من أنفسهم، فلا حدود لرحمته سبحانه، قال تعالى: ﴿وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ﴾ [الأعراف:156].
ولذلك توجه إليه جميع عباده بطلب الرحمة والمغفرة والإحسان والكرم، وخاطبوه بهذه الصفة، وناشدوه بهذا الاسم الفضيل الذي سمّى به نفسه، وأولهم الأنبياء، فدعا موسى عليه السلام ربه قائلاً: ﴿رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِأَخِي وَأَدْخِلْنَا فِي رَحْمَتِكَ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ﴾ [الأعراف:151]، وأيوب عليه السلام استغاث ربه فرفع إليه حاجته وسأله أن يرفع البلاء عنه فقال: ﴿وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ﴾ [الأنبياء:83]. فجاءت استجابة الرحمن الرحيم بما يليق بسعة رحمته وكرمه، قال تعالى: ﴿فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِنْ ضُرٍّ وَآَتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَذِكْرَى لِلْعَابِدِينَ﴾ [الأنبياء:84].
ورحمته عز وجل وسعت كل شيء، فيعطي ويغدق على جميع خلقه، برّهم وفاجرهم، مسلمهم وكافرهم، فما من أحد من خلق الله إلا ويتقلب في رحمة الله في الحياة الدنيا، قال سبحانه: ﴿كُلًّا نُّمِدُّ هَٰؤُلَاءِ وَهَٰؤُلَاءِ مِنْ عَطَاءِ رَبِّكَ ۚ وَمَا كَانَ عَطَاءُ رَبِّكَ مَحْظُورًا﴾[ سورة الإسراء: 20]، أما في الآخرة فرحمة الله تعالى خاصةٌ بالمؤمنين دون غيرهم، قال تعالى: ﴿وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ ۚ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالَّذِينَ هُم بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ﴾ [الأعراف:156]....
ومن أولى وأعظم مظاهر رحمة الله تعالى أن أنعم عليهم بالإسلام وهداهم إليه بإنزال للقرآن الكريم على النبي الأمّي الأمين صلى الله عليه وسلم، قال سبحانه: ﴿الرَّحْمَنُ * عَلَّمَ الْقُرْآنَ * خَلَقَ الإنسَانَ * عَلَّمَهُ الْبَيَانَ﴾ [الرحمن: 1-4]. ولعظم صفة الرحمة في ذات الله عز وجل، ولأنه سبحانه رحمن رحيم، فقد وصف رسالة النبي الخاتم صلى الله عليه وسلم بالرحمة المهداة للناس أجمعين، قال سبحانه: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ﴾ [الأنبياء: 107]. وقال أيضاً: ﴿لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ﴾ [التوبة: 128].
فعلى عباد الله أن يعلموا أن بابه تعالى مفتوح ليس عليه حاجب وليس دونه مانع، وكرمه واسع لا حدود له، فالسعيد من تاب وأناب إلى ربه في كل حين، وسأله المغفرة والرحمة، والشقي من غفل عن دعاء الله تعالى والإقبال عليه، فضيع عمره في الملذات والشهوات، وأكثر من المعاصي فاغترّ بنفسه واتبع هواه. وعلى المسلم أن لا يغتر بسعة رحمة الله فيبارز الله بالمعاصي دون خوف أو خشية، وإنما منهج المسلم التوازن بين الرجاء والخوف، فالمسلم يرجو رحمة الله بعد أن يؤدي ما عليه من الطاعات والعبادات، قال تعالى: ﴿ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ ﴾ [آل عمران: 132].
2024-06-04