Sidonianews.net
-----------------------
الجمهورية / جوني منير
أن يعود رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو مزهواً من زيارته للرئيس الأميركي دونالد ترامب وكأول زائر أجنبي، فهذا يدفع إلى التوجس والإعتقاد بأنّ العاصفة الرعدية التي لطالما لوّح بها في اتجاه الشرق الأوسط لم تعد بعيدة. وتبدو أولى بشائرها مع الطرح العجيب والهجين الذي طرحه ترامب على أهل غزة.
في المقابل، سعت إيران إلى إظهار صورة متماسكة في وجه العاصفة الأميركية المتوقعة. فمرشد الثورة السيد علي خامنئي أعلن موقفاً بدا متشدداً حين دعا الحكومة إلى عدم التفاوض مع واشنطن، ومعتبراً أنّ خطوة مماثلة ستكون متهورة، ومبرراً ذلك «بخبرة» في التعاطي مع الولايات المتحدة الأميركية، والتي لم تلتزم باتفاقات سابقة، وذلك في إشارة ضمنية إلى قرار ترامب بإلغاء العمل بالإتفاق النووي الذي كان تمّ توقيعه عام 2015. لكن وزير الخارجية الإيرانية عباس عراقجي أدلى بعد أيام معدودة بموقف مختلف، حين اعتبر أنّ بلاده مستعدة للتفاوض مع الإدارة الأميركية لكن ليس تحت وطأة سياسة «الضغوط القصوى» التي يلوّح بها ترامب. وتابع قوله بأنّه في هذه الحالة لن يكون الأمر مفاوضات، بل شكل من أشكال الإستسلام.
ومع موقف عراقجي يصبح الموقف الإيراني أكثر وضوحاً. ذلك أنّه بخلاف بعض الذين يتوهمون أنّ هنالك سياستين داخل أروقة السلطة في إيران، إلّا أنّ الحقيقة مغايرة. صحيح أنّ هنالك توجّهين كبيرين على المستويين الشعبي والإجتماعي، إلّا أنّ القرار داخل السلطة موحّد وممسوك بيد المرشد. فحسب الدستور الإيراني، فإنّ كلمة الفصل على مستوى السياسة الخارجية تبقى للمرشد وحده، والحكومة الإيرانية ملزمة بوضعها موضع التنفيذ. وبالتالي فمن الطبيعي أن تحصل نقاشات ومشاورات، لكن الكلمة النهائية هي لخامنئي.
واستطراداً، فإن كلام عراقجي يعتبر تفسيراً للسقف المرتفع الذي رسمه خامنئي. والمقصود هنا أنّ إيران تريد التفاوض لكن ليس تحت وطأة الضغوط القصوى.
وتكشف مصادر ديبلوماسية أميركية، أنّ التحضيرات بدأت لجولة مفاوضات ستكون وحيدة وحاسمة بين واشنطن وطهران. وإذ تكتمت هذه المصادر عن توقيت ومكان حصول هذه الجولة التفاوضية إلّا أنّها اكتفت بالقول إنّها ستحصل قريباً وخلال أسابيع معدودة. ووفق المصادر نفسها فإنّ هذه الجولة ستكون حاسمة ولن تخضع أبداً للمماطلة التي اشتهر بها الأسلوب التفاوضي الإيراني، وستشكّل المؤشر الواضح بالذهاب إما إلى تسوية سلمية أو إلى تصعيد حربي. والمقصود هنا بالطبع الملف النووي الإيراني. أما مسألة النفوذ الإيراني من اليمن وصولاً إلى لبنان وحتى غزة فإنّ المسألة غير قابلة للتفاوض، ودائماً وفق المصدر الديبلوماسي الأميركي في واشنطن.
