Sidonianews.net
----------------------
الجمهورية / طوني عيسى
لم تعد هناك حاجة إلى التحليل حول ما يريده الإسرائيليون في لبنان. فقد أعلنها نتنياهو صراحة: «تَركْنا للحكومة اللبنانية أن تنزع سلاح «حزب الله». وإذا لم تفعل، فنحن سنتولّى الأمر بأنفسنا». ويرتدي هذا الموقف أهمية خاصة، لأنّ نتنياهو قاله مباشرة بعد اجتماعه ووزير خارجية واشنطن ماركو روبيو، وفي اللحظة التي رفعت فيها إدارة ترامب مستوى الضغط: لا مساعدات للبنان بعد اليوم، بناءً على وعود. التطبيق أولاً.
لم يوقف الإسرائيليون عملياتهم في لبنان منذ إعلان وقف النار في 27 تشرين الثاني: غارات جنوب الليطاني وشماله حتى البقاع، اغتيالات، تدمير أبنية وبنى تحتية، خروق سيبرانية، رصد متواصل وخرق للأجواء حتى العاصمة، والتمدّد عسكرياً في عدد من المناطق. وفوق كل ذلك، إعلان البقاء في تلال هي الأكثر ارتفاعاً في المنطقة الحدودية والجليل.
يقول الإسرائيليون إنّ عدد التلال هو 5، ولكن من الصعب تقدير العدد بالمفهوم العسكري (5 أو 7 أو 10)، لأنّ الوصول إلى كل تلة يقتضي الاحتفاظ بالمناطق المجاورة الأقل ارتفاعاً، وتأمين هوامش أمنية لها. وهذا يعني سيطرة إسرائيل على تلك المنطقة بكاملها، وليس فقط على «التلال». ولا معلومات تشير إلى أنّ الأميركيين رضخوا لإرادة إسرائيل في البقاء، لكن التصعيد النوعي لضرباتها في اليومين الأخيرين، في حضور روبيو، وتأجيل مورغان أورتاغوس زيارتها للبنان، يوحيان بمباركة أميركية أو بغضّ نظر على الأقل.
يدرك المطلعون أنّ ما يريده نتنياهو وشركاؤه، في المرحلة المقبلة، هو تكريس المنطقة العازلة على امتداد الخط الأزرق، حيث تمّ تدمير القرى والبنى التحتية بكاملها تقريباً، وفي شكل متعمّد. وما استمرار عمليات النسف في تلك المناطق إلاّ سبيلاً لإنجاز هذه المهمّة.
ولكن، هل سيوافق الأميركيون على ما تخطط له إسرائيل؟
في الواقع، هم جدّياً يريدون خروجها تماماً من لبنان، لكنهم أيضاً يشاركونها العمل لإنهاء أي نفوذ أمني أو عسكري أو سياسي لـ»حزب الله». وهذه هي الورقة التي تستخدمها إسرائيل لتحريض الأميركيين على «الحزب» والحصول على تغطية لما تفعله. أي إنّ واشنطن ستمنح إسرائيل تغطيتها لضرب «حزب الله» في أي مكان، وعندما تشاء، ما دامت تقدّم إلى لجنة المراقبة شكاوى بأنّه يمارس الأنشطة العسكرية.
الأميركيون يفضّلون منح الحكومة اللبنانية فرصة لإزالة نفوذ «الحزب». وهذا ما قصده نتنياهو في موقفه بعد لقاء روبيو. ولكن، إذا تبين أنّ «الحزب» ينسف جهود الحكومة، كما قد يظهر في أحداث طريق المطار، فإنّ واشنطن يمكن أن تمنح إسرائيل تغطية للتحرك، ما يعني استئناف الحرب. ولا أحد يضمن متى يقرّر الإسرائيليون توسيع ضرباتهم المكثفة خارج المنطقة العازلة، ما داموا يملكون التفوق العسكري المطلق والضوء الأخضر الأميركي. لكن الأخطر هو احتمال استغلال إسرائيل لوضع لبنان، كما غزة، لتحقيق طموحات توسعية تاريخية يعرفها الجميع.
يوماً بعد يوم، يتبين أنّ «الحزب» لم يدرك تماماً ما سيترتب عليه، بموافقته على اتفاق وقف النار. أو هو كان يدركه، لكن الاتفاق كان خياره الوحيد لإقفال الجحيم الإسرائيلي المفتوح، والذي لم يعد قادراً هو وبيئته على تحمّل خسائره، بالأرواح والممتلكات.
ويقول قريبون من «الحزب» إنّه وافق على الاتفاق، مراهناً على التملّص منه في التطبيق، فيصبح كالقرار 1701 الذي نص أيضاً على نزع السلاح والانسحاب إلى شمال الليطاني، لكن «الحزب» أحبط مساعي الأميركيين والإسرائيليين لتحقيق هذين الهدفين طوال 18 عاماً. وعلى العكس، في ظل الاتفاق، وسَّع «الحزب» نفوذه في لبنان حتى امتلك غالبية القرار المركزي.
لكن «الحزب» أخطأ في الرهان على «التملص» كما أخطأ في الرهان على أنّ إسرائيل لن تجرؤ على توسيع الحرب. ففي الحالين، هو لم يأخذ في الاعتبار الانقلابات التي وقعت وما زالت تقع، وأدّت إلى تبدّل المعطيات الإقليمية والدولية:
1- تدمير إسرائيل لقطاع غزة، وهزيمة «حماس»، وبدء البحث في تنفيذ مشروع التهجير التاريخي، بمشاركة أميركية.
2- زوال نظام الأسد، ومعه دور طهران ونفوذ موسكو في سوريا.
3- إضعاف قدرات «حزب الله» وفقدانه القرار داخل السلطة، وامتلاك إسرائيل للمبادرة العسكرية بالكامل واحتلالها أجزاء من الجنوب.
4- إعلان حكومة اليمين واليمين المتطرف الإسرائيلية بدء تنفيذ مشروعها للتوسع الجغرافي من جهات عدة، بدعم علني من ترامب وإدارته.
5- محاصرة إيران وتهديد نظامها وقدراته النووية والاستراتيجية، بعد قطع أذرعها الإقليمية.
6- وجود دونالد ترامب في البيت الأبيض يمنح إسرائيل تغطية استثنائية تدوم 4 سنوات على الأقل.
ويمكن القول إنّ غالبية هذه المتغيّرات، أو الانقلابات، هي من النوع الذي تستحيل فيه العودة إلى الوراء. ولذلك، لن يكون رهان «الحزب» على التملص وتعطيل الضغوط الإسرائيلية والأميركية في محله كما كان في العام 2006. مع التذكير بأنّ السلطة التي كانت قائمة في لبنان حينذاك، والتي ارتكز إليها، كانت قوية وتدير بلداً متماسكاً مالياً واقتصادياً. وأما اليوم فـ»الحزب» هو خصم للسلطة، والبلد مصاب بانهيار مريع ويحتاج إلى الدعم المباشر من أعداء «الحزب»، أي الولايات المتحدة وحلفائها الغربيين والعرب.
ولذلك، السيناريو الذي يتصوره الإسرائيليون في الجنوب، ولبنان عموماً، لن يكون مريحاً إلّا في حال واحدة وهي تسليم «حزب الله» كل مقدراته، ومن دون أي تحفظ، إلى الدولة اللبنانية. ففي هذه الحال، تزول تماماً ذرائع إسرائيل، وتكون واشنطن مجبرة على إخراجها بكاملها من لبنان ومنعها من القيام بأي عمل عسكري. لكن «الحزب» سيرفض هذا الطرح بالتأكيد. فهو يهدّد كل يوم بأنّه سيواجه أي محاولة إسرائيلية للبقاء في لبنان. ولذلك، ليس مستبعداً أن يكون البلد عائداً إلى السيناريوهات الخطرة، أي الحرب.
-----------------------
جريدة صيدونيانيوز.نت / اخبار لبنان / مَن سيمنع عودة الحرب؟
2025-02-18