Sidonianews.net
-----------------------
الجمهورية / طوني عيسى
أوحى بنيامين نتنياهو وأركان فريقه العسكري، بأنّهم في صدد إعطاء الأوامر للجيش بالانطلاق في عملية عسكرية كبرى في الجنوب اللبناني. لكن هذا التهديد ليس جديداً من نوعه. وعلى مدى 11 شهراً مضت، اعتاد الإسرائيليون تحديد ساعات الصفر للهجوم على لبنان، لكنهم لم يفعلوا. واليوم، لا شيء يوحي بجدّية تهديدهم الأخير. والأرجح، أنّ نتنياهو يفضّل إيصال الرسائل السياسية إلى قادة "حزب الله"... لا الصواريخ!
الهدف الاستراتيجي الوحيد الذي تريد إسرائيل تحقيقه اليوم هو التخلّص تماماً من "عبء" غزة والضفة الغربية، وإحداث تغيير عميق في واقع الملف الفلسطيني. وتحديداً، هي تسعى إلى إخضاع "حماس" تماماً، بعد تدمير غزة وتهجيرها جزئياً وتسليمها إلى إدارة محلية "غير معادية" لإسرائيل. وكذلك، بدأت قبل أسابيع، في الضفة الغربية، تنفيذ الفصل الثاني من المخطّط، وهو يقضي بإنهاء مفاعيل اتفاق أوسلو، وتغيير الواقع الجغرافي والديموغرافي هناك، بحيث يتمّ تهجير قسم من الفلسطينيين إلى الأردن عبر معبر اللنبي الذي شهد قبل يومَين اشتباكاً مثيراً للجدل أوقع 3 قتلى في صفوف الجيش الإسرائيلي. وتجد إسرائيل في هذا الحادث مبرّراً للمضي في خطواتها التالية هناك، على غرار المبرّرات التي أوجدتها واستعانت بها للمضي في تنفيذ خطواتها في غزة.
بالنسبة إلى حكومة إسرائيل، الملف الفلسطيني وحده يشكّل هدفاً استراتيجياً في هذه المرحلة، وأمّا الملفات الأخرى فتُعتبر كلها ثانوية ويمكن تأجيلها، بما في ذلك ملف الجبهة الشمالية مع لبنان. ولذلك، مدّدت الحكومة الإسرائيلية عاماً آخر لإقامة سكان هذه المنطقة في مناطق نزوحهم، ما يمنحها متسعاً من الوقت لحل الأزمة هناك، من دون المغامرة بتكبّد خسائر بشرية.
هذا يعني أنّ التهديدات المتلاحقة التي يطلقها أركان حكومة نتنياهو بتنفيذ عملية عسكرية وشيكة في لبنان يُراد منها التهويل لا أكثر. والأرجح أنّها تهدف إلى تحقيق هدفَين:
1- ممارسة الضغط المعنوي والنفسي على الجانب اللبناني، وتحديداً على "حزب الله" وبيئته السكانية، في محاولة للحدّ من اندفاعه العسكري لإشعال الجبهة الشمالية دعماً لغزة.
2- رفع السقف عسكرياً في وجه "الحزب" وفرض معادلة رعب ميدانية تكون لمصلحة إسرائيل، ويُراد منها أن تظلّل أي جولة محادثات جديدة يحضّر لها الأميركيّون عبر الوسيط عاموس هوكشتاين.
3- توجيه رسالة إلى إدارة الرئيس جو بايدن، هدفها التشويش وقطع الطريق على أي تقارب قد تسعى الإدارة إلى تحقيقه مع طهران، وتسجيل إنجاز سياسي في الشرق الأوسط، عشية الانتخابات الرئاسية الأميركية، في محاولة لدعم حظوظ المرشحة الديموقراطية كامالا هاريس. وهذا التقارب الأميركي-الإيراني، إذا تحقق، سيترك مفاعيله على الملفات الإقليمية ذات الصلة، من لبنان إلى اليمن فبغداد، حيث ظهرت ملامح التقارب، قبل أيام، بالاتفاق على انسحاب القوات الأميركية من هناك.
