صيدونيانيوز.نت / أقلام ومقالات / حوار عابر للأزمان بين شعبان ورمضان
كان الليل ساكنًا إلا من نسائم الإيمان التي تتهادى بين الأزمنة، تتنقل بين القلوب المترقبة، تبحث عن تلك الأرواح المتلهفة للقاء الضيف الكريم، وفي زاوية من الزمن، حيث الأيام تتوارث العبر، التقى شعبان برمضان كما يلتقي النذير بالبشرى..
شعبان (بصوت يشوبه العتاب الرقيق): ها قد جئتُ مرة أخرى، أحمل لهم آخر فرص التأهيل، أفتح لهم أبواب التهيئة قبل أن تفتح لهم أبواب الرحمة واسعة، فهل تراهم قد وعوا درسي؟
رمضان (بوقار المتأمل): لقد جاء رجب سريعًا، مرَّ كأنه طيف في ليلة عابرة، ما إن ودّعوه حتى أقبلتَ عليهم، فكيف وجدتهم؟ هل بدؤوا يتخففون من أعباء دنياهم استعدادًا لحمل أمانة التوبة والإنابة؟
شعبان (بتنهيدة حزينة): بعضهم أدرك أنني الجسر إلى رحمتك، فأقبل عليّ صائمًا، تائبًا، متهيئًا، لكنه قليل. أما الأكثرية، فقد تركوا قلوبهم غارقة في مشاغلهم، ينتظرونك وكأنهم يملكون زمام الزمن، يظنون أن توبتهم ستأتي ساعة يشاؤون، ونسوا أنه {إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ}.
رمضان (بصوت يختلط فيه الحزن بالرجاء): كم ينسون أنني فرصة لا تتكرر، أنني أُهلُّ عليهم وقد كُتِب في صحائفهم عامٌ مضى، وأنني قد أكون لهم آخر رمضان يشهدونه! ألا يرون كيف تُطوى أعمار أحبّتهم من حولهم؟ ألا يسمعون أنين الأرض تحت ركام الظلم، أنين غزة وهي تتلو سورة الصبر، ودماء الشهداء تسقي بذور النصر القادم؟ أما آن لهم أن يدركوا أن التوبة لا تحتمل التأجيل؟
شعبان (بصوت متأثر): يا أخي، إن القلب ليعتصر ألمًا، حين أرى الأيدي تمتد لزينة الاحتفال بك، قبل أن تمتد إلى أبواب المساجد، حين تزيَّن البيوت استعدادًا لك، بينما تُترك القلوب دون تزكية! كيف يستبشرون بك وهم لا يفقهون حكمتك؟ كيف يفرحون بك جسدًا وينسونك روحًا؟
رمضان (بصوت العارف بسنن الحياة): لكن لا تيأس، فقد كان في كل زمان فئة قليلة باقية على العهد، {وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ}.. سيبقى هناك من يدخل عليّ بقلب متهيئ، بروح مشتاقة، بعين دامعة، وبيد تسابق الزمن في فعل الخيرات. ألم يقل ابن الجوزي: "إن للخلوة تأثيرًا في صفاء القلب، وإخلاصه، وإن للعبادة سرًّا في إزالة الران عن الفؤاد"؟ هؤلاء، يا شعبان، هم من يفهمون رسالتك، ويجعلون منك سلّمًا للعبور إليّ.
سأمضي وأترك لك هذه القلوب، فمن وعى درسي، فسيدخل عليك بنفس صافية، ومن غفل عني، فأسأل الله أن يدرك قيمتك قبل أن تُطوى صحيفته
– شعبان (بابتسامة رجاء): فهل لك أن تُذكرهم أني لست مجرد بوابة بين رجب ورمضان، بل أنا رحمةٌ لمن أراد أن يتهيأ للقاء الله؟ هل لك أن تفتح لهم باب الأمل، لعلهم يدركون أنهم قادرون على التغيير، على البدء من جديد، على أن يكون هذا العام نقطة تحول لا محطة عابرة؟
رمضان (رافعًا يديه بالدعاء): اللهم اجعلني موسمًا لمن أراد الفلاح، ورحمـة لمن التمس الغفران، ونقطة تحول لمن طلب القرب منك بصدق. اللهم اجعلني شفاءً لجراح الأمة، وصبرًا للثكالى، ونورًا في قلوب المنكسرين. اللهم بلّغ أهل غزة نصرًا قريبًا، وأهل الأرض رحمة واسعة، وأهل الإيمان فتوحات في قلوبهم لا تنطفئ.
– شعبان (مودعًا): سأمضي وأترك لك هذه القلوب، فمن وعى درسي، فسيدخل عليك بنفس صافية، ومن غفل عني، فأسأل الله أن يدرك قيمتك قبل أن تُطوى صحيفته.
وهكذا، بينما يتوارى شعبان عند مشارف الغروب، ويبدأ هلال رمضان بالبزوغ، تبقى الأبواب مفتوحة لمن شاء أن يلج إليها.
والسؤال الذي يبقى معلقًا في السماء، بين الأرض والقدر: من الذي سيستقبل رمضان بقلبٍ متهيئ وروحٍ مستعدة؟ ومن الذي سيجعله مجرد محطة أخرى، قبل أن يعود لسابق عهده؟ الجواب ليس في الكلمات، بل في الأعمال.
(محمد تهامي)
2025-02-05