Sidonianews.net
--------------------
الجمهورية / جوني منير
لم تتأخّر المواجهة الأولى بين التركيبة الجديدة للسلطة في لبنان، والتي تحظى بغطاء ورعاية إئتلاف عربي (السعودية) ودولي (الولايات المتحدة الأميركية)، و»حزب الله»، والذي يُعتبر القاعدة الصلبة للنفوذ الإيراني في المنطقة ولعب دور القائد الفعلي والعملاني لمحور المقاومة. وهي مواجهة بطعم اختبار مبكر لحقيقة موازين القوى للمراحل المقبلة، والتي يتمّ تركيزها على أنقاض المعادلة السابقة بعد أن سادت لعقود.
هي مواجهة تولاها على طريق المطار «حزب الله» من خلال شارعه والسلطة من خلال الجيش اللبناني، فيما القوى التي تقف في خلفية المشهد كانت تراقب الرسائل المتطايرة والنتائج التي رست، والمقصود هنا واشنطن من جهة وطهران من جهة أخرى. وإذا كان هنالك من قرأ في كتاب العام 1983 وسعى لاستعادة المشهد حين تمّت «فرملة» إنطلاقة عهد الرئيس الأسبق أمين الجميل والتوازنات التي نتجت من الإجتياح الإسرائيلي في العام 1982 من خلال المواجهة التي حصلت على طريق المطار، فإنّه بلا دون شك يكون قد ارتكب خطأ فادحاً. فالظروف والتوازنات الإقليمية والدولية اختلفت جذرياً، وتكفي الإشارة الى «الأوتستراد» البري الذي كان مفتوحاً على غاربه من خلال سوريا مع لبنان، والذي أصبح يجسّد واقعاً آخر، إضافة إلى زوال الإتحاد السوفياتي، والذي كان يؤمّن الغطاء الدولي الصلب لمواجهة الحضور العسكري الأميركي المباشر في لبنان وحلّ مكانه الدور الروسي الذي يعاني من الحرب المفتوحة في أوكرانيا، وفي الوقت نفسه يجهد للحدّ من خسارته في سوريا وسعيه للمحافظة قدر الإمكان على قاعدته البحرية في طرطوس والجوية في حميميم من خلال تفاهمات بالحدّ الأدنى مع إدارة معادية في سوريا. وبالتالي شتان ما بين ظروف عامي 1983 و2025 ومعطياتهما.
وبعيداً من التبريرات التي أُعطيت لقرار منع الطائرة الإيرانية من أن تحطّ في مطار رفيق الحريري الدولي، إلّا أنّ معناه السياسي يأتي ليستكمل واقع قطع التواصل البري الإستثنائي الذي كان قائماً بين طهران والضاحية الجنوبية، والذي كرّس في المراحل السابقة «الرعاية» الإيرانية المميزة للساحة اللبنانية. والمقصود هنا نزع آخر إمكانية للسعي لتأمين تمويل موازنة مالية للتركيبتين العسكرية والأمنية لـ«حزب الله». ذلك أنّ حجم الموازنة السياسية شيء وحجم الموازنة العسكرية هي أكبر بما لا يُقاس. وجاء استهداف سيارات «اليونيفيل» ليعطي أبعاداً إضافية للرسائل التي تطايرت من على طريق المطار. صحيح أنّ «حزب الله» أعلن رفضه لما حصل، لكن الإنطباع الذي ساد بأنّ قدرة الحزب على التحكّم بشارعه إلى درجة إرساله مجموعاته الشعبية وبشكل أعزل إلى القرى الجنوبية في ظل الإحتلال الإسرائيلي وسقوط شهداء، تخالف السردية التي تبنّاها بأنّه عاجز عن التحكّم بحركة شارعه.
