الرئيسية / أخبار لبنان /تحقيقيات وتقارير /الرصاصة الوحيدة في مسدّس نواف سلام

جريدة صيدونيانيوز.نت / الرصاصة الوحيدة في مسدّس نواف سلام

 

Sidonianews.net

---------------------

الجمهورية / طوني عيسى

حتى الآن، يبدو الرئيس المكلّف متريّثاً. وحتى الآن، خابت التوقعات بولادة الحكومة قبل نهاية الأسبوع. وإذ يتردّد أنّ هناك تشكيلة يُخبّئها الرئيس نواف سلام في جيبه، وقد يكون على وشك إعلانها، ثمة من يخشى أن يكون الرجل في وضعية الإرباك، ويصارع لئلّا يصل إلى الحائط المسدود.

في السياسة، كما في الاقتصاد والمال وعلوم العسكر، ترتدي «الصدمة» أهمية كبرى. فالأسواق المالية يكفي إنقاذها بتصريح واحد متفائل أو حدث إيجابي أحياناً، والعكس صحيح لإغراقها. وهذه القاعدة تنطبق على المحاولة النادرة الجارية حالياً في لبنان، لإعادة بناء الدولة. فانتخاب الرئيس جوزاف عون وخطاب القسَم أحدثا صدمة إيجابية هائلة داخلياً وعربياً ودولياً، استُكملت بتسمية سلام لتشكيل الحكومة التي يُفترض أن ترسم الخطط لتنفيذ عناوين هذا الخطاب.

لكنّ البعض يخشى تلاشي مفاعيل الصدمة الإيجابية، إذا سلكت عملية التأليف أحد طريقَين:

1 - إذا طال انتظار الحكومة أياماً أو أسابيع أخرى، ما يؤدّي إلى ضياع تدريجي للزخم الداخلي والعربي والدولي الذي تلقّاه العهد. وكلما طال الانتظار ازدادت حدّة التلاشي، لأنّ عوامل جديدة قد تطرأ داخلياً وخارجياً، خصوصاً في ظل التحوّلات الكبرى الجارية في الشرق الأوسط، والتي قد تخلط الأوراق وتُبدّد ولو جزئياً ما تَحقّق في لبنان، وتُحبط الرهانات المعقودة على الحكومة والعهد. ولذلك، عامل الوقت مهمّ جداً للانطلاق.

2 - إذا استسلم سلام لشروط القوى السياسية الراغبة في استعادة نموذج الحكومات السابقة، فهذا يعني إسقاط طموحات العهد بالضربة القاضية قبل أن ينطلق. واليوم، يسوّق البعض نظرية القبول بـ»حكومة انتقالية» تدير الوضع إلى أن يتحقق التغيير في الانتخابات النيابية المنتظرة بعد 15 شهراً. لكن حكومة من هذا النوع ستسمح بتكريس سيطرة القوى النافذة وترتيب قانون للانتخابات يتكفّل بإعادة إنتاج نماذج الحكم القديمة، طوال ولاية المجلس النيابي المقبل، أي حتى العام 2030. وحينذاك، يكون العهد قد انتهى عملياً، وجلس ينتظر اليوم الأخير من ولايته.

واضح أنّ عقدة التأليف الأساسية التي يواجهها سلام هي رغبة «الثنائي الشيعي» في الاحتفاظ بوزارة المال. فاستجابته لهذا الطلب تعني حتماً أنّ كل القوى الأخرى من حلفاء «الثنائي» وخصومه ستطالب بأن تتوزّع الوزارات الأخرى. وحينذاك، ستولد الحكومة على شاكلة سابقاتها، ولو مموّهة بوجوه «تكنوقراط» و»غير مستفزة». وللتذكير، في تجارب عديدة سابقة، بقِيَت الوجوه الوزارية المصنّفة «تكنوقراط» موالية تماماً للقوى السياسية التي جاءت بها، ووفية لالتزاماتها تجاهها. أي إنّ ممارسة الوزراء «التكنوقراط» كانت «حزبية» عملياً، كممارسة الوجوه المصنّفة «حزبية صافية» أو «مستفزة».

والجديد المنتظر، وفق بعض العارفين، هو أنّ الأزمة ستدخل في تعقيدات إضافية في الأيام المقبلة، لأنّ قوى سياسية عدة، من حلفاء «الثنائي» وخصومه، ستبادر إلى رفع سقف شروطها أيضاً. وفي مقابل مطلب «الثنائي»، ستطالب هذه القوى بتمثيلها سياسياً في العديد من الوزارات المصنّفة سيادية أو خدماتية، ولو بطريقة غير مباشرة، ليأتي التمثيل السياسي متوازناً في الحكومة. ويخشى هؤلاء العارفون أن تؤدّي مناخات التصعيد الجديدة إلى جعل مهمّة سلام محفوفة بمخاطر جدّية.

في هذه المناخات، ثمة مَن بدأ يقترح على سلام، وبإصرار، أن يتجنّب الآتي الأسوأ، وأن يخرج سريعاً من المراوحة التي ستُبدّد الإيجابيات وتُكبّل العهد، وتُهدِر فرصة الدعم العربي والدولي، وتُبقي لبنان في «جهنّم» إلى موعد غير محدّد.

ويقول العارفون: إذا استجاب سلام لمطالب تمثيل «الثنائي» دون سواه، فستأتي الحكومة مختلة التوازن، وستكون موضع اعتراض القوى التي سمّته لرئاسة الحكومة، وهي تُشكّل الغالبية النيابية.

في المقابل، إذا التزم إشراك الجميع، فتركيبة الحكومة ستكون شبيهة بسابقاتها. ولذلك، ليس أمام سلام سوى «سيناريو» واحد يجب اعتماده لإنقاذ كل شيء، وهو أن يقصد سريعاً قصر بعبدا ويُسلّم الرئيس عون تشكيلته التي اقتنع بها «ضميرياً»، والتي يعتبرها متوازنة وعادلة وتمثل طموحات اللبنانيّين، فيتمّ إصدار المراسيم بتأليفها.

وللتذكير، في الدستور، جعل المشترع مشاورات التأليف غير ملزمة للرئيس المُكلّف. وللكتل النيابية أن تُعبّر عن موقفها في المجلس النيابي، فتمنح الحكومة وبيانها الوزاري ثقتها أو تحجبها. ولن يكون مبرّراً اعتراض أي طرف سياسي، «الثنائي» أو سواه، على حكومة من هذا النوع، ما دام سلام قد وحّد مبدأ التعاطي مع كل الأطراف، فساوى بينهم.

إنّها الرصاصة الأخيرة في مسدّس نواف سلام. فإذا تأخّر في استخدامها، فسيجد نفسه في الأيام المقبلة عاجزاً عن مواجهة الشروط والشروط المضادة.

ولذلك، يقول العارفون، «فليضرب الحديد وهو حامٍ»، فينقذ نفسه والعهد والدولة ولبنان، ولا يفوّت فرصة الدعم العربي والدولي التي قد لا تعود في المدى المنظور، ويندم عليها اللبنانيّون كثيراً، لأنّ الآتي سيكون أعظم.

------------------------

جريدة صيدونيانيوز.نت / اخبار لبنان / الرصاصة الوحيدة في مسدّس نواف سلام

 

2025-01-25

دلالات: