جريدة صيدونيانيوز.نت / تحصنوا بالأوفياء!

صيدونيانيوز.نت / أقلام ومقالات / تحصنوا بالأوفياء!

في زماننا هذا، حيث تسهل بعثرة الحقائق وخلطها بالأكاذيب والألاعيب، كثيرون منا يختلط عليهم الأمر ولا يميزون الخبيث من الطيب، ليس لسوء منا، ولكن لأن من لا يملك الشر لا يدركه.

لقد فطرنا الله على الإحسان وحسن الظن بالناس والأشياء، لا ننجرف نحو الإثم وسوء الظن إلا بعد سوء التجربة، وعندما ينفد الصبر ويتحول الحِلم على الظالمين إلى لعنات، فيصير العقل لقمة سائغة بين فكي المخاوف، ونبتاع سوء الظن ظنًّا منا أنه الحيطة.

 تسرد إحداهن في ألم كيف وثقت بقريبة لها غدرت بها طول الوقت، وكيف أساءت الظن بصديقة نبهتها لمخاطر ما كانت ستُقدم عليه، وبعد أعوام عادت لتكتشف أنها رأت الأمور في عكس نصابها حرفيًّا، ومن ظنته موسى كان فرعون، يرغب في خيبة أملها وكسر قلبها ودمار حياتها.

تقول الراوية في شكواها إنه قد عضها الندم، فأرادت الاعتذار بسبب سوء ظنها وشر ما فعلته بصديقتها المخلصة، وكان الوقت قد فات عن أن تعود المياه لمجاريها وتعود الفتاتان صديقتين من جديد.. كان من العرفان منها أنها أصرت على الاعتذار رغم عدم حتمية النتائج.

الحياة لا تعطي فرصًا ثانية أحيانًا، فلنستمسك بالأوفياء ولنتحصن بمحبتهم من إثم الغادرين.. الغدر من أحط أنواع الخيانة، والخيانة أنواع؛ النذالة درب من الخيانة، والترك درب آخر، والغدر أدناها قدرًا.

النذل يختار نفسه خوفًا، والتارك يختار نفسه طمعًا، أما الغادر فيختار نفسه حقدًا وانتقامًا، لذا كانت عقوبة الغادر في الدنيا أن يحبط عمله، وفي الآخرة الذل والفضيحة. قال تعالى: {ولا يحيق المكر السيئ إلا بأهله}؛ وعن ‌ابن عمر، رضي الله عنهما، عن النبي، صلى الله عليه وسلم، قال: "الغادر يُرفع له لواء يوم القيامة، يقال: هذه غدرة فلان بن فلان".

إن ابتُلي المرء منا بالغدر والغادرين، فليحسن الظن وليدعُ  لنفسه وللناس بالهدى والعفو من الله، ورحمته تعالى وسعت كل شيء

ومن ناحية أخرى، نجد في قصص السيرة النبوية منهاجًا للتعامل في مواقف استرداد الثقة وغفران زلة المكر بالآخرين أو تغفيلهم.. ليست كل الحالات سواء؛ هناك من تجاوز النبي صلى الله عليه وسلم عن عثرتهم ببركة صدق فعل طيب، وهذا من باب "إن الحسنات يذهبن السيئات".

من أشهر هذه القصص قصة حاطب بن أبي بلتعة، إذ وجدوا مكتوبًا منه يخبر فيه أهل مكة ببعض أمر النبي (صلى الله عليه وسلم)، فسأله: "يا حاطب ما هذا؟"، قال: يا رسول الله لا تعجل عليَّ، إني كنت امرأ ملصقًا في قريش ولم أكن من أنفسها، وكان من معك من المهاجرين لهم قرابات بمكة يحمون بها أهليهم وأموالهم، فأحببت إذ فاتني ذلك من النسب فيهم أن أتخذ عندهم يدًا يحمون بها قرابتي، وما فعلت كفرًا ولا ارتدادًا ولا رضًا بالكفر بعد الإسلام.. فقال رسول الله: "لقد صدقكم". قال عمر: يا رسول الله دعني أضرب عنق هذا المنافق، قال: "إنه قد شهد بدرًا، وما يدريك لعل الله أن يكون قد اطلع على أهل بدر فقال: اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم.

إن ابتُلي المرء منا بالغدر والغادرين، فليحسن الظن وليدعُ  لنفسه وللناس بالهدى والعفو من الله، ورحمته تعالى وسعت كل شيء. وندعو الله بتقواه في نفوس عباده، وليسع المرء دومًا أن يعظم قدر الله، فلا ينسى أن الجبار العادل يُضمد بالجبر ما ضُيع من الحقوق، وما يحدث في ملك الله يمر بأقدار الله، وحدث وكان ليحدث ليعلمنا درسًا، أو ليمحو الله به ذنبًا، أو يرفع به قدرًا، أو تكون مثوبة من الله دون شِق عبادة.

ولنتفقد الطيبين: الطيبين في أفعالهم، الطيبين في مجملهم، الذاكرين للطيبات، العافين عن الزلات، من جادوا بالستر على الناس، استأمنوا الله فأمنهم، وتوكلوا على الله فكان حسبهم ووكيلهم. ومن وجد من أخيه ودًا فليتمسك به.

الكاتب / شامة عمران

 

2025-01-02

دلالات: