Sidonianews.net
----------------------
الجمهورية / جوني منير
قد يكون صحيحاً أنّ البيانات الوزارية للحكومات السابقة والتي على أساسها (أو هكذا يفترض) نالت الثقة، رُمِيَت سريعاً في الأدراج، وبالتالي، نسيان ما تضمّنته في اليوم التالي لبدء مشوارها الرسمي. لكن ما لا يمكن نكرانه أنّ البيان الوزاري يعكس بطريقة أو بأخرى المعادلة السياسية داخل السلطة. ومن هنا أهمية ما تضمّنه البيان الوزاري لحكومة نواف سلام.
تعتبر إسرائيل ومعها إدارة ترامب أنّ الوقت بات ملائماً جداً لحسم الملف مع إيران بسبب التطوّرات الدولية وإضعاف حلفاء طهران في المنطقة وبالتالي، فإنّ إسقاط البيان الوزاري لما كان يُشكّل مسلّمات بالنسبة إلى «حزب الله» إنما يعكس توازن القوى الجديد داخل تركيبة السلطة، ويشكّل البداية الرسمية للحقبة السياسية الجديدة التي دخل إليها لبنان على أنقاض الحقبة الماضية. فغابت عن الصياغة الجديدة ما دأبت البيانات السابقة على تكراره حول ثلاثية المقاومة. لا بل ذهبت الصياغة أبعد من ذلك، مع الحديث عن أنّ الدولة هي من تملك قرار الحرب والسلم، وحقها في ممارسة سلطتها الكاملة على كل الأراضي اللبنانية.
وبهذا، يأتي البيان الوزاري ليُكمل المسار الذي كان بدأ منذ انتخاب العماد جوزاف عون رئيساً للجمهورية، ومن ثم تسمية نواف سلام لرئاسة الحكومة، ووصولاً إلى التشكيلة الحكومية التي افتقدت إلى «الثلث المعطّل»، والذي واكب التشكيلات الحكومية منذ اتفاق الدوحة عام 2008، على رغم من تدوير بعض الزوايا الأخرى للتشكيلة الحكومية. وإذا كان البعض قرأ في أحداث «الشغب» على طريق المطار سعياً مبكراً لجَسّ نبض السلطة الفتية، وبالتالي محاولة وقف الإندفاعة القائمة، إلّا أنّ النتيجة جاءت معاكسة، ولتعطي المسار الجديد زخماً إضافياً.
والسبب هنا لا يتعلق فقط بالنتائج التي آلت إليها الحرب في لبنان، بل بالمتغيّرات الكبرى في المنطقة، والتي طاولت النفوذ الإيراني في المعادلة الإقليمية العريضة. لا بل إنّ هذه الإندفاعة في وجه إيران مستمرة، ما استوجب على المستوى اللبناني فك آخر حبال الترابط بين طهران والضاحية الجنوبية لبيروت، والمقصود هنا شركات الطيران الإيرانية، بعدما تمّ قطع الرابط الأقوى، أي الرابط البرّي بزوال نظام الأسد في سوريا. وبالتالي، فإنّ المشروع الإقليمي الذي أخذ جرعة نشاط إضافية مع وصول دونالد ترامب إلى البيت الأبيض، يستمر في اندفاعته وصولاً إلى ترتيب المعادلة الإقليمية الجديدة وإدخال إيران فيها إمّا عن طريق المفاوضات أو من خلال توجيه ضربة عسكرية بات يتحدّث عنها الإعلام الأميركي بكثرة.
إعرف أكثر
فمن الواضح أنّ تفاهماً تاماً حصل حيال إيران وبات جاهزاً للتنفيذ بين إدارة دونالد ترامب ورئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو. ولكن ساعة الصفر تنتظر مسألتَين أساسيتَين: الأولى، وتتعلق باستكمال التحضيرات الحاصلة في الكواليس لجلسة تفاوض وحيدة وصعبة بين واشنطن وطهران وتتركّز فقط على الملف النووي، ومن دون التطرّق إلى النفوذ الإيراني في المنطقة كون إدارة ترامب تعتبر أنّه بات خارج البحث بعد تبدّل الواقع الميداني نتيجة التطوّرات التي حصلت.
