Sidonianews.net
---------------------
الجمهورية / جوني منير
أيامٌ قليلة وتنتهي الفترة الإنتقالية التي تعيشها الولايات المتحدة الأميركية ويدخل دونالد ترامب إلى البيت الأبيض إيذاناً ببدء ولايته الثانية، وحيث يضع الملف الإيراني وأزمة الشرق الأوسط في أولوية تحرّكه الخارجي. أما على مستوى إيران، فهنالك حسابات كثيرة ومعقّدة تخضع لقراءات مختلفة حيال طريقة التعاطي مع المرحلة المقبلة بعد الضربات الصاعقة التي تلقاه مشروعها الإقليمي الذي عملت على بنائه طوال العقود الماضية والذي كلّفها كثيراً.
ففي العواصم الغربية المتابعة والمتخصصة بالشأن الإيراني، هنالك اقتناع بأنّ نقاشاً حاداً وغير معلن يدور في مواقع السلطة في طهران، حول أي استراتيجية يجب اعتمادها في الشرق الأوسط للمرحلة المقبلة، بعد النتائج التي شهدتها ساحات غزة ولبنان وخسارة سوريا. وتتصدّر هذه النقاشات الأزمة الإقتصادية التي تثقل كاهل الإيرانيين، والتي تزداد تفاقماً يوماً بعد يوم.
وفيما يتمسك أنصار التيار المتشدّد (وعلى رأسه الحرس الثوري) بضرورة عدم التسليم بالنتائج التي حصلت، كون ذلك سيعني إقراراً إيرانياً بانتهاء الدور الإقليمي المؤثر لإيران والتمهيد لنقل المعركة إلى الداخل الإيراني من بوابة الملف النووي، فإنّ تياراً آخر داخل جناح المحافظين، ومعه معظم التيار الإصلاحي، يرى أنّ الظروف الدولية لا تلعب لمصلحة إيران، كما أنّ العمل على إعادة بناء منظومة إقليمية مؤثرة وفاعلة ستكون مكلفة جداً، في وقت يعاني فيه الإقتصاد الإيراني من أزمة خانقة تتفاقم يوماً بعد يوم بسبب العقوبات المرشحة لأن تشتد، إضافة إلى فقدان الممر البري السوري الإستراتيجي. ويعتبر أصحاب هذا الإتجاه أنّه حتى ولو تمّ تجاوز العقبات الإقتصادية واللوجستية إلّا أنّ أي فوائد لن تظهر على المديين القريب والمتوسط بسبب الوقت الذي سيتطلبه مشروع إعادة ترميم القدرة العسكرية.
ووفق الأوساط نفسها، فإنّ المعضلة المستعصية التي تثقل كاهل المسؤولين الإيرانيين تتركز حول طريقة مواجهة الإدارة الأميركية المقبلة، والتي تحدث ترامب بصراحة عن نياته تجاه سياسة إيران في الشرق الأوسط. لكن السؤال الذي يشغل بال طهران يتركّز حول مستقبل حركتي «حماس» و»الجهاد الإسلامي» وخصوصاً «حزب الله»، إضافة إلى مجموعات أخرى تدور في فلكها.
والمشكلة لا تنحصر فقط بالتحدّي الأميركي المقبل، بل خصوصاً بتعاظم نفوذ تركيا في المنطقة على حساب الدور الإيراني. ذلك أنّ الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الذي سارع لمدّ نفوذه في اتجاه دمشق ومن دون «مراعاة» علاقته بطهران، إنما أظهر أنّه يرى في التبّدلات الحاصلة فرصاً تاريخية لا يجب إهدارها. وعلى أهمية موقع سوريا الجغرافي. إلّا أنّ نفوذ أردوغان تمدّد سريعاً في اتجاه فلسطين، حيث باتت قيادة حركة «حماس» تفضّل التواصل مع أنقرة أكثر منه مع طهران للأسباب المعروفة. ويعتقد مراقبون غربيون أنّ أردوغان سيعمل على تعبيد طريقه في اتجاه غزة والضفة الغربية حال انتهاء الحرب القائمة. وهو ما يعني إخراج ما تبقّى من نفوذ إيراني على الساحة الفلسطينية لمصلحة دخول تركي من الباب الواسع، وما سيلي ذلك من تأثير على مجموعات «الإخوان المسلمين» في الساحات العربية، والتي كانت إيران تحلم بإمساك عواصم عربية من عنقها من خلال التنظيمات الإسلامية.