ورفع السقف إلى الحدّ الأقصى من خلال كلام خامنئي يهدف فعلياً إلى التحضير المسبق للموقف الإيراني. ذلك أنّ طهران تراهن على أنّ إدارة ترامب ليست من دعاة الحروب، بل من دعاة الصفقات والترتيبات التجارية. كما أنّ طهران ترى أنّ واشنطن تعمل على تركيز استراتيجية إحتواء التمدّد الصيني، وخصوصاً تجاه الشرق الأوسط. ويصبح الهدف الأميركي هنا تطويع إيران وليس تدميرها. وهو ما يجعل احتمالات الحرب الأميركية على إيران متراجعة لمصلحة احتمال التفاوض تحت الضغط لالتقاط أفضل الإتفاقات. لذلك توحي إيران، وهي المشهود لها بتفاوضها الصعب، بأنّ رفع العقوبات عنها قد يدفع بها بعيداً عن الصين، ولكن من دون أن تقدّم تنازلات في سياستها وموقعها ونفوذها الإقليمي والنووي، وهنا تكمن العقدة. وكما العادة فإنّ إيران تراهن على الوقت وتسعى لتوظيفه لمصلحتها من خلال الرهان على أخطاء خصومها. ومثالاً على ذلك المشروع الذي طرحه ترامب لتهجير الفلسطينيين من غزة. وهذا المشروع أحدث عاصفة ليس فقط على المستويين العربي والأوروبي، بل أيضاً في الداخل الأميركي. ومن الطبيعي أن تسعى طهران إلى تعزيز موقعها من خلال إحداث شرخ بين واشنطن والعواصم العربية المعنية، ولو أنّ هنالك من يخشى أن يكون ما كُتب قد كُتب، خصوصاً أنّ النقاش الحاصل لا يتركّز حقيقة حول لاشرعية التهجير، بل حول «الإخراج» الواجب تبنّيه لتحقيق المشروع. وقد يكون هذا الإخراج باستئناف حرب الإبادة التي بدأتها إسرائيل ولا تزال مستمرة فيها، ووفق الموعد الذي حدّده ترامب، أي ظهر يوم السبت المقبل.
وقبل ذلك يجب الإعتراف بأنّ حركة «حماس» ارتكبت خطأ مميتاً. فصحيح أنّها قدّمت استعراضاً ناجحاً وملفتاً بعد فترة طويلة من حرب الإبادة التي مارستها إسرائيل، وهي خطوة كانت في حاجة إليها لاستعادة ثقة الشارع المنهك بها، لكنها في الوقت نفسه أعادت رفع مستوى الهواجس والمخاوف لدى الشارع الإسرائيلي، والذي كان باشر استدارته ضدّ الحرب. وبالتالي فإنّ هذا الشارع أستعاد حماسته للإستمرار في الحرب والقضاء على حركة «حماس» كلياً. وجاء شجب ترامب لحال الأسرى الإسرائيليين العائدين ليوحي أنّ الضوء الأخضر الأميركي قد أُعطي لاستئناف الحرب، خصوصاً أنّه قال إنّ غالبية من تبقّى من الأسرى قد قتلوا. ذلك أنّ ترامب والذي يحمل مشروع «تطوير» غزة عقارياً، لا بدّ من أنّه يفكر بكميات الغاز الهائلة الموجودة في البحر قبالة شاطئ غزة.
ومن هنا سعى خامنئي إلى تعزيز أوراقه الإقليمية على أبواب الجولة التفاوضية المتوقعة. فاستقبل نائب رئيس المكتب السياسي لحركة «حماس» خليل الحية على رأس وفد من «حماس». هو أراد أن يقول إنّ ورقة «حماس» لم تحترق بكاملها وإنّ طهران لا تزال تمسك بها.
وثمة ما هو ملفت على المستوى السوري، وحيث أوردت صحيفة تركية (تركي جازيستي) أنّ اجتماعاً سرّياً عُقد في النجف في حضور قيادات من الحرس الثوري الإيراني وضباط من النظام السوري السابق إضافة الى السفير الإيراني السابق في دمشق، بهدف التخطيط لانقلاب عسكري يستهدف أحمد الشرع وحكومته.
أما في لبنان، وعلى رغم من الظروف الصعبة التي يمرّ فيها «حزب الله» إلّا أنّه سعى قدر المستطاع لعدم استثمار نتائج الحرب والتبدّلات الكبرى في سوريا داخل تركيبة السلطة اللبنانية. لكنه فشل على مستوى الإنتخابات الرئاسية ومن ثم مع تسمية رئيس الحكومة. لكن وعلى رغم من شدّ الحبال الكبير الذي واكب عملية تأليف الحكومة فهو نجح في وضع حدّ لتراجعه. وجاءت التركيبة الحكومية وفق قاعدة «لا يموت الديب ولا يفنى الغنم».
والذين هم على تماس مع الإدارة الأميركية لمسوا أنّ واشنطن لم تكن راضية كلياً عن تركيبة حكومة نواف سلام. وقيل إنّ رسائل بهذا الشأن تمّ إيصالها إلى المعنيين ووفق مآخذ ثلاثة. ولا تتحدث هنا الأوساط الديبلوماسية عن أسماء الوزراء بل عن تركيبتها وتوازناتها الداخلية. وتقول هذه الأوساط إنّ مسؤولين حكوميين لبنانيين نقلوا تعهدات من «الثنائي الشيعي» بعدم تعطيل عمل الحكومة لاحقاً. وعلّقت هذه الأوساط بالقول: «سنرى ذلك لاحقاً».
