Sidonianews.net
-----------------------
الجمهورية / جورج شاهين
توقفت مراجع سياسية وديبلوماسية أمام إعلان الأمن العام السوري في طرطوس عن إحباط عملية تهريب أسلحة وصواريخ إلى لبنان عبر معابر غير شرعية، ورأت فيها خطوة جريئة توحي بالتزام السلطات السورية الجديدة بمضمون القرارات الدولية التي حظّرت نقل الأسلحة والممنوعات بين البلدين، ومؤشراً مهمّاً إلى ما يمكن ان ينتهي إليه التعاون بين السلطتين الشرعيتين. وهو أمر لا يمكن تجاهله عند ربطه بالمستجدات في المنطقة. فلا تقف الامور عند العلاقات البينية. وهذه هي المؤشرات الدالة.
لم يكن إعلان الجانب السوري عن إحباط عملية نقل كميات من الأسلحة والصواريخ قبل يومين، فيما كانت إحدى المجموعات المسلحة تحاول نقلها عبر أحد المعابر غير الشرعية على الحدود الشمالية مع لبنان، الحدث الوحيد من نوعه في الفترة الأخيرة. فما بين مجموعة المحاولات التي أحبطها الجيش اللبناني ووحدات الحدود ورجال الجمارك السوريون، تعدّدت أنواع الاسلحة التي تمّت مصادرتها ومعها اعتقال مجموعات من المهرّبين والمقاتلين السابقين الذين امضوا سنوات عدة على الاراضي السورية، وآن أوان عودتهم إلى لبنان بعدما أمضوا اسابيع عدة تلت السيطرة على سوريا في الغابات والأودية المنتشرة في المنطقة، حتى إنّ إحداها كانت تأوي في مغاور ومراكز محفورة تحت الارض، وتمتلك قوت يومها من مأكل ومشرب لأشهر عدة، كما قال أحد التقارير الأمنية التي تمّ تبادلها وتفنيدها في الاجتماعات التي جمعت مسؤولين من البلدين، قبل ان تنتهي الاستعدادات السورية لإحياء وحدات الحدود والهجّانة المكلّفة حماية الحدود في محيط المعابر غير الشرعية ورجال الجمارك والأمن العام المكلّفين إدارة المعابر.
وعليه، قالت مصادر سياسية وأمنية، إنّ اللقاءات الأخيرة التي جمعت مسؤولي المعابر بين البلدين انتهت إلى ترتيبات استثنائية لإنهاء المواجهة المفتوحة بين وحدات الجيش ومجموعات من العصابات التي امتهنت تهريب البضائع والكبتاغون وغيرها من المواد المخدّرة، بهدف إنهاء هذه الظاهرة التي استفحلت، قبل ان تتبدّل هوية القوى العسكرية السورية بعد تلك التي كانت ترعى عمل هذه المجموعات وتوفّر لها الحماية لقاء نسب عالية من أرباحها التي تعود إلى صناديق سوداء شبه شرعية إن صبّت في موازنات بعض الوحدات العسكرية النظامية، والتي كانت تقوم بنقلها عبر المرافئ اللبنانية إلى دول إفريقية وخليجية، وقد انتهى اكتشاف بعضها إلى فرض عقوبات اقتصادية على اللبنانيين منذ سنوات عدة أعقبت اكتشاف شبكات تهريب الليمون والرمان والشاي المخدر، وهو ما اكّده وزير الخارجية السورية الجديد اسعد الشيباني، أنّ سوريا لن تكون مصدر قلق لأي من الدول، وخصوصاً جيرانها ومنها إسرائيل.
وإلى هذه الظروف التي باتت تتحكّم بهذه العمليات على النقاط الحدودية المعتلمة منذ سنوات عدة وتوفّرت فيها الحماية الكافية لعبورها، فقد أظهرت السلطات السورية الجديدة تعاوناً غير مسبوق، بعدما تعدّدت المواجهات بين الجيش اللبناني والبعض منها على بعض هذه النقاط المتفلتة، والتي انتهت بقتل عدد كبير منهم - وقد تبين انّ من بينهم لبنانيون ايضاً ـ وخصوصاً على بعض معابر البقاع الشمالي وعلى الحدود الشمالية ـ الشرقية بين البلدين، إثر اعتراف السلطات السورية الجديدة بعدم انتمائهم إلى صفوفها وإن كانوا منها فقد دعت القوات الأمنية إلى مواجهتهم بما أوتيت من قوة، وإن قُتل البعض منهم فالذنب ذنبهم، ولن نتبنّى أياً منهم إن واظبوا على هذه الممارسات. وقد كانت هذه الأعمال الحربية دافعاً للقوات الجديدة التي تسلّمت الحدود من الجانب السوري إلى البدء بإقفال عدد من المعابر بكل الوسائل الضامنة، وخصوصاً تلك التي شهدت الاشتباكات الاخيرة، كما زرعت محيطها بالألغام للحؤول دون عبورها.
وفي موازاة هذه القراءة الأمنية للإجراءات التي بوشر بها، تعترف مراجع ديبلوماسية انّ هذه الخطوات مرتبطة بالتوجّهات السياسية التي بدأت السلطات السورية باعتمادها. فزيارات مسؤوليها الأمنيين وجهاز المخابرات إلى دول الخليج عززت هذه الاجواء، وزادت من حدّتها المفاوضات التي قادها مسؤولون أمنيون خليجيون واردنيون ولبنانيون في دمشق، التي انتهت إلى خطوات متشدّدة لمواجهة هذه المظاهر الخطيرة، بعدما تعدّدت التجارب الفاشلة، وخصوصاً على الحدود الاردنية، وقد بوشر باتخاذها بالتنسيق مع سلطات الدولتين وانتهت إلى تطويق كثير منها وآلت إلى مصادرة أطنان من المخدرات بعدما لجأت العصابات إلى استخدام طائرات «الدرون» للقيام بها من خلال فجوات أمنية سمحت بها قبل تكثيف التدابير التي أبطلتها.
وإلى هذه الخطوات، يبدو جلياً انّ هناك مبادرات ديبلوماسية وسياسية بدأت تواكبها لتحقيق انفراجات تؤدي إلى تخفيف العقوبات المفروضة على سوريا قبل سقوط النظام السابق. وانّ هناك ملامح انفراجات واسعة بدأ الحديث عنها قد تسهّل الربط الكهربائي على الشبكة العربية الخماسية التي كانت تضمّ بالإضافة إلى هذه الدول الثلاث اراضي السلطة الفلسطينية والعراق، لنقل الغاز المصري اليها عبر الشبكة الخماسية لتصريف الفائض من الطاقة الكهربائية الاردنية لسدّ جزء من النقص في البلدين على حدّ سواء، وقد قطعت مراحل واسعة بدءاً بالاردن الذي يعدّ خطواتها الأولى مع المسؤولين اللبنانيين والسوريين، وقد تنتهي الإجراءات في مواعيد قريبة.
وإن توسعت المراجع الديبلوماسية في قراءتها للتطورات المتسارعة، فهي رأت في ترتيب وقف النار في غزة بعد لبنان، خطوة إضافية مشجعة، تعطي الصورة الأولية للشرق الأوسط الجديد الذي يسعى إليه الرئيس الاميركي دونالد ترامب العائد إلى البيت الابيض، مع رصد التحركات التي ترفض الواقع الجديد. ولذلك فقد لمحت هذه المصادر إلى أهمية رصد ردّات الفعل الإيرانية والروسية على مثل هذه الخطوات، والتي ترجمتها القمة الثنائية في موسكو بين الرئيسين فلاديمير بوتين ونظيره الايراني مسعود بزشكيان، وما يمكن ان تنتهي اليه من تفاهمات بين الطرفين الأكثر تضرّراً مما جرى في سوريا. واليها، نصحت المراجع عينها بمراقبة بعض التحركات الرافضة للسلطة الجديدة، التي يعتقد البعض انّها انتهت منها في الداخل السوري بعد أحداث الساحل ومحيط دمشق ومناطق مختلفة في أرياف حمص وحماه وحلب، حيث تستمر التدابير المشدّدة للقبض على ما يسمّونه فلول النظام السابق.
ويبدو للمراقبين انّ مرحلة جديدة يتمّ التفاهم عليها بين لبنان وسوريا، ليس من قبيل ترتيب العلاقات بين الدولتين فحسب، إنما من باب الهندسة الجديدة للمنطقة التي ستضمّ لاحقاً العراق الذي يسعى إلى إنهاء أدوار المجموعات الإيرانية المسلحة على اراضيه وجمع أسلحتها لتكون بيد السلطات العراقية الشرعية، وهو ما سيشهده لبنان قريباً.
------------------------------
جريدة صيدونيانيوز.نت / اخبار لبنان / بشائر انفراجات لبنانية ـ سورية حدودية مشجعةّ؟
2025-01-18