وهو ما يعني أنّ التحدّي المباشر أصبح مع تركيا، والتي أصبحت مؤهلة للتغلغل في الساحة السنّية في لبنان، مع ما يعني ذلك من انعكاسات على «حزب الله» الجريح. ومن هنا يمكن ملاحظة الهجمات السياسية شبه اليومية لسياسيين إيرانيين ضدّ تركيا، وحيث يصفون أردوغان بأنّه صاحب طموحات عثمانية. ومن الطبيعي أن تبدي إيران قلقها من تدشين تركيا لمحطة تلفزيونية ناطقة باللغة الفارسية، وحيث اعتبرت هذا العمل بمثابة إعلان حرب.
ولا شك أنّ موازين النزاع الإقليمي الجديد لا تلعب في مصلحة إيران. فالإقتصاد التركي أصبح أكبر بنحو ثلاث مرّات من الإقتصاد الإيراني، وهو أكثر حداثة منه، ويحمل فرصاً واعدة بعكس اقتصاد إيران الذي يواجه احتمالات تضييق ادارة ترامب عليه أكثر. كذلك فإنّ واقع القوة العسكرية التركية أفضل من واقع الجيش الإيراني. أضف إلى ذلك أنّ حساسية الدول العربية وخصوصاً الخليجية تجاه تركيا، أقل منها تجاه إيران. وهنا لا يجب إغفال الرسالة الأميركية الصارمة تجاه طهران من خلال تسريب خبر حول نقاش يجريه الرئيس الأميركي جو بايدن يتعلق بضرب المنشآت النووية الإيرانية. وانطلاقاً من هنا، يرى الجناح المناهض للحرس الثوري وجوب التراجع عن سياسة «الدفاع المتقدّم» والمعمول بها منذ عقود، أو على الأقل إعادة النظر فيها. ولكن المواقف الصادرة عن المرشد خامنئي تبدو أكثر ميلاً في اتجاه الفريق المتشدّد، أي بوجوب عدم التسليم بالنتائج الميدانية التي تمخضت حتى الآن، وضرورة البحث عن طريقة استعادة بعض التوازن الإقليمي. ويركّز خامنئي على محورين: الأول توظيف دور الحوثيين في اليمن إلى الحدّ الأقصى الممكن، والثاني إعادة مدّ «حزب الله» بأكبر مقدار ممكن من الأوكسجين.
أما على الضفة الأميركية، فإنّ الدوائر المعنية في واشنطن تبدو حذرة وأكثر تحفظاً، على رغم من اندفاع ترامب في إطلاق تحذيراته بنحو دائم. البعض عزا هذا التحفظ إلى الواقعية، أما البعض الآخر فرأى فيه واقعاً طبيعياً بسبب ظروف المرحلة الإنتقالية، والتي سرعان ما ستصبح أكثر وضوحاً بعد تسلّم ترامب صلاحياته، وذلك لاعتباره أنّ التبدلات التي حصلت تُعتبر فرصاً مؤاتية لا يمكن رميها جانباً. وأشارت إلى قرار البيت الأبيض ببيع إسرائيل أسلحة وذخائر بقيمة 8 مليارات من الدولارات، وهو ما يؤشر إلى مهمات عسكرية قد يتولاها الجيش الإسرائيلي قريباً.
ومن المتعارف عليه أنّ دونالد ترامب الشخصية الأكثر جدلية على المستوى الدولي، مولع بكسر المألوف. لكن هنالك مطبات تنتظره، منها على سبيل المثال ارتفاع احتمالات تفسخ حكومة بنيامين نتنياهو وسقوطها بسبب مشاريع وقف النار في غزة. فالحكومة الإسرائيلية اليمينية استنفدت دورها على ما يبدو. وهنالك توقعات حول نزاعات قد لا تتأخّر في الظهور بين ترامب ونتنياهو، لكن ليس قبل حسم ملف النفوذ الإيراني. ووفق ما تمّ تسريبه فإنّ فريق ترامب للشرق الأوسط سيرتكز على خمسة أشخاص هم:
ـ مسعد بولس، كبير مستشاري ترامب للشؤون العربية، ولا سيما منها اللبنانية. صحيح أنّه التقى رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس، لكنه يبدو أكثر معرفة بالملف اللبناني، ما يعطيه أفضلية.
ـ ستيف ويتكوف، المحامي المؤيّد بقوة لإسرائيل، والذي نجح في جمع تبرعات كبيرة لحملة ترامب من أثرياء يهود. لديه علاقات قوية بقطر والإمارات.
ـ مايكل هاكابي، وهو المرشح لأن يكون السفير الأميركي المقبل في إسرائيل. إنجيلي ومؤيد بشدة لإسرائيل ولإقامة المستوطنات.
ـ آدام بوهلر، والذي سيكون المبعوث الخاص لترامب لشؤون الرهائن، وسيتولّى ملف المفاوضات لإطلاق الأسرى الأميركيين لدى «حماس»، وهو عمل على تحقيق «إتفاقيات إبراهيم».
تفنيد خرافات الزواج: ما الذي يجعل العلاقات ناجحة حقاً
هذا الفريق يؤشر إلى أنّ انطلاقة ولاية ترامب الثانية ستكون صعبة في اتجاه إيران. ومن هذه الزاوية يجب قراءة ملف الإستحقاق الرئاسي اللبناني. واستتباعاً لا يجب إخضاع لبنان لتجربة جديدة قاسية من بوابة الإنتخابات الرئاسية. فالمسألة لها علاقة بإعادة رسم خريطة النفوذ وليس بالبحث عن مكتسبات ضيّقة. ومع عودة السفيرة الأميركية ليزا جونسون من إجازتها الطويلة، سعى البعض لاقتناص اسم تزكّيه واشنطن للرئاسة اللبنانية. لكن جونسون بقيت على المواصفات المعروفة ومن دون الدخول في بازار الأسماء «واللبيب من الإشارة يفهم». وهي اكتفت بالقول: «هذا الإستحقاق يعتمد عليكم كلبنانيين». ثم تستدرك بالقول: «ألا تريدون إنقاذ بلدكم؟».
وقد يستنتج البعض أنّ عزوف وزير الخارجية السعودي عن ترؤس الوفد السعودي إلى لبنان مؤشر سلبي، وقد يكون عدم اطمئنان لمرونة كان يتوقعها.
ووصل إلى العواصم المعنية أنّ الثنائي الشيعي يحمل شروطاً ثلاثة للتعاون في الملف الرئاسي وهي: صندوق إعادة الإعمار و»الثلث المعطل» في الحكومات ووزارة المال.
والسعودية المستعدة للمساهمة في إعادة الإعمار تريد من حيث المبدأ الإمساك في شكل شفاف بالصندوق لعدم تكرار ما حصل من فساد سابقاً، وتريد أيضاً واقعاً سياسياً واضحاً يضمن عدم تكرار مخاطر اندلاع الحروب.
أما بالنسبة إلى شرطي أكثرية الثلثين ووزارات مكرّسة لفريق معين مثل وزارتي المال والطاقة، فإنّ واشنطن ليست في هذا الوارد بتاتاً، ولذلك ربما تفضّل عدم الدخول المباشر في ملف الإستحقاق الرئاسي، وهي التي باتت تعرف جيداً كيف يمتهن أطراف الطبقة السياسية اللبنانية لعبة «التشاطر» للحفاظ على مكاسبهم داخل «جنة السلطة». لكن لعبة شدّ الحبال في المنطقة، والتي تعود إلى لبنان من باب ملف الرئاسة قد تصبح أكثر خطورة في المستقبل القريب. فالواقع الجنوبي ينبئ بذلك، وكذلك الواقع المستجد عند الحدود مع سوريا، ما يعني أنّ المفاجآت الأمنية قد تصبح واردة. وفي المقابل هنالك من يكرّر أخطاءه ويفكر بتهور مجنون، وبأنّ الظروف تعمل لمصلحة شخصه لا لمصلحة المعادلة العريضة، والفارق كبير لا بل كبير جداً.
ويردّد أحد سفراء الخماسية أنّه عندما يقرأ مواقف معظم رجالات الطبقة السياسية اللبنانية يشعر بأنّ للبنان رجالات دولة من الطراز الرفيع، ولكنه عندما يلتقي بهم يلمس أنّ هؤلاء لا يسعون سوى للبحث عن مصالحهم الشخصية والضيّقة. ولا حاجة للتعليق.
-------------------------
جريدة صيدونيانيوز.نت / اخبار لبنان / المفاجآت الأمنية واردة
2025-01-06