والكلام الأميركي يؤشر هنا إلى أنّ هنالك قرارات ما ستجد الحكومة نفسها ملزمة باتخاذها لاحقاً وتشكّل حساسية كبيرة لدى «حزب الله» تحديداً. وربما من هذه الزاوية عمد الرئيس الأميركي إلى استبدال سفيرته في بيروت لاعتقاده ربما بأنّها إدارية وتحمل نهجاً يتوافق مع سياسة إدارة بايدن. وتقول المعلومات إنّ الرأي استقرّ على سفير سيتمّ إيفاده إلى بيروت، وإنّ هويته ستُظهر مدى إهتمام إدارة ترامب بلبنان. وإذ تتكتم الأوساط المطلعة عن اسم السفير المقبل (وهو غير معروف لبنانياً) فإنّها تنفي في الوقت نفسه ما تمّ ترويجه من أنّه لبناني ويدعى أنطوان بريدي.
وفي المقابل، وانسجاماً مع سياسة الحدّ من التراجع وعدم خسارة مواقع داخل تركيبة السلطة، عمد «حزب الله» الى إبراز بعض عضلاته، مرّة في وجه خصومه داخل لبنان ومرّة ثانية لإعادة تحفيز شارعه. ومن هنا كانت الإندفاعة في اتجاه القرى والبلدات المحتلة في الجنوب، والتي أدّت إلى سقوط شهداء عزّل، ولهذا معناه بلا شك. وكذلك أرسل «موتوسيكلاته» ليقول إنّ قدرته على الشغب لا تزال كما هي، وذلك رغم شجب الرئيس نبيه بري والشيخ نعيم قاسم العلني لهذا الامر، إلّا أنّ الجميع قرأ الرسالة بخلفياتها.
لكن التبدلات التي حصلت تبقى مرهقة على كاهل «حزب الله». فإضافة إلى الموضوعين الإجتماعي والحياتي وبالتالي كارثة إعادة الإعمار، إلّا أنّ ثمة معادلات أكبر ارتسمت وهي آخذة في الترسخ.
وخلافاً لكل الوعود فإنّ إسرائيل ستراوغ لعدم تحقيق إنسحابها الكامل في 18 الجاري، أو على الأقل من النقاط الخمس. وهي تتحدث عن ليونة لبنانية رسمية مع مواقع خفية لـ«حزب الله» لا تزال قائمة جنوب الليطاني. صحيح أنّ الحكومة الإسرائيلية حدّدت الأول من آذار موعداً لإعادة سكان المستوطنات وهي متمسكة به، ما جعل البعض يأمل في حصول الإنسحاب الإسرائيلي، إلّا أنّ هذه العودة الإسرائيلية قابلة للحصول بالتدرج، ما سيجعل الإنسحاب الإسرائيلي من النقاط الخمس مؤجّلاً بدوره.
أما العامل الثاني والذي بدأ يأخذ أبعاده الخطيرة، فيتعلق بالإشتباكات عند الحدود اللبنانية ـ السورية في جوار القصير. وسعت الدوائر الديبلوماسية لتبيان الخلفية الحقيقية لما هو حاصل. والانطباع الغالب السائد هو أنّ هذه الإشتباكات ستتجدد. ولم تستبعد الأوساط وجود بصمات إسرائيلية، والهدف إشعال الجبهة أكثر والإمعان في إنهاك بيئة «حزب الله»، وصولاً الى فتح ملف ترسيم الحدود بين لبنان وسوريا، وإحكام الرقابة على هذه الحدود من خلال أبراج المراقبة المتطورة والتي كان «حزب الله» قد أوحى بمعارضته الشديدة لها سابقاً. ولكن ثمة وقتاً مطلوباً لإنهاك بيئة «حزب الله» أكثر بغية إنضاج الظروف.
لكن كل هذه التعقيدات ستجد طريقها إلى الحل بسلاسة، شرط أن تكون المفاوضات بين إدارة ترامب وطهران قد تمّت، وأن تكون التسوية قد اتضحت.
----------------------------
جريدة صيدونيانيوز.نت / اخبار لبنان / حماوة حدودية شرقاً وجنوباً
2025-02-13