والثاني، إنتهاء التفاهمات الجارية بين واشنطن وموسكو حول ملفات كثيرة، بدءاً من إقفال ملف الحرب في أوكرانيا. وهو ما سيعني فقدان إيران لسند كانت تتكلّ عليه ولو بنسبة معيّنة، ما سيضعها في موقف أصعب، خصوصاً إذا ترافق ذلك مع سياسة الضغوط القصوى والتي وقّعها ترامب من دون أن يباشر في تطبيقها.
وفي الكواليس الديبلوماسية همسات حول دور موسكو في الضغط على بشار الأسد ودفعه إلى الرحيل وتسليم دمشق مقابل ضمانات عدة، وذلك بعد نجاح المجموعات المعارضة له بالوصول إلى حمص. وفي حال صحّت هذه الهمسات فإنّ ذلك يؤشر إلى الترتيبات العريضة بين واشنطن وموسكو، والتي يُصبح فيها الشرق الأوسط ساحة لتبادل «الخدمات».
إعرف أكثر
ومنذ أيام معدودة أنهت واشنطن وموسكو جولة مفاوضات في السعودية وصفت بالممتازة. وعدا هذه الأجواء الوردية بين العاصمتَين، فإنّ لمكان حصولها إشارات بالغة. فالسعودية وعلى رغم من «الصلحة» التي أجرتها مع إيران في الصين، إلّا أنّ عداءها للنفوذ الإيراني في المنطقة ما زال ظاهراً. وهي تطرح نفسها كوريث جاهز للإرث الإيراني بدءاً من لبنان وعلى الساحة الفلسطينية وأيضاً في سوريا، حيث تبدي استعدادها لأخذ دور في المساحة الجديدة.
وفي نهاية الشهر الماضي، رفعت الوكالة الدولية للطاقة الذرية صوتها محذّرة من نفاد الوقت أمام التوصل لاتفاق مع إيران يكبح جماح برنامجها النووي، والذي وصفته بأنّه يشهد تسارعاً في تخصيب اليورانيوم بدرجة نقاء تقترب من المستوى اللازم لصنع الأسلحة النووية. ووضعت الوكالة حاجزاً زمنياً عندما اعتبرت أنّ الشهر المقبل يُشكّل محطة زمنية حاسمة «وبالتالي لا ينبغي إهدار مزيد من الوقت».
وفي الوقت نفسه، نقلت صحيفتا «وول ستريت جورنال» و«واشنطن بوست» تقييمات دوائر الإستخبارات الأميركية، والتي تشير إلى أنّ إسرائيل قد تشنّ هجوماً إستباقياً على المنشآت النووية الإيرانية خلال الأشهر المقبلة. والرسالة الأميركية واضحة بأنّ التحضيرات العسكرية تمّ استكمالها بالتفاهم بين واشنطن وتل أبيب، وأنّ الوقت لا يسمح بإطالة المفاوضات لإنجاز التسوية المطلوبة. وجاء كلام مستشار الأمن القومي مايكل والترز في السياق نفسه عندما قال إنّ ترامب جاد جداً في شأن منع إيران من حيازة أسلحة نووية، وأنّ كل الخيارات مطروحة على الطاولة. والأهم في كلامه كان في الخاتمة عندما وصف طهران بأنّها لاعب «غير عقلاني». وقد يكون وصف والترز هذا رداً على كلام مرشد الثورة علي خامنئي الذي نقل عنه التلفزيون الإيراني قوله خلال استقباله وفداً إيرانياً، إنّ قدرات إيران على التصدّي لهذه التهديدات في مستوى عال، «ونحن لسنا قلقين».
لكنّ كلام خامنئي العالي السقف رافقته مواقف أكثر مرونة من الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان ووزير خارجيته عباس عراقجي.
ولا شك في أنّ إيران التي تُحضّر جيداً لجلسة مفاوضاتها مع فريق ترامب تعمل على اللعب على الفجوات الحاصلة بين أوروبا والولايات المتحدة الأميركية والسعي إلى الإستفادة منها وتوظيفها في إطار مواجهتها مع واشنطن. صحيح أنّ التقارب والتفاهم بين واشنطن وموسكو يُزعج طهران، لكنّه في الوقت نفسه يُقلق أوروبا قاطبة. فالأسئلة ترتفع أكثر فأكثر خلف الأبواب المغلقة وفي الكواليس الديبلوماسية الأوروبية حول تبدّلات خطيرة آخذة في التكوّن على مستوى التحالف الإستراتيجي التاريخي بين أوروبا والولايات المتحدة الأميركية في ظل ولاية دونالد ترامب، والذي يبدو وكأنّه أكثر ميلاً لاستبدال العلاقة مع أوروبا بعلاقة أكثر تناغماً مع القيصر الروسي فلاديمير بوتين. وثمة عناوين عدة للتباعد الأوروبي - الأميركي بدءاً من طريقة حل أزمة الحرب في أوكرانيا، ومروراً بالتهديد برفع الرسوم على المنتجات الأوروبية، وثم موضوع ضمّ جزيرة غرينلاند، وأيضاً الغزل القائم مع الأحزاب اليمينية المتطرّفة والآخذة بالتصاعد والتي باتت تهدّد بقلب الأنظمة السياسية القائمة في أوروبا.
