صيدونيانيوز.نت/ أقلام ومفالات / أدر مواقفك بحكمة
أنت الآن تصوغ حكايتك في هذه الحياة، وكاميرا التصوير توثق مسيرتك وتلتقط فيلمك الخاصّ، فالضوء الأخضر مُفعّل؛ فلمَ لا تبتسم؟ ابتسم وأدر مواقفك بحكمة.. للأسف، ليس أمامك إلا حياة واحدة، فاجتهد لتتألق بها وتتميز فيها، لتشع وهجًا ونضارة وأناقة.
شاشة الكاميرا تتكون من عدة بكسلات صغيرة تكوّن الصور والمشاهد، أما فيلم حياتك فعبارة عن عدة مواقف.. سلط الضوء على كل موقف بحياد ودقة، وابرع في تقديم الحكاية، واعلم أن الأواني الفارغة تحدث ضجة أكبر من الأواني الممتلئة، فليس الاعتبار بمقدار الضجيج الذي تحدثه حياتك، بل بما تحتوي من مواقف مليئة بالحكم والجواهر.
ضع أصابع يدك على معزوفات الواقع، ولنتدارس النوتة الواقعية باهتمام، لو انتشلك زائر الرحلة الأبدية وانقطع عملك من هذه الحياة، ما هي الإنجازات التي قدمتها؟ أأنت راضٍ عن حياتك، أم تحتاج لمزيد جهد لتنحت تمثال عطائك؟
لو دققت النظر في فصول حياتك فستجد فراغات لم تملأها بالشكل الجيد، وإليك الحكاية لتتضح لك الصورة.
وقف دكتور جامعي أمام طلابه ووضع كرات البلياردو في وعاء فارغ، وقال: هل امتلأ الوعاء؟ قالوا جميعًا: نعم.. فأخرج لهم كيس حصى صغيرة وملأ فراغات الوعاء وقال: هل امتلأ الوعاء؟ قال الجميع: نعم؛ فأخرج لهم كيس رمل وملأ الفراغات في الوعاء، وقال: هل امتلأ الوعاء؟ قالوا: نعم.. ثم أخذ قارورة ماء، وسكبها في الوعاء ليسد الفراغات المتبقية!
إن هذه التجربة البسيطة تحثنا على دراسة أوقاتنا بعناية، لنعرف هل شغلناها فعلًا بالتدابير الصحيحة وبالترتيب الأصح؟ لماذا لا نتفكر في خطة العمل، ونعيد ترتيبها بدءًا بالأهم فالمهم، ثم نشغل وقت الفراغ بما هو مناسب؟ علينا مكافحة إهدار الدقائق المهملة، فهي أثمن رأس مال لدينا، علينا أن نعيد التفكير في إدارة أوقاتنا ومواقفنا الحياتية من أجل التصحيح للأفضل.
يُحكى أن صيادًا كان يلقي بالسمك الكبير في البحر ويحتفظ بالسمك الصغير!. هذه الظاهرة أثارت بعض المشاهدين، فلمّا ألقى عليه السؤال أحدهم مستفهمًا، كانت المفاجأة في إجابته العصماء، وهي أنّ المقلاة التي في حيازته لا تتسع إلا للحجم الصغير من السمك!
هذه الحكاية الطريفة تكشف عن سذاجة البعض، ولكن ألا نقع نحن في ذات المطب، وفي أمثال هذه الفخاخ بصورة مختلفة؟ لماذا لا نوفر لنا مُخْرجًا ينتقد المشاهد اليومية التي نعيشها قبل انقضاء الفيلم الذي نصوّره؟
حياتنا لا تزال مستمرة، وعدسة التصوير لا تزال ترصد العيوب المستدامة، فإذا أنفنا انتقادات الغير، فلنحذر التعجل والارتجال، ولنحسب المكاسب والخسائر قبل تنفيذ القرارات حتى لا تتوغل الكارثة
قد يكون النقد الذي ننزعج منه كثيرًا بناء . فهو قد يميط اللثام لنا عن بعض عيوبنا، وقد نفيق على مواقف قاتلة نمارسها بشكل دوري، الملاحظات الأخوية نحتاجها بشكل مستدام لكونها تمثل دور صاعق الإفاقة.
من هنا جاء دور أهمية إعادة التفكير في إدارة المواقف؛ ردود أفعالنا قد تكون خاطئة أحيانًا، وبعض العادات التي نمارسها قد تحتاج لتمحيص، فلماذا لا نُخضع الأفعال للنقد؟ يتحسس البعض من تدخل الغير بشؤونه رغم أن هذا التدخل قد يكون أحيانا قارب الإنقاذ وطوق السلامة، فلماذا لا نتشبث بحزام الأمان؟ وتحضرهنا سورة العصر حيث يقول تعالى (إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ )(سورة العصر / 3)
لقد قيل في الحكم: "هلك من ليس له حكيم يرشده"؛ وكثير منا هالك لفقدان هذا الحكيم المرشد.. كثيرًا ما يكون دور الصديق كشف العيوب، إلا أنّ الصداقات بدأت تتقلص عدديًّا، وغالبًا ما نفضل أن يلزم هذا الصديق قفص زنزانته ليبقى هو الصديق الصدوق الذي نهواه، لهذا عليه ألا يتخطى حدودنا الجغرافية ومجالنا الجوي، حتى هذا الصديق المخلص بدأ يلجم نفسه بلجام السكوت كي لا نتحفه بلقب معلب جاهز، مثل: متطفل، حشري.. وتطول القائمة.
والسؤال الجوهري الذي نطرحه: كيف لنا أن نكتشف الأخطاء العميقة دون أن توضع تحت مجهر التدقيق والفحص؟
2024-12-31