إذاً، ما يريده الإسرائيليّون في جنوب لبنان ليس "الحرب الكبرى". وتكفيهم "الحرب الصغرى" التي يصرّ عليها "حزب الله" دعماً لـ"حماس" في غزة، فهي كفيلة بتحقيق الهدف المراد في الجنوب اللبناني، أي إنشاء المنطقة العازلة، منعاً لتكرار عملية "طوفان الأقصى"، على يد "حزب الله" في أي لحظة في المستقبل.
قادة الحرب في إسرائيل كانوا قد هدّدوا بتحقيق هذا الهدف في أقرب ما يمكن، إمّا بإقناع "الحزب" ديبلوماسياً، وإمّا بفرض الأمر عن طريق ضربة عسكرية كبرى. لكنّ المرجّح هو أنّ إسرائيل اختارت طريقاً ثالثاً لم تعلن عنه، وهو تكريس المنطقة العازلة في الجنوب اللبناني بقوة الأمر الواقع العسكري "الروتيني".
فيوماً بعد يوم، يواصل الجيش الإسرائيلي عملية التدمير الممنهجة في القرى الحدودية. ويقدَّر عدد المنازل المدمّرة هناك بنحو 4 آلاف، خلال الأشهر الـ11 الفائتة. وهذا يعني أنّ استمرار القتال على هذا المنوال في تلك المنطقة أشهراً إضافية، ربطاً بالحرب المستمرة في غزة والضفة الغربية، ستؤدّي عملياً إلى نشوء منطقة حدودية، بعمق معيّن، غير قابلة للحياة. وبذلك، سترتسم المنطقة العازلة على الأرض كأمر واقع، وسيكون سهلاً تكريسها في أي اتفاق يتمّ التوصل إليه لاحقاً، لأنّها تشكّل أساساً لقرار مجلس الأمن الدولي 1701.
وحتى الآن، لم يجرؤ أي طرف على إعلان رفضه الصريح لهذا القرار. وحتى القوى الإقليمية والدولية، الغربية والشرقية، ما زالت تعتبر أنّ لا بديل من هذا الاتفاق لصيانة الأمن في الجنوب اللبناني. ولذلك، هو سيبقى الركيزة لأيّ تسوية مقبلة، سواء ببنوده الحالية أو بعد إدخال تعديلات تراعي المتطلبّات التي استجدت منذ صدوره في العام 2006.
لكن، ليس في إسرائيل ما يوحي باستعدادها للانخراط في مغامرة عسكرية كبرى في لبنان، خصوصاً أنّ واشنطن أبلغت الإسرائيليّين رفضها القاطع لهذه المغامرة. كما أنّ حكومة نتنياهو التي اختبرت قساوة المواجهة مع "حماس" في غزة المحاصرة، على مدى 11 شهراً، تدرك أنّ المواجهة مع "حزب الله" في الجنوب اللبناني ستكون أشدّ قساوة وأعلى كلفة بكثير. وفي أي حال، لا تجد إسرائيل نفسها مضطرة إلى خوض هذه المغامرة المكلفة، ما دامت قادرة على تحقيق الهدف، أي إنشاء المنطقة العازلة في الجنوب، بشكل تلقائي، من خلال حرب الاستنزاف الجارية، والتي لا يبدو لها أي أفق زمني، لا بعد أشهر ولا حتى سنوات، إذا أصرّ "حزب الله" على ارتباطها الحتمي بالحروب المفتوحة التي بدأت بغزة وجرفت الضفة الغربية في طريقها. وحتى ذلك الحين، سيطلق الإسرائيليّون الكثير من التهديد والوعيد باجتياح جنوب لبنان، أو بتوسيع الحرب شمالاً لتشمل مناطق في العمق، كما جرى في حرب تموز 2006، لكنّهم في الواقع سيراهنون على الوقت لتحقيق الهدف الهامشي على الجبهة اللبنانية، فيما سيقاتلون بكل قواهم لتنفيذ الهدف الاستراتيجي في غزة والضفة الغربية.
-----------------------------
جريدة صيدونيانيوز.نت / اخبار لبنان / الحرب الكبرى لن تقع
2024-09-11