وأخيراً وليس آخراً ملف الحلف الأطلسي ورفع مستوى الشكوك إزاء الإلتزام الأميركي بالدفاع عن أمن القارة في حال تعرّضها إلى أي تهديدات عسكرية. واستطراداً فمن البديهي أن تسعى إيران للعب على التناقضات الآخذة في الإتساع بين الولايات المتحدة وأوروبا، خصوصاً أنّ مجموعة الدول الخمس الدائمة العضوية في مجلس الأمن، زائد واحد هو ألمانيا، هي التي تتولّى المفاوضات مع إيران حول برنامجها النووي، أي أنّ نصف أعضائها من القارة الأوروبية. لكنّ الواقع أنّ القلق الأوروبي من نيات ترامب لم يتخطَّ بعد مستويات محظورة، كما أنّ أوروبا نفسها تقف على طرفَي نقيض مع النفوذ الإيراني في الشرق الأوسط والذي لامس الشاطئ الشرقي للبحر المتوسط أو ما يعتبر حدود أوروبا. كما أنّه في وقت ليس ببعيد وجّه السيد حسن نصرالله تهديداً مباشراً لقبرص والقاعدة البريطانية فيها. وهذا ما يجعل باب المناورة الإيرانية من خلال أوروبا محدوداً.
ومن هنا تعتبر إسرائيل ومعها إدارة ترامب، أنّ الوقت بات ملائماً جداً لحسم الملف مع إيران بسبب التطوّرات الدولية، وخصوصاً بسبب إضعاف حلفاء إيران في المنطقة، بالإضافة إلى استهداف أنظمة الدفاع الجوي الإيراني. أضف إلى ذلك ما كان البيت الأبيض قد كشفه حيال نية ترامب تنفيذ حملة تهدف إلى خفض صادرات النفط الإيرانية إلى حدود الصفر. وهو ما سيُهدّد الإستقرار الداخلي لإيران بسبب الأوضاع الإقتصادية الصعبة القائمة أصلاً.ووفق ما سبق يمكن فهم معنى قطع خط التواصل الإيراني الجوي المباشر بين طهران وبيروت وردّ الفعل عليه، والأهم التراجع عن المواجهة بعد إصرار السلطة اللبنانية على الإمساك بالأرض. وهذه الحسابات قد تفّسر أيضاً موقف رئيس مجلس النواب نبيه بري المتميّز عن موقف «حزب الله».
لا شك في أنّ إيران ستسعى لتوجيه رسائل أخرى تعبّر عن استمرار قوة حضورها على الساحة اللبنانية. وإحدى هذه الرسائل ستكون من خلال تشييع السيدَين حسن نصرالله وهاشم صفي الدين، إذ يسعى «حزب الله» أيضاً لإبراز قوّته الشعبية وحضوره الخارجي كردّ على السعي لتثبيت معادلة الحقبة الجديدة. وبلغ التجييش ذروته خصوصاً مع النجاح في إظهار أنّ الطائفة الشيعية برمّتها هي المستهدفة، في وقتٍ لم تنجح فيه الحكومة اللبنانية في الدفاع إعلامياً عن خطواتها، وتبديد الهواجس المطروحة.
وأياً تكن الرسائل التي سيتمّ توجيهها من مدينة كميل شمعون الرياضية يوم الأحد المقبل، إلّا أنّ الأهم هي تلك الحركة الناشطة في الكواليس الديبلوماسية تحضيراً لتسوية مع طهران وهو الأكثر ترجيحاً، أو لاستعادة حماوة إقليمية لا تبدو الظروف ولا الحسابات الدولية مؤاتية لها.
----------------------------
جريدة صيدونيانيوز.نت / اخبار لبنان / حسابات الحقبة اللبنانية الجديدة
2025-02-20