وفي المقابل، كانت السلطة اللبنانية أمام اختبار حاسم. فلو لزمت الصمت خصوصاً بعد استهداف «اليونيفيل» لكانت أعلنت سقوطها المبكر، ولكان «حزب الله» قد نجح في أولى خطوات عودته إلى وضع ما قبل العام 2024. وهو ما يعني «دفن» الإلتزام الذي حمله رئيس الجمهورية في خطاب القَسَم لناحية «إحتكار الدولة اللبنانية للسلاح»، وخطة الحكومة لمعالجة ملف السلاح خارج المؤسسات الشرعية لاحقاً. ومن هنا رأى البعض أنّ خلفية «انتفاضة» طريق المطار كانت أقرب إلى ان تكون خطوة اختبار مبكر للتعاطي لاحقاً مع الملفات الحساسة، إضافة إلى رسالة إيرانية بأنّ التطورات والتبدلات اللبنانية والإقليمية الهائلة لن تغيّر شيئاً على مستوى المعادلة اللبنانية الداخلية. ومعه يصح طرح السؤال الأساس، هل ما حصل يشكّل أولى خطوات القطيعة بين «حزب الله» والسلطة اللبنانية الطرية العود؟
في السابق وعلى مدى عقود درجت العادة على أن تبقى السلطة السياسية مشلولة وعاجزة عن فرض نفسها. أما اليوم فأعطت الأوامر للجيش للتدخّل بحزم والذي قام بإطلاق القنابل المسيلة للدموع.
ويبدو أنّ «حزب الله» الذي وجد نفسه وحيداً في الساحة وواجه حتى إنتقادات «حليفه» في الثنائي، شعر بوطأة تبدّل الظروف والمعطيات، وهو ما جعله يحجم عن أي قرار سلبي على مستوى مشاركته في الحكومة. لا بل إنّ إيران نفسها سارعت إلى القبول بنتائج المواجهة. فبعدما رفضت في البداية التفاوض لاعتماد نقل اللبنانيين عبر طائرات شركة «الميدل إيست»، عادت وأبدت إنفتاحها على حلول تسووية من خلال مفاوضات مع وزير الخارجية اللبناني.
فالخطوة الإحتجاجية على طريق المطار، والتي بدأت على مدى يومين «مجهولة» المرجعية قبل أن يضطر «حزب الله» الى تبنّيها رسمياً في اليوم الثالث، إفتقدت إلى الحجة القوية ضدّ الجيش. فالجيش اللبناني نفسه يعمل على إنجاز ترتيبات ميدانية في الجنوب يمكن وصفها بالمرنة لمصلحة المقاومة في الجنوب. وهو تولّى مواجهة الشكاوى الإسرائيلية عبر لجنة المراقبة الدولية وأيضاً واشنطن. وكذلك سيتولّى هذا الجيش مهمّة تأمين الترتيبات الأمنية بكافة أنواعها في تشييع السيدين حسن نصرالله وهاشم صفي الدين. واستطراداً، كيف يمكن رميه بالشبهات والإتهامات؟.
وإذا عملنا على توسيع دائرة «البيكار» سنجد واقعاً إقليمياً يفترض حصول قراءة أكثر واقعية ومرونة، كان يمتاز بها السيد حسن نصرالله.
فوزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو وصل إلى اسرائيل مدشناً جولته الأولى إلى المنطقة بالتزامن مع وصول شحنة القنابل الثقيلة الى إسرائيل بأمر من الرئيس الأميركي دونالد ترامب والتي بلغت زهاء 1800 قنبلة، قيل إنّ مجموعها يوازي مفعول 5 قنابل ذرية من العيار الذي تمّ إسقاطه على مدينة هيروشيما اليابانية نهاية الحرب العالمية الثانية. وجولة روبيو تُعتبر إستكمالاً لزيارة رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو لواشنطن. والأهم ما يتردّد عن محطة ثانية لروبيو والوفد المرافق له في السعودية، حيث سيلتقي بمسؤولين روس كبار. وصحيح أنّ الإجتماع سيتركّز على السبل الموضوعة لإنهاء حرب أوكرانيا، إلّا أنّ تركيبة الوفد الأميركي تحمل أسئلة إضافية. فالوفد يضمّ مستشار الأمن القومي مايك والتز وهذا مفهوم. لكن وجود المبعوث الخاص للشرق الأوسط ستيف ويتكوف يدفع لطرح أسئلة عدة.
ففي أوكرانيا يجهد الرئيس الأوكراني زيلينسكي لكسب ودّ ترامب من خلال استمالته عبر إغرائه بالموارد الطبيعية والمعادن النادرة الموجودة في أوكرانيا. ذلك أنّه يعلم أنّ وقت التسوية حان، وهو ما يجعله يستميت لتحسين ظروفه، حيث تميل كفة التسوية لمصلحة روسيا. وهنا يصبح التساؤل عن سبب ضمّ الوفد الأميركي برئاسة روبيو للمسؤول عن ملف الشرق الأوسط. ففي العادة يكون تبادل «الخدمات» والأثمان قاعدة قائمة في منطق «صفقات» الدول الكبرى.
وإذا أضفنا إلى ذلك هنا المعلومة التي خصّنا بها مصدر في الحلقة القريبة من الرئيس الأميركي حول بدء التحضيرات العملية للجولة التفاوضية بين واشنطن وطهران، والتي يريدها البيت الأبيض جولة واحدة ووحيدة وحاسمة، والتي ستحصل خلال أسابيع معدودة، فيصبح للاجتماع الأميركي ـ الروسي في السعودية معانيه اللافتة. ذلك أنّه وفق المصدر الأميركي نفسه فإنّ الملف الأساسي للتفاوض مع طهران سيكون الملف النووي، وبالتالي إما التفاهم الديبلوماسي أو الذهاب إلى الصدام. وهنا يأتي تفسير شحنة القنابل الأميركية الضخمة لإسرائيل. وما يهمنا أنّ إدارة ترامب لن تُدخل بند النفوذ الإيراني في المفاوضات، وبالتالي في منطق التبادل في إطار صفقة شاملة. فإدارة ترامب تعتبر أنّ إيران خسرت نفوذها الإقليمي وتالياً لا داعي للمقايضة على أوراق احترقت. وهنا يمكن إدراج المواجهة التي حصلت على طريق المطار بين تمسك إيران بإبراز تأثيرها وحضورها، وبين تمسك واشنطن بأنّ ورقة طهران اللبنانية احترقت ولم تعد مؤثرة على الشاطئ الشرقي للبحر المتوسط.
وثمة ملاحظة إضافية لا بدّ من أخذها في الحسبان. ففي الدوحة عُقد على مدى يومين منتدى حواري نظمته قناة «الجزيرة» وشاركت فيه شخصيات إعلامية وأكاديمية عربية وأجنبية (إيرانية وتركية) وسياسية (حركة «حماس»). ولكن اللافت أنّ الحضور كان يتفاعل سلباً لدى التطرّق إلى الدور الإيراني حتى في أوساط التيارات الإسلامية. فحتى عند الدعوة إلى تجاوز «الأخطاء الكبيرة التي ارتكبتها إيران في المرحلة الماضية» بقيت الأصوات المعترضة تتردّد في القاعة.
في الخلاصة، لا بدّ من النظر بواقعية إلى التبدّلات الهائلة التي لفحت المنطقة بكاملها، وبناء الحسابات السياسية وفقها. وقد يكون وصف أحد المشاركين السوريين في المنتدى هو الأكثر تعبيراً: «كان هنالك خط نفوذ أفقي يمتد من إيران إلى العراق فسوريا ولبنان، وحل مكانه خط نفوذ عمودي يبدأ من تركيا ويمر بسوريا وصولاً إلى الخليج العربي». ما يعني أنّ الخريطة السياسية اختلفت جذرياً.
-----------------------------
جريدة صيدونيانيوز.نت / اخبار لبنان / خطأ الحسابات على طريق المطار
2025-02-17